الوسائل التعليمية : تطور المفهوم.

الوسائل التعليمية

الوسائل التعليمية

ارتبطت عمليات التدريس فى المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة فى بداية نشأتها باللغة اللفظية، وانعكس ذلك على الكتب المدرسية فجاءت خالية تماما من الصور والرسوم، وفى القرن الخامس عشر ظهرت المحاولات الأولى للتقليل من اللغة اللفظية حيث ظهرت الصور والرسوم لأول مرة فى الكتب المدرسية كمعينات بصرية Visual Aids، وبدأ الحديث فى ذلك الوقت على أهمية حاسة الإبصار فى مواقف الاتصال ونتيجة لذلك سمى التعليم الذى يستعين بالصور والرسوم بالتعليم البصرى واتسعت دائرة المعينات البصرية بعد ذلك لتشمل المواد التى لا تعتمد أساسا على اللغة اللفظية المكتوبة أو المنطوقة ويمكن إرجاع جذور مفهوم الوسائل التعليمية إلى القرن الخامس عشر حيث بدأ الاهتمام باستخدام حاسة الإبصار فى عمليات التدريس.

ومع بداية عصر الثورة الصناعية فى القرن التاسع عشر ظهرت الوسائل التى توفر سبل استقبال المعرفة بصريا وسمعيا، وبدأ مسمى المعينات السمعية البصرية فى الانتشار، وأطلق على التعليم الذى يستعين بها التعليم السمعى البصرى أو الوسائل السمعية البصرية.

وعندما اتضح قصور المسمى الأخير، ظهر مسمى معينات التدريس أو الوسائل المعينة، كما ظهر مسمى المعينات الإدراكية، وجاء ذلك للتعبير عن دور الحواس الأخرى فى عملية التعلم.

ومع تمايز مجال الاتصال وتعدد نظرياته لم تعد المسميات السابقة مقبولة للتعبير عن أهمية المواد التعليمية ومكانتها في عملية الاتصال التعليمي باعتبارها أحد العناصر الرئيسية لهذه العملية، فالمسميات السابقة تشير إلى إمكانية إضافة أو حذف هذه المواد فى مواقف الاتصال على أساس أنها من كماليات وليست من أساسيات عملية الاتصال. ولقد أجمع علماء الاتصال على مبدأ هام وهو أنه الاتصال بدون وسيلة، كما أجمعوا على أن نجاح الاتصال أو فشله أمر يتوقف على عوامل عديدة من بينها الوسائل المستخدمة فى مواقف الاتصال، وتمشياً مع هذا الاتجاه ظهر مسمى جديد وهو مسمى وسائل الاتصال وعند اعتبار العلاقة بين مفهوم الاتصال ومفهومى التعليم والتعلم فلقد أجمع المربون على أنه لا تعلم بدون وسيلة تعليمية، وجاء ذلك للدلالة على أهمية إدخالها ضمن أى خطة كعنصر أساسى من عناصر هذه الخطة حيث تختار فى ضوء علاقتها بهذه العناصر من أهداف ومحتوى وغيرها، ومع هذا الإدراك ظهر مسمى الوسائل التعليمية.

ولقد لقى مسمى الوسائل التعليمية القبول فى الأوساط التربوية عن غيره من المسميات، فهو أكثر شمولا وتعبيرا عن طبيعة المجال، كما إنه يخلصنا من صعوبات المسميات الأخرى وقصورها، هذا بالإضافة إلى إنه لا يشير إلى اهتمام العاملين فى هذا المجال بالقنوات التى توصل الوسائل التعليمية من المرسل إلى المستقبل فحسب، بل ينصب اهتمامهم أيضا على علاقة الوسائل بالأهداف التعليمية المتوقع تحقيقها وخصائص مجموعة المتعلمين التى تختار لهم هذه الوسائل وطبيعة محتوى الرسالة ذاتها.

وعلى الرغم من أن مُسَّمى الوسائل التعليمية لم يتعرض للانتقادات التى تعرضت لها المسميات الأخرى إلا أنه مع التقدم العلمى الهائل الذى نشهده الآن فى مجال أجهزة الاتصال الحديثة حدث ما يمكن أن نطلق عليه بالتداخل بين هذا المفهوم ومفهوم تكنولوجيا التعليم، واستخدام مسمى تكنولوجيا التعليم كمسمى جديد لمفهوم الوسائل التعليمية على الرغم من اختلاف المعنى الذى يشير إليه كل اسم منها وطبيعة محددات كل مجال منها. وقد جاء هذا التداخل نتيجة لاعتبار تكنولوجيا التعليم قاصرة على المخترعات والصناعات الحديث من أجهزة ومواد يمكن استخدامها فى التعليم، ومن هنا كثر الجدل حول مسمى الوسائل التعليمية، وعند اعتبار ما جاء فى المقدمة الثانية المعروضة فى بداية هذه الوحدة فإن المؤلف يرى ضرورة عدم استخدام مسمى تكنولوجيا التعليم كمرادف لمسمى الوسائل التعليمية.

المعنى:

الوسائل Media جمع وسيلة Medium، وبصفة عامة يمكن القول أن الوسيلة هى كل ما يستخدم لتحقيق غاية، وعليه فإن الوسائل ليست غايات فى حد ذاتها، ولكنها تستخدم لتحقيق غايات، وتختلف الوسائل فى مدى ما تحدثه من أثر إذ أن لكل وسيلة خصائص محددة وإمكانات مميزة تجعلها أكثر فاعلية من غيرها فى تحقيق غايات معينة، وتتعدد الوسائل بتعدد الغايات، كما قد تستخدم أكثر من وسيلة لتحقيق غاية واحدة.

والوسائل التعليمية فى ضوء المعنى العام السابق إليه هى كل ما يستخدم لتحقيق الغاية الكبرى من وراء عملية التعليم ألا وهى التعليم وكما ذكرنا فى موضع سابق فإنه لا تعلم بدون وسيلة.

ومن الواضح أن الصياغة السابقة لا تعكس بدقة طبيعة المجال الذى نتناوله، ومن هنا تظهر أهمية تحديد الخصائص التى تحدد طبيعة المجال حتى تتضح مكوناته وأبعاده. ويجدر بنا قبل أن نتناول ذلك أن نعرض لبعض التعاريف السائدة فى الأدبيات التربوية لمفهوم الوسائل التعليمية حتى نتعرف على أوجه التشابه والاختلاف بينهما كمقدمة لعرض التعريف الذى يتبناه المؤلف:

1-   يصف جانييه الوسائل التعليمية بأنها الأدوات المادية التى توفر سبل نقل مضامين الوسائل فى المواقف التعليمية.

2-   يرى جوناسيس أن الوسائل التعليمية مصادر نقل المعلومات والمعارف لتسهيل عملية التعليم.

3-   يفرق فتح الباب عبد الحليم وإبراهيم ميخائيل حفظ الله، بين وسيلة التعليم وإدارة التعليم، فيشيرا إلى أن الوسيلة تنقل المعنى الموجود فى نفوسنا إلى خارجها ومثال ذلك الكلمات والإشارات والصور والأشياء نفسها باعتبارها إمكانياتنا الأولى لتبادل المعانى، أما أداة التعليم فهى التى عن طريقها تنقل الوسيلة لتتجاوز بها حدود الأماكن والأزمنة ومن أمثلة ذلك الأدوات الناقلة للغة اللفظية مثل المطبوعات كالكتب والنشرات والجرائد والتسجيلات الصوتية، ومن أمثلة الأدوات الناقلة للغات غير اللفظة أجهزة عرض الصور الثابتة والصور المتحركة وغيرها.

4-   ويميز حسين حمدى الطوبجى، بين المواد التعليمية مثل الأفلام والخرائط والصور والنماذج وغيرها، وبين الأجهزة، ويرى أنه كثيرا ما يذكر مصطلح الوسائل التعليمية ويقصد به المواد والأجهزة معا، وهو يعرف الوسائل التعليمية بأنها المواد والأجهزة والمواقف التعليمية التى يستخدمها المعلم فى مجال الاتصال التعليمى.

5-   ويعرف أحمد خيرى كاظم وجابر عبد الحميد، الوسائل التعليمية التى تستخدم فى المواقف التعليمية التى لا تعتمد كلية على فهم الكلمات والرموز والأرقام.

6-   وفى دراسة نظرية عن مفهوم الوسائل التعليمية توصلت عفاف حلمى إلى أن الوسائل التعليمية هى وسائل اتصال ذات طبيعة خاصة تشمل أجهزة وأدوات وطرق تحمل وتنقل الرسالة التعليمية أى المحتوى أو المضمون سواء كان معرفيا أم وجدانيا أم حركيا على المتعلم.

7-   ويرى رشدى لبيب وآخرون،  أن الوسائل التعليمية ما هى إلا مجموعة من الأجهزة والأدوات يستخدمها المعلم لأغراض مختلفة من أهمها أن تعينه على توضيح ما يقول أو ما هو فى الكتاب من كلمات وألفاظ ورموز وأرقام.

8-   الوسائل التعليمية عند محمد منير حسونة،  هى الرمز أو الشكل أو إدارة التفاعل بين المرسل والمستقبل، وعلى ذلك يمكن القول أن النموذج أو الخريطة أو الكتاب المقرر أو الشرح الشفوى وما إلى ذلك ما يستعمله المعلم لمساعدة التلاميذ على إدراك وفهم موضوع الدرس ويعتبر وسيلة تعليمية.

عرضنا فيما تقدم مجموعة من تعاريف مفهوم الوسائل التعليمية التى تعكس وجهة نظر أصحابها فيما يتعلق بدلالة هذا المفهوم، وجاء هذا العرض تمهيدا لتحديد تصور المؤلف ورؤيته لهذا المفهوم.

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات