أهم توجهات تكنولوجيا التعليم في 2016 ( الجزء الأول )

Dr. M. Gawdat د. مصطفى جودت

د. مصطفى جودت

مع مطلع 2015 نشرت مقال حول أبرز توجهات تكنولوجيا التعليم في مطلع العام ، واستكمالا للمقال السابق ومع مطلع عام 2016 أقوم بحصر أهم التوجهات المسيطرة على الكتابات في مجال تكنولوجيا التعليم ، وقد اعتمدت في تجميع المعلومات على الدراسات التحليلية و المقالات القائمة على رصد التكنولوجيا ، فضلا عن التحليلات الببليومترية للنشر في مجال تكنولوجيا التعليم ، وسيتم تقديم هذه التوجهات على جزئين هذا الجزء الأول منهما.
إن المراجع للكتابات في مجال تكنولوجيا التعليم بشكل عام والتعليم الإلكتروني على وجه الخصوص يلاحظ بادئ ذي بدء أن اهتمام المؤسسات بالتعليم والحاق منسوبيها ببرامج التدريب أثناء الخدمة مازال مهيمنا ، لكن من ناحية أخرى فإن شكل التعليم الإلكتروني بدا مغايرا نتيجة هيمنة عدة توجهات عليه، ويمكن أن أوجز أبرز توجهات التعليم الإلكتروني في 2016 في الآتي :

 

3

  1. الاهتمام بالبيانات الضخمة Big Data في تحليل بيانات المتعلمين أثناء تفاعلهم مع بيئات التعلم المختلفة : هي عبارة عن مجموعة من البيانات الضخمة جداً والمعقدة لدرجة أنه يُصبح من الصعب معالجتها باستخدام أداة واحدة فقط من أدوات إدارة قواعد البيانات أو باستخدام تطبيقات معالجة البيانات التقليدية. حيث تشمل التحديات الجمع ، والمعالجة ، والتخزين، والبحث، والمشاركة، والنقل، والتحليل والتمثيل البصري ، وقد لا يبين النعت “ضخمة” قدرا معينا من البيانات ولكن فإن ما يقدر بـ 90 في المائة من البيانات الموجودة في العالم اليوم قد استُحدثت خلال السنتين الأخيرتين، بواسطة آلات وعلى أيدي بشر يسهم كلاهما في تزايد البيانات.
    اعتبارا من عام 2012، كانت الحدود المفروضة على حجم مجموعات البيانات الملائمة للمعالجة في مدة معقولة من الوقت خاضعة لوحدة قياس البيانات إكسابايت، إلا أن هذه السعة لم تعد كافية في مجالات مثل محركات البحث ، ونظم الاستشعار عن بعد ، وأنظمة الفضاء والاتصالات ، ويكفي أن نعلم أن البيانات تتضاعف عن الفرد الواحد مرة كل 40 شهر وأصبح اليوم قدر إنتاج البيانات يوميا نحو ينشئ 2.5 كوينتيليون بايت ( 2.5 × 1018) من البيانات يوميا ، هذا النوع من البيانات يصعب التعامل معها من خلال تطبيقات التحليل الاحصائي التقليدية ، بل يحتاج تطبيقات متطورة تعمل عبر آلاف الخوادم حول العالم .
    يكفي أن نعرف أن تحليل بيانات الأجهزة المحمولة في مدينة ما قد ترسم السياسة المرورية فيها ، وأن تحليل البيانات الواردة من محركات البحث قد تعد العامل الأهم في وضع سياسات التسويق والإعلام. ولم يكن ميدان التعليم عن هذه البيانات ببعيد، فإن تحليل نتائج محركات البحث وتحليل الاستشهادات المرجعية في البحوث العلمية وسلوك الباحثين في قواعد البيانات الأكاديمية وحتى مشاركات الطلاب عبر الشبكات الاجتماعية أصبح أحد العوامل التي ترسم ملامح السياسات التعليمية وبناء استراتيجيات تعليمية ناجحة.

    Underwater view of big iceberg with beautiful polar sea on background - illustration.

    إن طبيعة إنتاج البيانات في عصرنا الحالي يجعل مما يطلق عليه بالبيانات الضخمة أضعاف ما نحصره ونعرفه من البيانات ، حتى أن البعض يشكلها بجبل الجليد والبيانات الضخمة هي الجزء الواقع تحت سطح الماء

    مثال خر أكثر وضوحا في مجال العلوم الاجتماعية : استخدم “توبياس بريس” وآخرون بيانات اتجاهات جوجل (بالإنجليزية: Google Trends) لإثبات أن مستخدمي الإنترنت من البلدان التي لديها ناتج محلي إجمالي أعلي للفرد (GDP) يتجهون للبحث عن معلومات حول المستقبل أكثر من المعلومات المتعلقة بالماضي. وتشير النتائج إلي أنه قد يكون هناك ارتباط بين السلوك عبر الانترنت والمؤشرات الاقتصادية في العالم الحقيقي. وقد قام مؤلفو هذه الدراسة بفحص تسجيلات جوجل المصنوعة من قبل مستخدمي الإنترنت في 45 دولة مختلفة عام 2010، وقاموا بحساب نسبة حجم البحث للسنة التالية “2011” مقارنة بحجم البحث في السنة السابقة “2009” والذي أطلق عليه اسم “مؤشر التوجه المستقبلي”، ثم قاموا بمقارنة التوجه المستقبلي مع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في كل بلد، حيث وجدوا اتجاه قوي للبلدان التي يقوم فيها مستخدمي جوجل بالبحث عن المستقبل بالحصول علي ناتج محلي إجمالي أعلي. وتُلمح النتائج لاحتمال وجود علاقة بين النجاح الاقتصادي للبلد وسلوك مواطنيها في البحث عن المعلومات المأسورة في البيانات الضخمة.
    خيلوا ان تقوم كل جامعة بمتابعة كل تلميذ لتحليل ما اكتسبه وتقديم تعليم مخصص له. الولايات المتحدة بدأت تواجه نهاية عصر اللوح الاسود، وبدأت وسائلها التعليمية تعتمد على الاجهزة الرقمية ومخصصة لكل طالب. ففي جامعة ولاية اريزونا مثلاً لم يعد المعلم وحده من يساعد الطلاب على التقدم في دراستهم. فهناك ايضاً برنامج يجمع المعلومات والبيانات الخاصة بكل منهم، يقوم بتحليل ومقارنة هذه البيانات فتؤمن لكل طالب ما يحتاجه من مواد. لكن متابعة هذا المنهج تكلفته تصل الى مئة دولار في الشهر للطالب الواحد.
    الصين اليوم دخلت عصر البيانات الضخمة، جامعة جياوتونغ في بكين احدى اقدم الجامعات التي تدرس المعلوماتية في الصين. منذ سبتمبر 2015، اصبحت احدى الجامعات النموذجية السبع التي تطبق اول مهنج دراسي حول البيانات الضخمة، فيها يتعلم الطلاب، مثلاً، كيفية استخدام تعليقات المستهلكين وتقييمهم لاحد المطاعم على موقعه الالكتروني. كما يساعدونهم الاساتذة على تطوير التطبيقات الخاصة بالهواتف المحمولة على ان تؤمن لهم الاجوبة لتحسين اعمال تجار التجزئة والشركات. ويونيو القادم، طلاب جامعة جياوتونغ سيكونون من بين الدفعة الاولى في العالم لخريجي قسم البيانات الضخمة. وستنشيء الصين مئة جامعة جديدة مع نهاية العام.
    gamification-word-cloud-e1381359896747

  2. التلعيب Gamification : منذ عام 2010 تكاثر الحديث عن مفهوم التلعيب Gamification ، وقد استخدمته الكثير من الشركات الناشئة وأصحاب الأعمال لزيادة إنتاجية موظفيهم وزيادة المبيعات عن طريق زيادة تفاعل المستخدمين، كما اُستخدم في التعليم والتسويق ومجالات أخرى كثيرة، كان أسلوب التلعيب العلاج الذي بث روح العمل والمنافسة بين الموظفين، والتفاعل وتغيير سلوك المستهلك.
    فالتلعيب عبارة عن تطبيق مكونات اللعبة (أو النشاط اللعبي) في أنماط أخرى غير متعلقة بالألعاب نفسها، كاستخدام الأنشطة والبرامج التلفزيونية والمسابقات في التسوق والأعمال المختلفة والتعليم، لإتاحة الفرصة للعاملين أو العملاء أو المتعلمين للمشاركة في حل المشكلات وزيادة الإنتاجيات والوصول إلى أهداف محددة سلفا، مما يؤدي إلى مضاعفة العمل وإنجاز التحصيل.
    مهما اختلفت الألعاب في نوعياتها وأهدافها وتقنيات صناعتها وأشكالها، فإنها تشترك في مجموعة من العناصر الثابتة التي تجعلها أكثر تشويقا وتحفيزا، ومن بين هذه العناصر التي تعرفها جيدا في أثناء استخدامك للعبة ما :

 

  • النقط التي تجمعها (points).
  • المستوى الذى تصل إليه .(level)
  • ترتيبك وسط اللاعبين الآخرين .(Leader-board)
  • التحديات التي تقابلها في اللعبة .(Challenges)
  • الجوائز والهدايا التي تكسبها .(Rewards)
  • الأوسمة أو النياشين التي تكسبها كلما حققت إنجازا (Badges).

مجرد نقل هذه العناصر من اللعب إلى عوالم أخرى غير اللعب، يمكن أن نسميه تلعيبا Gamification ؟

ماذا نعنى بالتلعيب في التعليم؟

how-three-businesses-scored-big-gamification

التلعيب في التعليم هو اتجاه تعليمي ومنحى تطبيقي جديد، يهتم بتحفيز الطلاب على التعلم باستخدام عناصر الألعاب فى بيئات التعلم، وذلك بهدف تحقيق أقصى قدر من المتعة والمشاركة، من خلال جذب اهتمام المتعلمين لمواصلة التعلم، ويمكن للتلعيب أن يؤثر على سلوك الطالب من خلال تحفيزه على حضور الفصل برغبة وشوق أكبر، والتركيز على المهام التعليمية والمعرفية المفيدة، وأخذ المبادرة في عملية التعلّم.

كيف يتم تلعيب التعليم؟

يمكن تحقيق مفهوم التلعيب بالصيغة العلمية والعملية سابقة العرض، فى مجال التعليم، من خلال عدة وسائل وتقنيات، كالتالي:

  • إضافة نقاط إلى المهام والواجبات الدراسية.
  • تحديد شارات ومنحها للمتفوقين بعد استيفاء معايير محددة.
  • إنشاء اللائحة الترتيبية للطلاب المتفوقين.
  • تحديد مستويات لتكرار المهام أو أداء مهام أصعب.
  • ربط الشارات الحاصل عليها الطالب بفرصته للدخول إلى مستويات أعلى.

ورغم أن التلعيب لم يقدم دليلا ماديا على فاعليته في التعليم حتى يقنع المحللين حتى الآن لكن اثره على زيادة الدافعية للتعليم وتكوين اتجاهات إيجابية نحو التعليم كان دافعا لمزيد من التوجه نحوه حتى أصبح من سمات البارزة في 2016.

Indvidualized

3. التعلم التشخيصي/ التعلم المخصص Personalized Learning:
يتوقع المحللون أن يروا تحولا أقوى نحو التعلم التكيفي ومسارات التعلم الشخصية هذا العام. ويعود الفضل لذلك لتوافر بيانات شاملة للمساعدة في إضفاء الطابع الشخصي على التعلم وفقا لاحتياجات كل متعلم، وتوافر التعلم المتنقل واعتماده من قبل معظم المؤسسات التعليمية والتدريبية مما سيساعد على توفير المعرفة بالشكل الأنسب أينما ومتى كان ذلك ممكنا.
رغم أهمية التعليم في تشكيل الفرد وتأهيله فإن طريق التعليم التقليدية لم تكن قادرة على تلبية الحاجات المتزايدة لميادين الصناعة وقطاعات الأعمال لتأهيل أفرادها بشكل يواكب عجلة التطور ويتناسب مع متطلبات وطبيعة تلك الأعمال ، إلا أن منصة مثل www.axonify.com سمحت بتغيير المحتوى وفقا لطبيعة وحاجات المتدرب بل وعلى أسلوب تفاعلهم مع المحتوى.
تنبأ شركة IBM أنه في غضون خمس سنوات فإن “الفصول الدراسية سوف تفهم الطلاب” “the classroom will learn you”، كأحد جوانب برنامج آي بي إم “5 في 5”. وهذا يعني أن تقارب عمليات التخصيص السريعة في مجال التعلم ونشأة الأنظمة الذهنية لتطوير فصول دراسية مخصصة من شأنها تحفيز الدارسين على كل المستويات: بدأ من الطلاب في رياض الأطفال الذين يدرسون الحروف الهجائية وحتى مرحلة الدكتوراه في مجال الفيزياء للذين يدرسون الجوانب الدقيقة في نظرية الأوتار String Theory.

ما تقدم هي بعض التوجهات البارزة في تكنولوجيا التعليم في 2016 ، وسيتم استكمال باقي التوجهات في مقال تالي بإذن الله

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات