عرض كتاب: روح التربية لجوستاف لوبون

طبع هذا العمل خمس عشرة مرة وترجم إلى لغات عدة ، ومع ذلك فما زال يشهد اقبالا من التربويين، راغم أن مترجم العمل يرى أن تأثيره على مستوى الجامعاتخاصة في الشرق ضعيفا جدا لعمل أحد أبرز أسباب ذلك هو حصر اهتمام أساتذة الجامعة فيمناهج ونماذج محددة لا يخرجون عنها.

كتاب روح التربية للكاتب جوستاف لوبون

وفي الطبعات المبكرة من الكتاب توخى المؤلف الحذر – على حد قوله – في التوسع في طرح الأمثلة من أنظمة التعليم بالبلاد الأجنبية – أي من خارج فرنسا- ، لكنه بدأ في الطبعات التالية أن يضيفمزيدا من الأمثلة والتفاصيل من أنظمة التعليم بالبلدان الأجنبية لذلك فقد خصص فيالطبعة 15 على سبيل المثال فصولا لمناهج التعليم في البلاد التي بلغ فيها العليم أقصىأطوار الكمال من وجهة نظر الكاتب مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مقصده الذيصرح به في المقدمة إظهار الهوة بين مناهجنا ومناهجهم. فيشير الكاتب إلى أن الأساتذة في أمريكية ذوي دراية كبيرة بعلم النفس وأنهم يعرفون كيف ينمو عندتلاميذهم قوة الملاحظة والتفكير والقيم والأخلاق، لكن هذا على النقيض لما يحدث في فرنسا على سبيل المثال ، والذي يعتمد التعليم على تنمية قدرة الطفل على استظهارالدروس إلى أن يصل إلى سن الشباب، وقد تفلت بعض العقول المستقلة من تأثير هذهالمنظومة لكن الغالبية تنطبع بهذا الطابع، وهذا هو السبب أن فرنسا – من وجهة نظرالمؤلف – رغم وجود بعض العقول المتميزة بها فإن الغالبية العظمي من الطبقة الوسطىوالذين يرى أنهم عماد الحضارة ، يضعفون شيئا فشيئا عن القيام بواجباتهم الاجتماعيةبسبب ضعف النظام التعليمي.

إن التعليم في كثير من البلدان لا يستهدف إلا إعداد الأفراد لاجتياز الامتحان ، فيفقد بدورة كل صفة علمية ولا ينمي إلا الذاكرة، فكيف يكون لطالب كلية الهندسة أن يقضي فترة دراسته دون ان يطلب منه إعداد بحث علمي خاصا بموضوع دراسي محدد، وكيف لا يعتبر ذلك عامل ترجيح بين الطلاب.

ويرى مترجم العمل أن تعريف جوستاف لوبو للتربية تميز عن كافة جهود تعريف التربية السابقة ، فهو يرى “أن التربية هي الفن الذي يمكن من إدخال ما هو محسوس في اللا محسوس ” ويدلل لوبو على صحة تعريفه بضرب أمثلة على التربية العسكرية في النظام الإنجليزي والذي تعتمد على الوحدة بين العقيدة والعمل، فالإنسان يتصرف أثناء الضغوط بالغريزة لذلك يجب الاجتهاد في تحويل الفعل العقلي الواعي إلى شيء غريزي تلقائي عن طريق التربية، فاللا شعور هو مصدر القرارات السريعة، ” فيجب أن تصبح المهارة ووحدة المذهب شيئا غريزيا بفضل التربية”

يتكون الكتاب من خمسة أبواب يتكون كل باب منها من عدة فصول تخدم الفكرة الرئيسة لهذا الباب ، وقد أطلق على كل باب مسمى “كتاب” ، حيث يبدأ المؤلف كتابه بباب بعنوان : البحث لإصلاح التعليم ، يتكون من فصلين الأول استعرض فيه تصور أساتذة الجامعات للتعليم بينما استعرض في الفصل الثاني التضارب بين هذا التصور وما توصلت له مصادر على النفس التعليمي حيث حاول الإجابة على سؤال مفاده ” لماذا كان إصلاح التعليم مستحيلا؟”

الباب الثاني من الكتاب ناقش فيه التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي يرى أن نظامها التعليمي نظاما متقدما عن ما هو موجود في فرنسا وكثير من الدول الأوروبية ، ويتكون الباب من ثلاثة فصول أولها تناول مبادئ التعليم وفلسفته في النظام الأمريكي بينما تناول الفصل الثاني رصد لتفاصيل المناهج المستعملة في أمريكا ، بينما تناول الفصل الثالث أمثلة لتدريس العلوم التجريبية أو التطبيقية في المدارس الأمريكية.

الباب الثالث تناول نظام التعليم الفرنسي خاصة التعليم الجامعي وتكون من خمس فصول بدأها بدراسة قيمة المناهج الجامعية ، وآخرها كان التعليم في المعاهد الدينية الفرنسية.

الباب الرابع تطرق إلى الإصلاح المقترح لنظام التعليم ومن يناط بهم ذلك وذلك بعنوان ” الإصلاح المقترح والمصلحون” وناقش فيه بعض قضايا إصلاح التعليم الجامعي في فرنسا وتكون الباب من ستة فصول.

الباب الخامس عنوانه هو عنوان الكتاب نفسه فقد جاء بعنوان ” روح التعليم والتربية” وتكون من تسعة فصول بدءا بالدعائم النفسية للتعليم ، والأسس النفسية للتربية ، ثم مناقشة قضايا تعليم الأخلاق ، والتاريخ والآداب ، واللغات ، والرياضيات ، والعلوم التطبيقية وما سماه بتربية أبناء المستعمرات ، والتعليم العسكري  التعليم في مؤسسات الجيش “

ومن الحق على من يريد أن ينتفع بهذا الكتاب أن يستخلص منه الآراء التيتمس المشكلات المشتركة بين التعليم في بلدان الشرق وبين التعليم في النظام الفرنسيدون أن يستنسخ الكتاب حرفيا ، أو ينتقده بشكل يفسد الهدف منه ، ويرجو المترحم علىقارئ الكتاب أن يصل إلى نتيجتين الأولى هي الشهور بالمشكلات والعيوب في النظامالتعليمي في بلداننا ، والثانية معرفة القواعد الأساسية التي يتخذها المصلحونالمحدثين لتغيير النظم التعليمية على اختلافها وعلى اختلاف موضوعاتها وأطوارها،فالكتاب يبحث عن التعليم الفرنسي لكنه يدرس التعليم من حيث هو علم ، ومن حيث هووسيلة إلى تكوين الإنسان بقيمه ومفاهيمه ومثله العليا ، وقد تتغير النظم التعليميةبتغير البيئات والجماعات لكن هذا التغيير لا يمس إلا ظاهر التعليم لكن جوهرالتعليم واحد لا يتعدد وإن أخذ بصور مختلفة وأغراضا متفاوتة، وهذا الجوهر هو أنهناك نفسا إنسانية تعيش في بيئة ومن حق هذه النفس أن يتحسن علمها بهذه البيئة حتى تتمكن أن تتفاعل معها بشكل أفضل.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات