التعليم الإلكتروني : وما يزال الطوير مستمرا (ج1)

التعليم الإلكترني، تصميم واجهات التفاعل، الجرافيك

إعداد : د. مصطفى جودت صالح
أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك
عمادة التعليم الإلكتروني بجامعة الملك سعود

إن التعليم عملية اتصال قائمة على نقل المعارف من طرف لآخر عبر وسيلة اتصال، وقد تأثر التعليم بالطفرات التكنولوجية التي شهدتها وسائل الاتصال، في القديم اكتسب الإنسان معلوماته وكون خبراته عبر تفاعله مع البيئة المحيطة به من خلال التجربة والمحاولة والخطأ، ثم حاول نقل خبراته إلى من حوله عن طريق الاتصال المباشر بينه وبين من يعلمهم، ومع تعقد المعرفة وتطور الحياة ظهرت الحاجة لنقل المعرفة عن بعد لصعوبة اجتماع المعلم والمتعلم في مكان واحد، فظهر لدينا التعلم عن بعد Distance Learning  واستخدم في موجاته الأولى أساليب المراسلة حتى أطلق عليه التعلم بالمراسلة Correspondence Learning، ومع تطور وسائل الاتصال ظهر لدينا أشكال أخرى من التعلم كالتعلم عبر الراديو والتلفزيون مما جعل مصطلح التعلم عن بعد هو المصطلح السائد لوصف جميع أشكال التعلم الذي لا يكون فيه المعلم والمتعلم مجتمعان في مكان وزمان واحد.

  لقد شهد التعلم عن بعد نقلة نوعية ارتبطت بظهور الكمبيوتر وتكنولوجيا الوسائل المتعددة Multimedia والتي مكنت المتعلم من استخدام برامج تعليمية تفاعلية في تعلمه أينما كان ومتى شاء، وظهر مصطلح آخر في مسيرة تطور التعليم عن بعد هو التعلم المبني على الكمبيوتر CBL الذي أتى وفي جعبته مزيد من التطبيقات التعليمية التفاعلية التي وظفت إمكانات الكمبيوتر في تعزيز فرص حدوث التعلم، فأصبح في إمكان المتعلم اقتناء حقيبة تعليمية تحتوي على مواد مطبوعة وبرامج كمبيوتر تعليمية تفاعلية تساعده على التعلم وتقييم تعلمه.

  طفرة أخرى شهدها التعليم تمثلت في دخول الإنترنت كوسيلة تعليمية وكبيئة تعلم سمحت للمعلم والمتعلم أن يتواصلا بغض النظر عن الزمان والمكان، إن دخول الإنترنت ميدان التعليم أدى لتوسع مضطرد في سوق التعليم الإلكتروني وتزايد عدد الملتحقين ببرامج التعليم الإلكتروني الجامعي والتعليم عن بعد، ومنذ دخول الإنترنت ميدان التعليم وهي تضيف كل  يوم مزيداً من المستحدثات والتطوير على أنظمة التعليم فشهدنا التعليم الجوال Mobile Learning الذي مكن المتعلم من الوصول إلى مصادر التعلم عن طريق الهواتف الذكية، وشهدنا الجيل الثاني  من التعليم الإلكتروني E-Learning 2.0 الذي ارتبط بالتطور الحادث في شبكة الويب وظهور الجيل الثاني من شبكة الويب Web 2.0 وظهور أدواتها وتوظيفها في التعليم وكان أبرزها الشبكات والوسائل الاجتماعية Social Media & Networks.

نشأة مصطلح التعليم الإلكتروني:

    يختلف المؤرخون التربويون مع بعضهم البعض حول بداية مصطلح التعليم الإلكتروني حيث يرجعه البعض لما قبل ظهور الحاسبات الشخصية، حيث يقرنوه بالتعلم المعتمد على الآلات Machine Based Learning والجدير بالذكر أن أول آلة للاختبارات ظهرت عام 1924  في جامعة أوهايو على يد البروفيسور سيندي بريسي أستاذ علم النفس التعليمي وسميت آلة بريسي للاختبارات Pressey Testing Machine، أما أول آلة للتدريس Teaching Machine فقد ظهرت عام 1954على يد سكنر وسميت ماكينة التدريس والاختبارات rote-and-drill teaching machine.

 لا يوجد تسجيل دقيق لتاريخ ظهور مصطلح Electronic Learning حيث يرى البعض أنه ظهر مع تحول آلات التعلم إلى استخدام الكهرباء والدوائر الإلكترونية، في حين  يرى البعض الآخر أن هذا المصطلح ارتبط أساسا بأنظمة التعليم المعتمدة على الكمبيوتر ولعل أولها نظام سمي PLATO عام 1960 والذي يعتبره المؤرخون بداية عصر التعلم المعتمد على الكمبيوتر CBL إلا أن المصطلح نفسه لم ينتشر إلا مع بداية الثمانينات متزامناً مع انتشار الكمبيوتر الشخصي.

تقسم حاليا مراحل تطور التعليم الإلكتروني إلى خمس مراحل:

مراحل تطور مفهوم التعليم الإلكتروني

مراحل تطور مفهوم التعليم الإلكتروني

 

  1. مرحلة انتشار الكمبيوتر الشخصي: على الرغم من ظهور الكمبيوتر الشخصي في الثمانينات إلا أن انتشار الكمبيوتر الشخصي بشكل واسع كان في التسعينات من القرن الماضي، ومع انتشار الكمبيوتر في المنازل والمدارس ظهرت تطبيقات عديدة له وظهر جيل من البحوث الأكاديمية التي تناولت فاعلية استخدام الكمبيوتر في التدريس، وعلى الرغم من أن هذه المرحلة لم تشهد تعليماً إلكترونياً فعلياً إلا أن البحوث والتطبيقات التي ظهرت في هذه المرحلة كانت الأساس الذي بني عليه التعليم الإلكتروني فيما بعد.
  2. مرحلة ظهور التعليم الإلكتروني: البداية الحقيقية للتعليم الإلكتروني كتطبيق فعلي وليس كمسمى ظهرت مع انتشار الإنترنت ودخولها المؤسسات التعليمية والمنازل، وتأسيس برامج تعليمة تقدم عبر الإنترنت وذلك بداية من سنة 2000 وما بعدها.
  3. تمثلت الصورة النمطية للتعليم الإلكتروني هو أنه تعليم يؤدى من بعد، ولهذا فقد قسمت المؤسسات التعليمية في بادئ الأمر إلى مؤسسات تقليدية لا تقدم برامج تعليم إلكتروني، ومؤسسات أخرى تقدم برامج دراسية عبر الإنترنت وتستخدم التعليم عن بعد، إلا أن هذه الصورة بدأت في التغير مع مطلع 2005 مع تراجع الإقبال على الجامعات الافتراضية والمؤسسات التي تعتمد كلية على التعليم عبر الإنترنت من بعد وزيادة الاتجاه الداعي لدمج التعليم الإلكتروني بالتعليم وجهاً لوجه بالمؤسسات التعليمية، بل الدعوة لدمج تقنيات اتصال أخرى ضمن منظومة تعليمية واحدة كاستخدام القنوات التلفزيونية الرقمية، واستخدام الهواتف الجوالة.
  4. شكلت نهاية 2005 ، ومطلع 2006 ميلاد الجيل الثاني من التعليم الإلكتروني الذي جعل الطالب مشاركاً في وضع المحتوى، وفي التحكم في بيئة تعلمه وقدم أدوات وتطبيقات مبتكرة سرعان ما وجدت طريقها للتوظيف في التعليم الإلكتروني كالمدونات، ومحررات الويب التشاركية، والشبكات الاجتماعية.
  5. شهدت المرحلة الحالية من مراحل  تطور التعليم الإلكتروني طفرة في تطبيقات التعليم الإلكتروني وانتشاره، فظهرت لدينا مصطلحات حديثة مثل التعليم السحابي Clouding Education وهو مشتق من الحوسبة السحابية Clouding Computing وانتشرت التطبيقات التي تعمل على الإنترنت التي سهلت العمل التعاوني بين الطلاب Collaborative Learning، كذلك ظهرت عدة شبكات اجتماعية مخصصة للتعليم، وظهرت تطبيقات تدعم ما يسمى ببيئات التعلم الشخصية PLE.

( يتبع )

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات