أنماط الحوار على شبكات التواصل الاجتماعي

أنماط الحوار على شبكات التواصل الاجتماعي

أنماط الحوار على شبكات التواصل الاجتماعي

 

د/ هاله حسن بن سعد الجزار مدرس أصول التربية كلية التربية – جامعة حلوان

د/ هاله حسن بن سعد الجزار
مدرس أصول التربية
كلية التربية – جامعة حلوان

نعيش عصر مجتمع المعرفة والثورة العلمية بتطبيقاتها الثقافية والتقنية المختلفة مما يحتم على من يعيش في هذا العصر أن يجيد التواصل ويفكر فيما يقول وينتقي الكلمات والعبارات والأفكار ، وأن يقدمها بصورة مناسبة ومعقولة ، كما يتطلب منه أن يفكر ويخطط لما سوف يقوله ، حتى يتسنى له الاتصال والتواصل مع الآخرين بالشكل الملائم والفعال ، وذلك باعتبار أن هذا الإنسان كائناً اجتماعياً لا يستطيع العيش بمعزل عن الناس ، ولا يستطيع العيش دون حالة الاتصال والتواصل المستمرة من خلال عمليات حوارية مختلفة .
ومنذ بدأت الثورة التكنولوجية حدثت تغيرات أساسية في الطريقة التي ينظر إليها الناس بها إلى أدوارهم وأسلوب التعامل مع بعضهم البعض ، وإلى التعامل مع الأحداث القريبة والبعيدة ، وأصبح تقدم الدول يقاس بمقياس واحد هو الاندماج في الحضارة العلمية والأخذ بمعطيات الثورة المعلوماتية . وأصبح لشيوع وسائط الإعلام الجديد واستهلاكها من جانب الجمهور, علاقة غير قابلة للشك في ميلاد عصر إتصالي جديد أطلق عليه البعض عدداً من المسميات مثل : العالم الإفتراضي، الإتصال الرقمي … وغيرها من التعبيرات, والتي تعبر عن ظاهرة إنسانية تقنية واحدة، فالإعلام الجديد ساهم في إعادة تشكيل الأنماط التواصلية التقليدية القديمة القائمة على احتكار النخب السياسية والثقافية لوسائط الإعلام وباقي وسائل التعبير في الفضاء العام
وتبعاً لذلك تعددت أنماط مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة مثل، الفيس بوك Facebook ، تويتر Twitter، ماي سبيسMyspace ، ويكىWiki ، لايف بوون Lifeboon، هاي فايف HiFi، أوركت Orcket، ليكند إن Linkedin– يوتيوب YouTube وغيرها) ، والتي أتاحت جميعها كافة أشكال التبادل للوسائط كمقاطع الفيديو والصور ومشاركة الملفات وإجراء المحادثات الفورية, والتواصل والتفاعل المباشر بين جمهور المتلقين.
يسجل لهذه الشبكات الاجتماعية كسر احتكار المعلومة ، فبدأت تتجمع وتتحاور بعض التكتلات والأفراد داخل هذه الشبكات, تحمل أفكاراً ورؤى مختلفة, متقاربة أو موحدة أحياناً, مما أثرت هذه الحوارات على تلك الشبكات وزادتها غنى, وجعلت من الصعب جداً على الرقابة الوصول إليها, أو السيطرة عليها, أو لجمها في حدود معينة ، وقد أثرت بشكل مباشر على تشكيل الوعي والإطار القيمي لأفراد المجتمع وتوجيهه في القضايا وخاصة السياسية.
وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن ثقافة الحوار والتسامح تستمد أهميتها من كونها تعزز القيم الثقافية الخاصة بالتواصل بين الأفراد ، كما أنها لا تتعرض لاحتكار ولا مراقبة من قبل السلطات ، بل تنبع من رحم المجتمع ، وفوائدها مؤكدة في إحداث عملية التقارب ، لذا اهتم بها علم العقليات البشرية لما لها من أهمية قومية لأنها تشعر جميع الفئات الاجتماعية المختلفة عن بعضها بالتقارب والتفاهم المشترك . وتنبع أهمية ثقافة الحوار والتسامح في قدرتها على الانتقال بالفرد من الجمود والنمطية وكراهية الآخر ، إلى حالة من التسامح والاعتدال والتقدير وتقوية العلاقات الاجتماعية ، فهي تدفع الفرد لتقبل معتقدات الآخر وإن اختلفوا عنا ، والصبر على الآخر والجدال بالتي هي أحسن .

شبكة التواصل الاجتماعي:
هي تركيبة اجتماعية إلكترونية يتم تصميمها من قبل أفراد أو جماعات أو مؤسسات، وتتم تسمية الجزء التكويني الأساسي (مثل الفرد الواحد) باسم العقدة Node, بحيث يتم إيصال هذه العقد بأنواع مختلفة من العلاقات كتشجيع فريق معين أو الانتماء لشركة ما أو حمل جنسية لبلد ما في هذا العالم. وقد تصل هذه العلاقات لدرجات أكثر عمقاً كطبيعة الوضع الاجتماعي أو المعتقدات أو الطبقة التي ينتمي إليها الشخص”.

نماذج مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي :
ويمكن تصنيف مستخدمي الشبكات الاجتماعية إلى مجموعات أو نماذج متعددة نوضحها فيما يلى:

1) النموذج الأول(المتخفي) : العديد ممن يسجلون أنفسهم لا يفهمون مبدأ التواصل والتشارك, فيخفون صورتهم ولا يقدمون أية معلومات شخصية عنهم للأصدقاء الذين يدعونهم, فهؤلاء لا يفصحون عن هويتهم ويكتفون بالملاحظة والاطلاع على الصفحات الشخصية للآخرين.
2) النموذج الثاني (رفيق الدراسة) : ويمثله أشخاص فقدت آثارهم منذ وقت طويل، وغالباً ما يكونوا زملاء دراسة، رسالة تثير فضولاً كبيراً عما أصبحت عليه أحوال الآخر، لكن في كثير من الأحيان ما يلبث هذا الزميل القديم أن يختفي ولا يبقى سوى أسمه في لائحة الأصدقاء.
3) النموذج الثالث (الأبوين) : ويمثله الآباء والأمهات الذين لا يعرفون عن الفيس بوك ما يكفي, إضافة إلى أنهم لا يرغبون في خوض هذه التجربة الجديدة, لكن حرصهم على أولادهم يدفعهم في الكثير من الأحيان إلى التطفل على اهتمامات الأبناء والبنات بهذا التواصل الاجتماعي, والدخول إلى صفحاتهم وطلب صداقة أبنائهم, الذين يقومون بتشكيل مجموعات من الأصدقاء تحد من تدخلات الآباء في شؤونهم.
4) النموذج الرابع (المدير) : يتسم هذا النموذج بطابع أكثر ما يقال عنه تجسس – نرجسية, فالمدير يفتح صفحة شخصية له على الفيس بوك, ويدعو العاملين عنده بالتسجيل فيها، والدخول إلى صفحته الخاصة, ومن هنا يحقق نرجسيته باعتباره يتحكم فيهم حتى وهم في العالم الافتراضي, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى يصبحون تحت أنظاره ويراقب تحركاتهم وسلوكهم.
5) النموذج الخامس (الأصدقاء الحقيقيون) : وهم أصدقاء بصرف النظر إن أضيفوا إلى العالم الافتراضي أم لا ، في هذه الحالة لا يحتاج المرء لفيس بوك للحفاظ على الصداقة، وضم هؤلاء الأصدقاء إلى لائحة الأصدقاء على الفيس بوك هو أمر طبيعي، على الرغم من قلة أو عدم أهمية ما يمكن إضافته هناك حول هؤلاء الأصدقاء.

وعلى اختلاف استخدامات شبكات التواصل وماتوفره من ثراء وتنوع أمام المستخدمين فإن نشوء هذا الفضاء الجديد من الحرية اسهم في التحول النوعي الذي طرأ على استخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، من كونها أداة للترفيه، والتواصل، إلى أداة للتنظير والتنظيم والقيادة، ثم إلى وسيلة فعّالة لنقل الحدث، ومتابعة الميدان، ومصدراً أولياً لوسائل الإعلام العالمية.
ثقافة الحوار :
تعرف ثقافة الحوار على أنها “مجموعة من قواعد ومبادئ فكرية ، ومعايير سلوكية ، يؤمن بها الأفراد حين التعامل مع الآخرين كما تشمل أداب واختلافات التحضر التي تدفع الفرد لقدر من اللياقة وتقدير الآخر ، كما يساعد على قدر من القبول الاجتماعي ، وتخطي مشكلات المواقف الاجتماعية .
ويكتسب الحوار أهميته البالغة في كون الوجود الاجتماعي الإنساني لا يتحقق إلا بوجود الآخر المختلف ، ومن أن الإنسان لا يحقق ذاته الإنسانية ولا ينتج المعرفة إلا بالالتقاء والحوار مع الإنسان الآخر والتفاعل الخلاق معه ، إذ به تتولد الأفكار الجديدة في ذهن المتكلم ، وبه تتضح المعاني وتغني المفاهيم لأن الحوار في مستوياته العليا هو إنتاج المعرفة الراقية التي تتحاور مع كافة ضروب المعرفة الإنسانية .
وإذا كان الحوار بأشكاله المختلفة الثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعية مطلباً أساسياً تمليه طبيعة العصر وأنه وسيلة في إشاعة ثقافة الاختلاف في الآراء ووسيلة للوصول إلى الآراء الأكثر صواباً فإن ذلك يمكن إسناده إلى مداخل نظريات التعلم وخاصة نظريات التعلم المعرفي والتعلم بالملاحظة والتعلم الاجتماعي بكل ما تقدمه هذه النظريات من نماذج وكذلك الاستناد إلى نظريات اكتناز المعرفة وخاصة في موضوعات الحوار الفكري والتي تستند إلى مداخل معرفية متنافرة ومتعارضة في كثير من المعاملات وهذا ما يؤكد على ضرورة تعزيز ثقافة الحوار ومهارته لدى أفراد المجتمع .
أنماط الحوار المتداولة بين الأفراد على الشبكات الاجتماعية :
لقد تعرضت الدراسات لتحليل أنماط الحوار بين الأفراد وأظهرت أن له صورا وأنواعا وفقاً للهدف والمقصد منه والمتحاورين فيه ، أهم تلك الأنماط ما يلي :

1. الحوار العدمي التعجيزي : يتسم فيه المحاور برؤية السلبيات والأخطاء والعقبات .
2. حوار المناورة ( الكر والفر ) : يكون هم المحاور وشغله الشاغل بالتفوق اللفظي من اجل إثبات الذات .
3. الحوار المزدوج : يأخذ شكل حوار تورية ظاهر غير الباطن لإرباك المحاور .
4. حوار الطريق المسدود : يعبر عن قناعة المحاور الداخلية ( لا داعي للحوار فلن نتفق ) وفيه يتم إعلان المحاور تمسكه برأيه ولن يُغيره مطلقاً .
5. الحوار السلطوي ( اسمع واستجب ) : حوار يقوم على إلغاء الطرف الآخر مطلقاً وعلى الطرف الآخر السمع والطاعة فقط .
6. الحوار السطحي : مبني على قاعدة تقول ( لا تقترب من الأعماق فتغرق ) الحوار في هذه الصورة يتم في أمور عمومية لا جوهرية .
7. الحوار الالغائي أو التسفيهي : يعتمد على قاعدة ومبدأ أساسي يتمثل بالقاعدة التالية ( كل ما عداي خطأ ): اعتبار المحاور أن رأيه هو الصحيح دائماً والتسفيه بالرأي الآخر .
8. حوار البرج العاجي : : يسعي المحاور للحوار في أمور لا تمت لموضوع الحوار من اجل إبراز الحذقة والتميز لديه .
9. الحوار المرافق : يوافق المحاور خلاله على كل ما يقال موافقة تامة، دون تمحيص، وفي هذا إلغاء المحاور حقه في الحوار لحساب الطرف الآخر دون نقاش.
10. الحوار المعاكس : يلجأ خلاله المحاور إلى السير في اتجاه مضاد للمحاور ( أنا ضدك دائماً ) .
11. حوار العدوان السلبي : من أخطر الصور السلبية للحوار حيث يأخذا المحاور شكلاً صامتاً من اجل العناد والتجاهل حيث يصمت المحاور صمتاً سلبياً عناداً وتجاهلاً لكيد الطرف المحاور .
12. حوار استطلاعي فضولي : حيث يكون هدف الحوار لمعرفة ما يملكه من معلومات وأفكار .
13. حوار جدلي عقيم : يكون هدف الحوار هو فقط من اجل إفحام المحاور والتغلب عليه وخروجه عن الأدب .
14. حوار التناصح والتشاور : يهدف إلى تقديم النصح والتوجيه والإرشاد للطرف الآخر مراعي أدب الحوار في هذه الصورة .
15. حوار الإقناع : يأخذ غالباً تأخذ طابعاً تجارياً استهلاكياً أو سياسياً من اجل إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك أو إقناعه بالمنتج الفلاني وهكذا .
16. حوار التفاوض : يهدف تحقيق أهداف مشتركة بين الطرفين المتحاورين سواء في قضية ما أو نحوها فإن الطرف الآخر يتحاور تحاوراً تفاوضياً مع الطرف الآخر .
17. حوار التعارف : يحدث غالباً في أماكن الانتظار أو السفر حيث يتحاور الطرفان تحاور تعارفي لقضاء الوقت الذي يجب أن ينتظرانه حتى محطة الوصول أو وصول دور احدهما.
ولثقافة الحوار أهمية قصوى في مواجهة ما يقع في حياتنا اليومية من سلبيات ومشاحنات يكمن سببها في تخلي أطراف الحوار عن الأسلوب الأمثل في إدارة الحوار وغياب ثقافته بين المتحاورين، ومن المؤكد أن غياب ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع ومن خلال المؤسسات التربوية المختلفة يظهر مدى الخلل في العمل وضعف الصلابة والتماسك بين أفراد المجتمع بل أن غياب الحوار هو انعكاس لضعف البنية العلمية والفكرية في المجتمع .(بن حميد،2003 ،2)

الخلاصة :

1) شبكة التواصل الاجتماعي وسائل يستخدمها من يشاء ، لنشر الأخبار والآراء بشكل مكتوب أو مسموع أو مرئي، “متعدد الوسائط.
2) تغيرت استخدامات شبكة التواصل الاجتماعي من أداة للتواصل والدردشة فأصبحت ملتقى لتبادل وجهات النظر الثقافية والأدبية والسياسية.
3) تعدّ شبكة التواصل الاجتماعي إعلاماً بديلاً لقنوات الإعلام التقليدية المسموعة والمقروءة
4) قد لا تمثل شبكة التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي.
5) رغم إيجابيات شبكة التواصل الاجتماعي إلا أن تأثيراها السلبي على طبيعة الحوار بين أفراد المجتمع كان ملموساً فكانت سبباً مباشراً في الإنقسام المجتمعي ونشر الشائعات وتدني مستوى ثقافة الحوار مع غياب شبه كامل لروح التسامح ، مما قلت معه فرص التوافق والتواصل الهادف .

المصادر :
إبراهيم بن عبدالله العبيد (2009) : تعزيز ثقافة الحوار ومهاراته لدى طلاب المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية “صيغة مقترحة ” ، ورقة عمل مقدمة للملتقى الأول للتعليم الثانوي : الواقع وآفاق المستقبل اتجاهات جديدة لتعزيز مخرجات التعليم الثانوي ، المملكة العربية السعودية (المنطقة الشرقية) – 22-24/1/14230هـ الموافق 19-22/1/2009 .

أشرف عبد الوهاب (2006) : التسامح الاجتماعي بين التراث والتغير ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب

عبدالله ناصر الحمود (2005) : نحو تكريس أفضل لقيم الحوار في المجتمع السعودي،ندوة الإعلام والحوار الوطني (العلاقة بين المضمون والوسيلة)، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني،جريدة الجزيرة العدد (12113)ص ص 22- 23

عبدالرحمن محمد الشامي (2007): آفاق التفاعلية في ظل الإعلام الجديد، المجلة العربية للإعلام والإتصال، جامعة الملك سعود، الجمعية السعودية للإعلام والإتصال، الرياض.

محمد زرمان (2004) : ثقافة الحوار في مرجعيتنا الدينية والفكرية، المؤتمر العلمي الثامن : الحوار مع الذات،كلية الآداب والفنون،جامعة فيلادلفيا،عمان،الأردن،ص ص 129 – 171 .

محمد السعدي (2010) : من أجل أخلاقية عالمية للحوار ونشر ثقافة السلام
ww.philadelphia.edu.jo/mohammad_sadi.docw

مكتب التربية العربي لدول الخليج (2008) : نشر ثقافة الحوار لدى العاملين في المؤسسات التعليمية ، الرياض ، مكتب التربية العربي لدول الخليج

Aijun, zhu (2005) : The cultural production of controversy , phd, University of Maryland .

  نعيش عصر مجتمع المعرفة والثورة العلمية بتطبيقاتها الثقافية والتقنية المختلفة مما يحتم على من يعيش في هذا العصر أن يجيد التواصل ويفكر فيما يقول وينتقي الكلمات والعبارات والأفكار ، وأن يقدمها بصورة مناسبة ومعقولة ، كما يتطلب منه أن يفكر ويخطط لما سوف يقوله ، حتى يتسنى له الاتصال والتواصل مع الآخرين بالشكل الملائم والفعال ، وذلك باعتبار أن هذا الإنسان كائناً اجتماعياً لا يستطيع العيش بمعزل عن الناس ، ولا يستطيع العيش…

عناصر المراجعه :

تقييم المستخدمون: 3 ( 3 أصوات)
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات