تصميم مقررات التعليم عن بعد في ضوء نظريات التعلم

بقلم: د. مصطفى جودت صالح

الاستشهاد المرجعي:
صالح، مصطفى ( أكتوبر، 2020) تصميم مقررات التعليم عن بعد في ضوء نظريات التعلم ، بوابة تكنولوجيا التعليم ، استرجع –تاريخ– من https://drgawdat.edutech-portal.net/?p=15541

يعتبر ميدان التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد أحد الميادين التي تأثرت بنظريات التعلم وتطورها والتي شكلت في مجملها المرجعية الفكرية التي بنيت عليها نماذج تصميم تلك المقررات، وبشكل عام تأثر تصميم المقررات الإلكترونية بأربعة مدارس رئيسة هي :

بي إف سكينر

المدرسة السلوكية Behaviorism:
كان جون ب. واطسون (1913) John B. Watson أول من استخدم مصطلح “عالم السلوك”. يهتم المدخل السلوكي بالعلاقة بين المثير والاستجابة الظاهرة القابلة للقياس ، ويذكر أن جميع السلوكيات يتم تعلمها من خلال التفاعل مع البيئة. لكن شهرة المدرسة السلوكية ترجع إلى العالم سكينر BF Skinner (1935) ،صاحب أحد أبرز نظريات التعلم في القرن العشرين وهي ما عرفت بالاشتراط الإجرائي operant conditioning. لا يزال تأثيرها قوياً في مجال التعليم إلى اليوم، ويرى سكينر أن التعلم لابد أن يحكم عليه بسلوك ظاهر يمكن قياسه ، كما يرىيرى وفقا لهذه النظرية أن التعلم هو نتيجة مثير(محفز) ، ورد الفعل على هذا المثير (الاستجابة السلوكية) ، ومن خلال هذه العملية ، يقوم المشاركون بتعديل سلوكهم للحصول على السلوك المطلوب فيما يعرف بالتعلم (Burton ، Moore ، & Magliaro ، 2004).
يعتقد علماء السلوك أن المعرفة تتطور من خلال الانطباعات الحسيةsensory impressions (Ertmer & Newby ، 1993)، لذلك يبني المتعلمون الخبرات من خلال التجارب اليومية فيما قد يأخذ منهج المحاولة والخطأ لبناء المعرفة. كل دورة ناجحة تؤدي إلى التالية. من خلال هذه الدورات التكرارية والتزايدية ، لا نتعلم فقط عدم لمس وعاء بخار ، والذي يحتوي على حافز واستجابة ونتيجة واضحة ، ولكننا نتعلم أيضًا كيفية تشغيل السيارة ، واحترام مواعيد العمل ، وحتى التحدث بلغة مفهومة.

تركت المدرسة السلوكية أثرا واضحا على مجال التصميم التعليمي فمن تطبيقاتها التعليم المبرمج بأدواته المختلفة وحتى المحاولات المبكرة من التعلم المبني على الكمبيوتر CBL ، كما أن غالبية المصممين التعليميين إلى اليوم يتأثرون بالمدرسة السلوكية في صياغة أهدافهم التعليمية في مقرراتهم الإلكترونية وطريقة تقديمهم للتغذية الراجعة.

المدرسة البنائية Constructivism :

Ernst von Glasersfeld Obituary - Leverett, Massachusetts | Legacy.com
جلاسرسفيلد
رائد البنائية الراديكالية

جذور هذا المصطلح مشتقة من علم النفس الإدراكي ويركز على طرق خلق المعرفة من أجل التكيف مع العالم. وتؤكد على أهمية بناء المتعلمين للمعاني الخاصة بأفكارهم المتعلقة بالعالم من حولهم. وأن الخبرة تتطلب إثارة لجميع الحواس عند المتعلم حتى يحصل على تعلم ذي معنى. يصف إرنست فون جلاسرسفلد (Ernst von Glasersfeld) البنائية بأنها “نظرية المعرفة بجذورها في الفلسفة وعلم النفس والسيبرنيات (علم التحكم والتواصل في الآلات والحيوانات).

وللبنائية آثار على مفاهيم تربوية عدة منها؛ التوجيه، والتعلم بالاكتشاف ،والتعلم الذاتي، والتجريبي، والإسهام والتعلم الذي يعتمد على المشروع، والذي يعتمد على المهمة، جميعها تعتبر من التطبيقات التي تدعم التعليم والتعلم.

يمتلك الطالب – من المنظور البنائي – معرفة وخبرات أولية أو سابقة، والتي تشكلت غالبًا عن طريق بيئاته الاجتماعية والثقافية. ثمَّ يحدث التعلم عن طريق بناء معرفة الطلاب من خبراتهم المتحصلة عن تفاعلهم مع بيئتهم .

بياجيه ونظرية التطور المعرفي

البنائية المعرفية(الإدراكية)Cognitive Constructivism (Cognitivism) :
ترتبط بالعالم بياجية Piaget (1952) وجاءت كرد على المدرسة السلوكية وتركز على العمليات العقلية الداخلية التي تحدث أثناء التعلم . يخطئ المعرفيون علماء المدرسة السلوكية لتجاهلهم لمهارات التفكير العليا وعدم التركيز على ما يحدث في العقل في التعلم (Ertmer & Newby ، 1993).
وقد ركزت البنائية المعرفية على أن المتعلم باعتباره العنصـر الفعال في التعلم، فالمتعلمون هم من يبنون معارفهم بأنفسهم من خلال تجاربهم خبراتهم، فالتعلم فيها قائم على فهم المعلومات التي يتلقاها المتعلم. ويوصف التعلم بأنه العمل العقلي النشط، وليس مجرد الاستقبال السلبي للتدريس. ويرى أصحاب البنائية المعرفية أنه تتأثر أذهاننا بخبراتنا وأفكارنا ومعتقداتنا وقيمنا ومعرفتنا السابقة التي تبني هويتنا. يكتسب المتعلمون معلومات جديدة ثم يضيفونها إلى مخططاتهم الذهنية الحالية.

برونر : النظرية البنائية

اقترح جيروم برونر في كتابه “عملية التعليم” أن يكون الطلاب متعلمين نشطين يبنون معرفتهم الخاصة. حيث يرى في نظريته البنائية على أن التعلم يحدث في سياقات وأن المتعلمين يشكلون أو يبنون الكثير مما يتعلمونه ويفهمونه كدالة من تجاربهم في المواقف.

بارلت ونظرية المخطط

على جانب آخر يهتم المعرفيون بـ”كيفية تلقي المعلومات وتنظيمها وتخزينها واسترجاعها بواسطة العقل” (Ertmer & Newby، 1993، p. 53). غالبًا ما يرتبط بنظرية المخطط schema theory، ونظرية معالجة المعلومات information processing theory ، واستعارة “العقل ككمبيوتر” للإدراك. يركز على تعزيز المعالجة العقلية ؛ كيف يفكر المتعلمون من خلال المشاكل. يسعى إلى جعل التعلم ذا مغزى لكل متعلم في سياق معين (Ertmer & Newby ، 1993). ينصب التركيز على كيفية تفاعل المتعلمين مع العالم ومعالجته.

البنائية الاجتماعية Social constructivism :

تتركز البنائية الاجتماعية على تعلم الفرد الذي يحدث بسبب تفاعلاته في مجموعة. وقد تمت دراسة البنائية الاجتماعية من قبل العديد من علماء النفس التربوي ، المهتمين بآثارها على التدريس والتعلم. توسع البنائية الاجتماعية النظرة البنائية من خلال دمج دور الفاعلين الآخرين والثقافة في التنمية. وبهذا المعنى ، ويختلف هذا المنظور عن نظرية التعلم الاجتماعي Social learning theory من خلال تأكيده على التفاعل أكثر من الملاحظة فنظرية التعلم الاجتماعي أو النظرية المعرفية الاجتماعية Social Cognitive Theory تؤكد على التعلم القائم على الملاحظة وليس التفاعل الجمعي.


تؤكد دراسات هذه المدرسة بأن المناقشة بين الأقران تلعب دورًا حيويًا في زيادة قدرة الطلاب على اختبار أفكارهم ، ودمجها مع أفكار الآخرين ، وبناء فهم أعمق لما يتعلمونه، كما أنها تقلل عدد المحاولات الخاطئة عن العمل الفردي، وتتيح المناقشة الجماعية الكبيرة والصغيرة للطلاب أيضًا فرصًا لممارسة التنظيم الذاتي وتزيد القدرة على اتخاذ القرار والرغبة في في إنجاز المهام.



البنائية المعرفية مقابل البنائية الاجتماعية : تؤكد البنائية على أن الافراد يتعلمون بصورة أفضل عندما يبنون معرفتهم وفهمهم بفعالية أي لابد من تفاعل الطالب مع موضوع ما ليكون خبرات جديدة من خبرات سابقة لديه، بينما تؤكد البنائية الاجتماعية على السياق الاجتماعي للتعلم وعلى أن المعرفة تبنى وتشيد بشكل تبادلي.


النظرية الترابطية ( Connectivisim) :

من النظريات الحديثة التي قدمها كل من جورج سيمنز وستيفن داونز George Siemens (2004) & Stephen Downes (2005). وتقوم الترابطية على شبكة المعلومات التي تتألف من اثنين أو أكثر من العقد، فالتعلم يحدث في مجتمعات تتكون من أفراد يرغبون في تبادل الأفكار حول موضوع مشترك للتعلم. في نموذج الترابطية المتعلمون يشاركون في خلق المعرفة عن طريق المساهمات في الوسائل والشبكات الاجتماعية Social Media Sites وغيرها من أشكال التواصل عبـر الإنترنت.

يميل البعض من ترجموا أدبيات النظرية الترابطية Connectivism   إلى ترجمتها على أنها النظرية الاتصالية أو النظرية الشبكية ولا أرى بأسا من تبني أيا من تلك الترجمات وإن كنت أميل إلى الترابطية بشكل أكبر.

وتسعى النظرية الترابطية إلى تغلب على القيود المفروضة على النظرية السلوكية والإدراكية والبنائية، عن طريق تجميع العناصر البارزة من الأطر الثلاث (التعليمية-الاجتماعية – التكنولوجية) بهدف استحداث نظريات جديدة لبناء نظرية التعلم في العصر الرقمي، وهي تستخدم مفهوم الشبكة  Network التي تتكون من عدة عقد Nodes تربط بينها وصلات Links، تمثل العقد المعلومات والبيانات على شبكة الويب، وهي إما أن تكون نصية أو مسموعة أو مرئية. أما الوصلات فهي عملية التعليم ذاتها وهي الجهد المبذول لربط هذه العقد مع بعضها لتشكيل شبكة من المعارف الشخصية، وهذا المفهوم متوافق مع التطبيقات الاجماعية Social Applications.

من منظور الترابطية ينظر إلى التعلم كشبكة ذات أطر (تعليمية والاجتماعية والتكنولوجية) تعكس نموذج موزع للمعرفة. ففي الدماغ ، يتم توزيع المعرفة من خلال الاتصالات بين مناطق مختلفة من الدماغ وفي الشبكات التي نشكلها (الاجتماعية والتكنولوجية) يتم توزيع المعرفة من خلال الاتصالات بين الأفراد والجماعات والأجهزة (Siemens, 2006). هذا يعني أن اتصالات شبكتنا ليست مجرد مصادر للمعلومات ، ولكن الروابط التي نقوم بها هي جزء من قاعدة المعرفة لدينا. هذا التركيز على الروابط بين المتعلمين ومصادر المعلومات يميز التواصل عن نظريات التعلم الشائعة الأخرى.


ومن الواضح أن الترابطية جاءت بمنظور جديد للعملية التعليمية رغم اشتراكها ظاهريا مع بعض النظريات السابقة، فالسلوكية ترى التعلم هو استجابة للمنبهات الخارجية. والمعرفية ترى التعلم هو عملية الحصول على المعلومات وتخزينها واسترجاعها مثل الكمبيوتر. أما البنائية فترى التعلم عملية بناء فهم قائم على التجارب السابقة والمدخلات الحالية سواء عبر تفاعل المتعلم مع موضوع التعلم أو المجتمع، بينما ترى البنائية أن التعلم هو شبكة متصلة من مصادر المعلوات والارتباطات ويحدث التعلم عن طريق ربط المعلومات بين العقد في هذه الشبكة.

مقارنة بين نظريات التعلم التقليدية والنظرية الترابطية

تضع كل من السلوكية والمعرفية التعلم كعملية داخلية والمعرفة ككيان خارجي ، حيث يحدث التعلم من خلال معالجة المدخلات للوصول إلى هدف معرفي راسخ. تضع البنائية التعلم كعملية اجتماعية والمعرفة ككيان خارجي ، حيث يحدث التعلم من خلال تفاعلاتنا الاجتماعية ويتم بناء المعرفة من خلال التفاعلات الاجتماعية. كما تضع الترابطية التعلم كعملية اجتماعية والمعرفة ككيان خارجي. ومع ذلك ، في إطار عمل ترابطي، لا يحدث التعلم فقط من خلال التفاعلات الاجتماعية ، ولكن من خلال التفاعلات مع العقد الشبكية وبينها (الأشخاص والأماكن والأجهزة وما إلى ذلك). ومن ثم ، في حين أن البنائي من المحتمل أن يرى الشبكة فقط كوسيلة اجتماعية للتفاعل ، فإن الترابطي Connectivist يرى الشبكة نفسها على أنها امتداد للعقل. التعلم هو عملية ربط العقد الشبكية ومصادر المعلومات (Siemens، 2005، 2006) لإبلاغ فهم الأفراد وتطبيق المفاهيم والعمليات.

التعلم عند سايمنز هو المعرفة الإجرائية  Actionable knowledge التي يتم تحصيلها من مصادر خارجية (في قواعد البيانات أو منظمة الأعمال أو وسائل التواصل الاجتماعي مثلا). وأن تلك المعرفة موزعة بين الناس والأشياء ولا يملكها فرد واحد. ولا يمكن تحصيل تلك المعرفة إلا من خلال التواصل مع تلك المصادر البشرية وغير البشرية ، يمكن تمثيل تلك المصادر بشبكة من العقد Nodes تمثل كل عقدة مصدرا من مصادر المعرفة. وتتمثل المعرفة الإجرائية بعنصرين اساسيين، أولهما المعرفة ذاتها والتي تتنوع من المعرفة الضمنية (معرفة كيف) إلى المعرفة الصريحة (معرفة ماذا) والتي تتضمن الاهتمام بالمعرفة الناعمة المتمثلة بالخبرات والتفاعلات ونحوها. وثانيها، العمل اي القيام بأداء المهام بالطريقة المناسبة.

تصمم المقررات من منظور الترابطية بطريقة أقل “قولبة”. يقدم المعلم بعض المعرفة الأولية ولكنه يشجع المتعلم على استخدامها كقاعدة ينطلق منها. المتعلم حر في البحث عن روابط ليشل منها مفاهيمه الخاصة ، ثم العودة إلى المجتمع لمشاركة ما تعلمه لتكوين معارف جديدة. تنمو الشبكات التعليمية والاجتماعية بشكل طبيعي مع زيادة الاتصال.

إن النظرية الترابطية هي انعكاس لطبيعة التطور المتسارع للعـالم. ويرى البعض أنها تصلح أن تكون أفضل نظرية تعلم تطبق في البيئة الإلكترونية وذلك للمميزات التالية :

أولا : تبحث النظرية الترابطية في كيف يتعلم المتعلم بالمعرفة والإدراك المكتسب من خلال شبكات التعلم الشخصية، والارتباط والتفاعل مع مختلف مصادر التعلم البشرية والتكنولوجية.
ثانيا : لا يسع المتعلم الاحاطة بهذا الكم الهائل من البيانات المتاحة بالطرق التقليدية فمن المستحيـل تجربة كل الأشيـاء لأخذ الخبرة منها! من خلال تطبيق النظرية الترابطية يستطيع المتعلم التعلم من خلال مشاركة المتعلمين والتعاون معهم في بيئة التعلم الإلكترونية، والأهم أن يظهر لدينا المتعلم الانتقائي والباحث الجيد عن المعلومة.
ثالثا : تفسيـر التعلم عن طريق نظريات التعلم التقليدية وتطبيقها في عصر التكنولوجيا الرقمية لا يختلف عنه في البيئات التقليدية. ولقد اقترح بعض الباحثين أن تحل النظرية الترابطية الجديدة محل النظرية السلوكية والمعرفية والبنائية في عصـر التطور الرقمي، ومع ذلك لا تزال نظريات التعلم السلوكية والمعرفية والبنـائية لها توجهات قيمة للتصميم والاستخدام في بيئة التعلم الرقمي. 

نقد الترابطية : كان Verhagen (2006) من وأوائل من انتقدوا الترابطية واعتبرها ليست نظرية تعلم ، بل وجهة نظر لمجموعات مهارات القرن الحادي والعشرين. فهي لا تصف كيف يتعلم البشر أو ما هي طبيعة المعرفة. كما أن المعرفة لا يمكن أن توجد في “الأجهزة” ، وذلك ردًا على ادعاء سيمنز بأن “المعرفة قد تتكون في مصادر غير بشرية ” وقد تكون هذه الجدلية قديمة بين علماء النفس وعلماء الحاسب خاصة المهتمين بمجال الذكاء الاصطناعي ونظم الخبرة.

كما أشار البعض إلى أن الترابطية لا تستوفي الشروط والمعايير الواجب توافرها في النظرية فهي لا تقوم بوصف ظاهرة ما وتفسيرها والتحكم فيها والتنبؤ بها، كما تبنى على أساس فروض معينة يتم اختبارها من خلال إجراء دراسات عديدة. على جانب آخر رأى المتحمسين للاتصالية أنها النظرية الأفضل للتطبيق حاليا في بيئات التعلم الإلكتروني حيث أنها تأخذ في الاعتبار تنوع المصادر وتجمع بين البنائية الاجتماعي و التطور التكنولوجي.

وقبل أن أوضح وجهة نظري في الترابطية فإننا يجب أن نوضح بعض آثارها على التعليم الإلكتروني الحالي :
أولا : بزوغ مفهوم شبكات / بيئات التعلم الشخية : لقد قدمت الترابطية منزورا جديدا لبيئات التعلم وعناصره، فقد تغير دور المعلم من الدور المتحكم المالك للمعرفة إلى إدوار أخرى ربما تكون أكثر صعوبة. فالمعلم هو أحد عناصر تلك الشبكة التعليمية لكنه يمثل الخبير والقائد والقيم الذي يرشد المتعلمين للمصادر والفرص التعليمية تماما كالقائد أو المدير في منشآت الأعمال. كما أن تصميم المقررات الدراسية لم يعد يهتم بالكيفية كما كان الحال سابقا بل أصبح يركز على أن يوفر علامات إرشادية للمتعلمين والمعلمين، والتركيز على خلق البيئة التعليمية المناسبة ثم ترك الأمر للمتعلم للبحث والحصول على العناصر التي يحتاجها مع الحفاظ على شبكة تعليمية نشطة.
ثانيا: زيادة الاهتمام بمنصات التعلم المفتوحة : مع تغيير دور المعلم والمتعلم وبروز دور مصادر المعرفة والتفاعل في بيئات التعلم ظهر مفهوم منصات التعلم Learning Platforms ليوسع ويعزز من قدرات أنظمة إدارة التعلم الشخصية ويزيد من نطاق تأثيرها وخدماتها.
ثالثا: ظهور المقررات المفتوحة واسعة الالتحاق MOOCs : مع تغير طبيعة العملية التعليمية من حيث التفاعل والتأكيد على أن التفاعل يمكن أن يحدث من بعد في بيئة إلكترونية تماما ظهر لدينا ما يسمى بالمقررات المفتوحة واسعة الالتحاق MOOCs والتي بدورها غيرت النسب التقليدية بين المعلمين والطلاب في المقرر الواحد وغيرت أسلوب التفاعل مع الطلاب والأنشطة التعليمية التي تطلب منهم، وقد أسهم ستيفن داونز تحديدا في بلورة هذا المصطلح حيث قدم في عام 2008 الترابطية والمعرفة المترابطة (Connectivism and Connective Knowledge) التحق به 25 طالبا نظاميا بجامعته فضلا عن 2200 طالبا عن بعد، ورمز لهذا المقرر بـ (CCK08) ويعد أول cMOOCs.
تعتمد مقررات cMOOCs في تصميمها على النظرة الترابطية والتي تؤكد على قوة التواصل مع الأفراد الآخرين ، والاستقاء من الآراء المتنوعة ، والتركيز على الأهداف النهائية كأساس للتعلم، ووفقًا لجورج سيمنز ، المؤسس المشارك لهذا MOOC الأول ، فإن cMOOCs “تستند إلى فكرة أن التعلم يحدث داخل شبكة ، حيث يستخدم المتعلمون المنصات الرقمية مثل المدونات والويكي ومنصات الوسائط الاجتماعية لإجراء اتصالات مع المحتوى ومجتمعات التعلم و المتعلمين الآخرين لخلق وبناء المعرفة. “
كما يأخذ المشاركون في cMOOC دورًا مزدوجًا لكل من المعلم والمتعلم حيث يتبادلون المعلومات مع بعضهم البعض ويشاركون في الخبرات والمناقشات المشتركة. كما قال جوناثان هابر Jonathan Haber ، فإن cMOOC “يعكس الرؤية المفتوحة للويب نفسه” لأن المحتوى التعليمي يتم إنشاؤه باستمرار من قبل المجتمع عبر الإنترنت ومشاركته مع الآخرين بطريقة مفتوحة.

لكن أرجو أن لا يعتقد القارئ أن كل المقررات المفتوحة تصمم وفقا للترابطية ، فعلى الرغم من أن بدايات المقررات المفتوحة واسعة الالتحاق (MOOCs) كانت تستند إلى مبادئ النظرية الترابطية، إلا أن العديد من الجامعات الكبرى – مثل هارفارد ، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ، وستانفورد – بدأت في تقديم MOOCs بتنسيق مختلف نوعًا ما ، يُطلق عليه xMOOCs. فبدلاً من أن يتم تنظيم المقرر كمجتمع مفتوح عبر الإنترنت من المتعلمين ، فإن xMOOCs تعتمد على هيكل الفصل الدراسي الأكثر تقليدية: إنها مزيج من محاضرة فيديو مسجلة مسبقًا مع اختبارات أو اختبارات أو تقييمات أخرى. تتمحور xMOOCs حول أستاذ وليس حول مجتمع من الطلاب،وهو النموذج المتبع في معظم منصاتنا العربية المفتوحة.

علق جورج سيمنز : “تركز cMOOCs على إنشاء المعرفة وتوليدها ، بينما تركز xMOOCs على تكرار المعرفة واستنساخها.”

وللحق فقد توسع استخدام المقررات من نوع xMOOCs ليشمل المزيد والمزيد من الموضوعات كل يوم. يمكن العثور على الدورات في Coursera و EdX و Udacity و NovoEd. و ClassPert (محرك بحث مجاني للدورات التدريبية عبر الإنترنت).
على الرغم من هدفهما المشترك الذي يتمثل في توفير تعليم مفتوح ومجاني (أو رخيص نسبيًا) للجمهور ، فإن xMOOCs و cMOOCs لهما تصميم تعليمي مختلف بشكل واضح. كل شكل من أشكال MOOC ينشئ نوعًا مختلفًا من بيئة التعلم وهو مناسب لأساليب متميزة لاكتساب المعرفة.

تعليق على الترابطية :
رغم أن الترابطية قد لا تعتبر نظرية مكتملة الأركان وأني على المستوى الشخصي أراها إمتدادا للبنائية الاجتماعية فإنها بلا شك أثرت على التعليم الإلكتروني وتعد أول من أهتم بمفهوم الجيل الثاني من التعليم الإلكتروني وتوظيف التطبيقات الاجتماعية في التعليم وأسهمت في ظهور تطبيقات عدة في مجال التعليم الإلكتروني تطرقنا إلى بعضها سابقا، لكن بلا شك فإنها تعكس مدرسة فكرية ورؤية تصميمة ذات تاثير واسع خاصة في كندا وشمال أمركا ، ولكن تصميم المقررات وفقا لهذه الرؤية يستلزم رؤية تصميمية توسعية وقدرات مؤسسية مما جعل أغلب المنصات التجارية وكثير من الجامعات الأمريكية العريقة لا تدعمها فلا يمكن فعليا من خلالها ضبط المحتوى التعليمي بدقة.

الاستفادة من نظريات التعلم في تصميم مقررات التعليم عن بعد :
قد يعترض البعض على محاولة الجمع بين النظريات وهذا ليس هدفي فكل منها تفسر التعلم من منظورها الخاص ،لكن في نفس الوقت من الممكن أن نضع مجموعة من المبادئ تتفق مع الإطار العام لمعظمها ومن تلك المبادئ:

  • ضع أهدافك في صورة سلوك ظاهر يبرز مخرجات التعلم المطلوبة ويحدد فيها أدوات المستخدمة في الأداء.
  • نوع أهدافك لتتضمن المهارات العقلية الدنيا والعليا والجوانب المهارية والوجدانية.
  • صمم أنشطة التعلم متدرجة من الفردية إلى الجماعية ووظف فيها مصادر الشبكة وأدواتها.
  • راع في تصميم أنشطتك الحمل المعرفي للمتعلمين وأعطهم التحكم في طرق ووسائل تأديتها ما أمكن.
  • لا باس من استخدام التقويم الفردي والتغذية الراجعة لكن ضع لطلابك إطار عام يطلب منه إنجازه بشكل تعاوني أو في مجموعات عمل صغيرة ويكون هذا الإطار هو المحك الأساسي للتقدم في العمل.
  • استخدم استراتيجيات تعلم تعزز العمل الجماعي وتحفز الفرد وفقا لمكانته في المجموع وتدفعه نحو البحث عن المعلومة وبنائها ، مثل اللوعبة ( التلعيب) ، والتعلم التعاوني.
  • أدعم تحكم التعلم في مسار تعلمه واختياره لموضوعات التعلم .
  • استخدم استراتيجيات التعلم التكيفي ، وضع مسارات متعددة واسمح لطلابك في الاختيار فيما بينها.
  • أتح للطلاب الفرصة في اختيار الأدوات التي يفضلونها في تعلمهم سواء في البحث أو الاتصال أو عرض المحتوى بحيث يشكلوا بيت تعلمهم الشخصية مع ربطها بمنصة التعلم .
  • نوع وسائل تقييم المتعلم ، كتقويم المخرجات وتقويم الأقران ، والاختبارت ، ومتابعة النشاط ، وغيره من وسائل التقويم المتعددة .
  • راع عند تصميم مقررك المفتوح واسع النطاق أن يكون بأسلوب cMOOC معتمدا على التواصل والتفاعل مع المتعلمين ومصادر المعرفة ولا تجعه مقترصرا على جلسات فيديو مناظرة لما يتم في المحاضرة التقليدية كما هو الحالي في أغلب مقررات xMOOCs .

في نهاية المقال لا يسعني إلا التأكيد على أنه ليس هناك نظرية أفضل من نظيراتها على طول الخط لكن هناك منهج أو أسلوب هو المفضل في حالات بعينها والمصمم المحترف هو الذي يستطيع الاستفادة من المدارس المختلفة لتحقيق أفضل عائد من وراء مقرره .

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات