الخبرات التعليمية

 

أن هناك نوعين من الخبرات: خبرات مباشرة هادفة خبرات غير مباشرة (بديلة) فالخبرات المباشرة هى الخبرات التى يتعلمها
الفرد من المواقف الحقيقية، وهى أساس التعليم عن طريق العمل والإدراك الحسى المباشر للأشياء وذلك باستخدام الحواس الخمس مثل السمع والبصر والذوق واللمس والشم أو بعض هذه الحواس كالسمع والبصر، وهى لا تقتصر على ما يتعلمه التلميذ فى المدرسة فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل الحياة العامة للطفل خارج المدرسة كالبيت والشارع وغيرها من الأماكن العامة، وكأن يتعلم التلميذ التعامل مع التجار فى الأسواق بشراء جهاز راديو مثلا ويدفع ثمنه ويسترد باقى المبلغ بالتمام والكمال. فتلك إذن خبرة مباشرة يتحمل التلميذ نتائجها سواء كانت إيجابية مرغوب فيها أم سلبية غير مرغوب فيها، كما أن تعلم قيادة الدراجة فى الشارع دون خبرة سابقة بها تعتبر خبرة مباشرة مارسها التلميذ أيضا، والأمثلة على التعليم عن طريق الخبرة المباشرة كثيرة فهى الخبرة التى يمارسها التلميذ عمليا سواء كانت فى المدرسة أو خارجها.

مخروط إدجار ديل للخبرات

مخروط إدجار ديل للخبرات

أما الخبرات غير المباشرة، فهى الخبرات التى يتعلمها المتعلم بالممارسة الفعلية بالاستعانة بخبرات وإرشادات المعلم، ولذلك فتكون المسئولية مشتركة بين المعلم والمتعلم، إذن فهى خبرة يكتسبها المتعلم من خلال خبرات المعلم ويمكنه الاستفادة منها فى حل المشكلات التى تواجهه فى مواقف مماثلة ولا تقتصر الخبرات غير المباشرة على النواحى العملية فحسب، بل يمكن أن تكتسب عن طريق المعرفة الذهنية من خلال الاستعانة بأنواع الوسائل التعليمية البصرية أو السمعية أو السمعية البصرية، فمشاهدة فيلم عن الجهاز الهضمى للإنسان فى التليفزيون، أو فى غرفة العرض السينمائى فى المدرسة كفيل بأن يزود التلميذ بمعلومات كان يجهلها من قبل، وبذلك لا يتطلب اكتساب الخبرات غير المباشرة الممارسة الفعلية لها دائما بل يمكن الاكتفاء بمشاهدة صورة أو فيلما أو رسما توضيحيا عنها أحيانا.

والخبرات غير المباشرة كثيرة كما صنفها ادجارديل فى مخروطه فهناك الخبرات المعدلة، والخبرات المستنبطة، والخبرات المسرحية والخبرات عن طريق البيان العملى وغير ذلك من الخبرات كما ورد فى مخروط الخبرة لادجارديل.

وهذه الخبرات تبدأ بالمستوى الثانى من قاعدة مخروط حسب درجة واقعيتها وتجريدها، كلما كانت الخبرة قريبة للواقعية كلما كانت أقرب للقاعدة التى تحتلها الخبرات المباشرة الواقعية حيث الرموز اللفظية المجردة.

ويمكننا الآن أن نتناول الخبرات غير المباشرة كل على حدة بالشرح والتفصيل:

أولا: الخبرات المعدلة

وهى تقليد للواقع، فإذا اعتبرنا أن قيادة الدراجة فى الشارع العام خبرة فعلية مباشرة، فإن ركوب نموذج غير متحرك لدراجة من نفس الحجم فى غرفة التربية الرياضية فى المدرسة أو فى إحدى صالات الأندية الرياضية للتدريب على مهارات القيادة الأساسية تعتبر خبرة معدلة وذلك لأننا قلدنا الواقع باستبدال الدراجة الحقيقية بنموذج لها فى نفس حجمها، والأمثلة كثيرة فالخبرة المعدلة ليست واقعا حقيقيا إنما هى تقليد للواقع.

ثانيا: الخبرات المسرحية

هى الخبرات التى تمثل أمام التلاميذ، وذلك لعدم القدرة على تعلمها عن طريق الخبرة المباشرة لأن أحداثها قد مرت وانقضت وطواها الزمن، والتمثيلية كالخبرات المعدلة ليست هى الشىء الحقيقى، وإنما هى مجرد تمثيل لهذا الشىء.

ولكن لها مكانتها فى التعليم كوسيلة اتصال ولا تقتصر على مرحلة تعليمية واحدة بل تصلح لجميع مراحل التعليم. ودورنا كمعلمين هو إشراك التلميذ فى التمثيلية حتى لا يقتصر دوره على المشاهدة فقط وعدم التفاعل مع المواقف التمثيلية التعليمية.

ثالثا: البيان العملى

والبيان العملى والعرض التوقيعى يتمثل فى قيام المعلم بأداء عمل أو تجربة أمام التلاميذ ليبين لهم طبيعة هذا العمل أو التجربة وتفاصيله ليصل معهم إلى النتائج المرجوة بمشاركة التلميذ فى أداء العمل أو التجربة بدلا من الاقتصار على المشاهدة ومشاركة التلميذ للمعلم فى أداء العمل يكسبه الخبرة فى تعلم الحقائق والمفاهيم العلمية.

ويقربه من المادة العلمية وذلك يساعد على بقاء أثر التعلم على الفرد، مما يدفعه ويدفع زملائه الراغبين فى التعلم بالمشاركة فى الأنشطة والعروض التوضيحية فى الدروس القادمة، فى الفصل أو خارجه.

رابعا: الرحلات الميدانية

وهى عبارة عن تخطيط منظم لزيارة هادفة خارج حجرة الدراسة سواء كان ذلك فى المدرسة نفسها أو فى مدرسة أخرى أو فى البيئة خارج المدرسة كزيارة مصنع الأسمدة الكيماوية أو زيارة حديقة الحيوان أو رحلة إلى منطقة الكثبان الرملية بالواحات وغيرها، ففى الرحلات التعليمية يقوم التلاميذ بأنشطة مختلفة لجمع المعلومات وحقائق عن موضوع معين من مصادرها الأصلية، كما يقوم التلاميذ بجمع عينات وأشياء من أماكن الزيارة.

خامسا: المعارض والمتاحف

فالمعارض المدرسية والمتاحف المدرسية والمتاحف العامة من أهم مصادر المعلومات فى المجتمع، حيث تضم الكثير من الوسائل التعليمية مثل العينات بأنواعها الطبيعية والصناعية والنماذج بأنواعها المكبرة والمصغرة والخرائط والصور، والرسوم التوضيحية وغيرها فزيارة المعرض المدرسى أو المتحف المدرسى كفيلة بتزويد التلميذ بمعلومات قيمة قد يعجز المعلم عن توفيرها وإبرازها من خلال ما يقال فى الفصل الدراسى وخصوصا عندما يقتصر فى درسه على اللغة اللفظية المجردة.

سادسا: التليفزيون

وهو من أهم وسائل الاتصال الجماهيرى تأثيرا على الثقافة والحضارة الإسلامية بوجه عام ويتميز التليفزيون بأنه يجمع بين الصوت والصورة والحركة مما يقرب الفرد من الواقع الذى يعيش فيه، وذلك خلال عرض القصص والتمثيليات التاريخية، وعرض الأحداث المعاصرة لانفعاله معها مثل مشاهدة رجال الفضاء وهم ينزلون بمركبتهم على سطح القمر.

ولذلك فإن التليفزيون وسيلة لتوصيل المعلومات بطريقة فعالة تجذب اهتمام التلاميذ لما يقوم به من عرض حى وقريب من الواقع.

سابعا: الصور المتحركة

استخدمت أفلام الصور المتحركة للأغراض التعليمية منذ أكثر من ثلاثين عاما حيث كانت صورا صامتة ينقصها عنصر الصوت،

وهذا يقلل من فاعليتها لأنها اعتمدت على حاسة واحدة وهى حاسة الإبصار، ولذلك فهى فى الحقيقة أبعد قليلا من التليفزيون عن الواقعية ولأنها تقتصر على تقديم صورة متحركة صامتة بمعنى أنها تعتمد فى الفهم على حاسة واحدة وهى حاسة الإبصار، فيتطلب من التلميذ فى هذه الحالة أن يفهم الحركات ويترجمها فى ذهنه ليفهم الرسالة التى تتضمنها هذه الأفلام، فهى أذان أقل واقعية من التليفزيون وذلك لفقدها عنصر الصوت.

ثامنا: تسجيلات الراديو والصور الثابتة

ويقصد بالصور الثابتة هى تلك الصور والشرائح الفوتوغرافية والأفلام الثابتة من مقاس 35مم وقد يصاحبها تسجيل صوتى يفسر ما بها من مغزى ويبرر ما بها من معلومات، وتستخدم للأغراض التعليمية فى تعلم بعض المهارات الحركية كأداء حركة رياضية معينة أو إعداد وجبة غذائية كما هو قائم فى معامل الاقتصاد المنزلى فى مدارس البنات وغير ذلك.

وتعتبر هذه الخبرة أقل من سابقتها فى الواقعية وذلك لخلوها من عنصر الحركة بما يصفها بالجمود كما إنها غير مباشرة العرض حيث إنها تحتاج إلى أجهزة عرض خاصة مثل أجهزة عرض الشرائح الفوتوغرافية الشفافة Slides Projector وأجهزة عرض الأفلام الثابتة 35مم 35mm Filmstrip Projectors.

تاسعا: الرموز البصرية

وهى مواد تعليمية مرئية مثل الرسوم البيانية، والرسوم التوضيحية والرسوم الكاريكاتورية، والخرائط، والجداول وغيرها، وهى سهلة الفهم عند البعض وصعبة جدا لدى البعض الآخر وتتفاوت هذه الرموز فى درجة صعوبتها وسهولتها، ولذلك ينبغى على المعلم أن يختار منها ما يتناسب ومستويات تلاميذه المختلفة حتى يتمكنوا من قراءتها وإدراك معانى العلاقات المجردة التى تمثلها ليتمكنوا من فهمها.

عاشرا: الرموز اللفظية

وهى أكثر الرموز والخبرات تجريداً حيث تشمل الكلمات المنطوقة والمطبوعة والمكتوبة، وقد يتكون أفكاراً أو قوانين أو تعميمات أو أرقام حسابية أو رموز جبرية علمية، وعلى الرغم من أن هذه الرموز عبارة عن مجردات إلا إنها تستخدم فى جميع مكونات مخروط الخبرة.

ولكى يكون التعلم فعالا فلابد من أن يكون لهذه الرموز معنى واحد عند المرسل والمستقبل حتى يتم التفاهم والتفاعل بينهما على الوجه الصحيح.

صعوبات التعلم عن طريق الخبرات المباشرة:

أثبتت الدراسات التربوية بأن التعليم عن طريق الخبرة المباشرة أوقع أثرا على المتعلم وأكثر فاعلية فى تثبت المعلومات والحقائق من التعلم عن طريق الخبرات غير المباشرة، إلا إننا نضطر أحيانا استخدام البدائل التعليمية لعدة أسباب نوجزها فيما يلى:

1- انقضاء زمن حدوث الظاهرة:

ويعنى هذا أننا لا نستطيع أن نتواجد فى موقع معركة حربية قد انتهت منذ زمن طويل لمشاهدة أحداثها على الطبيعة فور حدوثها وتحديد المنتصر فيها وحصر خسائرها وغير ذلك، ولكن بإمكاننا أن نشاهد تلك الأحداث على شاشة التليفزيون مثلا بعيدا عن النار والخطر الناجم عنه.

2- عدم معرفة زمن حدوث الظاهرة:

ليس بإمكاننا فى هذه الحالة أن يحدد متى ينبغى علينا أن نترقب حركة أحد المذنبات أو الشهب السماوية لنرى حركته وسرعته على الطبيعة، فمذنب “هالى” مثلا لا يظهر إلا كل ثمانين عاما، فهل يعقل أن ننتظر ثمانين عاما لمشاهدة هذا المذنب على الطبيعة لنكتسب خبرة مباشرة؟ بالطبع لا ولكن يمكننا أن نلجأ إلى استخدام بديل لهذه الخبرة بمشاهدة المذنب فى فيلما تعليميا على برنامج شرائح فوتوغرافية شفافة مصاحبة بتعليق صوتى وغير ذلك مما يقع بين أيدينا من بدائل تعليمية تخدم هذا الموضوع.

3- سرعة أو بطء حدوث الظاهرة:

وذلك مثل البرق والرعد والصواعق وغيرها من الظواهر التى تمر سريعا أما بالنسبة لبطء حدوث الظاهرة، فلا يعقل أن نقف أمام زهرة لن تتفتح بعد يومين أو ثلاثة أيام بلياليها ننتظر تفتحها لنشاهدها وهى تتفتح على الطبيعة ولكن تمكننا أن نشاهد على شريط فيدو أو فى فيلم تعليمى وغيرها من البدائل المتاحة.

4- صغر الواقع:

لا يمكننا رؤية الصغير للكائنات الحية المتناهية فى الصغر والتى لا يمكن أن ترى بالعين المجردة مثل الفطريات، الأميبا، خلايا النباتات، كرات الدم الحمراء وغيرها، ولذلك نستخدم البدائل لتكبير هذه الكائنات بحيث يمكن رؤيتها بالعين المجردة لدراستها.

5- البعد المكانى:

بفضل عرض فيلم تعليمى بين حركة مياه شلالات نياجرا وارتفاعها وحجم المساحة التى تصب فيها هذه المياه بدلا من القيام برحلة تعليمية مع عدد من الطلاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا لمشاهدة هذه الشلالات على الطبيعة انطلاقا من أن الخبرات المباشرة أوقع أثرا على التعلم من الخبرات غير المباشرة.

6- خطورة الواقع:

لا يفضل زيارة الأماكن الخطرة كأوكار الطيور الجارحة وبيئة الزواحف والحشرات السامة وعرائن الأسود ومصانع صهر الحديد بقصد مشاهدة التلاميذ لها ودراستها على الطبيعة و ذلك لخطورتها على الدارسين؛ بل يكتفى بمشاهدة فيلم يؤدى الغرض من دراسة هذا الواقع الخطر فى المدرسة دون الحاجة الى القيام برحلة تعليمية غير مرضية.

7- كبر الواقع:

استخدام البدائل التعليمية للإلمام بحدود الدول والمدن والقلاع والمعابد فى نظرة واحدة أكثر فاعلية من زيارة هذا الواقع الكبير المترامى الأطراف لا يمكننا الإحاطة به بنظرة واحدة.

8- صعوبة إدخال الواقع إلى غرفة الدراسة:

لا يمكننا إدخال الواقع الكبير أو المتناهى فى الصغر إلى غرفة الدراسة وإلا تغير وتجرد من الواقعية فأصبح بديلا وليس واقعا مثل أحواض الأسماك وأقفاص الطيور وغير ذلك من الأشياء التى لا يمكن إدخالها إلى غرفة الدراسة هى الحيوانات الكبيرة، المبانى العالية والطيور النادرة، ولذلك يفضل استخدام البدائل المتاحة.

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات