تأثير رانجلمان ومجموعات العمل والتعلم

بقلم : د. مصطفى جودت صالح

ثمة مقولة في تراثنا مفادها أن “الاتحاد قوة” ، وأن العمل ضمن الفريق له متعة خاصة خاصة إذا ما كان يبنى على التكامل والتعاون، هذا ما تعلمناه عبر تكليفنا بمشاريع جماعية في مراحل الدراسة المختلفة، فننشئ فرق عمل لتحقيق أهدافنا بشكل أفضل، لكن؛ عندما تعمل على تكليف أو مهمة فردية، فلن يوجد أمامك خيار سوى القيام بالعمل، لأنه لن يقوم به أحد غيرك. بينما حين تتعاون مع الآخرين في مشروع ما، فإن الضغط يزول وتقل المسؤولية الفردية. وإذا حدث خطأ أثناء العمل، فهذا ليس خطأك بالضرورة، لذلك يمكن يقلل ذلك من حافزك نحو النجاح .

إذا ؛ هل يمكن أن يكون لزيادة حجم فريق العمل تأثير سلبي على أدائه؟

وهل من الممكن أن يقل أداء الفرد كلما زاد عدد الفريق، هل يؤدي ذلك للتواكل واعتماد الأشخاص على بعضهم؟

وما الحجم المثالي لفريق العمل؟

كلام عن الاتحاد قوة - موضوع

عندما لا يلاحظ أحد ما تفعله أو ما لا تفعله، يكون من الأسهل الاستمرار في عدم فعل أي شيء..

حتى في الاجتماعات، إن لم يكن لكل شخص دور يقوم به، وكل شخص لديه مساحة للتحدث وإبداء رأيه، ستجد أن هناك من يظل ساكنا ولا يشارك.

إن أول من لاحظ هذه الظاهرة المهندسُ الفرنسيّ ماكسيميليان رنجلمان عام ١٩١٣، حيث لاحظ أنّ قوة حصانين يَجُرَّان عربةً معًا ليست ضِعف قوة حصانٍ واحدٍ يَجُرُّ نفس العربة. ثم قام بتجربة على البشر من خلال لعبةِ شدّ الحبل وقاس الجهد الفرديّ المبذول عند الشدّ، ومن ناحية أخرى قاس الجهد الجماعيّ المبذول، وكانت كلّ النتائج الرقمية تشير إلى وجود علاقة عكسية بين حجم المجموعة وإجماليّ مساهمة أفرادهم المفترضة. ولذلك قد تسمّى هذه الظاهرة تأثير Ringelmann .

The Ringelmann Effect - Deepstash

كما قام بدراسةٍ مشابهةٍ على مجموعةٍ من المساجين الذين يقومون بتشغيل ماكينة طحنٍ يدويّ وقد وجد أنّ ازدياد عددِ المساجين -الذين يوفّرون القوّة العضلية اللازمة لإدارة الماكينة- يؤدّي إلى اعتماد بعض المساجين على زملائهم لأداء الجزء الخاصّ بهم من العمل إلى حدّ أنّ بعضهم ترك يديه تمسكان بعجلة إدارة الماكينة من غير دفعٍ لها، وآخرين قاموا بترك العجلة تسحبهم بدلًا من أن يدفعوها هم.

ثم طلب من نفس الأشخاص سحب الحبل مع مجموعة. ولاحظ أنه عندما يسحب الأشخاص ضمن مجموعة، فإنهم يبذلون جهدًا أقل مما يفعلون عندما يسحبون بمفردهم.

استنتج رانجلمان من تجاربه أنه يحدث تأثير Ringelmann عندما يبدأ الأداء الفردي في التناقص مع زيادة حجم الفريق. مما ينتج عنه انخفاض الإنتاجية الفردية، ويمكن أن تُعرف هذه الظاهرة أيضًا باسم “التكاسل الاجتماعي social loafing”.

وترجع هذه الظاهرة بشكل أساسيّ إلى أنّ:

١- توزيع المسؤولية على عدد كبير يُشعِر بعض الأفراد أنّهم غير مسؤولين عن نتيجة جهودهم، وأنّ الأمر يسير بدونهم أيضًا.

٢ – غياب الحافز الفرديّ للشخص، والذي  لو بذل جهدًا كبيرًا، فلن يظهر للناس مدى تميزه وعِظَم مساهمته.

٣- ضعف التنسيق وخطوط التواصل بين مجموعة العمل.

تأثير رانجلمان و مجموعات العمل والتعلم :

عندما تفكر في آخر مرة قمت فيها بمشروع جماعي ، ما الذي يخطر ببالك؟ بالنسبة للعديد من الأشخاص – وخاصة المتفوقين منهم – فإن العمل الجماعي يعيد إلى الذهن دائمًا صورة الزميل المتهرب والمتكاسل أو المتواكل. وكلما زاد حجم المجموعة زادت احتمالية ميل البعض إلى التكاسل والاتكال على الغير.

bar graph showing effort exerted on the y-axis and number of participants on the y-axis. As the number of participants increased, the proportion of effort exerted decreased
أنظر إلى نتائج تجربة رانجلمان الأصلية ولاحظ أن المجموعة التي تتكون من ثمانية أفراد يبدل فيها الفرد 50% من جهده الفعلي عكس المجموعات الأقل عددا

والسؤال الذي يطرح نفسه على مصمم مجموعات العمل ، ما الطرق التي يمكن اتباعها لتقليل التكاسل الاجتماعي وتعزيز المشاركة الجماعية لدى جميع الأفراد؟

لكن قبل ذلك فأنه من الملاحظ أن بعض الأعمال البسيطة التي قد يقوم بها الفرد في عمله المنفرد يجد من ينوب عنه في فعلها في المجموعة مثلا تسجيل محضر اجتماع ، أو كتابة التقرير النهائي ، أو البحث عن المصادر كلها أعمال قد يقوم بها فرد أو إثنين في المجموعة دون مشاركة باقي الأفراد لذلك فإنه لقياس تأثير التكاسل الاجتماعي يجب حساب الجهد المبذول في الأعمال المشتركة وتوزيع المهام والتكليفات بالتساوي على المجموعة، وهنا يظهر لنا تساؤل مفاده ؛ في أي مجموعات العمل يظهر تأثير التكاسل الاجتماعي بشكل أكبر التعاونية Cooperative أم التشاركية Collaborative. وأسمحوا لي أن أترك الإجابة على هذا السؤال إلى مقال تالي ولنفكر فيه أثناء مناقشة مزيد من النقاط حول ظاهرة التكاسل الاجتماعي .

سيكولوجية التكاسل الاجتماعي

جوهر التكاسل الاجتماعي هو افتراض أنه لا يلزم بذل الكثير من الجهد من الفرد لأن هناك المزيد من المساهمين في المشروع أو في فريق العمل. هذا رغم أن فريق العمل يحتاج من كل مشارك المساهمة بمهاراته الفريدة ورؤيته لتحقيق أقصى تأثير وأفضل أداء جماعي. فحتى مع تنوع مهارات الفريق والحاجة لجهودهم جميعا وجد أنهم في العموم قد يصابون بهذه الظاهرة مع وصول الفريق لحجم معين من المشاركين.

يربط البعض بين التكاسل الاجتماعي وظاهرة التراجع الدافعي Motivational Decline حيث يعلل البعض ظاهرة التسكع الاجتماعي بفقدان الدافع مع زيادة حجم المجموعة أو زيادة الفترة المخصصة لأداء المهام وفقدان الدافع لا يكون بسبب الإرهاق بل بتراجع الدافع نحو العمل.

وقد يبدو أن التكاسل الاجتماعي أمر لا مفر منه، نظرًا لأساسه النفسي، فإذا نظرنا إليه كظاهرة سيكلوجية مشتركة بين جميع البشر فقد يبدو أن علاجها شبه مستحيل، ولكن هناك العديد من الأسباب المؤدية لسلوك التكاسل الاجتماعي التي يمكنك تحديدها ومعالجتها.

The Ringelmann Effect.

يصاب أفراد الفريق بهذه الظاهر لسبب أو أكثر من الأسباب التالية:

  • عندما يفترض عضو الفريق أنه يمكنه الراحة والتقليل من جهده دون التأثير على عمل المجموعة ككل.
  • عندا يرى عضو الفريق أن أعضاء الفريق الآخرين يمكنهم تقاسم مهامه التي لم يؤديها دون بذلك جهد كبير .
  • عندما يعتقد عضو الفريق أن بعض الأعضاء أكثر خبرة وأقدر على أداء مهامه فلا يبذل جهده في تطوير نفسه.
  • في بعض الأحيان يخشى عضو الفريق من مقارنة عمله بباقي الأعضاء فيتجنب بذل الجهد.
  • غياب التقدير داخل المجموعة مما يجعل بعض الأعضاء لا يبذل جهدا في تحقيق أهداف المجموعة.
  • افتقار العمل داخل المجموعة للشفافية ووضوح الأهداف وآلية المساءلة.
  • عندما يشعر عضو الفريق بعد العدالة في توزيع المهام والأدوار.
  • غياب سياسة واضحة للثواب والعقاب .
  • نقص وعي عضو الفريق بأهمية دورة في الفريق واحساسه بوجود بدلاء عنه يمكنهم أداء مهامه.
  • عندما يشعر عضو الفريق بأنه غير مرئي / أو متابع من جهة أعلى كمدير الفريق أو المعلم .
  • تكليف عضو الفريق بمهام فردية أخرى خارج إطار عمل المجموعة ، فقد وجد أن الطالب – على سبيل المثال – حينما يكون لديه تكليفات فردية وأخرى جماعية فإنه يميل إلى أداء التكليفات الفردية بمجهود أكبر ويميل إلى التواكل في التكليفات الجماعية.
  • عدم تجانس فريق العمل، مثل أن يكون هناك أفراد ذوي مكانة اجتماعية عالية وآخرين أقل في مجتمع ذي بنية طبقية عندها سيميل من هم أعلى مكانة بتكليف من هم أقل منهم بمهامهم. نفس الشيء يحدث في حالة عدم التوزيع الجيد للمجموعة كأن تكون هناك فتاة واحدة مثلا بين مجموعة من الزملاء الرجال في مجموعة عمل فوجد حينها أنها تميل إلى إعطاء مهامة لبعض الزملاء من الجنس الآخر ليقوموا بالعمل عنها ويختفي هذا عندما يكون التوزيع متجانس.

أمثلة من التكاسل الاجتماعي التي قد يواجهها المدير / المعلم في مجموعات العمل :

  • يطلب مطور برمجيات من زميل له المساعدة في إصلاح الخلل لأن الزميل يتمتع بمهارات عالية في هذا النوع من التعليمات البرمجية. ينتهي الزميل بالجزء الأكبر من العمل.
  • يعتمد فريق العمل على طالب واحد فقط لكتابة محاضر الجلسات لأنه الأجمل خطا أو الأسرع في الكتابة على الكمبيوتر.
  • يعاني طالب من بطئ أدائه في برنامج الجداول الحسابية فيخضى باقي الفريق أن يعطلهم فيوكلوا مهامه إلى مجموعة أكثر خبرة ولا يكلفوه بمهام أخرى أو يحاولوا تحسين أدائه .
  • يميل الطلاب المسيطرون في مجموعات العمل بالمدرسة إلى تكليف الطلاب آخرين بمهامهم في المجموعة.
  • يميل الطلاب الذين يسجلون في عدد أكبر من المواد إلى توفير جهودهم في مجموعات العمل ليبذلوها في التكليفات الفردية.
  • يميل الطالب المهيمن على مجموعة العمل إلى اختيار المهام التي تتضمن عرض النتائج بينما يمارس ضغوطا على باقي الفريق لأداء المهام الأخرى بسرعة وكفاءة مما يجعل الطلاب الأضعف يميلون إلى الإنسحاب أو تقديم نتائج غير جيدة ليكلف غيرهم بهذا العمل ويكون هذا كنوع من الهروب من الضغط النفسي الذي يمارسه تجاههم.
  • يميل بعض الموظفين القدامى عند وضعهم مع الأحدث سنا أن يضعوا على عاتق الموظف الأحدث الجهد الأكبر ويكتفوا هم بالتوجيه والإشراف داخل المجموعة حتى لو تساوت درجاتهم الوظيفية.

على جانب آخر رصدت عدة دراسات ظواهر مؤثرة بالزيادة أو النقص على ظاهرة التسكع الاجتماعي ومنها:

  • آليات المتابعة وتقييم الأداء : يكون الأعضاء أكثر تحفيزًا لبذل المزيد من الجهد في عمل جماعي عندما يعتقدون أن أفكارهم أو مخرجاتهم الفردية يمكن التعرف عليها (على سبيل المثال ، وجود مراجع خارجي لكل عمل فردي في المجموعة). هذا لأنه عندما تكون الوظيفة سهلة وفردية ، يشعر الأفراد بالقلق من أن يحكم عليهم الآخرون (قلق التقييمevaluation anxiety) ، مما يزيد الإنتاجية للمجموعة ككل. وفي المقابل إذا سمحت طبيعة مهام العمل لأعضاء المجموعة بالبقاء مجهولين (أي لا توجد آلية لتقييم أو تتبع مجهوداتهم الفردية داخل المجموعة) ، فإنهم سيشعرون بضغط أقل بشأن الحكم عليهم من قبل الآخرين ، مما يؤدي إلى تكاسل اجتماعي وانخفاض الإنتاجية للمجموعة ككل.
  • الشعور بالمسؤولية تجاه الجماعة : لعل أحد الاسباب السيكلوجية للتكاسل الاجتماعي هي شعور الأفراد الأضعف في الفريق أن أنسحابهم أو تكاسلهم لن يؤثر على عمل المجموعة لذلك لابد من الاجتماع بفريق العمل وتأكيد على دور كل فرد بالمجموعة وأن يشعر كل فرد في المجموعة بأنه مكون أساسي في خطة العمل، ويمكن تحقيق هذا عن طريق تجنب الزيادة غير المبررة في حجم مجموعات العمل والاعتماد على المجموعات الصغيرة والمتوسطة في أداء المهام.
  • المنافسة، والحوافز، وتقييم الزملاء : في مجموعات العمل التي يوجد بين أفرادها تنافس بصورة صحية سواء داخل المجموعة ( أي بين أفراد المجموعة ) أو بين المجموعة ومجموعات أخرى خارجية تشترك في الهدف العام وجد أن الميل للتكاسل الاجتماعي يتراجع بشرط الحفاظ على مستوى صحي من المنافسة. ويعزز ما تقدم استخدام الحوافز داخل المجموعة لمكافأة الأعضاء الأكثر فاعلية ، أو استخدام تقييم الزملاء بحيث يخضع كل عضو لتقييم زملائه بناءا على مقدار مشاركته في تحقيق مهام مجموعة العمل.
  • ضعف التنسيق والميل للتكاسل: لا يعتمد أداء الأفراد في المجموعة على قدراتهم الخاصة ومدى خبراتهم فقط ولا حتى بشعورهم بالعدالة في توزيع المهام ، فقد يجتمع في فريق لكرة القدم أبطال العالم ويخسرون مقابل فريق متوسط الأداء لأن الفريق الاني نجح في تنسيق جهود فريقه في مقابل تكرار المهارات وعدم التنسيق فيما بينها في فريق أبطال العالم ربما يجعلهم يميلون للتكاسل ويفشلون في النهاية.
    بمعنى آخر فإن التنسيق الجيد الذي يراعي مهارة وقدراة كل فرد في مجموعة العمل ووجود علاقات إنسانية جيدة فيما بين أعضاء الفريق وقدرة على الاتصال والعمل الجماعي وتنسيق الجهود سيعزز نجاح الفريق ويقلل الميل للتكاسل الاجتماعي.

تأثير التكاسل الاجتماعي على مجموعات العمل

كلّما كبُر حجم الشركة كلّما كان من الأسهل على الموظّف إخفاء عمله الفرديّ، ولكن، للأسف، يؤدي وجود هؤلاء الطفيليّين الذين يعيشون على فكرة أنّ العمل يقوم به أشخاص آخرون إلى انخفاضٍ في الروح المعنوية لدى الأفراد أصحاب الأداء المهنيّ المرتفع، فينخفض مستوى أدائهم هم الآخرين. فلا أحد في الشركة سيرغب في أن يكون محل استغلال الآخرين ، فيقوم بكلّ الشغل بينما يقضي الآخرون وقتهم دون عمل ساخرين منه، وهو الأمر الذي سيترتّب عليه تهرّبُ الجميع من العمل وانخفاض مستوى أداء الفريق.

وبمرور الوقت، تصبح ثقافة التكاسل الاجتماعيّ جزءًا من ثقافة الشركة، الأمر الذي ينجم عنه انخفاض واضح في إنتاجية الجميع؛ من الخفير إلى المدير. ويسمى هذا الوضع بتأثير حمار الشغل “الأهبل” sucker effect.

حساب التكاسل الاجتماعي في المؤسسات

قام العالِم دريك دي سولا ، في الستينات من القرن العشرين، بتحليلِ نتائج البحوث الموجهة من المؤسسات البحثية في أمريكا والتي رصدت تأثير التكاسل الاجتماعي، وخلص إلى نتيجة باهرة أو بالأحرى قانونًا يَصِف كميًّا ظاهرة التكاسل الاجتماعي. وينصّ قانون دي سولا على أنّ الجذر التربيعي (تقريبًا) لعدد الاعضاء المجموعة البحثية هو المسؤول عن ٥٠% من العمل، الأمر الذي يعني أنه كلّما كبُر عدد المشاركين في المجموعة انخفض عدد القائمين بالعمل كما هو موضّح بالجدول الآتي:

نسبة دي سولا لحساب التكاسل الاجتماعي

نظرية التأثير الاجتماعي للاتينتس Latanes social impact theory:

Picture

تم صياغة تأثير التكاسل الاجتماعي وجهود دي سولا في قياسه فيما سمي بنظرية التأثير الاجتماعي للاتانس Latanes social impact theory ، فقد تم اقتراح نظرية التأثير الاجتماعي من قبل Bibb Latané في عام 1981 للتنبؤ كيف ومتى ستؤثر مصادر التأثير الاجتماعي على الهدف العام والشخص المستهدف. فعندما يكون الأشخاص المحيطون مصادر للتأثير الاجتماعي على الشخص المستهدف ، فمن المتوقع أن يكون يتناسب التأثير مع عدد المصادر والمهام .والتي تنص على “إذا كان الشخص هدفًا لمسؤولية اجتماعية ، فإن زيادة عدد الأشخاص المشاركين يقلل من الضغط الاجتماعي النسبي على كل شخص. وإذا كانت المهام الفردية غير قابلة للتحديد ، فقد يعمل الشخص بجهد أقل. وبالتالي إذا كان الشخص يتوقع تقسيم العمل إلى مهام أصغر أو مقدار الحافز المجتمعي عن عمله سيصبح أقل، فإنه سوف يعمل بجهد أقل في مجموعات “

التكاسل الاجتماعي في بيئات التعلم / العمل عن بعد :

ثمة ظاهرة نبهت لها بحوث عديدة في بيئات التعلم / العمل عبر الإنترنت عن بعد سميت بالتسلل السيبراني cyberloafing وهو ما شكل تهديدا لكثير من مجموعات العمل عبر الإنترنت . وجدت دراسة أجراها الأكاديميان الأمريكيان جوزيف أوجرين وجون بيرسون ونشرت في عام 2013 أن ما بين 60 و 80 في المائة من وقت الأشخاص على الإنترنت في العمل لا علاقة له بمهام العمل . كما توصل استطلاعهم لموظفي المكاتب الأمريكية أن الموظفين الأكبر سنًا يميلون إلى قضاء الوقت في إدارة شؤونهم المالية عبر الإنترنت بينما يقضي العمال الأصغر سنًا وقتًا أطول على مواقع الشبكات الاجتماعية مثل Facebook. يقول Ugrin ، الذي يدرس القضايا السلوكية والأخلاقية المتعلقة بأنظمة المحاسبة والمعلومات: “وجدنا أنه بالنسبة للشباب ، كان من الصعب حملهم على الاعتقاد بأن الشبكات الاجتماعية سلوك غير مقبول”. “مجرد وجود سياسة معلنة لم يغير مواقفهم أو سلوكهم على الإطلاق. حتى عندما علموا أنهم يخضعون للمراقبة ، فإنهم ما زالوا غير مهتمين.” خلص Ugrin و Pearson إلى أن الطريقة الوحيدة لتغيير مواقف الناس هي نشر حالات توبيخ لموظفين آخرين ارتكبوا نفس السلوك.

على جانب آخر برز التسوق الشخصي عبر الإنترنت كنشاط مفضل آخر في وقت العمل. قال نصف المشاركين في استطلاع حديث أجراه موقع التوظيف CareerBuilder إنهم يخططون لإجراء عمليات شراء عبر الإنترنت أثناء تواجدهم في المكتب خلال موسم عطلة نهاية العام في أمريكا. من بين تلك المجموعة ، قال 42 في المائة إنهم سيقضون ساعة أو أكثر في القيام بذلك. لكن احذر – وجد استطلاع منفصل لـ CareerBuilder أن نسبة المديرين في الولايات المتحدة الذين طردوا شخصًا لاستخدام الإنترنت في “أنشطة غير متعلقة بالعمل” كانت أعلى في عام 2015 مقارنة بالعام السابق. يقول عالم الاجتماع السويدي رولاند بولسن ، الذي كتب كتابًا عن الكسل في العمل بعنوان العمل الفارغ Empty Labour ، إن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن متوسط ​​الوقت الذي يقضيه الموظفون في الأنشطة غير المتعلقة بالعمل في الوظيفة يبلغ حوالي ساعتين يوميًا. يعرّف العمل الفارغ بأنه “كل ما تفعله في العمل ليس عملك”.

لكن ماذا عن التسلل السيبراني cyberloafing في بيئات التعلم عن بعد ؟

مع توفر تقنيات الهاتف المحمول وفرص الاتصال عبر الإنترنت ، زاد الاستخدام الشخصي للإنترنت لأغراض غير متعلقة بالتعلم / العمل . وبناءً على ذلك ، قدم العلماء مصطلحات مثل التسلل السيبراني “cyberloafing” (ليم ، 2002) و “التسرب السيبراني cyberslacking” (جاري و دانزر 2008) كشكل من أشكال التكاسل الاجتماعي ، وأجريت عديد من الدراسات حول سلبيات هذه الظاهرة وإيجابياتها. بينما يركز البعض على العواقب الضارة للتسلل عبر الإنترنت ، مثل العمل غير المكتمل وانخفاض الإنتاجية ، يتناول البعض الآخر فوائده على تقليل ضغوط التعلم / العمل بين أفراد الفريق وتقليل الشعور بالإجهاد وزيادة الرضا عن طريقة التدريس المتبعة.

لقد أصبح استخدام الأجهزة الرقمية عالية التقنية مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية سائدًا أيضًا بين المراهين. وتتيح قابلية الهواتف الذكية للحمل وانتشارها في كل مكان للمراهقين والبالغين الوصول إلى الإنترنت في أي مكان وزمان. وفقًا لنتائج استطلاع أجرته شبكة براندفورد عام 2013 ، يُسمح لـ 89٪ من الطلاب في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة و 44٪ من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية باستخدام الهواتف الذكية في المؤسسات التعليمية. كما كشفت دراسة سابقة تبحث في وتيرة استخدام الإنترنت بين طلاب الجامعات أن معظم الشباب (54٪) يستخدمون الإنترنت لأكثر من 10 ساعات في الأسبوع ، مما يشير إلى نمط سلوك إدماني . وقد أصبح استخدام الإنترنت المتزايد وغير المتحكم فيه مصدرا للقلق بين العلماء.
كما اشارت بعض الدراسات إلى أن الطلاب المشتركين في أعمال جماعية يميلون إلى التعرف على بعضهم وتكوين مجموعات عمل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل Whats App لكن في كثير من الاحيان يحيد هدف مجموعة التواصل الاجتماعي وتناقش فيها موضوعات خارج مهام التعلم. كذلك يميل الطلاب أثناء حضورهم للفصول الافتراضية والويبينارات عن بعد إلى استخدام تطبيقات اجتماعية قد تشتت انتباهمم عن ما يتم شرحه أو مناقشته معتمدين في ذلك على ان المعلم لا يراهم فعليا ولا يطلب منهم أداء عمل محدد أثناء المحاضرة أو الفصل الافتراضي، حتى أن بعض الطلاب المشاركين في نفس المحاضرة قد ينخرطون في محادثات نصية ثنائية بعيدة تماما عن سياق المحاضرة.

Fig. 1
بعض صور استخدامات الطلاب للإنترنت أثناء الوقت الموجه للتعلم

ما الحجم الأمثل لفريق العمل ؟

بشكل عام لا يمكن وضع قاعدة واحدة لتحديد الحجم الأمثل لفريق العمل أو الوقت اللازم لأداء المهمة وغالبا ما يخضع ذلك إلى خبرة مدير المجموعة أو المعلم عند تقسيم المجموعات ، ولكن ثمة قاعدة أو قانون تستخدمها العديد من المؤسسات الناجحة تسمى “٢ بيتزا”  لبناء فريق العمل؛ ويعني هذا أنّ الفريق الأمثل هو الذي تكفي أعداد أفراده ٢ بيتزا في عشائه. أي أنّ العدد المثالي يكون بين ٥- ٩ أفراد.

ويُنسَب هذا القانون إلى رئيس شركة أمازون، المليونير جيف بيزوس، الذي نحت هذا المصطلح.. حيث أشار إلى أنّ المثل القائل بأنّ “عينين أفضل من عين واحدة” خاطئ تمامًا، ووجود عقول أكثر لا يعني إطلاقًا أفكارًا وحلولًا أكثر.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات