مواقع تواصل اجتماعي أم مواقع شبكات اجتماعية: تعقيب في تداخل المفاهيم

إعداد الباحث : أحمد جمال حسن .

أدى ظهور مواقع الشبكات الاجتماعية إلى نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة وأعطى مُستخدميه فُرصة كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود برقابة محدودة نسبيًا، وأبرزت حراك الشباب العربي أثناء ثورات الربيع العربي، فأصبح هذا النوع من الإعلام قادرًا على التأثير في تغيير ملامح المُجتمعات، وإعطاء قيمة مُضافة في الحياة السياسية، وإنذار لمنافسة الإعلام التقليدي (بشرى جميل، 2012، 2)، ومع هذا لم تظهر الشبكات الاجتماعية في عصر الإنترنت، ولكنها بدأت من أزمنة بعيدة، ذلك لأن الإنسان بطبيعته اجتماعي يحتاج إلى العلاقات الاجتماعية مع الآخرين من أجل البقاء، فقد ساهمت شبكة الإنترنت في دفع العلاقات الاجتماعية من الواقع المُعاش إلى الواقع الافتراضي بفضل تقنيات الجيل الثاني للويب التي تعتمد على مُساهمة المُستخدمين بالمحتويات في مواقع الإنترنت (عمرو محمد، 2011، 101).

وأُطلق على مواقع الشبكات الاجتماعية “social network sites” عدة مُسميات منها، وسائل الإعلام الاجتماعية “social media” ومواقع التشبيك الاجتماعي، والشبكات الرقمية (إبراهيم بعزيز، 2011، 48)، وسُميت اجتماعية لأنها أتت من مفهوم بناء المُجتمعات، بهذه الطريقة يستطيع المُستخدم التعرف على أشخاص لديهم اهتمامات مُشتركة ومشاركة الصور ومذكراته وملفاته الصوتية والمرئية مع العائلة والأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل (وائل مبارك، 2010، 6)، بالإضافة أنها تسمح لمُستخدميها بأن يُقدموا أنفسهم ويعبروا عن آرائهم وأفكارهم للآخرين (Conroy, M ,2012, 1540).

 

تطور مواقع الشبكات الاجتماعية:

تنوعت دوافع استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية والاشباعات المُتحققة منها وذلك يرجع إلى مُتغيرات عديدة منها زيادة انتشار شبكة الإنترنت والتوسع في سُرعتها, وقله تكاليف النفاذ إليها, وسهولة التعامل معها والمزايا والخدمات التي تُقدمها، فشاع استخدم تعبير الشبكات الاجتماعية بصورة مُتميعة خلال قرن من الزمان حيث إنها تُشير إلى مجموعة من العلاقات المُعقدة بين أعضاء المنظومة الاجتماعية على كل المستويات من علاقات شخصية إلى علاقات دولية، وظل هذا الحال حتى قام Barnes (1954. 7) الباحث في العلوم الإنسانية بجامعة لندن باستخدام هذا التعبير للإشارة بصورة منهجية إلى العلاقات التقليدية التي تتضمن الأفكار الشائعة بين الناس، والتي يؤكدها علماء الاجتماع كأنواع من العلاقات المقيدة، مثل العلاقات القبلية والعائلية وعلاقات الجماعات ومنها علاقة الأصول العرقية والجنس (نحو مجتمع المعرفة، 2012، 9).

ونشأت في سبعينات القرن العشرين بعض الوسائل الإلكترونية الاجتماعية من النوع البدائي، فقد كانت شبكة نظام اللوحات الإخبارية “Bulletin Board Systems (BBS)” من أوائل التقنيات التي سهلت التعاون والتفاعل الاجتماعي، وأتاح هذا التفاعل للإنسان تطوير علاقات ثابتة وطويلة الأمد مع الآخرين وغالبًا ما كانت بأسماء مُستعارة (Kiehne, 2004). وعند الحديث عن مراحل تطور مواقع الشبكات الاجتماعية تجدر الإشارة إلى مرحلتين أساسيتين:

أولاً: مرحلة النشأة والتأسيس: بدأت هذه المرحلة في صورة مُجتمعات مُباشرة على شبكة الإنترنت, فظهرت ملامحها مع الجيل الأول للويب المعروف بالثبات “Static”، وكان موقع “Theglobe.com” الذى أنطلق عام 1994م أول هذه الشبكات، ثم تلاه موقع “Geocities.com”، وفي عام 1995م أنطلق موقع “Tripod.com”، وجميعُها كانت تُركز بالأساس على تعزيز العلاقة بين مُستخدميها وتوطيد الصداقة بينهم وخلق جوًا من التكافل الاجتماعي والتشاور، ذلك من خلال غُرف دردشة جماعية ومشاركة الأفكار والمعلومات الشخصية والأخبار عبر مدوناتهم الخاصة.

وجاءت موجة من التعديلات لتقوم بإبراز طابع جديد لهذه الشبكات عبر ربط المُستخدمين والأصدقاء بالبريد الإلكتروني، وكانت أبرز هذه الشبكات شبكة “Classmates.com” التي انطلقت في عام 1995م، وركزت على مكان تجميعي مُعين كالمدرسة للربط بين زملاء الدراسة من الروضة حتى الجامعة وكان اِشتراك هذا الموقع مجاني، بحيث يستطيع أي شخص أن يُنشئ حسابه الشخصي ثم يبحث عن أصدقاء آخرين، ويستطيع من خلاله أن يتصل بأصدقاء أفتقد الاتصال بهم، وأن ينضم للمجتمعات المحلية، والدردشة في المُنتديات (Hayes, 2000, 11).

        وبظهور المعايير القياسية وفرض المزيد من القيود على مطوري الويب والشركات من قبل مُنظمة الويب، ظهرت مواقع شبكات اجتماعية كانت في طور التمخض. ففي مايو عام 1997م ظهرت مواقع الشبكات الاجتماعية التي تعمل على التشارك بين أفكار أشخاص ليست لهم علاقات سابقة مثل شبكة “SixDegrees.com”، الذى أخذ اسمه من عبارة”Six Degrees of Separation”؛ أي ست درجات من الانفصال / التباعد، التي أُخذت من تجربة عالم النفس الأمريكي Stanley Milgram بجامعة هارفارد (Hayes, 2000, 11)، وركزت هذه الشبكة على الروابط المُباشرة بين الأشخاص وظهرت الحسابات الشخصية للمُستخدمين وخدمة إرسال الرسائل الخاصة لمجموعة من الأصدقاء، ثم بدأت في عام 1998م بإتاحة إمكانية تصفح قوائم الأصدقاء.

وفى أبريل عام 1999م ظهرت مواقع مُتعددة منها “Live Journal.com” الذي أسسه Brad Fitzpatrick، كطريقة ليظل على اتصال مع أصدقاء المدرسة الثانوية لينبأهُم بكل شيء جديد من الأنشطة (Frequently, 2013). وانطلق موقع “Cyworld.com” الذي أنشئ في كوريا، ويقوم المُستخدمون بإعداد الصفحات الرئيسية الخاصة بهم والتي تحمل اسم “Minihompy” لربطها بصفحات أصدقائهم (Boyd, 2007, 220)، وبالرغم من توفير تلك المواقع لخدمات مُشابهة لما توجد علية مواقع الشبكات الاجتماعية الآن إلا أن تلك المواقع لم تستطع أن تُدر ربحًا لمالكيها وتم إغلاقها، بعد ذلك ظهرت مجموعة من مواقع الشبكات الاجتماعية التي لم تستطع أن تُحقق النجاح الكبير بين عامي 1999-2001م.

        ثانيًا: مرحلة الاكتمال: تم ابتكار طُرق جديدة للتشبيك الاجتماعي في بدايات العقد الأول من القرن الحالي، حيث بدأت الكثير من مواقع الشبكات الاجتماعية في توفير إمكانيات مُتقدمة للمُستخدمين لتوسعة نطاق الأصدقاء والقُدرة على التحكم في تلك الدائرة من الصداقات، وبهذا بدأ الجيل الجديد من مواقع الشبكات الاجتماعية في الازدهار (Knapp, 2005. 139)، فشهد عام 2002م الميلاد الفعلي لمواقع الشبكات الاجتماعية كما نعرفها اليوم عندما ظهر موقع “Friendster.com” في كاليفورنيا وسرعان ما أصبح جزءًا من فعاليات الإنترنت المُتعارف عليها، ويقوم مفهوم الموقع على دائرة الأصدقاء والتقنية المُتعددة للأفراد على مواقع الشبكات الاجتماعية خلال المُجتمعات الافتراضية، وسمي بالأصدقاء بسبب دوائر العرض من صور وملفات الأصدقاء والأفراد، وتُستخدم الشبكة على نطاق واسع فى آسيا، وهو متاح بعدة لغات تجعل المستخدم قادر على اختيار اللغة المناسبة له (Perdu, 2008, 57).

وفي النصف الثاني من عام 2002م ظهرت في فرنسا شبكة “Skyrock.com” كمنصة للتدوين، ثم تحولت بشكل كامل عام 2007م إلى شبكة اجتماعية، وفي عام 2003م ظهرت مواقع الشبكات الاجتماعية الأكثر شُهرة واستخدامًا حتى الآن، فظهر موقع “MySpace.com” الأمريكي، ونمى وجذب عُشاق الأغاني والفنون على وجه الخصوص، وأهم الخدمات التي تُقدمها هذه الشبكة هي تفصيلات الملفات الشخصية، مما يسمح للمُستخدمين بخلق خلفيات أصلية، وتضمين عرض الشرائح ومشغلات الصوت والصورة، إضافة إلى المدونات (Hershey, 2010, 264). وفي فبراير عام 2004م ظهرت شبكة “Facebook.com” وكانت فكرته اجتماعية بحيث يستطيع الطلبة التواصل مع بعضهم البعض إن أرادوا ذلك، ثم عممت لتشمل الموظفين وأعضاء هيئة التدريس (Conroy, 2009, 7-8).

وفي فبراير عام 2004م أطلقت شركة “Ludicorp” في فانكوفر في كندا موقع “Flickr”، التي قامت بتطويره مُنذ عام 2002م، وهو مُخصص لمُشاركة الصور وملفات الفيديو وحفظها وتنظيمها، ويعتبر أيضًا جمعية لهواة التصوير على الإنترنت.

ولما كان الصعب العثور على ملفات فيديو لأي حدث أو مشاركتها عبر الإنترنت، جاءت فكرة موقع “Youtube.com”، الذي تأسس عام 2005م، وكانت ولادة الموقع في مدينة Menlo Park في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان الإصدار التجريبي له في مايو من عام 2005م (Jarboe, 2009, 2). وفي مارس 2006م ظهر موقع “Twitter.com”، وتويتر خدمة أطلقتها شركة “Obvious” ومقرها سان فرانسيسكو، ثم قامت بفصل تويتر في إبريل 2007م لتُصبح شركة مُستقلة تحمل أسم “Twitter.com” (بخوش أيمان، ومرزوقي حسام، 2009، 47).

وتُركز مواقع الشبكات الاجتماعية على عملية بناء وتدعيم العلاقات الاجتماعية المتبادلة عن طريق نظام اجتماعي إلكتروني (بشرى جميل، 2012، 5)، بين أفراد يتشاركون اهتمامات متشابهة أو لديهم أنشطة مشتركة يقومون بها أو ممن لديهم فضول في استكشاف اهتمامات الآخرين (حسني عوض، 2011، 5).

ومواقع الشبكات الاجتماعية بمختلف ألوانها تتطلب خدمات لاستضافتها، وهي تعتمد كلها على الويب، إلى جانب تطبيقات مساندة للشبكات (Boyd, Ellison, 2007, 28)، تلك الخدمات تُعرف كذلك بمواقع الشبكات الاجتماعية الرأسية حيث إن مواقع الشبكات الاجتماعية تخدم رغبات مُستخدمين بعينهم إلى جانب خلق شريحة كبيرة من المُستخدمين (Boyd, 2006, 42). ويوضح الشكل التالي تطور مواقع الشبكات الاجتماعية.

التطور التاريخي لمواقع الشبكات الاجتماعية

التطور التاريخي لمواقع الشبكات الاجتماعية

أثر التشبيك الاجتماعي على مواقع الشبكات الاجتماعية:

تقوم مواقع الشبكات الاجتماعية على ما يُعرف بأثر التشبيك “network effect” أو قانون متكافيه “Metcalfe’s Law”. ويذهب هذا القانون إلى أن قيمة أي شبكة تواصلية تنمو باطّراد يكافئ ضعف الزيادة في عدد الأفراد الذين يستخدمونها. فمثلا، لو أن لدينا شخصًا واحدًا فقط يستخدم البريد الإلكتروني فإن تلك التقنية الجديدة لن تؤتي أي ثمار، ويختلف الحال لو زاد عدد المُستخدمين إلى 5 أو 10 أو مليون، فكلما زاد عدد مستخدمي التقنية الجديدة، زادت الفوائد المُتحققة من استخدامها، إذًا سيكون ذلك بمثابة معيار موحد لإجراء نوع مُعين من التعاملات، بدلاً من استخدام معايير مُختلفة (الفاكس والبريد الإلكتروني). وهذا ما يعنيه أثر التشبيك الاجتماعي. ويوضح الشكل التالي التشبيك الاجتماعي.

تحليل مواقع الشبكات الاجتماعية ( التشبيك الاجتماعي)

تحليل مواقع الشبكات الاجتماعية ( التشبيك الاجتماعي)

 

تعقيب في تداخل المفاهيم:

من خلال مُطالعة الأدبيات والدراسات تراءى للباحث أن مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكات الاجتماعية لديهم بعض التداخل، لكنهما في واقع الأمر مُختلفين كاختلاف الليل والنهار، ولكن يبدو أن هناك تمييزًا واضحًا إلى حد ما بينهُما، يُمكن أن تسمى مواقع التواصل الاجتماعي إستراتيجية ومتنفسا لبث المضامين بأنواعها المُختلفة، في حين أن مواقع الشبكات الاجتماعية هي أداة من أداوت التواصل الاجتماعي وأداة للربط مع الآخرين.

فمواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكات الاجتماعية نوعان من المُصطلحات المُختلفة، يتم استخدامها على حد سواء وفقًا لإستراتيجية العمل. فمع مواقع التواصل الاجتماعي تستطيع أن تقول “أنا هنا” ومع مواقع الشبكات الاجتماعية تقول “أنا هنا لدي بعض الإجراءات والأفكار”.

فَينظُر لمواقع الشبكات الاجتماعية من المنظور العلمي البحت على أنها مجموعة من العُقد/ نقاط التقاء Nodes المُرتبطة مع بعضها البعض بروابط / وصلات Connections، تُمثل علاقات ذات معانٍ مُحددة؛ أي عناصر التشبيك بين المُستخدمين لبناء علاقات اجتماعية. فالشبكة تتكون من عدة عُقد تربط بينها روابط، تُمثل هذه العقد المعلومات والبيانات على شبكة الويب، وهى إما أن تكون نصية أو مسموعة أو مرئية، أما الوصلات فهي عملية التعليم ذاتها وهى الجُهد المبذول لربط هذه الُعقد مع بعضها لتشكيل شبكة من المعارف الشخصية، وهذا ما أكدته النظرية الاتصالية “Connectivism”.

أما مواقع التواصل الاجتماعي فهي جميع المواقع والتطبيقات التي تُتيح للمُستخدم التواصل مع الآخرين، ومنها: المدونات، والمنتديات، ومواقع إضافة المحتوى (الويكي)، وناقلات الأخبارRSS، وغيرها من المواقع والتطبيقات التي تُتيح التواصل بين المُستخدمين، بالإضافة إلى مواقع الشبكات الاجتماعية؛ أي أن مواقع الشبكات الاجتماعية جزءًا من مواقع التواصل الاجتماعي.

          فمواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة لنقل أو تبادل المعلومات مع جمهور واسع، كل ما تحتاجه هو اتصال بالإنترنت، من ناحية أخرى مواقع الشبكات الاجتماعية هى التشبيك بين مجموعات من الناس حول المصالح المشتركة لبناء علاقات اجتماعية، ويُرجع الباحث نتيجة هذا الخلط بين المصطلحات إلى الترجمة الغير دقيقة للمصطلح الأجنبي.

تصنيفات مواقع التواصل الاجتماعي

تصنيفات مواقع التواصل الاجتماعي

المصدر:

أحمد جمال حسن (2015). التربية الإعلامية نحو مضامين مواقع الشبكات الاجتماعية: نموذج مقترح لتنمية المسئولية الاجتماعية لدى طلاب الجامعة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية النوعية، جامعة المنيا، ص (55 – 74).

إعداد الباحث : أحمد جمال حسن . أدى ظهور مواقع الشبكات الاجتماعية إلى نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة وأعطى مُستخدميه فُرصة كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود برقابة محدودة نسبيًا، وأبرزت حراك الشباب العربي أثناء ثورات الربيع العربي، فأصبح هذا النوع من الإعلام قادرًا على التأثير في تغيير ملامح المُجتمعات، وإعطاء قيمة مُضافة في الحياة السياسية، وإنذار لمنافسة الإعلام التقليدي (بشرى جميل، 2012، 2)، ومع هذا لم تظهر الشبكات الاجتماعية في عصر الإنترنت، ولكنها بدأت من أزمنة بعيدة، ذلك لأن الإنسان بطبيعته اجتماعي يحتاج إلى العلاقات الاجتماعية مع الآخرين من أجل البقاء، فقد ساهمت شبكة الإنترنت في دفع العلاقات الاجتماعية…

عناصر المراجعه :

تقييم المستخدمون: 3.23 ( 3 أصوات)
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات