اختيار الألوان لتصميم محتوى مقررات التعليم عن بعد.

د. مصطفى جودت صالح

كتبها :
د. مصطفى جودت صالح

قد لا يعلم البعض أن معظم الثديات غير قادرة على تمييز الألوان، فالإنسان تقريبا هو الكائن الوحيد القادر على إدراك هذا المدى اللوني مما جعله يولي اللون اهتماما خاصا في حياته فهو عنده وسيلة هامة للتعبير ولغة للتواصل. ومع التحول الرقمي و بزوغ عصر الكمبيوتر والإنترنت ومع تطورات أنظمة العرض وقدراتها على عرض درجات لونية أكبر زادت أهمية استخدام الألوان كوسيلة للأتصال عند تصميمه للمحتوى الرقمي سواءا لأغراض دعائية أو ثقافية أو تعليمية.
المقال الحالي يتناول ثلاثة محاور الأول متصل بمفهوم اللون ومصدره والمحور الثاني يتطرق إلى العوامل المؤثرة على إدراك الألوان وأخيرا بعض معايير أختيار الألوان في المحتوى التعليمي الرقمي .

ما المقصود بالألوان ؟

رغم شيوع الألوان وتعاملنا معها في كل شيء ، تقريبا، إلا أن تعريفها ليس بالأمر السهل ، ويرجع ذلك إلى أن الألوان ليست جميعها من مصدر واحد. التعريف الكلاسيكي للون يعرفه باعتباره تردد الضوء المنعكس من على سطح الأشياء ولكل لون تردد مختلف يعبر عنه وهو في الواقع يعتبر تعريف اللون المنعكس Reflected Color والتي تعبر عن قيمة الضوء عند انعكاسه على لون آخر (لون الضوء المنعكس من على سطح ملون )

كيف نرى اللون المنعكس على سطح ما؟

الواقع العملي يوضح أن قيمة الضوء المنعكس ليست واحدة بل تتأثر بعدة عوامل مثل زاوية السقوط وكثافة المادة ونعومة السطح وعوامل أخرى تؤثر جميعها على قيمة الضوء المنعكس والتي تترجم في أعيينا في شكل لون.

لكن ماذا لو سقط الضوء على أعينا مباشرة هل لن نرى الألوان ؟
هذا بالطبع غير صحيح ، فالضوء الأبيض يتكون من عدد من الأطياف اللونية والتي يمكن أن نحللها عن طريق المخروط الزجاجي ، كما يمكن منع بعضها عن طريق فلاتر خاصة لنتحكم في اللون المار وهذا يسمى باللون الضوئي ويمكن أن نلاحظ أن الألوان الأساسية المنعكسة هي الأحمر والأصفر والأزرق RYB ، وحاليا تستخدم الألوان CMYK في الطباعة الإلكترونية ، بينما الألوان الأساسية الضوئية هي الأحمر والأخضر والأزرق RGB وهي تلك المستخدمة في أجهزة العرض الضوئي والشاشات المختلفة.

الفرق بين الألوان الضوئية ( المضافة) والالوان المنعكسة ( المطروحة)

يعبر عن اللون الضوئي بمصطلح الألوان المضافة Additive أو المتداخلة لأن قيمة اللون هو مجموع الاشعة الأضوئية في نقاط التداخل، بينما الألوان المنعكسة الناتجة عن خلط الطلاء أو الألوان المختلفة وترى عبر انعكاس الضوء عن سطحها فتسمى بالألوان المطروحة subtractive لأن اللون الناتج عن تداخل لونين يكون حاصل طرح قيمة اللونين وبالتالي فاللون الأسود في الألوان المنعكسة أو المطروحة هو محصلة الألوان الأساسية جميعها ، بينما في الألوان الضوئية المضافة يكون اللون الأبيض. وغالبا ما نعبر على تداخلات الألوان المنعكسة والمزج بينها بعجلة الألوان Color Weel

دائرة الألوان

عجلة الألوان هي طريقة فعالة تساعد في عملية انسجام و تناسق الألوان، تساعد المصمم على اختيار ألوانه بدقة مع مراعاة الشروط اللازمة لذلك، و قد صممت أول مرة سنة 1666 بواسطة العالم إسحاق نيوتن.

Screen Shot 2016-05-31 at 10.31.30 AM
قليلون من يعرفون أن مخترع عجلة الألوان هو إسحاق نيوتن

ثم طورت عجلة الألوان بعد ذالك حتى سُميت دائرة اللون أو داشرة شيفريل (نسبة لمخترعها) تقع بها الألوان بترتيب أساسي على شكل مثلث متساوي الأضلاع، وكان اكتشاف هذا المثلث او دائرة اللون منذ عام 1800.
اتقسم الدائرة الألوان إلى ألوان أساسية RYB وألوان ثانوية ناتجة عن المزج المتساوي بين لونين أساسيين ، وألوان مشتقة وهي الدرجات بين الألوان الأساسية والثانوية. كما يظهر في الدائرة الفروق بين الألوان الساخنة ( من الأصفر إلى البنفسجي ) والألوان الباردة ( من الأخضر إلى الأزرق )

الآن ما اللون الناتج عن انعكاس ضوء بلون ما على سطح ملون ؟
ما نراه في واقعنا هو مزيج من الألوان الضوئية والألوان المنعكسة تخيل أنك في غرفة يتغير فيها الضوء بين الابيض والأحمر والأخضر والأزرق مثلا وأنظر إلى الألوان التي حولك ودرجاتها

الفرق بين الألوان الأساسية والثانوية في الانعكاس الضوئي
الفرق بين الألوان الأساسية والثانوية في الانعكاس الضوئي

ونحن حين نطور موادا مطبوعة أو مرسومة فإننا نراعي الألوان المنعكسة بينما نرعي في تصميمنا تداخل الألوان الضوئية عند تصميم مادة تعرض ضوئيا أو إلكترونيا ، وفي كلا الحالتين فإن اللون الناتج يكون له تردد ثابت فقواعد توظيفه واحدة الفرق فقط في التداخلات اللونيةوالتي غيرت من بعض المفاهيم المتفق عليها مثلا في الطباعة ، كما سبقت الإشارة ، تستخدم الألوان الأصفر والسايان والماجنتا والأسود كألوان أساسية ينتج من تداخلاتها باقي الألوان فيما يعرف اختصارا بـ CMYK رغم أن اللون الأحمر مثلا هو لون أساسي في ألوان الطلاء واللون الأزرق كذلك .

Image result for reflected color
تردد اللون مهما كان مصدره يكون واحد لكن الفرق في التداخلات


إدراك اللون :

في البداية يجب أن نتفق على وجود ثلاث متغيرات تؤثر على إدراكنا للون وهي :

كنه اللون Color Hue ، وتشبع اللون Saturation ( الكروما Chroma) ، ودرجة اللون Value وتسمى أحيانا باللمعان luminosity

ويعبر كنه اللون عن نوعه كما يظهر في دائرة الألوان ويقسم كما سبقت الإشارة إلى ألوان أساسية وثانوية ومشتقة ، وإذا ما أضفنا درجات اللون الأبيض حصلنا على الألوان الخفيفة TINT وإذا ما أضفنا اللون الرمادي على الألوان حصلنا على التون Tone أما إذا أضفنا الأسود بنسب مختلفة على اللون حصلنا على اللون الظلي Shade .

ونلاحظ أن تشبع اللون هو ما يشار إليه في الرسم السابق بالتون Tone وهو يختلف عن مقدار إضاءة اللون بإضافة الأبيض أو الأسود .

إذا كيف ندرك اللون ؟

هناك عدة عوامل تؤثر على رؤيتنا للأشياء ، وبعد اكتشاف حالات العمى اللوني، مثلا ، لم يعد هناك دليل أننا جميعا نرى نفس اللون ، فالأحمر عندي لا يمكن الجزم أنه نفس اللون عندك بالضبط وهذا قد يكون أحد التفسيرات لاستجابة البشر المختلفة وتفضيلاتهم تجاه الألوان.

Cross section human eye rod cone color perception cells

إن محاولة فهم آلية رؤية الألوان وتمييزها بواسطة العين هي في حد ذاتها معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى ، فعندما يدخل الضوء من خلال قرنية العين ، تضع العدسة الجسم في التركيز وتخلق صورة مقلوبة في الجزء الخلفي من العين على الشبكية. ولا تستطيع خلايا الشبكية المسماة بالقضبانRods تمييز الألوان. مهمتهم هي اكتشاف التغيرات في الضوء وتكييف العين لمساعدتنا على الرؤية ، حتى في الظلام أو الضوء المنخفض. لكن على جانب آخر توجد الخلايا المخروطية التي تسمح لنا بتمييز الألوان. هناك ثلاثة أنواع من تلك الخلايا، كل منها مسؤول عن رؤية لون كالأحمر أو الأخضر أو الأزرق على التوالي. RGB ، أي الألوان الأساسية الثلاثة التي تمتزج لتخلق العديد من جمال الألوان الذي نراه في عالمنا.

تتوزع الخلايا الضوئية Rods والمخروطية Cons على مختلف مناطق الشبكية وبالتالي يمكن لمعظمنا تمييز اللون والضوء من نفس الزوايا ، لكن توجد بقعة على الشبكية تسمى النقرة fovea لا توجد فيها خلايا تميز الضوء فقط خلايا مخروطية يمكنها تمييز الألوان وهي أدق نقطة يمكننا فيها إدراك اللون لاحتوائها على أعلى كثافة من الخلايا المخروطية .

بمجرد أن تقوم العين بعملها لالتقاط بيانات الضوء واللون ، فإنها ترسل كل شيء على طول العصب البصري إلى الدماغ لتحليله. في غضون جزء من الثانية، أذا ما نراه من ألوان هي نتيجة تحليل الدماغ وليس فقط نتيجة استجابات آلية من الخلايا المخروطية وهذا يشير إلى أن اللون في حد ذاته مدرك عقلي بصري.

إجهاد الشبكية Retinal Fatigue

حدق في هذه الصورة لمدة 30 ثانية ، ثم أغمض عينيك لعشر ثواني وانظر ماذا ترى ؟

إن الصوة المتكونة في عينك عند الاغماض هي من علامات إجهاد الشبكية ، ويمكن تجربة نفس الخاصية بين الشكل التالي والصفحة البيضاء ، ركز على الشكل لمدة 60 بعين واحدة ثم أنقل نظرك لصفحة بيضاء وأنظر ماذا ترى ؟

هذه الخاصية على سبيل المثال وجهت المصممين نحو مراعاة العوامل التي من شأنها إجهاد الشبكية ومنها تجاور بعض الألوان مع بعضها البعض أو استخدام بعض الألوان تحديدا لفترة طويلة مما يؤثر على إدراك المشاهد للأشكال التالية لفترة بسيطة.

فما رأيناه يسمى الصورة اللاحقةafterimage. تحتوي الخلايا المخروطية الموجودة في أعيننا على مواد كيميائية حساسة للألوان الأحمر والأخضر والأزرق. عندما نحدق في شيء ما لمدة تزيد عن بضع ثوان ، تبدأ هذه المواد الكيميائية في النضوب ، وتبدأ المخاريط في إرسال معلومات غير صحيحة إلى أدمغتنا مما يؤد إلى إدراك خاطئ للألوان والأشكال . إذا مررت بهذه الحالة فهذا يعني أنك تعاني من إجهاد للشبكية ولا داعي للقلق ، سوف تتكيف عيناك في غضون دقائق قليلة. أفضل ما يمكنك فعله هو إغلاق عينيك والسماح لهما بالراحة ، أو النظر إلى ظل رمادي فاتح ومحايد حتى تلاحظ أن الألوان بدأت تبدو طبيعية مرة أخرى، طبعا عند تصميمنا للمحتوى البصري لا يرغب أحدنا في أن يصاب جمهوره بإجهاد الشبكية.

هل يؤثر لون الخلفية على إدراك لون العنصر ؟

Color perception background effects
أنظر إلى السهمين في اللوحة ، وحدد هل لهما نفس اللون ؟

لو رأيت أن السهم على اليسار أغمق فلا تقلق فمثلك مثل 60% ممن أجري عليهم هذا الاختبار علما بأن السهمين بنفس اللون ولا فرق بينهما ، والسبب في هذا الإدراك الخاطئ هو لون الخلفية.

كيف نستخدم الألوان المتممة في تحسين إدراك الألوان ؟

وهي الالوان التي يتمم بعضها بعض وتعطي هذه الالوان بالاستعمال الصحيح الشعور بالاثاره و السرور و التشويق. و على سبيل المثال على الدائرة اللونيه عندما تتوازن الالوان الثلاثه (الاحمر، الاصفر، الازرق).يمكن تحديد الالوان المتممة لهم مثلا الاحمر- الاخضر متممان، و الازرق – البرتقالي، و الاصفر– البنفسجي.

CS_comp

ومع تقدم البحوث التي تناولت الإدراك اللوني والتأثير المتبادل بين الألوان ظهرت عدة مخططات للألوان التي يمكن استخدامها في التصميم منها الألوان المتقابلة والمتجانسة والمخطط الثلاثي والمخطط المنقسم والرباعي والمربع ولكل منها مميزاته التي يضيق الشرح عنها لكنها بشكل عام تعد موجه لمن يرغب في اختيار مجموعة لونية مناسبة يبني عليها تصميم واجهة البرنامج أو محتواه التعليمي .

المخططات اللونية الشائعة

وأحيانا يستخدم مخطط أحادي اللون مع استخدام درجاته مونوكرومية مختلفة monochromatic color scheme عند اختيار الهوية اللونية للمؤسسات خاصة الأكاديمية والعلمية وكثير من جامعتنا تبني هويتها اللونية الخاصة بهذا النمط مثل الهوية اللونية لجامعة الملك سعود ، والهوية البصرية لجامعة الملك عبدالعزيز على سبيل المثال.

كيف تؤثر الإضاءة على إدراك الألوان ؟

إن اللون الذي نراه هو في الواقع لون الضوء الساقط على شبكية العين سواء كام مباشر من مصدر الضوء ( شاشة الكمبيوتر ) إلى عينك أو منعكس من الأسطح ، وبالتالي فإن لون لون الضوء ودرجته يؤثر بشكل كبير على إدراكنا للون ، أنظر مثلا كيف يتغير لون الحديقة بين ساعات الصباح الباكر ثم الظهيرة وصولا إلى الغروب.
الجانب الجيد أننا في تصميم المحتوى الرقمي لا نتأثر كثيرا بمصادر الإضاءة الخارجية رغم ثبوت حدوث هذا التأثر بالنسبة لاستخدام الجوالات مثلا في الضوء الخارجي مقارنة باستخدامها داخل المنزل حيث يصعب إدراك بعض الألوان إذا ما قام المستفيد بمراجعة جواله خارج المنزل ، كذلك في حالة أستخدام أضواء ملونة وهذا قد يجعلنا نتجنب بعض الدرجات اللونية التي تتأثر بالمصادر الخارجية كالدرجات الفاتحة من الألوان المعرفة بألوان الباستيل Pastel colors ، لكن على جانب خر أختلاف درجة الإضاءة ونمط العرض ومستوى سطوع الشاشة يجعلنا نميل إلى تجنب الألوان المعدنية والدرجات اللونية الفاتحة كذلك لتأثرها بتلك العوامل .


كيف تتغير الألوان في التصوير الرقمي ؟

عند قيامك بالتصوير الرقمي فإنه من المستحسن أن تقوم بضبط الاتزان اللوني عن طريق ضبط الون الأبيض وهو ما يعرف بضبط الورقة البيضاء ، وغالبا ما لا تحتاج الكاميرات الرقمية الحديثة لذلك يكفي أن تحدد مكان التصوير مثل ضوء داخلي أصفر ، ضوء داخلي أبيض ، خارجي مشمش ، تصوير ليلي بإضاءة صناعية …. الخ ، لكن في حالة إنتاج صورة فوتوغرافية في بيئات غير محددة مسبقا في الكاميرا ستحتاج لضبط الاتزان اللوني للكاميرا.
لاحظ أنه سيعطيك الضوء الفلوروسنت درجة زرقاء على جميع مكونات الصورة، بينما يعطيك ضوء الشمس المباشر ضبغة صفراء ، والضوء الأصفر الصناعي يزيد من الاحساس البرتقالي على كامل الصورة، طبعا يمكنك معالجة الصورة الناتجة رقميا عبر برامج تحرير الصور الرقمية.

كيف تتفاوت الألوان بين وسائل تقديم المحتوى المختلفة ؟

هل لاحظت تفاوت الإضاءة والألوان بين الشاشات المختلفة الموجودة في نفس المعرض؟
هل أعجبك تصميم على الإنترنت وحين قمت بطباعته ملونا فوجئت باختلاف درجات اللون عن المعروض؟
مع فكرة التعلم المنتشر Ubiquitous والتعلم الجوال اسخدام المحتوى التعليمي على أكثر من وسيلة عرض كالجوالات والحاسبات اللوحية وشاشات الحاسب وقارئات الكتب الإلكترونية، وحتى الأجهزة القابلة للارتداء كالساعات الرقمية ،أصبح مشكلة تفاوت نمط عرض الألوان مشكلة حقيقية لصانعي المحتوى خاصة عند سعيهم لتحقيق العرض في نمط العرض اللوني الحقيقي true color ومع تقدم أنظمة العرض لتصل حاليا إلى 8K في بغض الأجهزة.

المشكلة تبرز كذلك عند محاولة المستفيد طباعة محتواك الرقمي المقدم، فأنت عندما صممته راعيت الألوان الضوئية RGB بينما حين يطبعه فإن الطباعة تعتمد على الألوان المنعكسة (المضافة ) كنمط CMYK مثلا.

للتأكد من صحة الكلام السابق قم بالكتابة باللون الأزرق على خلفية زرمادية ( بنط 14) وقارن مستوى الوضوح بين ورقة مطبوعة وبين ما يظهر على الشاشة، أو جرب الكتابة بلون أصفر على خلفية زرقاء، وأطبع نفس النص على وزرق مصقول لامع وقارن بين ما تشاهده على الشاشة وما تقرأه على الورقة. تجربة أخيرة ، أنظر للشكل التالي ولاحظ الخطوط الفارقة بين الألوان ، حاول طباعته وأنظر أين اختفت الخطوط .

Image result for chromostereopsis

هذه الحالة على سبيل المثال تظهر فقط في العروض الضوئية وتسمى الزيغ الكرومي chromostereopsis وسببها أختلاف نقاط انكسار اللون الأحمر عن اللون الأزرق كما بالرسم الآتي

بينما المشكلة الحاصلة مع النصوص في المثال الأول مرتبطة بخاصية أخرى تسمى بالانحراف اللوني أو أثر الانحراف الكرومي chromatic aberration effect وسببها اختلاف مكان بؤرة اللون الأحمر عن الأخضر والأزرق كما بالرسم التالي :

لعلاج مثل تلك المشكلات سيتم لاحقا ترشيح مجموعات لونية هي الأفضل في تطوير المحتوى التعليمي الرقمي لصلاحيتها للطباعة والقراءة الإلكترونية.

توظيف الألوان في تصميم المحتوى الرقمي

من أكثر الأسئلة التي يواجها أي مصمم تعليمي هي ما اللون الأنسب للمحتوى الذي اصممه؟ وما لون الخلفية المناسب ؟ وكيف أبرز أو أميز عنصر ما في الشاشة باستخدام اللون ؟
وما الهدف من تعددية الألوان في الأساس ؟

وغالبا ما يكون ردي على الأسئلة السابقة أسئلة أطرحها وهي لمن تصمم ؟ ، وماذا تصمم؟ ولماذا تصمم؟

واسمحوا لي أن أجيب على آخر الأسئلة في البداية ، وهو لماذا نهتم بالألوان في تصميمنا ؟

أهمية اللون تتعدى كونه عامل جمالي فهو يحقق لي عدة وظائف أشرت لبعضها في مقال سابق وسأحددها هنا كروؤس أقلام كما يلي :
1. استخدم اللون لخفض الحمل المعرفي لدى المتعلم : ولعل استخدام الألوان الباردة كالأزرق والأخضر من الألوان التي تساعد على خفض الحمل المعرفي وعدم المبالغة في استخدام الألوان الحارة كالأحمر والأصفر والبرتقالي إلا في التمييز أو الرجع.

2. أستخدم الألوان لتحسين التذكر والاسترجاع: فقد وجدت الدراسات أن الألوان الساخنة تزيد من التذكر والاسترجاع بشرط استخدامها باعتدال ، مثل إبراز النص باستخدام التظليل الأصفر أو وضع دائرة حمراء حول الكلمات الهامةوقد تصلح الألوان الباردة كالأخضر والأزرق في التظليل كذلك .

Image result for text highlighting

3. استخدم الألوان لجذب الانتباه : تعد من أهم وظائف اللون فيمكننا إبراز الشكل ما باستخدام الألوان الساخنة معه مثلا مقابل الألوان الفاتحة أو الباردة مع العناصر الأقل أهمية. وهناك كتاب متميز أنصح بقراءته لرايان نولت يبلغ تقريبا 90 صفحة يتناول كيفية توظيف اللون لجذب الانتباه أنصح بقراءته.

بشكل عام يمكن استخدام الألوان المضيئة لجذب الإنتباه في حالة الخلفايات الغامقة ، أو المحافظة على التباين اللوني بين الشكل وما يجاوره مما يزيد من جذب الانتباه ، ولتحقيق ذلك يمكن استخدام الألوان المتقابلة على دائرة الألوان كما سبقت الإشارة ( مع مراعاة مشكلات الزيغ اللوني فلا نستخدم ذلك مع النصوص والخطوط في الخرائط وما في حكمها).

استخدام الإضاءة لجذب الانتباه
تجميعات لونية مناسبة لجذب الانتباه وفي نفس الوقت لا تعرضك لحالات الزيغ اللوني

هناك الكثير من أدوات اختبار تباين الألوان الجيدة المتاحة على الويب. ابحث عن واحد يناسبك واستخدمه لاختبار تركيبات ألوان الخلفية والمقدمة. فيما يلي بعض الخيارات:

Luminosity Colour Contrast Ratio Analyser by Juicy Studio
Colour Contrast Check by Jonathan Snook
Color Contrast Checker by WebAIM
Check My Colours by Giovanni Scala
Color Safe by Donielle Berg & Adrian Rapp


4. حسن إنقرائية Readability المحتوى

تتمتع الألوان المناسبة بالقدرة على زيادة قابلية قراءة المحتوى على الشاشة. على سبيل المثال ، يمكن أن يعطي الاستخدام المتباين للألوان مزيدًا من الوضوح للمحتوى على الشاشة مما يحسن قابلية قراءة المحتوى. تشير الدراسات إلى أن اللون يمكن أن يعزز الوضوح وقابلية القراءة في النص بنسبة تصل إلى 40 %.

زيادة التباين بين النص والخلفية قد يعني وضوح النص لكنه لا يعني الانقارائية دائما جرب بعض الكلمات في الجدول السابق مع نصوص طويلة مثل الأزرق على خلفية بيضاء والأحمر على خلفية صفراء والأصفر على خلفية زرقاء فرغم وضوح الكلمة فإنك ستشعر بالإجهاد سريعا ويزداد معدل الخطأ في تمييز بعض الحروف أثناء القراءة.

5. إثارة المشاعر

تحدثت في مقال سابق عن دلالة الألوان ومعانيها ودورها في الجانب السيكولوجي ، وسواء اتفقت مع نتائج علم نفس الألوان أو اختلفت معها فإن المصمم الخبير سيكون لديه الخبرة في اختيار الألوان التي تترك انطباعا إيجابيا لدى المتلقي .
وهناك قاعدة تقول ( أستخدم الألوان الباردة لوضع طلابك في الوضع الذهني الملائم للتعلم) ويقصد هنا الألوان الأزرق والأخضر والبنفسجي (العنابي) Purple وليس الـ Violet أو الـ Magenta ، والسبب مرتبط بالسياق اللوني Color Context.

أسس اختيار المجموعات اللونية المناسبة للمحتوى التعليمي الرقمي :

إذا كنت كبير المصممين أو المسؤول عن فريق تصميم محتوى فإنه في الغالب يكون عليك مسؤولية اختيار لوحة الألوان المعتمدة للمشروع التطويري، فيجب حينها أن تضع في اعتبارك عند اختيارك لمجموعتك اللونية أو لوحة الألوان أن تحقق الآتي :

  • مناسبتها لموضوع المحتوى .
  • مناسبتها للجمهور المستهدف.
  • تحقق الاتزان اللوني بين الجموعة.
  • تحقيق التباين بين ألوان الخطوط والخلفيات.
  • تحقيق التأثير السيكولوجي المطلوب ( خاصة في المواد الدعائية) .

ثمة مبادئ يجب مراعاتها مع البدء في اختيار الألوان منها :

  • عدد الألوان: ككقاعدة عامة كلما كان عدد الألوان المستخدمة أقل كلما كان أفضل، راع أن يكون عدد الألوان بين 3-5 ألوان بالإضافة إلى لون أو لونين محايدين.
  • الاتساق : أستخدام نفس اللون دائما لنفس الوظيفة مثلا لإبراز النص أستخدم لون واحد للتظليل ، كذلك لإبراز عنصر ما على الشاشة، وفي حالة تقديم التغذية الراجعة وحد اللون المستخدم.
  • التناسق : ويقصد هنا أن لا يكون هناك تنافر بين الألوان بعضها البعض .
  • سياق اللون Color Context : أغلب الألوان لها سياقها الطبيعي المستمد من دلالاتها فجيب أن لا تغير السياق المتعارف عليه للون لأن ذلك سيضلل المستخدم . كما أن إدراك اللون لا يتم بمعزل عن باقي الألوان المجاورة فاللون يتأثر بمحيطه اللوني وهذا ما يسمى بالسياق اللوني.
  • راع التباين المتزامن Simultaneous Contrast : التباين المتزامن هو الاسم التقني للتأثير المرئي لتفاعل لونين. على سبيل المثال ، عندما تتاخم أحواض الزهور الحمراء والزرقاء بعضها البعض ، يبدأ اللون الأحمر في الظهور باللون البرتقالي ويبدأ اللون الأزرق في الظهور باللون الأخضر. التباين المتزامن قوي بشكل خاص بين الألوان التكميلية. تذكر أنه على عجلة الألوان ، فإن الألوان التكميلية هي تلك التي تقع عكس بعضها البعض تمامًا. وتشمل الأحمر والأخضر والأصفر والأرجواني والبرتقالي والأزرق.
  • حقق منالية اللون Color Accessibility : المنالية أو سهولة الوصول تشمل العوامل التي تؤثر على الإدراك البصري للون والتعارضات بين الألوان في حالات خاصة كالألوان غير المناسبة لحالات العمى اللوني مثلا ، هناك أدوات يمكنها معاونتك في هذا مثل Web Aim أو Chrome Contrast Analyzer.
  • احرص على لأنقرائية Readability : ترتبط بعدد من العوامل السابقة وتشمل سهولة قراءة النصوص الملونة، ككقاعدة عامة النص الغامق على خلفية فاتحة هو الأسهل في القراءة العادية ويجب أختيار لون بديل في حالة المحتوى المتجاوب والذي يسمح بنمط القراءة الليلية Night mode ، والقراءة لضعاف البصر.
  • أستمد ألوانك من الهوية اللونية لمؤسستك أو علامتك التجارية : من المهم أن يكون المحتوى التعليمي / أو التدريبي مستمد من هوية المؤسسة ومرتبط بها لذا يعتبر استخدام نفس لوحة الألوان الخاصة بهوية المؤسسة من الحلول الشائعة عند اختيار لوحة الألوان المعتمدة لكنها للأسف لن تكون متاحة دائما فبعض المؤسسات لها هوية لونية غير مناسبة للمحتوى التعليمي.
قالب محتوى تعليمي لأحد المقررات مستمد من هوية المؤسسة
ثمة فرق بين لون الموضوع ولون القالب ، فلون الموضوع لا نتدخل به كلون الأيقونات وأغلفة الكتب والصور الفوتوغرافية ، لكن تدخلنا يكون في لون الأشكال والنصوص والقالب الذي يقدم فيه المحتوى
  • رغم الالتزام بالهوية اللونية للمؤسسة لكن يمكن التحكم في درجات اللون على المستوى الكرومي ( تفتيح أو تغميق ) وذلك لزيادة إنقارئية الشاشة كتفتيح بعض الألوان لتصلح كلون خلفية.
المجموعة اللونية في الأعلى هي الألوان الأصلية ، والمجموعة في الأسفل هي المجموعة المحسنة لاتسخدامها في مشروع للتعليم الإلكتروني

وإذا كانت جامعتك أو مؤسستك تجعل لكل كيان فرعي ، كالكليات مثلا، هوية بصرية / لونية مميزة لها فإنه في هذه الحالة عند تصميم مقرراتها يفضل أن تستمد ألوانك من الهوية اللونية لتلك الكلية أو المؤسسة الفرعية بحيث يمكن تمييز المقرر بمجرد مشاهدة لون القالب الخاص بالمحتوى، كما هو الحال مثلا في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن والتي تجعل هوية لونية مميزة لكل كلية.

الألوان الفرعية لبعض كليات جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن
  • أستمد ألوانك من الجمهور المستهدف : هي مدرسة أخرى في التصميم وتعتمد على دلالة اللون بالنسبة للجمهور ، ففي مقال سابق أشرت إلى أن الألوان تكتسب دلالتها من جوانب عدة منها الزمان والمكان والثقافة والخبرات السابقة فضلا عن الجنس والمرحلة العمرية ، فلو صممنا مقرر لمرحلة رياض الأطفال مثلا فلابد أن يعتمد التصميم على الألوان الزاهية المبهجة ، بينما لو طورنا مقرر لجمهور من الدعاة مثلا فقد يستمد المحتوى من المجموعات اللونية الخضراء أو الزرقاء مثلا .
  • أستمد ألوانك من المجال الموضوعي للمحتوى : المصمم الجيد هو من يستفيد من دلالة اللون في التعبير على المحتوى لكن لا يجب أن يعتبر هذا هو المنطلق الرئيس لاختيار الألوان المناسبة حيث أن المؤسسة الواحدة قد تقدم دورات تدريبية أو مقررات إلكترونية في موضوعات عدة فينبغي الموازنة بين الهوية اللونية للمؤسسة وبين التعبير عن الموضوع ومناسبة الجمهور .
الموازنة بين الهوية اللونية للمؤسسة والتعبير عن المعنى في التصميم

خاتمة المقال

الواقع الكلام عن اللون في المحتوى الرقمي لم ولن ينتهي ، فاللون له مجالات توظيف متداخلة مع باقي عناصر التصميم ، لكن أتمنى أن أكون قد غطيت في الأسطر السابقة الأسس التي يبنى عليها اختيار اللون في تصميم المحتوى التعليمي الرقمي، ولو أراد الله عز وجل لنا عودة عند الحديث عن معايير جودة التعليم الإلكتروني من جوانب أخرى تخص التوظيف الجيد.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات