مراجعة كتاب التعلم النشط بين النظرية والتطبيق

التعلم النشط : بين النظرية والتطبيق

 

صدرت عن دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان عام 0241 الطبعة الجديدة من كتاب”التعلم النشط بين النظرية والتطبيق”، الذي صدرت أول طبعة له في عام 0222 م، والذي يمثل أول مرجع باللغة العربية عن التعلم النشط
من تأليف الأستاذ الدكتور جودت احمد سعادة عميد كلية العلوم التربوية وعميد البحث العلمي الأسبق في جامعة الشرق الأوسط بمدينة عمان الأردنية ، بالتعاون مع مجموعة من زملائه المؤلفين من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس الفلسطينية.
وكان مصطلح التعلم النشط Active Learning قد ظهر في السنوات الاخيرة من القرن العشرين، وزاد الاهتمام به بشكل واضح من بدايات القرن الحادي والعشرين، كأحد الاتجاهات التربوية والنفسية الحديثة ذات التأثير الايجابي الكبير على عملية
التعلم داخل الحجرة الدراسية وخارجها من جانب طلبة المدارس والمعاهد والجامعات .

وكان للانفجار المعلوماتي الهائل الذي حدث في العالم خلال العقود القليلة الماضية دور مهم وقوي للتعلم النشط ، حيث ظهرت أعداد لا نهاية لها من المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية )الإنترنت( تزخر بالمراجع والدوريات والمقالات العلمية
والدراسات الميدانية والتجريبية، مما ساهم في زيادة توضيح مفهوم التعلم النشط وأهميته ومجالات تطبيقه في مختلف التخصصات الاكاديمية والموضوعات المدرسية والجامعية المتنوعة . 

وقد أدرك مؤلفو هذا الكتاب، خلو المكتبة العربية من أي مرجع موسع باللغة العربية حول التعلم النشط، رغم الاهتمام الكبير به في الكثير من دول العالم المتطور علميا وتربويا، وأن ما هو موجود بالفعل لا يعدو كونه عبارة عن نشرات وكتيبات تعتبر
بداية مشواربسيط ، ولكنها قاصرة عن توضيح الكثير من الموضوعات المهمة ذات الصلة بالتعلم النشط . وكان هذا دافعا لهؤلاء المؤلفين للتقصي العميق والدقيق على مدى أربع سنوات متواصلة ، لتجميع المادة العلمية من أمهات الكتب والمراجع
والدوريات والمواقع الالكترونية الاجنبية الكثيرة جدا، والتي تناولت مفهوم التعلم النشط ، والموضوعات العديدة ذات الصلة ، والعمل على تنظيمها واخراجها في هذا المرجع، مدعمة بالأمثلة التربوية والحياتية المتنوعة، حتى يسهل على القارئ العربي
فهمها، والعمل على تطبيقها أو توظيفها في مواقف تعليمية تعلمية جديدة .

واشتمل هذا الكتاب المرجع على ثلاثة ابواب كبيرة وواحد وعشرين فصلا، تناول الباب الاول منها ( معلومات اساسية عن التعلم النشط ) ضمن خمسة فصول مستقلة، ركز الفصل الاول منها على تعريفات التعلم النشط Definitions of Active learning ، كما جاءت على لسان مشاهير العلماء والمتخصصين في التربية وعلم النفس، بالاضافة الى توضيح أهداف التعلم النشط المتنوعة ، وتبيان أهمية هذا النوع من التعلم في المجالين التربوي والحياتي . 

ودار الفصل الثاني من الكتاب حول مبادئ التعلم النشط Active Learning Principles ، وكيفية تطبيقها داخل الحجرة الدراسية، وما تتطلبه من أنشطة وفعاليات قبل بدء الحصة، وخلالها، وبعد الانتهاء منها . كما تم في هذا الفصل توضيح عناصر التعلم النشط المهمة المتمثلة في عنصر الحديث والاصغاء، وعنصر الكتابة ، وعنصر القراءة ، وعنصر التأمل والتفكير

واهتم الفصل الثالث من فصول الكتاب بخصائص التعلم النشط Characteristics of Active Learning التي بلغت خمس عشرة خاصية، وخصائص المتعلم النشط Characters of Active Learner التي وصلت الى عشر خصائص، في حين ركز الفصل الرابع على الوسائل والأساليب العديدة للتشجيع على التعلم النشط ، طارحا وجهات نظر لثلاثة من مشاهير المربين، وموضحا إجراءات تشجيع التعلم النشط داخل المنزل ومع الاطفال الصغار ومسؤولية الوالدين في ذلك كله .

 وركز الفصل الخامس من الكتاب على دور المعلم Teacher’s Role في التعلم النشط كمشجع للتلاميذ على هذا النمط من أنماط التعلم الفعال ، وكعامل توازن بين الانشطة الفردية والجماعية، وكشخص مهتم بأخلاقيات التعلم والتعليم، وكمحافظ على
استمرارية الزخم في عملية التعلم وعملية التعليم في وقت واحد، وكمدرب للطلبة على التعلم النشط ، وكباحث وموثق للمعلومات، وكمخطط للدروس ، وكموفر لبيئة تعلمية ملائمة ، وكمشارك في بناء المعرفة ، وكشريك للوالدين في توجيه الأبناء
وإرشادهم ، وكداعم للعلاقات الاجتماعية بين الطلبة، وكمقيم للبرامج المدرسية ومناهجها المختلفة. كما ركز الفصل ذاته ايضا على دور الطالب Student’s Role في التعلم النشط كمشارك حقيقي في الخبرات التعلمية، وكمقدر لقيمة تبادل الآراء مع الآخرين، وكملتزم باللقاءت المنتظمة مع المرشد النفسي في المدرسة ، وكمتقبل للنصائح والاقتراحات من المعلمين وغيرهم، وكمطبق للمعارف والمهارات والاتجاهات في مواقف تعليمية وتعلمية جديدة

أما الباب الثاني من أبواب الكتاب، فقد كان تحت عنوان ( أساليب التعلم النشط Methods of Active Learning )، والذي اشتمل على ثمانية فصول، يبدأ بالفصل السادس وينتهي بالفصل الثالث عشر . وقد تناول الفصل السادس أسلوب المجموعات الصغيرة Small Group Method ، وذلك من حيث تنظيمها، وتنوعها، والأجواء السليمة لعملها، وعدد أفرادها، والوقت المخصص لنشاطها ،
ومقترحات نجاح عملها، وأهم أنشطتها، وإيجابيات أسلوب المجموعات الصغيرة وسلبياته. أما عن أسلوب المجموعات الكبيرة Whole Class Method ، فقد شمل طرقا عدة أهمها: المحاضرة Lecture ، وتشجيع المشاركة ، والنقاش مع أفراد المجموعة الكبيرة، وسجل التعلم Learning Log ، والعقود التعليمية Learning Contracts ، وتدوين الملاحظات الموجهة Guided Note-Taking .

ودار الفصل السابع من الكتاب حول أساليب التعلم التعاوني Cooperative Learning ، والتعلم القائم على الخبرة Experiential Learning ،وتقديم التعلم Presentation Learning ، والتعليم المباشر Direct Teaching ، والتعلم المستقل Independent Learning ، كأساليب فاعلة للتعلم النشط ، في حين اهتم الفصل الثامن بأسلوب المحاضرة المعدلة Modified Lecture موضحا
خطواتها، وأنماطها، وعلاقتها باستراتيجيات التعلم النشط الأخرى، والمقترحات التطبيقية لتطويرها .

وركز الفصل التاسع على ثلاثة أساليب هي : القدوة Modeling والقصة Way -neO Story ذات الاتجاه الواحد ، والقصة ذات الاتجاهين Way -Two Story والمحاكاة Simulations ، كأساليب ناجحة للتعلم النشط، في حين عالج الفصل العاشر أسلوبالمناقشة Discussion من حيث أنماطها، وأهميتها، ومسؤولية المعلم والطالب فيها، وخطواتها، والحكم على مدى نجاحها. كما عالج الفصل نفسه أسلوب الحوار النشط Active Dialogue من حيث الخصائص المهمة له، والمبادئ الواجب
مراعاتها عند تطبيقه، والعلاقة بينه وبين إثارة التفكير لدى التلاميذ . 

وتناول الفصل الحادي العشر أسلوب لعب الدور Role-Play كأحد الاساليب الفعالة للتعلم النشط، وذلك من حيث ماهيته، وأهميته، وعناصره، ودور الألعاب التعليمية والتمثيل فيه ، ومها م الطالب والمعلم خلال عملية تطبيقه، وعيوبه أو نقاط ضعفه،
وكيفية التغلب عليها. كما تناول الفصل ذاته أيضا أسلوب العصف الذهني Brainstorming من حيث تعريفاته، وأهدافه، وفوائده، ومتطلباته، والقواعد الأساسية له، وخطواته، والتحضير لعملية تطبيقه، وإجراءات تقييمه .

واهتم الفصل الثاني عشر بأسلوب دراسة الحالة Case Study كأحد الأساليب المهمة للتعلم النشط، وذلك من حيث تعريفاتها، وأنماطها، وخصائصها، وتطبيقاتها،وفوائدها، والصعوبات التي تواجهها، وكيفية كتابتها ، بينما دار الفصل الثالث عشر حول أسلوب طرح الأسئلة Questioning كأحد الأساليب الفعالة للتعلم النشط ، وذلك من حيث الخطوات والإجراءات ، والخصائص، والأمور الواجب مراعاتها خلال استخدام أسلوب طرح الأسئلة ، وتصنيف الأسئلة من حيث نوع الإجابة ، ومن حيث نوعية السبر أو العمق، ومن حيث مستوى التفكير الذي تثيره، مع طرح كثير من الأمثلة التوضيحية على هذه الأنواع والتصنيفات المتعددة .

وجاء الباب الثالث والأخير من أبواب هذا الكتاب تحت عنوان 🙁 تطبيقات التعلم النشط ) Active Learning Applications ، والذي اشتمل على ثمانية فصول مستقلة، تبدأ بالفصل الرابع عشر وتنتهي بالفصل الحادي والعشرين . وقد دار الفصل الرابع
عشر حول تطبيق التعلم النشط في المدرسة School Active Learning ، مبينا أهمية هذه التطبيقات، وعارضا ثمانية دروس تعليمية من الموضوعات المدرسية العربية المقررة، ثم تحضيرها بأساليب التعلم النشط المختلفة في ميادين العلوم ،
والرياضيات ، واللغات ، والدراسات الاجتماعية، كي تكون خير عون للمعلم والطالب معا .

  وركز الفصل الخامس عشر على التعلم النشط في الجامعة University Active Learning ، طارحا نموذجا للتعلم النشط في الجامعة، وموضحا دور الاستاذ الجامعي في الأسابيع الأربعة الأولى لتدريس الطلبة لأي مقرر دراسي باستخدام التعلم النشط ،
ومقترحا مجموعة من الخطوط العريضة لتطوير التعلم النشط في الجامعة، ومختتما الفصل بعرض مجموعة كبيرة من التمارين لتطبيق التعلم النشط داخل الحجرة الدراسية الجامعية .

أما الفصل السادس عشر، فقد عالج موضوع التعلم النشط في المكتبات المدرسية والجامعية Library Active learning ، موضحا عدة موضوعات فرعية مثل علاقة التعلم النشط بالتعلم المكتبي وبالمكتبة ، وتطور هذه العلاقة تاريخيا، وعرض مجموعة من الاعتبارات التي ينبغي ان تؤخذ في الحسبان خلال التعليم المكتبي، وطرح نموذج للتعلم النشط والتعليم المكتبي المتعلق بالمجموعات الطلابية الخاصة.

وناقش الفصل السابع عشر قضية تربوية مهمة تتمثل في تصميم التدريس Instructional Design وربط ذلك بالتعلم النشط ، عن طريق بيان دور نظرية تصميم التدريس في التعلم ، وأنماط نظرية تصميم التدريس، والخطوات التقليدية لتصميم التدريس ، والمشكلات المرافقة للنموذج التقليدي لتصميم التدريس، والمناحي البديلة لتصميم التدريس مثل منحى جوناسين Jonnasen ، ومنحى ريجيلوث Reigeluth ، ومنحى جروس Gross ، ومنحى النظرية المفصلة Elaboration Theory ، مع ربط كل ذلك بالتعلم النشط .  وتناول الفصل الثامن عشر علاقة التعلم النشط بموضوع تربوي ونفسي مهم يتمثل في التفكير Active Learning and Thinking ، ولاسيما الأدلة النوعية للتعلم النشط والتفكير الفعال، والنموذج التدريسي للتفكير الفعال ومستوياته الثلاثة المهمة،
التي تتخلص في مستوى المعرفة الكاذبة، ومستوى المعرفة المتغيرة، ومستوى المعرفة التأملية . 

وركز الفصل التاسع عشر على توضيح نقاط الضعف أو المعوقات التي تواجه التعلم النشط وكيفية التغلب عليها، في حين اهتم الفصل العشرون بموضوع المقارنة بين التعلم النشط والتعلم التقليدي ، بعد تبيان خصائص كل منهما، وطرح الأمثلة على
مؤشرات التعلم النشط ، ووسائل التقويم الملائمة له ، وتصنيف أساليب التعلم وفقا لدرجة المجازفة .

واختتمت فصول الكتاب بالفصل الحادي والعشرين، الذي ركز على موقع التعلم النشط في البحوث التربوية Active Learning in Research Studies ، وذلك عن طريق مراجعة عشرات الدراسات الميدانية والتجريبية التي تربط بين التعلم النشط والمعايير
التربوية والتطوير التربوي، وأخرى تتناول التعلم النشط وعمليات التدريب، وثالثة تعالج التعلم النشط وتقنيات التعليم، ورابعة تهتم بالتعلم النشط وتشجيع الطلبة على التفاعل، مما يجعل هذه الدراسات ذات فائدة كبيرة للباحثين التربويين والنفسيين في
مجال التعلم النشط.

ويتضح مما سبق ، الموضوعات الحيوية التي تطرق اليها هذا الكتاب ومالها من علاقة وثيقة باتجاه تربوي حديث يتمثل في التعلم النشط، وكيف يمكن تطبيقه داخل الحجرة الدراسية، سواء على مستوى المدارس أو المعاهد أو الجامعات، مما يرفع
من مستوى فاعلية التعلم لتحقيق الاهداف التربوية المنشودة . 

ومع ذلك، فان المؤلفين لهذا الكتاب المرجع لا يدعون بأنه قد غطى جميع الموضوعات ذات العلاقة بالتعلم النشط أو انه قد وصل الى مرحلة الكمال ، لا لشئ إلا لكونه يمثل جهدا بشريا قابلا للصواب والخطأ، بينما الكمال لله وحده. وهذا يجعل
الصدور والعقول مفتوحة لكل نقد بناء ورأي صائب، يعمل على تقوية أو تعديل مجالات متعددة في هذا الجهد. ومع ذلك،فان المؤلفين يؤكدون بكل ثقة وموضوعية، أن هذا الكتاب يمثل مرجعا اساسيا ووحيدا حتى الآن في اللغة العربية، الذي يعالج
موضوع التعلم النشط، مما يجعله لبنة من اللبنات الفكرية والعلمية والبحثية التي تضاف الى المكتبة العربية، سائلين المولى عزوجل، ان يكون خير عون للطالب في جهوده الحثيثة للوصول الى المعلومة الاكثر دقة،وللمعلم في تدريسه وتهيئته
للظروف الافضل لتعلم نشط وهادف، وللاستاذ الجامعي في تطويره لاساليب تدريسه للطلبة، ولولي الامر في توجيه أبنائه وبناته نحو تعلم يبني عندهم الشخصية التي تصلح لقرن جديد ولألفية ثالثة لها مطالبها الكثيرة.

المصدر

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات