التعليم الإلكتروني 2.0

هذا المقال هو إعادة تحرير لبحث كنت قد نشرته منذ سبع سنوات تقريبا وها انا أعيد تحريره بناءا على طلب بعض الأصدقاء والزملاء .

dd_socialكتب

د. مصطفى جودت صالح

التعليم بنحت مصطلحا خاصا هو التعلم المبني على الويب web based Learning  ([i]) كمسمى أكثر تحديدا من التعليم المبني على الإنترنت. بل سارع الباحثون بوضع نماذج للتعلم المبني على الويب واختبارها ([ii]) وقد بنيت تلك النماذج في ضوء الأدوات والإمكانات التي تقدمها. وبناءا على النماذج والبحوث التي تناولت إمكانات الويب التربوية وضعت استراتيجيات تدريسية بعينها لتتبع عند التعليم من خلال الويب وضعت في اعتبارها الأدوات التي تقدمنها الويب وخصائصها وإمكاناتها ([iii]). من ناحية أخرى سارعت كثير من الجهات لتطوير أدوات سواء لتأليف المقررات التعليمية عبر الويب أو تقديمها أو إدارتها وقد عملت تلك الأدوات كذلك في ضوء إمكانات شبكة الويب وخصائصها ([iv]) .

                نستخلص مما تقدم ، أن شبكة الويب بملامحها الأساسية وأدواتها أثرت بشكل مباشر في التعليم وضع نماذج التعليم الإلكتروني واستراتيجياته . بمعنى أن الجيل الأول من شبكة الويب شكل بدوره ما يمكن أن نسمية الجيل الأول من التعليم الإلكتروني الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من تلك الشبكة. لكن لو تغيرت أدوات شبكة الويب أو بنيتها أو أظهرت إمكانات جديدة فهل ذلك سيؤدي إلى تغيير فعلي في ما سبق الاتفاق عليه من خصائص التعليم الإلكتروني المعتمد على الويب وأدواته ونماذجه واستراتيجياته بما يتماشى مع الشكل الجديد للويب ؟ .

                مع بداية مطلع الألفية الثانية طالعنا مصطلح الجيل الثاني من الإنترنت أو Internet 2 ويدل هذا المصطلح وفقا لشبكة الجامعات المصرية ([v]) إلى أن الإنترنت 2 هي مشروع أو غير تجارية تديرها أكثر من 20 0 جامعة تعمل بالتعاون مع قطاع الصناعة والحكومة على تطوير ونشر التكنولوجيا والتقنيات الشبكية المتطورة للحث على إيجاد إنترنت المستقبل، كما تعمل “إنترنت2 “على تدعيم الشراكة بين القطاع الأكاديمي، الصناعي، والحكومي و التي ساعدت على تبني الإنترنت الحالي منذ بدايته . ويشير هيذر بويلز ([vi]) إلى أن المصطلح يدل حاليا على اتحاد من المؤسسات التي لا تهدف إلى الربحية، يترأسه أكثر من 180 جامعة أمريكية، إضافة إلى 60 شركة تجارية منها إنتل وأي بي أم وسيسكو، وغيرها من الشركات الرائدة في مجال تطوير تقنيات التشبيك. ومهمة هذا الاتحاد هي تطوير تطبيقات وتقنيات تشبيك متقدمة لتسريع تطوير إنترنت المستقبل، ودمجها ضمن التطبيقات والبنية التحتية الحالية المستخدمة في إنترنت اليوم.

                مع بزوغ مصطلح الجيل الثاني من الإنترنت والذي عرف اختصارا “إنترنت 2” ظهر في مطلع عام 2001 مصطلح آخر أكثر تأثيرا في ساحة التعليم الإلكتروني هو الويب 2.0 Web 2.0 . ظهر هذا المصطلح لأول مرة في جلسة عصف ذهني بين O’Reilly و MediaLive International كمحاولة لرسم ملامح لعدد من تطبيقات الويب التي ظهرت على الساحة والتي أصبحت ترسم في مجملها ملامح جيل جديد من الويب وخرجت تلك الجلسة بعدد من الأمثلة لتطبيقات الويب وتطبيقات الويب 2.0 وقد كانت تلك الجلسة أساسا لعقد مؤتمر سمي بالجيل الثاني من الويب web 2.0 ([vii]) والذي عقد في نفس العام وما يزال يعقد سنويا إلى الآن ، وقبل مرور عامين من الاعتراف رسميا بهذا المصطلح أنتشر المصطلح بشكل كبير حتى أنه تكرر في قاعدة بيانات جوجل نحو  9.5 مليون مرة. ([viii])

يخلط العديد من مستخدمي الشبكة بين مصطلح الويب Web ومصطلح الإنترنت Internet ، هذا الخلط تزايد مع ظهور مصطلحي إنترنت 2.0 و ويب 2.0 ليعمق من قناعة البعض بأن المصطلحين يدلان على نفس الشي ! الحقيقة الفرق كبير ، الإنترنت هي الشبكة المعلوماتية الضخمة ، و التي تضم من ضمن خدماتها الشبكة العنكبوتية الويب ، فالإنترنت كمصطلح يطلق على الشبكة بكامل خدماتها ، من خدمات المحادثة ، البريد الإلكتروني ، المجموعات الإخبارية ، بروتوكول نقل الملفات FTP ، و أيضاً الشبكة العنكبوتية الويب ، أو ما يطلق عليها World Wide Web ، و التي تختصر بـ WWW ، مشروع الإنترنت 2.0 هو مشروع تعمل عليه الآن كبرى الجامعات و المعاهد الأكاديمية في أمريكا و كندا منذ عدة سنوات، الهدف منه هو إطلاق شبكة معلوماتية تفوق سرعة نقل المعلومات فيها السرعة الحالية بعشرات أو مئات المرات ! ، لذلك فإن الإنترنت هو مشروع و ليس مجرد مصطلح أو تصنيف كما الويب 2.0، إذا ما مدى تأثر مصطلح الويب 2.0 بالإنترنت 2.0 ؟

                الواقع أن التأثر كبير ، فالجيل الثاني من الإنترنت قدم حلولا تقنية أكثر سرعة لنقل البيانات عبر الشبكات كما سلف ذكره، وقد حثت تلك الحلول مطوري الويب إلى تطوير تطبيقات تعتمد أكثر على تعددية الوسائل وتدفق الوسائل Media Streaming عبر الويب فظهر لدينا تليفزيون الإنترنت وإذاعة الإنترنت، وعدد من التطبيقات الأخرى التي عملت في مجملها إلى رسم ملامح شبكة ويب جديدة مما أصطلح عليه بالجيل الثاني من الويب([ix]) ، فالجيل الثاني من الويب من هذا المنطلق هو تصنيف جديد لعدد من التطبيقات التي تعتمد على شبكات عالية السرعة فضلا عن عدد من الخصائص الأخرى كما سيلي التطرق إليه من خلال البحث الحالي.

                وكما أثرت الويب في التعليم الإلكتروني كما سبق وأن ذكرنا فإن الجيل الثاني من الويب أدى لتطور مصطلح التعليم الإلكتروني إلى ما سمي بالجيل الثاني من التعليم الإلكتروني أو e_learning 2.0 والذي ظهر رسميا على يد ستيفن داونيز Stephen Downes في مجلة eLearn Magazine  ([x]) في شهر أكتوبر 2005 وأعاد نشرها في السابع عشر من نفس الشهر في موقعه الرسمي ضمن مقال بعنون e_learning 2.0 ([xi]) تلتها مقالة أخرى في ديسمبر من نفس العام بعنوان ” الشبكات الدلالية والشبكات الاجتماعية ” نشرت ضمن دورية The Learning Organization الكندية ([xii]) ، ويشير ستيفن داونز في المصدرين السابقين إلى أن السمة الاجتماعية والتشاركية هي الغالبة على التطبيقات الجديدة للتعليم الإلكتروني في ظل الويب 2.0 . بل ويدافع داونز عن المصطلح الجديد بالإشارة إلى أنه ليس مجرد تطويرا لتطبيقات محدودة في التعليم الإلكتروني بل جيل جديد له خصائصه الفارقة والتي تفرض علينا طرق وأساليب جديدة في التعليم الإلكتروني، وأن هذا التطوير لا يعني إلغاء المواقع والمقررات التي تقوم على تقنيات الجيل الأول من التعليم الإلكتروني بل تطويرها في إطار أدوات الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها الويب 2.0.

                إن المستخدمين – الطلاب والمعلمين – في مواقع التعليم الإلكتروني لن يتقبلوا فكرة جلوسهم لساعات في تصفح صفحات لغة النص الفائق أو حتى صياغة الرسائل بين الطلاب والعلمين ، بل سيطالبون هم أنفسهم بتطوير تلك المقررات بحيث تبث بالفيديو والصوت ، ويطالبون بإمكانية مشاركتهم في صنع المحتوى عن طريق محررات الويكي ، وسيحتاج المعلمون إلى طريقة لنشر المحتوى بسهولة ويسر وبشكل دوري دون الحاجة لمبرمجين وإعطاء الطلاب إمكانية التعليق عليه والتحاور حوله فيما يعرف حاليا بالمدونات Blogs ، أي أن التطوير آت لا محالة نتيجة حاجة حقيقية فرضتها الطبيعة المتطورة للتعليم الإلكتروني ورغبات المستخدمين. ([xiii])



[i]– Kevin Kruse (2004): Using the Web for Learning: Advantages and Disadvantages, http://www.e-learningguru.com/articles/art1_9.htm, p1.

[ii] – Yong Yang; Guoyin Wang (2005) : An evaluation model for Web-based learning support systems, Web Intelligence, 2005. Proceedings. The 2005 IEEE/WIC/ACM International Conference, 19-22 Sept. 2005 p. p.  680 – 683.

[iii] – Tony O’Driscoll. (Feb. 2000) : What’s Your Web-Based Learning Strategy? , http://www.learningcircuits.org/2000/feb2000/odriscoll1.htm, p. p. 1-5.

[iv] – Robert H. Jackson (2006) Software Tools for Web Learning , http://www.knowledgeability.biz/weblearning/softwaretools.htm, p2.

[v] – شبكة الجامعات المصرية (2005) : http://www.frcu.eun.eg/docs-n/internet2-ar1.php ، آخر دخول 12-2-2008، ص 1.

[vi] – هيذر بويلز (مارس 2006) : e_journal USA_ Arabic ، http://usinfo.state.gov/journals/itgic/0306/ijga/boyles.htm ، ص 1.

[vii] – Web 2.0 Conference: http://www.web2con.com/ last accessed 11-12-2007, p1.

[viii]  – Tim O’Reilly (30-09-2005) : What Is Web 2.0, Design Patterns and Business Models for the Next Generation of Software, http://www.oreillynet.com/pub/a/oreilly/tim/news/2005/09/30/what-is-web-20.html , P1.

[ix] – Bryan Alexander. (March/April 2006): Web 2.0: A New Wave of Innovation for Teaching and Learning?, EDUCAUSE Review, vol. 41, no. 2, p. 32-44. [also available at] http://www.educause.edu/ir/library/pdf/ERM0621.pdf

[x] – Stephen Downes (Oct., 2005): e_learning 2.0, http://elearnmag.org/subpage.cfm?section=articles&article=29-1  , last accessed 09-03-2007, p1-5

[xi] – Stephen Downes (Oct. 17, 2005): e_learning 2.0,  http://www.downes.ca/post/31741 , last accessed 01-03-2007, p1-5.

[xii] – Stephen Downes (2005). Semantic networks and social networks. The Learning Organization, 12(5), 411-417.

[xiii] – Christopher Essex (2007). Web 2.0: New Tools for Distance Learning. Distance Learning, 4(3), p47-49.

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات