الكمبيوتر التعليمي ونظريات التعلم – (ج1)

ترجمة منتقاه من الفصل الخامس عشر من كتاب :

Education for an Information Age
Teaching in the Computerized Classroom

7th Edition
by
Bernard John Poole, MSIS, PGCE
University of Pittsburgh at Johnstown, Johnstown, PA, USA
and
Elizabeth Sky-McIlvain, MLS
Least Tern, Georgetown, ME, USA

with
John Evans, MS
Boise State University, Boise, ID

and
Yvonne Singer, MS
Middlesex County College, Edison, NJ, USA

Dr. M. Gawdat د. مصطفى جودت

Dr. M. Gawdat
د. مصطفى جودت

ترجمة وتحرير : د. مصطفى جودت صالح

رابط الجزء الثاني

يعود التعليم باستخدام الكمبيوتر بنتائج مثمرة، شريطة تخطيطه وتضمينه ومراقبة فاعليته بصورة جيدة وإعطاؤه الفرصة المناسبة مثل أي منهجية أخرى . ويمكن ضمان الفرصة المناسبة فقط إذا قامت عملية التدريس والتعلم المبني على الكمبيوتر على سبع ركائز للنجاح سيتطرق لها المقال الحالي.

هناك أسئلة تفرض نفسها مفادها ” كيف يمكن تطبيق نظريات التعلم التقليدية تطبيقاً أمثل؟

ما هي الأخطاء التي قام بها المعلمون عند استخدامهم لتكنولوجيا الكمبيوتر؟

ما المساعدة التي يمكن تقديمها للمعلمين الذين يستخدمون الكمبيوترات لأول مرة داخل حجرات الدراسة؟

ما مستقبل المدارس إذا استمر تضمين التعليم المبني على الكمبيوتر بهذه السرعة الحالية؟

Alan Turing ألن تورنج هو رياضياتي إنجليزي يعد مؤسس علم الحاسوب الحديث. نشر في عام 1936 حلقة بحث “on computable numbers” التي تخيل فيها نموذج جدير بالملاحظة، يدعى هذا الجهاز الآن آلة تورنغ والذي يتألف من شرائط تخزين غير محدودة ورأس قراءة- كتابة يتم التحكم به عن طريق مجموعة محدودة من القواعد التي تستند إلى الحالة الداخلية الحالية للتحكم والقيمة لخلية الشريط الحالية وتأتي أهمية هذا النموذج في بساطته مقارنة بجهاز الحاسوب المعقد وبالرغم من ذلك فهو قادر على تنفيذ كل خوارزمية قابلة للتنفيذ بواسطة أي حاسوب متطور لذلك يمكن معرفة فيماإذا كانت عملية معينة قابلة للتنفيذ بواسطة الحاسوب أم لا عن طريق فحصها بواسطة آلة تورينغ وهذا ما يعرف باسم قابلية الحساب.

 

الكمبيوترات والعملية التعليمية

الكمبيوتر هو آلة ذات هدف عام، ويمكن استرجاع ما قاله ألن تيرنج عندما شرح نظرية ” الآلة العالمية ” مع تطبيق الذكاء البشري، حيث أنه أكد على أن الكمبيوتر أصبح أداةً مفيدة لأداء العديد من المهام المختلفة ذات الصلة بالتدريس، مثال ذلك مهام الكتابة والعمليات الحسابية ومراقبة الحضور ومحاكاة التجارب العلمية والظروف الاجتماعية وتمكين المعاقين من الانخراط في التعليم العام دون أدنى اختلاف.

 

لقد تميز التربويون بسرعةً تخيل الطرائق، التي يمكن من خلالها برمجة الكمبيوتر لدعم عملية التعلم. ولقد كان هذا صحيحاً في بداية عام 1960م، عندما كانت الكمبيوترات أجهزة عملاقة باهظة التكلفة لا يملكها إلا الحكومة والمؤسسات العملاقة. ومن الجدير بالذكر أن عدداً محدوداً من المعلمين الشجعان، أقاموا روابط مع هذه المؤسسات والطلاب الرواد في المدينة؛ لتخويلهم فرصة تنمية مهارات حل المشكلات عن طريق كتابة البرامج.

تعلم بيل جايتس وبول ألن، اللذان أسسا مؤسسة ميكروسوفت، البرمجة في البداية كمراهقين في عام 1970م على DEC PDP-10 في جامعة واشنطن.

 

منذ ذلك اليوم أصبحت الكمبيوترات أدوات بحث هامة، لاسيما للعلماء والمهندسين. وفي نهاية عام 1960م استخدم الباحثون الكمبيوترات في جميع مجالات التعلم، عندما كان بمقدور نظم إدارة البيانات تخزين واستعادة قدراً هائلاً من البيانات النصية بسهولة ( Date, 1986 ). وتعتبر الإصدارات الحديثة من نظم إدارة قواعد البيانات، محركات يمكنها تشغيل الوسائل المتعددة ونظم الكمبيوتر للتعلم عن بعد.

 

بيل جايتس واقف بجانب بول ألن في بداية حياتهما

بيل جايتس واقف بجانب بول ألن في بداية حياتهما

وبناءاً عليه استخدام الكمبيوتر في المدارس ليس بالشيء الجديد. والسؤال هنا هو هل استخدام الكمبيوتر قائم على أسس تدريسية صحيحة؟ وقبل أن نجيب على ذلك السؤال، سيفيدنا أن نراجع الأفكار المختلفة الخاصة بالتعلم والنمو المعرفي الذي يرشد المعلمين عند عزمهم على صياغة منهجيات؛ لمساعدة الطلاب في اكتساب المعرفة. ورغم ذلك يجب أن تقوم القرارات الخاصة بكيفية وتوقيت استخدام الكمبيوترات في تحسين جودة تعليم الطفل، على معرفة وخبرات المعلمين المسئولين عن الإعداد والحفاظ على البيئة التي يقع فيها ذلك التعلم.

 

 

نظريات التعلم

لقد كانت مسألة كيفية تعلم الأطفال موضع جدل شديد إضافة إلى أنه من الطبيعي أنها تمثل موضوعاً هاماً للدراسة بالنسبة للمعلمين. ولا شك في أنه ليس هناك طريقة مثلى لتمكين حدوث التعلم يمكن تطبيقها في جميع المواقف مع جميع الطلاب ( Bigge,1982 ) . ولهذا السبب، يتوقع قيام الطلاب المعلمين الذين تم إعدادهم إعداداً جيداً للتدريس في حجرة الدراسة بدراسة وتجريب وتطبيق( على الأقل في المعمل مثال ذلك تجارب المحاكاة التي يتضمنها المقرر الدراسي أو الخبرات الميدانية وتدريس الطلاب )، مجموعة كبيرة من نظريات التعلم.

 

نظريات التعلم الخمس الكبرى

النمو المعرفي

هناك زخم كبير من الأبحاث والدراسات، التي تساعدنا على تقييم الموقف الأكاديمي لطلابنا من حيث النمو المعرفي المبني على المتغيرات المرتبطة بأعمارهم ونضوجهم العقلي.

 

( Piaget , 1954, 1971 )

لاحظ بياجيه ( Piaget , 1954, 1971 ) أن جميع الطلاب تتقدم بصورة مطردة نحو النضج العقلي بداية من المرحلة الأولية للمهارات الحسحركية ( من الميلاد حتى 18 شهراً / عامين ) ومروراً بالمرحلة التي تسبق مرحلة العمليات المحسوسة أو المرحلة الرمزية ( من سن 18 شهراً على سن 7/8 أعوام ) ومرحلة العمليات الحسية ( التي تبدأ من سن 7 أعوام حتى سن 12 عاماً ) وانتهاءً بالمرحلة التي يكون خلالها الطفل قادراً على العمليات الرسمية ( بدايةً من سن 12 عاماً حتى سن 15 عاماً).

 

رغم اعتراف بيرنر ( Burner ,1966 ) بأعمال بياجيه، إلا أنه قام بتنقيح أكثر لمراحل النمو المعرفي البشري، مشيراً إلى التقدم في الطرائق التي يستخدمها الأطفال في تمثيل خبراتهم الحياتية. ويمتد هذا التقدم من نمط التنشيطي ( حيث تكون الأحداث شيئاً ثانوياً بالنسبة للفهم ) ووصولاً بالنمط الأيقوني ( حيث تستخدم الصور في تمثيل الخبرات ) وانتهاءً بالنمط الرمزي ( حيث تزيد اللغة بصورة المختلفة من الفهم المعرفي ومن التعبير عن الواقع ).

 

يعتبر الهدف من دراسة النظرية التربوية، هو مساعدة المعلم ليصبح على دراية بالأبحاث التي تم إجراؤها مثال ذلك هذه الدراسة التي هي قيد المناقشة؛ بهدف إثراء تطبيقهم للمنهجيات التدريسية على نظم التعلم المبني على الكمبيوتر التي تم تصميمها بصورة جيدة؛ ومن ثم سيكون لدى الطلاب أفضل خبرات التعلم.

 

البنائية

تتعامل البنائية مع المتعلم ، كشخص لديه استعداداً كبيراً لتكوين فهماً واستيعاباً فردياً للخبرات. علاوة على أن المتعلم يقوده الفضول عن العالم الذي يتسع باتساع هذه الخبرات، للبحث عن إجابات للأسئلة كالتالي عرضها ” ما هذا ؟ ماذا سيحدث إذا قمت بذلك ؟ من هذا ؟ وألخ.

يتضمن إيجاد إجابات لهذا الوابل المستمر من الأسئلة التي يكون أساسها الفضول وحب الاستكشاف، قيام المتعلم بابتكار حلولاً عقليةً أو جسديةً فعالةً أو صحيحةً، وهذا لا يمنع أن تكون هذه الحلول حلولاً مثمرة. ويؤكد بيركنز ( Perkins, 1991 ) على ذلك من خلال ملاحظته للتالي ” يعتبر مفهوم الكائن الحي ككائن نشط، شيئاً رئيساً في رؤية البنائية – أي ليس فقط الاستجابة للمثيرات كما هو الحال عليه في المعيار السلوكي بل الانخراط والمحاولة والسعي نحو فهم الأمور.

يجترر بيركنز فلسفة جان بياجيه الذي يرى المعرفة العلمية، كمعرفة لا تنبثق فقط من الإحساس أو من الإدراك بل من العمل إجمالاً…….. . ويلاحظ بياجيه أن سمة الذكاء لا تتمثل في التأمل بل في التغيير علاوة على أن آليته إجرائية في الأساس…… فنحن نعرف الشيء فقط عندما نستخدمه ونغيره….

 

سيحاول المعلمون المتميزون، سواء كانوا بنائيين أو غير ذلك – شريطة تخويلهم البيئة التي يمكنهم خلالها إطلاق العنان للطفل ليروي ظمأه المعرفي – التركيز على مطالب الأطفال من خلال تقديم مثيرات وتغذية راجعة مناسبة. ولا يتمثل هدف المعلم في هذا المسعى التعاوني، في ممارسته للتدريس بقدر رغبته في قيادة الأطفال، وهذا قائم على اعتقاد مترسخ في ذهنه مفاده عدم ترك الطفل كي لا يتعثر في اكتشاف المعرفة. ويوجد المعلمون وأقران الطلاب في منطقة تسمى بمنطقة النمو الطرفي؛ حيث يزيد الإرشاد والتعاون من النمو الطبيعي والمستقل للطفل. ومع ذلك يكون الطفل طفلاً استثنائياً إذا تسنى له بدون أدنى مساعدة اكتشاف المهارات المطلوبة للمساهمة بفاعلية في عالم اليوم المليء بزخم كبير من المعلومات.

 

لسوء الحظ، لا تتوافر لجٌل المعلمين البيئة التي يمكنهم خلالها إطلاق العنان للطفل ليروي ظمأه المعرفي. ولا مراء في أن الطبقات الاجتماعية كبيرة جداً لدرجه أنه يصعب اتساعها لتدريس فردي كبير. ولهذا السبب لم تلقي نظرية البنائية إضافة إلى الكثير من نظريات التعلم الأخرى القوية، مثال ذلك تلك النظريات التي كان يدافع عنها ديوي ومنتيسوري وبياجيه وبيرنر، أكثر من مجرد الثناء اللفظي الغير مشفوع بالتطبيق في أنظمة التعليم الحكومية أو في أغلبية أنظمة التعليم الخاصة.

 

على الرغم من ذلك، نسب المعلمين إلى الطلاب آخذه في الانخفاض، إضافةً إلى أن التكنولوجيا غدت متطورة جداً لدرجة تكفي قيامها بالكثير والكثير من وظائف تعلم الطلاب الفردي الموجه. وتقدم هذه العملية الثورية وعوداً قاطعة بالقيادة نحو بيئة تعلم يمكن للمعلمين خلالها الإدارة والتوجيه والتحفيز والتنسيق، بل ونحو بيئة يمكن للطلاب خلالها سواء كانوا فرادى أو جماعات اكتشاف المعرفة في سياق البيئة المونتسوريه المعدة للحجرات الصفية المستقبلية الغنية بالتكنولوجيا.

هذا يحدث بالفعل في عدد كبير من المدارس في جميع أنحاء العالم.

 

التعليم الفردي ، خطوات على الطريق ….

يعتمد إلى حد ما مدى قدرة الأفراد على استغلال إمكانياتهم كبشر؛ على التوقعات الثقافية. ويروي تاريخ التعليم قصةً مؤسفة للكثير من الأنظمة التي عملت وفق فرضية تقول أن مجموعات محددة من الأفراد كان لديهم قدرات أكاديمية أقل من الآخرين. ولقد كان من الممكن ترسيخ هذا الاتجاه؛ لأن نظم التعليم نفسها قائمة على تعريفات اعتباطية لماهية القدرة الأكاديمية ليس لها أي أساس .

 

هذا شيء إلى حد ما يمكن تفسيره وتوضيحه رغم عدم إمكانية تبريره. فلقد تجلى في القسم السابق أن العملية التعليمية لها تأكيداً برجماتياً، بمعنى أنها تقيس النجاح من حيث مدى الاستفادة من الخريج في حياة الراشدين. ولكن التعريف المناسب والعادل بصورة أكبر للقدرة الأكاديمية يبدأ بفرضية مفادها أن أي فرد يتمتع بقدرة أكاديمية، بغض النظر عما إذا كانت تلك القدرة ستعود بعائد كبير أو لا . وتتمثل مسئولية المدرسة في تحديد في أي المجالات يكون ذلك صحيحاً بالنسبة لكل طالب. ولقد أكد أحد المعلمين على ذلك قائلاً” السؤال هناك ليس ما مدى ذكاء الطفل ولكن السؤال هو كيف يكون الطالب ذكياً؟
يقاس مدى نجاح أو إخفاق المدرسة كنظام معلوماتي مستمر طوال الحياة ، بمدى مساعدتها للطلاب الأفراد في استغلال إمكانياتهم كبشر. ولقد لاحظ جاليليوا ” إنك لا تستطيع تعليم أي فرد أي شيء، بل يمكنك فقط مساعدته في العثور على ذلك بداخله.” وقد ننظر إلى الأرقام كمقياس للأداء؛ لأننا لا نملك طريقة مناسبة أكثر للحكم على النجاح. لذا نرتب المدارس والأفراد بناءاً على معايير عددية. ولكن في النهاية، يمكن قياس النجاح الحقيقي فقط من حيث رضا الفرد الذاتي عن نفسه.

 

لذا يجب أن تستمر العملية التعليمية في الإضافة إلى مفهومها الخاص ما هي المقومات التي تكون الطالب الناجح؛ لأنه لا يجب توقع تأثر خريجان بالأحداث التي تقع في المدرسة بنفس الصورة .

 

لا شك في أن كل فرد يساهم مساهمة فريدة وثمينة في الناتج. وتتمثل مهمة العملية التعليمية في تنمية التفوق الفريد بداخل كل واحد منا، عن طريق تقدم المساعدة للطلاب والآباء والإداريين والمجتمع المحلي. وتميل المنهجيات التقليدية التي تم تصميمها لتناسب تدريس شريحة كبيرة من الأفراد، نحو تجاهل الاحتياجات الفردية. ويؤكد هذا العمل بصورة أساسية على أن هناك احتمالية كبيرة لدعم التعليم المتفرد في حجرات الدراسة، حيث يتم تخويل المعلمين القائمين بتدريس طلابها، الفرصة لتصميم والحفاظ على بيئات التعلم المتضمنة للكمبيوتر والغنية بالموارد.

 

ومن ثم يمكن أن يكون التعليم هو المفتاح الذي يفتح الأبواب إلى التعلم البنًاء المتفرد والمتمركز حول الطالب. وهيا نلقي نظرة عميقة على ذلك، ثم نسلط الضوء بعد ذلك على بعض التحذيرات الخاصة باستخدام الكمبيوترات في حجرة الدراسة.

 

متى يجب استخدام الكمبيوتر في حجرة الدراسة

لا شك في أن العقل البشري معقد للغاية. ولقد أشار تافت إلى هذا التعقيد عندما قام بوصف مهارات معالجة المعلومات للعقل البشري على النحو التالي تفصيله:

نحن نزدهر وننمو في العوالم الغنية بالمعلومات؛ بسبب قدراتنا الرائعة واليومية لاختيار وتحرير وفرز وتنظيم وتسليط الضوء على وجمع وإقران ودمج وتوافق وتركيب وتركيز وترتيب وتقليل وتلخيص وانتقاء وتصنيف وفهرسة وتنقيح واستخلاص ومسح والتدقيق في والمعالجة المثالية لـ وفصل وتمييز وتصفية وتنقية وتضمين وفحص والتمهيد لـ والتقسيم على نحو متساوي وتحمل وتصفح ومراقبة وتكتيل وجمع وتخطيط وتلخيص وتبويب ومراجعة والانخراط في وإلقاء نظرة سريعة على وعمل قوائم وإيجاز وأخيراً القدرة على فصل الغث عن السمين.

لن يكن من العقل توقع نمو الأطفال فكرياً في خضم بيئة بسيطة تتسم بمحدودية خبرات التعلم . وهذا شيئاً يمكن أن يستوعبه المعلم الجيد عن طريق الحدس. ولكن المعلم الجيد يمكن أيضاً أن يستوعب عن طريق الحدس، أن التعلم الفعال يتطلب نظاماً وتركيزاً بل وفترات من الهدوء والسلام والإحساس بالنظام.

 

لسوء الحظ، غالباً يسهُل استخدام الكمبيوتر كأداة مساعدة وليس كأداة للتعلم الفعال. وفي الوقت الحالي تهدف الكثير من تطبيقات الكمبيوترات في المدارس بصورة أساسية إلى شغل الأطفال لفترة من الوقت، بغض النظر عن نواتج التعلم. وفي ضوء هذا سيكون مفيداً القيام بمعرفة كيف ومتى يجب أو لا يجب استخدام الكمبيوتر في عملية التدريس والتعلم.

 

على الرغم من إمكانية استخدام الكمبيوتر، إلا أنه يمثل أداةً مناسبة للاستخدام في التدريس والتعلم. وما سيلي تفصيله مراجعة لعينة بسيطة لمثل هذه المواقف:

 

التعلم المبني على الكمبيوتر يمكن المعلم من إعداد موقف التعلم بما يتناسب مع احتياجات الطالب الفرد

يدرك تيركل ( Turkle, 1984 ) قيمة الكمبيوتر – الذي يطلق عليه الذات الثانية – في الكثير من مواقف التعلم، حيث تتطلب شخصية وعمر وأسلوب تعلم الطفل أسلوباً متفرداً. وهذا بالطبع يجعل المعلم يضطلع بمسئولية تشخيص احتياجات كل طفل من المعلومات وأسلوب التعلم، ثم تحديد فرص التعلم المناسبة.

 

رغم عدم الاستحالة إلا أنه من الصعب جعل التدريس المتفرد حقيقة ملموسة في حجرة دراسة تقليدية، تتميز بكثرة عدد الطلاب و بمحدودية المواد التعليمية..ومع ذلك فإن إمكانية وصول المعلمين والطلاب إلى مجموعة عريضة من البرامج التعليمية في حجرة الدراسة التي تم إضفاء الطابع الكمبيوتري عليها ، خولهم القدرة على اختيار مواقف التعلم المبنية على الكمبيوتر الفعالة،

 

ليس هناك بديلاً لذلك. ولقد أكد ذلك ما لاحظه جان جاك روسو في تصديره لروايته Emile المنشورة في عام 1762م، على النحو التالي” بدايةً لابد أن تدرس طلابك ، لأنه من المؤكد أنك لا تعرفهم”. وعلى الرغم من صحة المقولة التي تؤكد على أن الأطفال سينكبون على العمل باجتهاد، حال انشغال عقولهم، إلا أنه ليس صحيحاً اختيارهم دوماً الأنشطة التي ستعزز تعليمهم دون أدنى مساعدة. ولذا فهم في حاجة إلى مساعدة المعلم.

 

يناسب التعلم المبني على الكمبيوتر رغبة الطلاب في التحكم في التعلم الخاص بهم

لاحظ بياجيه في عام 1926م أن تفكير الأطفال على الأقل حتى سبع سنوات سيتمركز حولهم بصورة أساسية، وسينطبق الأمر كذلك على استخدامهم للغة. ويشير بياجيه أن وظائف اللغة معقدة، ومن المجدي محاولة خفض هذه الوظائف لتصبح وظيفة واحدة وهي توصيل الأفكار……. وفي الغالب يتحدث الأطفال مع أنفسهم تقريباً حتى عمر سبع سنوات . وتتمثل عاقبة ذلك في الفكرة التي عبر عنها بياجيه على أن النحو التالي ” ببساطة وجود الجمهور هناك هو مجرد مثير”، مع تأكيده على أهمية التعلم المبني على الكمبيوتر المبرمج جيداً .

ماريا منتسوري

ماريا منتسوري

تعتمد أيضاً المنهجيات المستخدمة في مدارس د.ماريا مونتسوري ( التي كانت قائمة في عام 1962م ) على فلسفة التعليم التي تدرك تفضيل الأطفال للسيطرة على التعلم الخاص بهم. ويتعين علينا فقط إلقاء الضوء على بعض من الاكتشافات العديدة التي قامت بها والخاصة بنماذج تعلم الأطفال الذين قد عملت معهم.

بينما تقوم بدراسة اكتشافات مونتسوري التالي تفصيلها، تأمل في كيفية تقبلها واستخدامها في بيئة معدة للتعلم المبني على الكمبيوتر المناسب. وقد تندهش من بعض هذه الاكتشافات إذا لم تكن معلماً محنكاً. وإذا كانت هذه الاكتشافات لا تتوافق مع خبراتك ، سواء كنت طالباً أو معلماً تحت التدريب ، يجب أن لا يقع الشك في قلبك وحاول أن يتسع عقلك إلى كل ما هو جديد أثناء قراءتك المستمرة . وتأكد من أن هذه الاكتشافات يتم إعادة اكتشافها يومياً ليس فقط في حجرات الدراسة التي تم تصميمها وفق أفكار مونتسوري، بل في حجرات الدراسة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم. ويتمثل هدف العملية التعليمية في جعل هذه الاكتشافات شيئاً مألوفاً ومعروفاً.latest-best-top-new-cool-PC-computer-gadgets-wiz-kid

يتمتع الأطفال بتركيز عقلي مذهل عندما يكون اهتمامهم تلقائياً بأي شيء

في هذا الصدد تتضح أهمية البيئة المعدة والتي تم تصميمها لجذب اهتمام الطفل بصورة طبيعية وتحفيز رغبته للتعلم. وسيتم تعزيز هذا الاهتمام والرغبة في التعلم، في حجرة الدراسة التي يتعرض الأطفال خلالها لمجموعة عريضة من نظم التعلم المبني على الكمبيوتر، بالإضافة إلى أدوات التعلم التقليدية الأخرى.

 

يروق للأطفال تكرار المادة عندما تكون هذه المادة بالفعل معروفة لديهم

تصف د.ماريا مونتسوري ذلك بالحاجة النفسية العميقة أثناء السنوات الأولى لتعلم الطفل. ويمكن أن يكون الكمبيوتر المبرمج جيداً، أداةً عالية القيمة لمثل هذا النشاط الإجتراري؛ لأنه يختلف عن المعلمين في عدم شعوره قط بالسأم والضجر. ويتعين على المعلم فقط مشاهدة الأطفال أثناء ممارستهم لألعاب الفيديو؛ حتى يمكن أن يعرف مدى سهولة وشمولية تحفيز الأطفال، عن طريق استخدام أنشطة كمبيوترية. وعندما يكون لمثل هذه الأنشطة قيمة مضافة متمثلة في قدرتها على بناء الأطفال على الصعيد التعليمي، سيكون منطقياً استغلال قدرات الكمبيوتر التحفيزية.

 

M6635_d_1يحب الأطفال حرية الاختيار عندما يكون الأمر متعلقاً بالأنشطة

هذا هو سبب بذل مونتسوري جهداً عظيماً لفهم وتعريف البيئة المعدة لطلابها، اعتماداً على مرحلة النمو التي قد وصلوا إليها. ولقد تم إعداد حجرة الدراسة بمعينات تعلم تم تركيبها بحرص ( تسمى مواد تعليمية ) مختلفة . ولقد تم إطلاق العنان للأطفال؛ لتحديد ما يرغبون عمله، ومن الجدير بالذكر بالنسبة لهذه المسألة يمكنهم تقرير عدم قيامهم بأي شيء على الإطلاق. ولا شك في أن مونتسوري أدركت أن الفرد حر عندما يكون لديه خيارات، وإلا لن يكون لدى الفرد أي خيار ، لذا وصفت مجموعة عريضة من مواد التعلم المحفزة لطلابها في حجرات الدراسة التي تقوم على تدريسها.

يفضل الأطفال العمل عن اللعب

الفارق بين العمل واللعب هو فارق مصطنع. فالثقافات إلى حد كبير حددت ما يعتبر لعباً وما يعتبر عملاً. وعلى سبيل المثال تشيرتشل راق لها عمل جدران من الآجر كنوع من الاسترخاء. وإذا خلقنا وحافظنا على بيئة تعلم يمكن للأطفال أن يتمتعوا خلالها بما يفعلونه – تتضمن هذه البيئة خيار يقضي بإمكانية عدم قيامهم بأي شيء – من المحتمل أنهم سيشغلون أنفسهم بالأنشطة المفيدة. ويؤكد أحد المعلمين على ذلك من خلال ملاحظته للتالي” الأطفال الذين يمرحون سيعملون بجد”. وحتى أفلاطون الذي دافع عن النظام العقلي كأساس للتعلم ( Bigge, 1982 ) ، كان له تعليقاً هو أن التعليم المبكر يجب أن يكون ضرباً من التسلية؛ لأنه بعد ذلك سيكون لديك قدرة أفضل على البحث عن الميول الطبيعية.

 

من الطبيعي إذا تم اعتبار العمل نوعاً من اللعب، سيتم إيثاره على الأنشطة التي تتضح أنها أقل متعة. ويعرف المعلمون الذين سنحت لهم الفرصة للعمل مع مجموعات صغيرة التي لا تزيد أعدادها عن عشرة طلاب، كيف من السهل جداً الحفاظ على بيئة تعلم رائعة ومرنة و موجهة نحو الطفل. وتتمثل إحدى المشاكل في معظم حجرات الدراسة، في أن نسبة المعلمين إلى الطلاب لا تزال مرتفعة، ومن ثم سيكون مستحيلاً توفير بيئة يمكن للأطفال خلالها فعل ما يروق لهم. لذا يُخلدً المعلمون المنهجية التي تعتمد إلى حد كبير على مبدأ التنظيم الصارم، والتي ظلوا أنفسهم يستخدمونها خلال أعوام التعليم المدرسة.

Model-Computer-Education

يحب الطلاب الهدوء

عندما نحاول مجرد التفكير، عادةً ما نجد أن الضوضاء تشتت تركيزنا. وسيكون الأطفال أول من سيقدر فرصة العمل دون وجود أدنى إزعاج. وهذا هو السبب في تأكيد المعلمين بصورة كبيرة على النظام داخل حجرة الدراسة، وهذا لا يعنى تشديد الخناق على النشاط العقلي، ولكن المحاولة للحفاظ على بيئة يمكن أن يزدهر وينمو خلالها النشاط العقلي. وعلى الرغم من احتياج حجرات الدراسة التي يمكن للطلاب خلالها الوصول إلى نظم التعلم المبنية على الكمبيوتر إلى مراقبة من الكبار، إلا إنها في الغالب لا تحتاج إلى مثل هذه المراقبة ؛ لأن الأطفال يكونون بالفعل مشغولين.

 

يبدأ الأطفال في الكتابة بمجرد تعلم حروف الأبجدية والأصوات التي تمثلها هذه الحروف

لا يحتاج الأطفال إلى تعلم الكتابة. ويبدو أن برنامج الكتابة من أجل تعلم القراءة الذين قام بتصميمه د. جون هنري والذي كانت ترعاه مؤسسة IBM ، يتعارض مع هذه المنهجية. ولكن في الحقيقة وكما يؤيد هذا الاكتشاف، ليس هناك أي تعارض. فيتعلم أطفال مونتسوري في البداية الحروف والأصوات التي تمثل هذه الحروف، وهذا يفضي بصورة طبيعية إلى اكتشاف القدرة على بناء كلمات مكتوبة. وبعد مرور أشهر عديدة فقط يبدءون في قراءة تلك الكلمات المكتوبة.

 

يصبح الأطفال منظمين ذاتياً بصورة تلقائية ومطيعين للغاية في بيئة مونتسوري

السبب في ذلك يتمثل في انخراط الأطفال في أنشطة من اختيارهم والتي بدورها تستقطب انتباههم تماماً لدرجة عدم الحاجة في جل المواقف إلى نظام يتم تطبيقه عن طريق قوى خارجية. ويصف Standing هذا النظام بالنظام الشامل.ولقد أضاف ما قالته مونتسوري ذاتها على النحو التالي” لقد كان الهدوء في حجرة الدراسة عندما كان الطلاب منخرطون في النشاط، تاماً ورائعاً. حيث أنه لم يقم أي فرد بفرضه إضافة إلى أنه ليس بمقدور أي شخص فرضه عن طريق قوة خارجية. ويمكن أن يثبت المعلمون الذين لهم خبرات في العمل مع الأطفال في بيئات التعلم المبنية على الكمبيوتر المخططة والمصممة بصورة مثلى، هذا الاكتشاف لأنفسهم.

 

ستحقق البرامج التي تم تصميمها بحرص والتي اختارها تربويون مدربون ومتمرسون، لاستخدامها في تحفيز الطلاب على التعلم في أيدي ذلكم الأطفال – وفقاً لسرعتهم في الأداء ومدى الوقت الذي يحتاجونه – نفس التأثير الذي يحدثه المعلم في الكثير من مواقف التعلم. علاوة على ذلك هناك الكثير من المزايا الهامة لمثير التعلم المبني على الكمبيوتر تالي تفصيلها:

  • يمكن أن يحصل الطفل على 100% من انتباه الكمبيوتر
  • يوفر الكمبيوتر وقت المعلم؛ للتفاعل الهام مع الطلاب الآخرين الذين قد يحتاجوا إلى مساعدة.
  • يخول نظام التعلم المبني على الكمبيوتر، الطفل السيطرة الكاملة على سرعة التعلم. وهذا يكرر ما يطمح إليه الفليسوف جورج بيرنارد شاو الذي قال” ما نريده هو رؤية الطفل يبحث عن المعرفة وليس رؤية المعرفة تبحث عن الطفل.
  • سيحقق التعلم المبني على الكمبيوتر توفيراً كبيراً على المدى الطويل؛ لأن تكلفة المعلمين آخذة في الارتفاع بينما تكلفة الكمبيوترات آخذة في الانخفاض.

 رابط الجزء الثاني

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات