المبادئ الحاكمة لسهولة الوصول للمحتوى التعليمي الرقمي

كتبها : د. مصطفى جودت صالح

 

إن أحد أكبر التحديات التي تواجه مصمم المحتوى الإلكتروني بشكل عام ومصمم المقررات الإلكترونية على وجه الخصوص هي تحقيق سهولة الوصول Accessibility لمقرره، تسمى سهولة الوصول بالمنالية كذلك وتعني أن يتمكن الطلاب ذوي الإعاقات البصرية والسمعية والحركية من الاستفادة من محتوى المقرر الإلكتروني والتفاعل معه.

 

ثمة مصطلحات يكررها المتخصصون مثل Section 503 أو تحقيق WCAG 2.0 ، Section 508 وتزيد هذه المصطلحات أو المختصرات الأمر غموضا على غير المطلعين عليها ، وتوحي بصعوبة عملية إنتاج هذا النوع من المقررات.

في البداية يقصد بـ Section 503 ما يسمى بقانون إعادة التأهيل Rehabilitation Act والذي يرجع لفترة السبعينات، وقامت الحكومة الأمريكية بإضافة تحديث جوهري عليه والذي بدأ تطبيقه في 24 مارس 2014 ، فالقطاع 503 من القانون الفيدرالي لإعادة التأهيل يلزم المقاولين المتعاقدين مع الحكومة الفيدرالية الأمريكية بتعيين نسبة 7% من العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير فرص عادلة لتأهيلهم، وتوفير الوسائل الملائمة لقياس مدى تحقيق هؤلاء العاملين لمتطلبات الخاصة بطبيعة عملهم.
إن هذا التحديث لقانون إعادة التأهيل وضع أصحاب الأعمال أمام تحديث كبير وهو مدى ملائمة الأنظمة التقنية المستخدمة مع ذوي الإعاقة ، وسبل توفيرها لهم بالشكل الذي يمكنهم من القيام بمهام عملهم. لقد الزم القانون أصحاب الأعمال الذين يستخدمون تطبيقات تعتمد على الكمبيوتر والإنترنت أن تكون تلك التطبيقات سهلة الوصول وملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويقوم بمكتب العمل بكل ولاية بمتابعة ذلك وتقييمه.

ويشير القطاع 503 من قانون إعادة التأهيل إلى ضرورة الالتزام بمعايير WCAG لجميع التطبيقات والأنظمة المعتمدة على الإنترنت ، كما يقدم القانون تفسيرات وملاحظات على تلك المعايير وكيفية تطبيقها من قبل أصحاب الأعمال.

أما WCAG 2.0  فهي الإصدارة الثانية من معايير الوصول لمحتوى الويب Web Content Accessibility Guidelines ، والتي تعد المعايير الأشهر والأوسع حول العالم فيما يتصل بسهولة الوصول لمحتوى الويب والتي تحرص معظم أنظمة تأليف المحتوى Content Authoring Tools على إعلان التوافق معها.

 إن المشكلة التي تواجه مصممي المقررات الإلكترونية هي أن معايير WCAG 2.0 لا تقدم لهم حلولا مباشرة للمشكلات التي تواجههم أثناء تصميمهم لمقرراتهم الإلكترونية، فهي ليست موجهة لهذا الغرض، فهذه المعايير كما سبقت الإشارة موجهة للأنظمة التي تستخدم عبر الويب أي معايير لسهولة الوصول لصفحات الويب، لكن المحتوى التعليمي الإلكتروني له أبعاد أخرى أكثر تخصصا، وأساليب تفاعل أكثر تعقيدا.

هذا السبب تحديدا دفع عديد من الجهات إلى محاولة تطوير نسخ متخصصة من معايير سهولة الوصول خاصة بالتعليم الإلكتروني ، وهي أقرب لنسخ أو إصدارات متخصصة من معايير WCAG وهي وبالمناسبة لا يعد أمرا معيبا فالأصل في المعايير هو التوحيد.

ما المبادئ العامة التي تعتمد عليها تلك المعايير ؟

مع تعدد إصدارات معايير الوصول لمحتوى المقررات الإلكترونية بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المختلفة فأن جميع تلك المعايير تقريبا تدور حول المبادئ التالية:

  1. الملاءمة appropriateness : من أهم المبادئ الحاكمة لتصميم المحتوى التعليمي للطلاب ذوي الإعاقة أنه لا يوجد محتوى واحد يناسب الجميع ، وبالتالي فإن في الحالات المثلى يجب أن يعد أكثر من صورة للمحتوى ويتم توجيه الطالب للمحتوى المناسب له وفقا لتصنيفات دقيقة لنوع ودرجة الإعاقة وطبيعة البرامج التي يستخدمها ، لكن في حالات أخرى يتم اختيار نقطة متوسطة بين متطلبات الفئات المختلفة في حالة وجود صعوبة في عمل صور مكافئة من المحتوى ، مثل جلسات الفصول الافتراضية التي يشترك فيها الطلاب جميعا، ويراعى أن يضم يصنف الطلاب على نظام إدارة التعلم وفقا لطبيعة ودرجة الإعاقة.

  1. تحكم المتعلم Learner Control : هو من المبادئ العامة التي تحكم المحتوى التعليمي بشكل عام وثمة توازن بين تحكم المتعلم في مقابل تحكم البرنامج / المعلم ، ولكل ميزته وتوظيفاته ، لكن في حالة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة فإن تحكمهم في سرعة تعلمهم ومساراتهم والزمن الملائم للتعلم يعد معيارا أساسيا لا يمكن التغاضي عنه فكل متعلم يعد حالة فريدة في ذاته ويصعب تعميم معالجة واحدة للجميع ، لكن على جانب آخر فإن التحكم في مسار المتعلم داخل البرنامج لا يفضل فيه ترك الحرية الكاملة للمتعلمين دون توجيههم لما يجب عليهم فعله.
  2. سهولة الوصول عبر لوحة المفاتيح Keyboard Accessibility: تعتبر لوحة المفاتيح هي الأداة الأساسية للانتقال بين عناصر المحتوى، سواء كانت لوحة مفاتيح خاصة بالمعاقين بصريا أو لوحة مفاتيح خاصة بالإعاقات الحركية أو لوحة مفاتيح عادية. يجب على المصمم التعليمي أن يتأكد أن كل نشاط أو وظيفة في المقرر أو في نظام إدارة التعلم يمكن تنفيذها عبر لوحة المفاتيح وهذا لا يمنع استخدام الوسائل الأخرى كالفأرة والقلم الضوئي لكن يجب أن يتوافق المحتوى بشكل كامل مع وظائف لوحة المفاتيح المختلفة ومن ذلك رفع وخفض الصوت، تكبير أحجام الخطوط وتصغيرها، تشغيل وإيقاف الفيديوهات والمواد السمعية، الانتقال بين صفحات المحتوى الخاص بالمقرر، الاستجابة على الاختبارات والأنشطة المختلفة.
  3. قابلية القراءة Readability : لا يقصد بقابلية القراءة سهولة قراءة المحتوى بالعين البشرية فقط ، بل أن جميع المحتوى النصي وغير النصي يكون قابل للقراءة المباشرة أو عبر برامج قراءة الشاشة ، ولتحقيق ذلك يجب أن يتم وصف كل عنصر ظهر في الشاشة وصفا نصيا وجعله كنص بديل لا يظهر مباشرة لكنه يقرأ من قبل برامج قراءة الشاشة ، كما أنه يمكن البحث عنه ضمن المحتوى باستخدام آليات البحث المختلفة، ويعد ذلك مبدأ أساسيا للتعامل مع المحتوى الموجه لذوي الإعاقة البصرية، ولا تقتصر قابلية القراءة على استخدام النصوص البديلة لكنها تصل لقابلية قراءة الحروف والرموز المختلفة عن طريق اختيار خطوط ملائمة ومراعاة كثافة الخطوط وأحجامها وألوانها والمسافات بين الكلمات ، وأخيرا فإن النص الشارح البديل المستخدم مع العناصر البصرية في الشاشة يستخدم كذلك مع المعادلات والرموز المختلفة والتي قد لا يتمكن قارئ الشاشة من قراءتها بالشكل الصحيح ، ويقتضي ذلك تحويلها على صورة ومن ثم إضافة نص شارح لتلك الرموز.
    أضف النص البديل إلى الحقول التي تطلب من الطالب الاستجابة عليها سواء بإدخال نصوص أو الاختيار من متعدد وغيرها.
  4. ترتيب العناصر على الشاشة : إن ترتيب العناصر على الشاشة لا يعد طرفا أو محاولة لجذب اهتمام المستخدم ، فالطلاب ضعاف البصر اثبتت التجارب أنهم يلتزمون بخطوط رؤية محددة على الشاشة وهي التحرك من يسار الشاشة إلى يمينها ( أو العكس في اللغة العربية) والتحرك من أعلى إلى أسفل ولن يلاحظوا التسلسل المنطقي للعناصر حيث يعتمدون في إدراكهم على التسلسل المكاني في توزيع تلك العناصر ، وبالتالي لا يجب استخدام المخططات المسارية الدائرية أو المتشعبة معهم وتبسيطها إلى أشكال خطية قدر الإمكان ، كذلك الحرص على تجميع العناصر المرتبطة بشكل متجاور حتى يسهل عليهم إدراك العلاقة فيما بينها.
    تبرز تلك القضية كذلك مع المكفوفين ومن يستخدمون قارئات الشاشة حيث أن برامج قراءة الشاشة تستخدم ترتيبا محددا في القراءة لا يتناسب معها وضع المحتوى على أعمدة متعددة أو في كتل نصية مختلفة، ويرتبط ترتيب العناصر على الشاشة بمعيار خر هو الاتساق Consistency والذي يؤكد على توحيد أساليب التحكم والمناطق الوظيفية على الشاشة وطرق المعالجة حتى لا يقع الطلاب في حيرة لاختلاف مناطق التحكم وأساليب العرض بين عناصر المحتوى المختلفة.
  5. سهولة الإبحار Usable Navigation : لتحقيق سهولة الإبحار في المحتوى التعليمي والمعروف في معايير الجودة بـ Navigability أو قابلية الإبحار ، وتبرز أهمية هذا المعيار عند التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والذين قد يواجهون مشكلة حقيقية في الانتقال بين عناصر المحتوى نتيجة عدم قدرة البرامج التي يستخدمونها على التعامل مع وسيلة الإبحار المستخدمة، لذا يجب أن تكون وسيلة الانتقال بين عناصر المحتوى الرئيسة كما سبقت الإشارة هي لوحة المفاتيح ، كما يجب أن تقسيم النصوص الطويلة إلى فقرات مع عمل قائمة تسمح بالانتقال بين عناصر المحتوى . ويجب أن تدعم وسيلة الإبحار النصوص البديلة كما يجب أن لا تعتمد على استخدام الفأرة كأساس لعملية الإبحار. ضع آلية للطالب ليعلم مكانه ضمن صفحات المحتوى، مثل خط يوضح مسارة في البرنامج أو خريطة مفاهيم ( لا تفضل مع الطلاب ضعاف البصر ).

اجعل وسائل الإبحار أو الانتقال متجاورة مع مراعاة حجم وشكل الوسيلة مما يسهل على ضعاف البصر إدراكها وعلى المعاقين حركيا التعامل معها ، فلو لديك مجموعة من الشرائح فإنه من غير المحبذ عمل أسهم الانتقال يمين ويسار الشاشة بل جعلهم متجاورين أسفل الشاشة مع ظهور اتجاه كل سهم بشكل واضح ، أو عمل شرائح مصغرة ومرقمة للمحتوى ، أما إن كان الانتقال بين عناصر النص فيمكن استخدام التبويبات الجانبية مع الحرص على أن يقرأ النص البديل الخاص بها قبل قراءة المحتوى ( وضعها قبل كتلة النص وفقا لاتجاه القراءة ) ، وإدراج الكود الخاص بها في ترويسة الصفحة .

يجب مراعاة آلية عمل قارئ الشاشة، فلو لدينا عرض يتكون من 50 شريحة مثلا فلا يجب أن تكون الشرائح المصغرة في بداية الصفحة بحيث يقرأ البرنامج عناوينها في كل مرة يستعرض فيها الطالب صفحة ولكن توضع أداة للتحكم للانتقال للشريحة السابقة أو التالية .

  1. سهولة استخدام العناصر السمع بصرية Usable Audio Visual Objects : يقصد بها عناصر الفيديو والمقاطع الصوتية في الأساس ، وترتبط سهولة استخدامها بالتحكم فيها عبر مختصرات لوحة المفاتيح ووجود نصوص بديلة للفيديو توضح ما تم شرحه ، كما يجب أن يوجد خيار إضافة نص شارح على الفيديوهات غير النصية وذلك ليتمكن الطلاب المعاقين سمعيا من الاستفادة من المحتوى. ويفضل جعل الفيديو في شاشة أو شريحة مستقلة لا يسبقه محتوى شارح لكن يمكن أن تسبقه عبارات تمهيدية تعمل كمنظمات متقدمة تساعد الطالب على التركيز على النقاط الهامة في الفيديو، وفي حالة تعذر إضافة التعليق النصي على محتوى الفيديو مباشرة يكون التعليق النصي بعد الفيديو. ولا تستخدم الروابط الفائقة في الفيديوهات لأنها غير مدعومة من قارئات الشاشة، ولا يسهل للطلاب المعاقين حركيا كذلك التعامل معها. يجب أن يراعى كذلك إتاحة استخدام بدائل الفيديو للطلاب ضعاف البصر كالشرائح المدعمة بالصوت. ويجب ان يتحكم الطالب في بدء الفيديو أي لا يكون ذاتي التشغيل.

قد تتغير مسميات المبادئ السابقة ، وقد يتم دمج بعضها وتفصيل البعض الآخر لكن بشكل عام تعد هذه المبادئ هي التي تندرج تحتها معايير الوصول للمحتوى الخاص بذوي الإعاقة ، وهي ما سيتم عرضه بإذن الله في مقال قادم.

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات