مؤشرات التعليم في ضوء تقرير التنافسية العالمي 2014/2015

dar

المنتدى الاقتصادي العالمي هو منظمة دولية تضم كبار الممثلين عن مجتمع الأعمال الدولي وكبار صانعي السياسات في الحكومات ويعمل من أجل تعزيز التفاهم الدولي لمفهوم القدرة التنافسية.
ويعتبر تقرير التنافسية العالمي مرجعا اقتصاديا لرجال الأعمال والمال في العالم ويعتمد عليه بشكل كبير في كيفية تحديد اتجاهات الاستثمارات الأجنبية والدول التي ينبغي الابتعاد عنها، ولقد زاد اهتمام دول العالم بهذا المؤشر في السنوات الأخيرة لرفع مستوى تنافسيتها بين دول العالم وتحسين رتبها، حيث إنه يشكل مقياساً لمستوى التنافسية يتلوها التحليل للتشخيص وتحديد أولويات الإصلاح ، وللاستفادة من الميزات التي يوفرها الاقتصاد العالمي والتقليل من سلبياته. ويرى الخبراء أن الدول الصغيرة أكثر قدرة على الاستفادة من مفهوم التنافسية من الدول الكبيرة، حيث تعطي التنافسية شركات الدول الصغيرة فرصة الخروج من محدودية السوق الصغير إلى الأسواق العالمية وحيث إن المؤسسات هي التي تتنافس في الأسواق المفتوحة وليس الدول، فإنه على الدول إيجاد البيئة المناسبة التي تمكن المؤسسات من تملك قدرات تنافسية والقدرة على رفع مستوى معيشة أفراد دولها، باعتبار أن المستوى المعيشي لمواطني أي دولة مرتبط بشكل كبير بقدرة مؤسساتها على المنافسة في الأسواق العالمية سواء كان ذلك من خلال التصدير أو الاستثمار الأجنبي المباشر.
بداية يجب أن ندرك أن التطورات العلمية والتكنولوجيا والتغيرات الاقتصادية التي استجدت خلال العقود الماضية أدت إلى تغيير عناصر التنافسية المتعارف عليها في المفهوم القديم المتمثلة في قدرات الدولة ومواردها الطبيعية وتوفر اليد العاملة الرخيصة، والموقع الجغرافي الذي يسمح لها بالإنتاج بأسعار تنافسية، إلى مفهوم الميزة التنافسية التي تتمثل في اعتماد الدولة على التكنولوجيا والعنصر الفكري في الإنتاج، نوعية الإنتاج وفهم احتياجات ورغبات المستهلك، مما جعل العناصر القديمة المكونة للميزة النسبية غير فاعلة ومحدودة الأهمية في تحديد التنافسية.

تعريف التنافسية ومنهجية إعداد التقرير

الجدير بالذكر انه توجد العديد من التعريفات للقدرة التنافسية من ضمنها تعريف التنافسية العالمية لعام 1998 ، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي ، بـ (قدرة البلد على تحقيق معدل مرتفع ومستديم لنمو حصة الفرد من الناتج المحلي الحقيقي ، مع مراعاة الدخل ، والسياسات المناسبة ، والمؤسسات ، وغيرها من السمات الاقتصادية)، وبالتالي نجد أن القدرة التنافسية تتطلب توفير سوق حرة وعادلة ، لكي تتمكن الدولة من إنتاج سلعة أو خدمة معينة يمكنها اختراق الأسواق المحلية والخارجية وتحصل منه على عوائد تتمكن بموجبها من زيادة الدخل الحقيقي للفرد على المدى البعيد ويتم احتساب مؤشر التنافسية العالمية لكل دولة استنادا إلى أدائها في ثلاث ركائز رئيسية تضم 12 عنصرا من الركائز التنافسية تشكل معا صورة شاملة عن طبيعة تنافسية الدول المتطلبــــات الأساسيــة ومحفزات الكفــــــة وعوامل الابتكار والتطور.
لقد تم احتساب تصنيفات المؤشر من البيانات المتاحة علنا والاستطلاع التنفيذي للآراء، وهو مسح سنوي شامل يجريه المنتدى الاقتصادي العالمي مع شبكته من المعاهد الشريكة. خلال ذلك العام، حيث تم استطلاع آراء 14000 من القيادات الاقتصادية في 144 اقتصادا وتم تصميم الاستطلاع للتعرف على نطاق واسع من العوامل التي تؤثر على المناخ التجاري لاقتصاديات تلك الدول .

من المهم الإشارة إلى أن منهجية التقرير يعتمد على استطلاعات الرأي ، وهي تشكل ما نسبته 70% من وزن المؤشر، ثم البيانات والإحصاءات وغيرها من مصادر تشكل 30% من وزن المؤشر. وأن نتائج المؤشر ليست بيد مؤسسة واحدة، بل هي نتيجة عمل كثير من المؤسسات التي قد لا ترتبط بعضها البعض بشكل مباشر. فمثلا، هناك مؤشرات لها علاقة مباشرة بممارسة الأعمال التجارية من قبيل مهام وزارة التجارة والصناعة مثل المدة اللازمة لتأسيس الشركات، والمنافسة المحلية، ومعوقات التجارة عبر الحدود، ومستوى توجيه وتثقيف الزبائن، وأخرى بيد وزارة العمل مثل ممارسات الفصل والتوظيف، وتوافر العلماء والمهندسين، وبعضها بيد الشركات ورجال الأعمال مثل إنفاق الشركات على البحث والتطوير، وكفاءة مجالس إدارات الشركات، وفي الوقت ذاته هنالك العديد من المعايير غير المرتبطة مباشرة بالتجارة وجذب الاستثمارات مثل حالات الملاريا، ونسبة الالتحاق بالتعليم المتوسط، ونسبة الالتحاق بالتعليم العالي، واستخدام الإنترنت، وبراءات الاختراع، والمدفوعات غير القانونية والرشا.
وهكذا فنحن أمام مؤشرات تشمل مدى التطور المعيشي للدولة ولا تنحصر على قدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات العالمية، وبالتالي العالم يعيش في سباق وفي كثير من الأحيان مركزنا يبدو أحيانا كأنه متراجع ولكن الواقع يشير إلى أن سبب التراجع تحسن الوضع في الدول الأخرى وعجزنا عن تحسين مستوى أدائنا والاستمرار في التحسين .

الدول الحاصلة على مراتب متقدمة

وفقا لمؤشرات تقرير التنافسية العالمية فقد تصدرت سويسرا المرتبة الأولى في المؤشر للعام السادس على التوالي، فيما لا تزال سنغافورة في المرتبة الثانية وفنلندا في المرتبة الرابعة وألمانيا في المرتبة الخامسة بعد تراجع كليهما مرتبة واحدة. فيما صعدت ثلاث درجات لتحتل اليابان المرتبة السادسة ، واستقرت هونج كونج في السابعة ، بينما تمكنت الولايات المتحدة من تحسين وضعها التنافسي للعام الثاني على التوالي ، لتتقدم مرتبتين وتحتل المركز الثالث على خلفية المكاسب التي حققتها في مجالي الإطار المؤسسي والابتكارات. أما في أوروبا، فاحتلت هولندا المرتبة الثامنة، والمملكة المتحدة في المرتبة التاسعة مرتفعة مرتبة واحدة. بينما حلت السويد في المرتبة العاشرة ضمن أعلى 10 اقتصادات تنافسية في العالم.

نقسم التقرير إلى ثلاثة مجموعات تضم (12) محورا رئيسيا ، يندرج تحتها أكثر من 100 مؤشر فرعي، حيث يقدم ترتيبا لجميع المجموعات والمحاور والمؤشرات مع الاختلاف في أهميتها النسبية:

* مجموعة المتطلبات الأساسية (Basic Requirements) وتضم:

1) محور المؤسسات (Institutions)

2) محور البنية التحتية (Infrastructure)

3) محوراستقرار الاقتصاد الكلي(Macroeconomic Stability )

4) محور الصحة والتعليم الأساسي (Health & Primary Education)

*مجموعة محفزات الكفاءة (Efficiency Enhancers) وتضم:

5) محور التعليم العالي والتدريب (Higher Education & Training)

6) محور كفاءة السوق (Goods Market Efficiency)

7) محور كفاءة سوق العمل (Labor Market Sophistication)

8) محور كفاءة الأسواق المالية (Financial market Sophistication)

9) محور الجاهزية التكنولوجية (Technological Readiness)

10) محور حجم السوق (Market Size)

*مجموعة عوامل الابتكار والتطوير (Innovation & Sophistication Factors ) وتضم:

11)  محور تطور بيئة الأعمال  (Business Sophistication)

12) محور الابتكار (Innovation)

الدول العربية بتقرير التنافسية العالمي :

ضم تقرير التنافسية العالمية 14 دولة عربية ، واحتلت دول مجلس التعاون الست مراكز متقدمة في التقرير حيث احتلت دولة الإمارات مركز الصدارة بين الدول العربية وكذلك دول الشرق الأوسط، حيث تبوأت المركز 12 عالميا، متقدمة بسبعة مراكز عالميا من الترتيب 19 عالميا في العام الماضي، وهو تطور كبير، والواقع أن هذه هي السنة الرابعة على التوالي التي يتقدم فيها مركز الإمارات، كما أنها الدولة الوحيدة التي تحسن ترتيبها الدولي لهذا العام بينما تراجع ترتيب باقي دول مجلس التعاون، وهو ما يعكس ما قامت به الإمارات من إصلاحات لتعزيز درجة تنافسيتها العالمية، التي شملت الإصلاحات المؤسسية، حيث تحتل كفاءة المؤسسات في الإمارات المرتبة السابعة على المستوى الدولي، وتعزيز البنى الأساسية المركز الثالث عالميا، يعززها في ذلك وضع اقتصادي قوي على المستوى الكلي، حيث تحتل المركز الخامس عالميا بالنسبة لاستقرار اقتصادها الكلي. أما بالنسبة لكفاءة نظام التعليم العالي والتدريب فتحتل الإمارات المركز السادس عالميا، كما تحتل المركز الثالث عالميا بالنسبة لكفاءة سوق السلع، والمركز الثامن عالميا بالنسبة لكفاءة سوق العمل، وهي عوامل جميعها تعد حيوية في حساب مؤشر التنافسية لدول العالم.
وتراجع ترتيب قطر هذا العام بين دول المجلس إلى المركز الثاني، كما تراجع ترتيبها العالمي من المركز 13 إلى المركز 16، على الرغم من ارتفاع درجة استقرارها الاقتصادي

مصر في تقرير التنافسية العالمي :

للأسف تراجع ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية إلى المركز 119 من بين 144 دولة كما تراجع بنسب متفاوته على مدار الخمسة اعوام الماضية , حيث كان الترتيب النسبي للمتطلبات الأساسية في مصر لعام2010 (58.3%) وعام 2011 (%66.2), وفي عام 2012(%74.3), بينما تراجع عام 2013 إلى (%79.7) ولعام 2014- 2015 (%82.6).
وأشار التقرير إلى أنخفاض ترتيب مصر في مجموعة مؤشرات “الأعمال والإبتكار”,من عام 2010 الي عام 2014 من (66.7%) الي( 78.8%) على الرغم من تحسن ترتيبها في ” محفزات الكفاءة من (70.1 الي 73.4%).
فى حين تراجع أداء مصر في معظم الركائز الأثنتى عشرة لمؤشر التنافسية العالمي, وهي ركائز ( البنية التحتية, المناخ الاقتصادي والكلي, الصحة والتعليم الأساسي, التعليم العالي والتدريب, كفاءة سوق السلع, كفاءة سوق العمل, تطور سوق المال , الأستعداد لتبني وتطبيق التكنولوجيا الحديثة, حجم السوق, تطور الأعمال, الإبتكار, والمؤسسات) مما أدى لحصولها على نقاط أقل في هذه الركائز,وتراجعها إلى المركز 119 من 144 دولة متأخرة بذلك عن العام الماضى الذى حققت فيه المركز 118 ،و أنخفض أداء مصر في معظم الركائز بالمقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
ولفت التقرير إلى تراجع ( حصة الشركات المحلية في قنوات التوزيع الدولية, سهولة الأفتراض, وتوافر الخدمات المالية وغيرها ) في مصر مقارنة بالعام الماضي
و أقترح تقرير التنافسية العالمية تحسين مصر من خلال تطوير أداؤها في مؤشرات “محفزات الكفاءة” و”الأعمال والإبتكار” مثل أفضل الدول العربية كالإمارات والأردن. وكان من أهم الرسائل التى وجهها التقرير لمصر من اجل تحسين أدائها: ضرورة تعزيز المنافسة خاصة في القطاعات الإستراتيجية بازالة عوائق الدخول الي الأسواق, وزيادة مرونة أسواق العمل كربط الأجر بالإنتاجية وتوفير الإدارات الإحترافية, ورفع كفاءة المؤسسات العامة وذلك عن طريق فصل الملكية عن الإدارة, كما انه لا يمكن زيادة الإنتاجية وتعزيز التنافسية بدون إصلاح الإختلالات الإقتصادية الكلية, لا سيما عجز الموازنة وتفاقم الدين العام وإستمرار الضغوط التضخمية

التعليم في تقرير التنافسية العالمي :

بمراجعة موقف مصر في محفزات الكفاءة ، فنلاحظ أن ترتيب مصر كان كما يلي ، ففي جودة التعليم تقع مصر في المرتبة (141)، وجودة التعليم العالي والتدريب (111)، وانخفضت مشاركة الإناث في سوق العمل لتضع مصر في المرتبة (139) بخصوص ذلك البند، وعدم الربط بين الإنتاجية والأجر (131) ،وبشأن موقف مصر في تطور الأعمال والابتكار؛ فجاءت في المرتبة (135) وفي جودة مؤسسات البحث العلمي، و إنفاق الشركات على البحث العلمي (133)، والتعاون بين الجامعات والصناعة في البحث والتنمية (133).

وبناءً على تلك النتائج فقد جاء المؤشر العام لمصر حاليًا (3,60) محتلة الترتيب 119 بين 144 دولة.
وأشار موقع اليوم السابع بمزيد من التفصيل أن مصر احتلت المركز 141 فى جودة التعليم الأساسى بنسبة 2.2%، ورقم 136 فى تعلم الرياضة والعلوم بنسبة 2.4%، والمركز رقم 136 بنسبة 2.4% فى تعلُم الرياضة والعلوم، بينما حصلت فى الاهتمام بالبحث والتدريب على ترتيب 124 بنسبة 3.2%. وجاء ترتيب مصر 131 بنسبة 2.5 % فى وصول الإنترنت إلى المدارس، أما عن المراكز الخاصة بنسب الالتحاق بالتعليم فكانت للمرحلة الثانوية الدولة رقم 81 بنسبة 86.3 %، وللتعليم الجامعى 80 بنسبة 30.1%.

فجوة بين الشمال والجنوب

وما تزال هناك فجوة بين دول الشمال من ناحية، ودول الجنوب والشرق المتأخرة من ناحية أخرى. وتظهر هذه الفجوة في التنافسية بين دول القارة الأوروبية التي تطبق الإصلاحات وتلك التي لا تطبقها.

وتواصل أكبر اقتصادات الأسواق الناشئة في العالم مواجهة الصعوبات، فيما يتعلق بتحسين التنافسية، فقد تراجعت كلّ من المملكة العربية السعودية (24)، وتركيا (4 )، وجنوب أفريقيا ( 56 )، والبرازيل ( 57 )، والمكسيك (61) و الهند (71) وونيجيريا ( 127 ). وحققت الصين ( 28 ) بمركز واحد لتحافظ على مكانتها كأعلى دولة في مؤشر التنافسية بين دول مجموعة “بريكس”.

تباين صارخ

وفي القارة الآسيوية، كشف التقرير عن تباين صارخ مع ملاحظة ديناميكيات التنافسية في جنوب شرق آسيا حيث احتلت سنغافورة المرتبة (2)، وهي ضمن أكبر خمس دول ضمن مجموعة آسيا (5) تليها ماليزيا (20) وتايلاند (31) وأندونيسيا (34) ثم الفلبين (52) وفيتنام (68)، وقد أحرزت هذه الدول جميعها تقدمًا في الترتيب.

وتعدّ الفلبين أكثر دول القارة تحسنًا في التنافسية بشكل عام منذ 2010. وفي المقابل، فقد تراجعت دول جنوب آسيا، باستثناء الهند التي جاءت ضمن النصف العلوي من مؤشر التنافسية العالمي.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات