التعليم المبني على المكان والسياق : آفاق ومخاطر

ترجمة مقال

Location-based and context-aware education: prospects and perils

by: Adam Greenfield – New York University

ترجمها وحررها للويب :

د. مصطفى جودت صالح

 

جذور الانتشارية ( نسبة للحوسبة المنتشرة ubiquitous computing )

لقد أصبح الكمبيوتر الشخصي بالنسبة للكثير منا، أحد الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة. وفي فترة زمنية ربت على العقد قامت الكمبيوترات الشخصية المتصلة بشبكة الانترنت بتضمين مهام التوقيع الخاصة بمجموعة عريضة جداً من المنتجات اليومية في العالم الرقمي الخاص به، كالنظم المجسمة وبرامج التخطيط اليومي والمنبهات والآلات الكاتبة، التي أسسنا بها حياتنا فيما مضى. ونحن نستخدم الكمبيوترات الشخصية في كل شيء بدايةً من إعداد جدول مواعيد التزاماتنا الشخصية والمهنية ومروراً بالمحافظة على الاتصال وعدم قطع العلاقة مع الأصدقاء المنتشرين في جميع أنحاء العالم وانتهاءً بمشاهدة الأفلام ولعب الألعاب.

UC

ولكن جميعنا يدرك أن التكنولوجيا لاسيما تكنولوجيا المعلومات ليست تكنولوجيا ثابتة. ومن ثم تنبثق هنا أسئلة مفادها” ماذا قد يأتي بعد الكمبيوتر الشخصي؟ وما النتائج التي قد تترتب نتيجة للجنوح بعيداً عن هذه الأجهزة وطرائق استخدامنا لها، نحو مجموعة غير معروفة حتى الآن من التكنولوجيا والممارسات؟

في بداية عام 1990م، بدأ مارك ويزر الخبير التكنولوجي ومدير مركز دراسات بالو ألتو الأسطوري التابع لمؤسسة زيروكس، في إعلان أول رؤية متسقة لتكنولوجيا المعلومات في الفترة التي تلت ظهور الكمبيوترات الشخصية، رؤية ستُعرف بمصطلح ” الحوسبة المنتشرة “. حيث أنه لم يبحث في مدى صحة المبدأ الهندسي والتجاري المعروف بقانون موور، الذي فيه تتضاعف قوة المعالج المصغر في فترة زمنية تتراوح من ثمانية عشر شهراً إلى عامين، في حين أن حجمه وتكلفته وصلت إلى النصف، ولقد استطرد ويزر واصفاً العالم الذي تأصلت فيه مثل هذه المعالجات وذلك في الكثير من العناصر التقليدية وظاهر الخبرات اليومية. ومن المحتمل أن يظهر الكمبيوتر ذاته، ولكن قدراته على الإحساس والتحكم والتمثيل واستخدام المعلومات ستصبح متأصلة وغير مرئية في كل ما يحيط بنا.

ولقد مرت خمسة عشر عاماً بسرعة، ولقد كان واضحاً أن ويزر لم يكن محقاً في جميع الأبعاد، لاسيما في وصفه للحوسبة المنتشرة كحيز مصمم لهدف محدد ومليء بالأجهزة، ومتضمناً استخدامنا الطارئ للتليفونات المحمولة والانترنت اللاسلكي. وتحاول معالجة المعلومات بصورة كبيرة الهروب خارج تخوم ونطق سطح المكتب واختراق عالم الحياة اليومية، لتظهر في أعرض تشكيلة ممكنة لمنتجات المستهلكين هي Oyster Cards to in-car navigation systems to Nike + bio-telemetric running shoes ، ولقد تحولت الاحتمالات اليومية بصورة واضحة نتيجةً لذلك.

tablets_cars

نحو المكاني والسياقي

تمثلت إحدى نتائج مسيرة موور التي لم تتوقف حتى الآن، في أن نظام تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية بالإضافة إلى محسات الأماكن الأخرى أصبحت أرخص ثمناً وأصغر حجماً وأكثر قوةً في كل لحظة تمر بل وأسهل بصورة مستمرة في التركيب والاستخدام. ولقد أفضت القدرة على استخدام مثل هذه الأجهزة في حزم المحسات المتعددة التي لديها القدرة على تفحص وضعية القمر الصناعي في مقابل محطة – قاعدة الواي فاي أو قوة برج الخلية، إلى تميز هذه الأجهزة بالدقة الكبيرة . وببساطة في التعبير نحن قادرون على منح نسبة أكبر من الأشياء التي نقوم باختراعها، القدرة على وضع ذاتها في المكان والزمان وفق أي درجة من الدقة المطلوبة.

szenbild_1220381

في نفس الوقت نشهد زيادة مستمرة في محركات استنباط العلاقات القادرة على صياغة الظروف على مستوى من التجريد أعلى من ذلك الذي تقدمه خدمات سابقة ، وذلك عن طريق تطبيق الأسلوب الاستكشافي على تلك المدخلات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد يستنبط نظام إدارة المبني الشامل من حقيقة معينة، نموذجاً يقول التالي تفصيله” أنا موجود حالياً على كرسي العمل وتطبيق معالج النصوص الخاص بي يعمل وباب مكتبي مغلق، حيث أنني لا أريد أن يزعجني أحد وبناءاً عليه قد حولت جميع المكالمات الواردة مباشرةً إلى البريد الصوتي”.

من منظور جمعي تتعهد هذه القدرات بتقديم مجموعة متطورة من الخدمات المعلوماتية التي يتم اعتبارها من خلال رؤى مختلفة كخدمات مبنية على المكان وواعية بالسياق. وفي مثل هذه التطبيقات، يعتمد مقترح القيمة للمستخدم على تقديم المعلومات الصحيحة في الوقت الصحيح والمكان الصحيح.

هذا قد يعنى شيئاً في بساطة مراجعة سيارة الأجرة لإحداثياته مكانية دقيقة مع قاعدة البيانات المتصلة بشبكة الانترنت لفروع البنك؛ بهدف عرض مكان أقرب ماكينة صرف ألي . ويمكن أن يكون هذا التطبيق عبارة إعلان تجاري  عبر شبكة الانترنت يتكرر إرساله إلى تليفونك المحمول عندما تمر بمنطقة تتواجد فيها سلسلة محلات Starbucks أو سلسلة ماكدونالد مثلا . من الناحية النظرية هذا يعنى على الأقل خبرة ذات منافع يسيرة مع مستخدمين لديهم القدرة على الحصول على المعلومات من على شبكة الانترنت دون تعريض أنفسهم لمشاكل عديدة وحلول وسط. وعامةً تم الحصول على الأمثلة التي قدمها الباحثون في المجال من الظروف المشتركة للحياة اليومية، أي الطقس اليومي المعروض على مرآة حمامك عند الاستيقاظ وتقرير الشرطة الملصق على زجاج سيارتك الأمامي أو الشريحة الخفية التي يتم وضعها في محفظتك أو في حقيبة يدك، والتي تحيطك علماً بأن أحد أصدقائك على مسافة مئة متر من مكانك الحالي ولديه استعداد لمقابلتك .

google-goggles

رغم ذلك ليس هناك حاجة ضرورية للقول بأن أحد مجالات الممارسة التي كان في الغالب يتم إيرادها والتي كانت تتضمن خدمات مبنية على المكان وواعية بالسياق، هي العملية التعليمية. وتعتبر الفكرة التي مفادها أن التكنولوجيا المنتشرة قد تحاول الوقوف بمنأى عن بعض الأخطاء المؤسسية للعملية التعليمية، كما هو الوضع عليه في البلدان المتقدمة، الأمر الذي يخول المتعلمين القدرة على بناء المعرفة وفق قدراتهم ورؤاهم وبدرجة عالية من الحيوية، فكرة في غاية الإغراء. ومع ذلك قد يتطلب تحقيق مثل هذه الوعود بصورة مثلى، جهوداً أكبر مما كان يتوقعها الرواد التقنيون للحوسبة المنتشرة.

 

صعوبات الاعتماد على السياق

الهدف الأساسي لما يسمى بالتعلم المبني على المكان كما عبرت عنه الجغرافية وأخصائية المعلومات المكانية أنجا كيبفر في إحدى المقالات الصادرة عام 2006م، هي بناء الرابط المكاني ومن ثم الرابط البصري بين عنصر التعلم ومحتوى التعلم، الذي يرمز إلى معرفة وتذكر أفضل. ويصنف المعيار المبني على المكان الواجهات إلى محتوى محلي ومجموعة من النظم التي بدأ المعماريون بصورة كبيرة التعامل معها كنظم قائمة، أي التركيبات أو الواجهات التي يتم وضعها في المكان بصورة دائمة.

01gps_515

على الرغم من صعوبة تحقيق وتنفيذ هذا فنياً، إلا أن هذا المقترح الذي سيلي تفصيله مقترحاً مباشراً: المكان زائد القصص النثري يساوي خبرة رائعة لا يمكن محوها من الذاكرة، مقارنةً بالمكان أو القصص النثري بمفرده. وحتى الآن هناك ثمة صعوبة للمجادلة في ذلك. ولكن كما سنرى إدراك السياق الحقيقي هو موضوع شائك للغاية.

لا غروا في أن المفهوم الذي مفاده أن النظم التقنية الشاملة ستنطوي على بصيرة كافية لفهم الأحداث – الخلافية – التي تقع في بيئاتها ( نسبة الحدث إلى المكان وتفسيره في ظل السياق ) . و لقد بين تيم كيندبيرج وأرماندوا فوكس كباحثين في مجال الحوسبة المنتشرة وأشارا في الورقة البحثية التي قاما بإعدادها في عام 2002م، إلى أن بعض المشكلات التي تظهر بصورة روتينية على اعتبار أنها مشكلات مناسبة للنظم الواعية بالسياق، هي مشكلات صعبة. بمعنى أن هناك تحديات من نفس طراز التعقيد والصعوبة تجابه التصميم الناجح للذكاء الصناعي الذي هو في مستوى الذكاء البشري. وبغض النظر عن تقدم قانون موور، لم يحقق أي تقدم صناعي حدث منذ خمس سنوات أي شيء لتغيير هذه الحالة الأساسية.

 

وفق إدراكنا لنظرية الجشطالت، يكون التحديد الدقيق لنظرية الجشطالت عبارة عن شيء نكونه من مجموعة كبيرة من المثيرات الدقيقة الخفية. وسنبدأ بإلقاء الضوء على نفس الأساسيات التي تلتقطها شبكة من المحسات المنتشرة المتصلة بشبكة الانترنت، والمتمثلة في الأسئلة التالي تفصيلها:

هل هناك أي شخص في الغرفة؟

هل هناك أكثر من شخص موجود؟

هل هناك من يتحدث؟

ولكن فوراً سنبدأ في التخلي عن الأدلة التي يمكن إيرادها وتحديد كمياتها بواسطة أكثر المحسات دقة. ونحن نقوم بتسجيل لغة الجسم للمشاركين ونغمة وحجم أصواتهم واختيارهم للموضوعات والعبارات وحتى العوامل الخاصة بتدوين الملاحظات، مثال ذلك وجود أو غياب الأدوات، ومن هذه الملاحظات نبني حكمنا. ولا شك في أننا نبني حكمنا بسرعة ونحن في غاية السعادة ومن النادر وقوعنا في أخطاء.

من الممكن إضافة الكثير من الأمثلة الأخرى لمثال قاعة المؤتمرات، مثال ذلك معرفة متى يكون الطفل جائعاً ومتى تكون المواجهة استراتيجية أفضل من المصالحة. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الأشياء يمكن أن يدركها الأفراد الذين ليس لديهم حساسية عاليةً بالأمور في الحال، رغم عدم قدرة أدوات الاستنباط الحديثة المتطورة جداً أن تتبين ذلك بأدنى مستوى من التوافق. ولقد تكشف ذلك عن الحقيقة التي مفادها أنه عندما يتعلق الأمر بالتفاعلات البشرية تكون النظم الواعية بالسياق نظماً غير فعالة بالمرة.

 

القيم ubicuo-200هنا

ليس هذه المسألة هي المسألة الوحيدة التي تواجه مستخدمي النظم المنتشرة في البيئة التعليمية المستقبليين. فهناك مشكلة أخرى هي أن أغلبية المشروعات التي اقترحها وصممها حتى هذه اللحظة مهندسون، أو بصورة أخرى أفراد بشريون يتمتعون بدرجةً عاليةً من الكفاءة الفنية، مع عدم امتلاكهم على وجه العموم لمعرفة كبيرة بالعلوم الاجتماعية، فضلاً عن احتمالية تعاملهم مع جميع المشروعات دون استثناء بنفس درجة الشك أو الاحتقار أو العدوانية المطلقة ( هذا في الواقع مسألة خاصة بملاحظتي ورأيي، ولكنني سأتجرأ وأقول أن الكثير من المهندسين انغمسوا في المجال التقني منذ البداية؛ لأن الحقائق التي وجدوها هناك كانت مريحة أكثر لهم من العالم الاجتماعي الفوضوي.

 

يمكن أن تكون النتيجة بل أنها تكون بصورة متكررة عبارة عن تجسيد غير جيد بالمرة في النظم التي يستقونها من المعرفة البشرية والتعلم التي تدرك فئة محدودة من الأفراد في العلوم الاجتماعية أنها معاصرة أو كاملة. وعلى وجه الخصوص هناك ميولاً تاريخياً في تصميم الأنظمة المنتشرة لرسم خرائط استراتيجيات تعليم الأفراد، وفق الطرائق المستخدمة في تدريب النظم الفنية.

 

لقد كان تجلية الهدف بصورة واضحة هي مستخلص الورقة البحثية الحديثة التي تحمل عنوان ” طريقة دعم التعليم المنتشرة المبنية على تحليل نماذج التعلم باستخدام الاستدلال العقلي المبني على القواعد ( تم اقتطافها حرفياً ) والتالي تفصيلها على النحو التالي:

لقد تم اقتراح الكثير من طرائق الدعم المبنية على سلوكيات تعلم المتعلم وحالاته النفسية، المواكبة للتقدم في التعلم المبني على الشبكة. ومع ذلك يمثل التعلم في العالم الواقعي أهم جزء في تعلم الفرد. ولقد أصبحت الدراسات والأبحاث القائمة على طرائق دعم التعلم في العالم الواقعي شيئاً سهل المنال بل وضروري، مع التقدم في التقنيات المنتشرة. وفي هذه الورقة البحثية، نحن نقترح سلسة هرمية من النطق المستخدمة في التقاط معلومات المكان وسلوكيات تعلم المتعلمين بصورة صحيحة فضلاً عن إمكانية وسهولة تقديم الخدمات للمتعلمين. هذا بالإضافة إلى طريقة تحليل نماذج تعلم المتعلم التي تمتد من تعلم تواريخ الأمم بناءاً على نظم التعليم وردود الفعل في النطق الهرمية وتقديم شتى ضروب الدعم للمتعلمين عن طريق استخدام الاستدلال العقلي المبني على القواعد؛ بهدف زيادة فاعلية التعلم ومساعدة المتعلمين في اقتراح إيقاعات تعلم ( حياة ) جيدة.

 

هذا بوضوح كيفية عمل محرك الواجهة، ولكن في محيط علماء نفس النمو لقد أشرت على الأقل إلى أن هيئة المحلفين تبذل جهدها لمعرفة كيفية تكوين بني البشر لإحكام خاصة بالعالم. ومن الجدير بالذكر أن الرغبة في تقديم هاديات مناسبة لضروب مختلفة من المتعلمين تستحق الثناء، ولكن في هذه الحالة البنية المحددة المختارة لمخاطبة المهمة، تبدوا بصورة علنية ميكانيكية.

 

عند استرجاع مثال قاعة المؤتمرات، من المحتمل أن يشير المتعلمون إلى استعدادهم الحقيقي وقدراتهم على تشرب معرفة جديدة بسلوكيات أعرض وأكثر دقة مما هو مشار إليه في البروتوكول المحدد تحديداً واضحاً والذي يسمى بــ ” المنطقة الهرمية “. ويتمثل الخطر في أنه نظراً لأن مثل هذه النماذج أيسر للمهندسين من أن يضعوها في حسبانهم – تعنى أيسر ترجمتها إلى حقائق واضحة ثنائية تحتاجها نظم معالجة المعلومات الرقمية- فضلاً عن أن لديهم ميولاً أكثر نحو مصممي النظم من عمل الانثربولوجيا الوصفية التفصيلي المجهد والذي من الصعب تعميمه والذي يحتمل دعمه لأدوات أفضل.

 

رغم ذلك يتمثل الجانب الإشكالي للورقة البحثية في أخر جملة يتضمنها الملخص وهي أن أي نظام يغرس في مستخدميه إيقاعات حياتية جيدة دون تحديد من يعتقد أن تلك الإيقاعات الحياتية مرغوبة أو كيفية وصولهم إلى هذا الرأي. وتظهر الموضوعات التي تتسبب في حدوث ربكة عندما يتم تشفير مثل هذه التقييمات في نظم التعليم تحت عتبة الإدراك الواعي لمن قام بتصميمها أو لمستخدميها. وهكذا يكون الحال لاسيما عندما يتم استخدام مثل هذه الأنظمة، وكما علمتنا الخبرة سيكون الحال في الغالب هكذا لأفراد غير ذلكم الذين صممتم لهم في الأصل هذه الأنظمة.

 

على سبيل المثال خذ نظام تدريس اللغة اليابانية الأولي الواعي بالسياق الذي يصطلح على تسميته بــ JAPELAS والذي تم إعداده بجامعة توكيوشيما عام 2005م. وتتضمن إحدى مضامين تعلم تحدث اللغة اليابانية معرفة أي المستويات الكثيرة للأدب يكون مناسباً في السياق المعطى وهذا ما سيبدأ نظام JAPELAS في تدريسه. ويحدد نظام JAPELAS التعبير المقابل للموقف المعطى، من خلال محاولة تقييم كل من المسافة الاجتماعية بين المتحاورين وأوضاعهم الشخصية والسياق العام المحيط بهم. وفي هذا النموذج من العالم، يتم التعامل مع السياق بصورة مباشرة كمسألة تتعلق بمكان تواجدك: هل يكون المكان بار بعد الدراسة أو بعد مقابلات الوظيفة أو بعد حفلة التخرج؟ ويتم وصف المسافة الاجتماعية كمسافة بسيطة نسبية لتحديد التالي تفصيله” هل المتحاورون طلاباً في حجرة الدراسة أو هل هم يحضرون في مدرسة أخرى مختلفةً تماماً؟ ولكن لكي يمكنك قياس الوضع الاجتماعي, خصص نظام JAPELAS رتبة لكل شخص في الغرفة وهذا الترتيب هو وظيفة عمر ووضع وانتماءات الطالب.

 

من واقع الملاحظة يبدوا جلياً أن أي من ذلك لا يزعج مواطني اليابان. فبالنسبة لتلك المسألة يوجد سبباً يشير إلى ضرورة وجود ما يثير حفيظة مواطني اليابان رغم عدم وجاهته، وهو أن كل ما قام به نظام JAPELAS هو تشفير قوانين نظام تقني معين للتعبير اللغوي، مشتقه بصورة أساسية من العادات والتقاليد الخاصة بالمكانة الاجتماعية الموجودة بالفعل في الثقافة. ويقوم أي متحدث للغة اليابانية بهذه التحديدات مثل هذه التحديدات التي نحن بصدد الحديث عنها مئة مرة باليوم، دون حتى التفكير فيها ولو مرة، مثال ذلك طالب السنة الرابعة يفوق في المكانة صف السنة الأولى والمدرس المساعد يفوق في المكانة الطالب والأستاذ المثبت يفوق في المكانة المدرس الزائر. وبالنسبة لمواطني اليابان هذا الترتيب يتسم بأنه ترتيب طبيعي وواضح.

 

أما بالنسبة لمجموعة كبيرة من الأفراد تدرس مثل هذه الأنظمة، وأنا أحد أفرادها، تمثل كتابة مثل هذه الفروق في منطق مستمر لنظام معالجة معلومات، مصدراً لقلق وإزعاج مستمرين. ولا ريب في أن نظام JAPELAS ليس إلا أداة تدريسية فضلاً عن أنه نموذجاً أولياً، ومن ثم يمكن عدم الوقوف على أي فارق معين يتسبب فيه، وفوق ذلك يمكن توقع تمرس متحدثو اللغة اليابانية على نفس المجموعة من القواعد بمساعدة أي معلم إنسان. ومع ذلك سيكون من المحبط التفكير بمدى سهولة تشفير مثل هذه الفروق إلى شيء ما يتسم بالحيادية والمصداقية، والتفكير في القوة التي لديهم عندما يتم التعبير عنه من خلال هذا المصدر.

 

هذه القوة تتضاعف من خلال انتشار هذه الفئة من التطبيقات. وفي نظم التعلم القديمة المبنية على الكمبيوترات الشخصية، تم أيضاً ملاحظة نظم إشكالية مماثلة، فعلى الأقل قاموا بذلك في أطرهم المرجعية. ويمكن أن تعطي نفس سمة التطبيقات المنتشرة التي تضفي عليهم حيوية وتأثيراً غير مسبوقين – حيث يظهر تأثيرهم هنا في العالم الذي نعيش فيه في مقابل محدودية تخوم الشاشة – التنظيم الاجتماعي والتنظيمات الأخرى الكامنة فيها تقريباً قوة غير مناسبة. ولا شك في أن هذا الميول أحياناً يتم استخدامه بطريقة مدركة، على سبيل المثال لا الحصر يعترف مصممو الألعاب بالإضافة إلى منهجية بوجست البلاغية الإجرائية، ويلقون الضوء على الحقيقة التي تفيد بأن المصمم حمل شفرتهم بأحكام القيمة في محاولة لتغيير سلوكيات المستخدم. ولكن في الغالب تُترك مثل هذه التقييمات غير واضحة وغير مفسرة.

 

الألعاب والأساليب الجديدة الأخرى للتعلم

تتمثل أحد الجوانب الواعدة جداً للتعلم المبني على المكان، في احتمالية تقديمه بصيصاً من الأمل لهؤلاء الذين يجدون ثمة صعوبة لنهل التعلم من الكتب أو من خلال الحجرات الصفية التقليدية. وعلى وجه الخصوص يبدو أن الألعاب والمحاكاة المنتشرة تقدم محتوىً تعليمي بطريقة مماثلة لمجموعة عريضة من أساليب التعلم.

فكر في Big Games التي قامت بتصميمها منطقة الشراكة في التصميم الموجودة في مدينة نيويورك. وهذه هي التحديات المادية التي ظهرت على أرض المدينة رغم إضفاء تغييرات رقمية عليها، على سبيل المثال لا الحصر تم إعطاء لاعبوا لعبة capture – the – flag game Crossroads، سماعات رأس مجهزة بنظام تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية والتي تشير إلى شبكة مربعه من المباني لـ Manhattan’s West Village والتي عليها تم رسم خريطة لموقعهم والتي عليها أيضاً يتنافسون ليس فقط مع لاعب بشري أخر ولكن من خصم افتراضي يسمى dread Baron Samedi of voodoo lore

 لتعضيد المناقشة التي أقامها كيبفير في أعلاه، سأقوم بصورة جزئية بالتأكيد على أن خبرة ممارسة لعبة Crossroads هي خبرة رائعة، وبصورة أكثر وضوحاً يمر الشخص خلال حيز واقعي متزامناً ذلك مع مروره خلال حيز تمثيلي للعبة فضلاً عن قدرته لأول مرة على الربط بصورة عميقة بين ما تم إجراؤه بالجسم وما يحدث على الشاشة. وما يفوق ذلك أنني تعرضت لإثارة شديدة جراء منهجية ساميدي Samedi الذي لم تكن أقل رعباً أو تهديداً لمجرد أنها لا تمثل إلا مجموعة نقاط بيكسل تتحرك أعلى وأسفل شاشة عرضها اثنتي عشر سنتيمتر.

 

من السهل تخيل التعليم التاريخي لاسيما إذا كانت تدعمك التقنيات التالي عرضها: من الواضح أن القدرة على وضع ما تم تدريسه في السياق الحقيقي الذي حدث فيه، ستكون ثمينة – على سبيل المثال لكي يعتد طالب بقوته البدنية، سيتعجب قائلاً يا لصغر نطاق المدينة التي توجد بها نقابة الصناع والتجار في العصور الوسطي محدودا، أو حتى تعقب الهجمات والدفاعات التكتيكية للمعارك التاريخية العظيمة على الأرض المعنية.

 

على غرار ذلك، صمم كارين شراير، المصمم الذي يعمل لحساب شبكة نيكولديون لألعاب الأطفال التي مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، لعبة سماها ” Reliving the Revolution or RTR in 2006 . ولقد استخدمت هذه اللعبة أجهزة محمولة لوضع المعلومات على أرض الحرب الثورية لكل من Lexington and Massachusetts، فارضة أدوار ومهام على اللاعبين؛ بهدف تحفيزهم من خلال الحصول على ما قد سجلوه بالكاد كمعلومات تاريخية. لاحظ أيضاً كيف نجح التحول من طالب إلى لاعب في القيام بنفس الشيء تماماً هنا.

هذه اللعبة هي الخطوة الأولى، ولكن هناك ثمة شك أن هناك وعوداً هائلة لتضمين الألعاب الكمبيوترية التي هي على شاكلة لعبة Crossroads والتي تقوم بمهام تعليمية واضحة تفوق الدعايات المبتذلة التي تؤكد أن ” التعلم مصدراً للبهجة “. وما يفوق ذلك أن تقنيات الواقع المزيد وجدت مكانها بالفعل في المجال التعليمي الأعرض، لاسيما في التدريب المهني لموظفي الصيانة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يزج موظفو شركة الملاحة الجوية رؤؤسهم عبر باب خدمة صغير لطائرة خطية وعمل مسح لكتلة من الكابلات تواجههم، ومن الجدير بالذكر أنهم حصلوا على أجهزة بصرية تساعدهم في تبين أي الكابلات خاص بأي النظم الفرعية وأي الكابلات في حاجة إلى إعادة توجيه وأي منها في حاجة ماسة إلى قطع وإزالة.

 

ستغير مثل هذه الصور المندمجة المعلوماتية التي امتدت إلى معترك إحدى المدن، لاسيما عندما توافرت للمحتوى الذي قام بإعداده المستخدم، الطرائق التي نستخدمها في التدريس وفي التعلم تغييراً جذرياً وكما يقال لابد من أن تفهم ديناميكيات النظام المعماري الذي يتحكم في الأماكن التي نعيش فيها. وببساطة إذا كان لديك القدرة على بناء خرائط للعلاقة والاستخدام، – أنظر على سبيل المثال إلى خرائط التقييمات العقارية للمنازل التي قام بنشرها الموقع الالكتروني Zillow.com – سيفضي ذلك إلى إظهار وتبيان الكثير من الأشياء الكامنة عبر تاريخ السكن البشري، مخولاً المخططين في المدينة الفرصة لاتخاذ قرارات أكثر حكمة لتخصيص الموارد. وإن لم يكن هناك شيء أخر تعد هذه القدرة المكتشفة حديثاً على تسجيل آراءنا الشخصية مليون مرة وأرشفتها، نعمة لعلماء الاجتماع المستقبليين الذين سيتمتعون بفهم أفضل لا يمكن تصديقه منا في الوقت الراهن وذلك للجغرافية الاقتصادية ونماذج الاستخدام الحضري – أي أن التعلم سيكون على نطاق أعرض وبأقصى عمق له.

 

طرائق جديدة للتقييم

قد يكون التقييم الكمبيوتري المعدل الذي خلاله تكوين وعياً بالسياق بحذر وحيطة مناسبة، إلى حد ما أقرب إلى إثبات فائدته. وفي الواقع تم تكريس جٌل الدراسات في نظم التعليم المنتشر حتى الآن إلى ما يسمى بأدوات التقييم المحمولة.

 

لا غروا في أن فكرة التقييم الكمبيوتري المعدل بسيطة ولذا من الصعب توجيه النقد إليها؛ نظراً لأن الاختبارات يتم إعدادها إعداداً ديناميكياً في وقت حقيقي استجابةً لإجابات الأفراد الذين خضعوا للامتحان على الأسئلة السابقة. ويمكن أن تبرر صعوبة الأسئلة المتتالية النماذج التي تفوق مجرد التصحيح، على سبيل المثال لا الحصر، الوقت الإضافي المطلوب للإجابة على سؤال معطى. وتتضمن المبررات التي تم تقديمها للتقييم الكمبيوتري المعدل أنه من المفترض أن يزيد من الكفاءة ويقلل من القلق لدى الطلاب بل وأنه يقدم صورةً أكثر دقة لمقدرة الأفراد الذين يخضعون للامتحانات الحقيقية، مقارنةً بالطرائق التقليدية للتقييم.

 

يبدوا أن من المعقول جداً اقتراح انتشار شبكات المحسات البيئية القوية والرخيصة الثمن سيجعل مؤشرات الأداء الأخرى متاحة للسلطة الممتحنة. ومن المحتمل استخدام لاسيما المقاييس الحيوية التي من السهل الحصول عليها، مثال ذلك معدلات النبض والتنفس ودرجة الحرارة وتمدد بؤبؤ العين والاستجابة المنبهة للجلد، ليس فقط في تقييم مستوى قدرة الطالب ولكن في مستوى ارتياحهم حيال هذه القدرة.

 

ومن منظور إيجابي يقدم هذا احتمالية تفيد لأنه من الممكن أن يماثل ذلك التقييم إلى حد كبير، ما يفترض أن يكون من الناحية النظرية أداةً مستخدمة في إنتاج مخرجات تعليمية أفضل، فضلاً عن أن هذا التقييم لا يمثل غايةً في ذاته. ولا بد من الترحيب بأي شيء يساعد الطلاب في الحصول على رؤية دقيقة لاستدعائهم واستيعابهم للمعرفة بالسرعة والأسلوب اللذين يتناسبا معهم للغاية. ومع ذلك هناك مخاطر أخرى واضحة أيضاً، لاسيما أن المجموعة الأعرض من الخبرات اليومية ستصبح موضوع التقييم والتنظيم والتدريج. وأي فوائد قد يتم الحصول عليها من التقييم الكمبيوتري المعدل الواعي بالسياق، لا تعبر عن المنهج الدراسي المستخدم أو حتى عن المحتوى الذي هو قيد الاختبار. ومن الجدير بالذكر أن هذا ليس له أي أهمية في فترة زمنية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، تخلى فيها مجموعة كبيرة من الأفراد عن الاستدلال العقلي والعلوم والتفكير العقلي والطرائق ذات الصلة بهم.

 

دائماً أفق جديدة

أخيراً وليس أخراً، من المثير أن تقدم النظم التي نقوم بمناقشتها وعداً حقيقيا بخلق بيئة دعم مرنة وموزعة يمكن خلالها نقل استراتيجيات التعلم الالكتروني المعاصرة من على سطح المكتب. وتعتبر الفكرة التي تفيد بإمكانية تحول أي مكان إلى حجرة صفية، فكرة شائقة في سياق الأقطار النامية، ولكن في أي مكان تغيب فيه بيئات التعليم الرسمي أو تدهور أو حتى تحاط بالخطر، يمثل ذلك مصدراً للقلق.

 

بالطبع لابد من الاعتراف بأن التعليم يتنافس مع الكثير من الامتيازات الأخرى لاستخدام بنية المعلومات التحتيه المحلية وذلك لمجموعة عريضة من الأسباب الاجتماعية والوجدانية وكذلك النفسية، وغالباً ما يتم اعتبار هذه المطالب الأخرى مطالب ملحة. ويجب أن يعلق في الذهن أيضاً أن التكنولوجيا المنتشرة التي تشكل أساس الوعد بتعلم مبني على المكان، تعنى أيضاً أن أي غرفة يمكن أن تكون مكتباً أو أرضية تجارية أو سينما أو حتى محل حلوى، ولا يزال من المشجع التفكير بما يمكن إنجازه على مفترق طرق المكان والسياق الاجتماعي والنظم المصممة تصميماً مناسباً.

 

ما يقع على المحك هو إعادة تقييم ما نعنيه عندما نقول مصطلح ” التعليم”. ويمكن إعادة تصور أنواعاً معينةً من المعرفة كأحد خواص المكان نفسه، وذلك كشيء يماثل إلى حد كبير الأماكن العبقرية من أي شيء نعتبره كدرس من الدروس، وذلك بدلاً من أي شيء مجرد ومنفصل عن السياق الذي يضفي المعنى والأهمية. ولا مراء في أن تدريس فروع معرفة متعددة مثل الاقتصاد والتاريخ والفيزياء والتشريح، سيتم تحويله عن طريق العناصر والتعاملات التجارية والأماكن التي تتميز بالقدرة على التعبير عن نفسها – هي قدرة متأصلة تقريباً في جميع مخططات استخدام المعلوماتية المنتشرة التي يتم التأمل فيها في الوقت الراهن.

 

سيعتمد نجاح أو فشل مثل هذه المبادرات، إلى حد كبير على القرارات التي تم اتخاذها على مستوى بنيتهم وكذلك على التواضع والواقعية المستخدمة في ابتكار مثل هذه المبادرات. ويتمثل الدرس الواضح للعقد الأخير من الدراسات في المسألة، في أن الوعد المتضمن في التقنيات المبنية على المكان والواعية بالسياق حقيقي ولكن الإيفاء بذلك الوعد لاسيما في المجال التعليمي، سيعتمد بصورة رئيسة على درجة البصيرة والحساسية التي لدى المصمم.

 

بناءاً على كوني طالباً لنظم معالج المعلومات المنتشرة وتطويرها واستخدامها لفترة طويلة من الوقت، أرى أنه من الخطأ تماماً أن نتعامل مع مثل هذه النظم كنظم تقنية من حيث الطبيعة، أي أن استخدامها المستقبلي في الحياة اليومية بجانب البلايين من المستخدمين الغير متخصصين، سيفضي بها إلى بيئة العلوم الاجتماعية. وفي نفس الوقت الذي كان يتحدث فيه مارك ويزر عن تكنولوجيا المعلومات التي كانت غير مرئية، يذكرنا في الوقت ذاته أن التكنولوجيات الأكثر عمقاً هي تلك التكنولوجيات التي تختفي. ولا شك في أن المسئولية التي تقع على هؤلاء الذين يصممون ويطورون ويستخدمون أي من هذه التكنولوجيا، لاسيما هؤلاء الذين يستغلونها في التدريس والتعلم، واضحة وجلية ذاتياً

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات