الخدمات المعتمدة على البيانات: المفاضلة بين الملاءمة والخصوصية

بقلم : د. مصطفى جودت صالح .

 

هل يمكن الاعتماد على بينات المستخدمين التي تقدمها الشبكة العنكبوتية كأساس للتخطيط للخدمات العامة كالصحة والتعليم ؟

هل يحق للمؤسسات المختلفة تحليل البيانات غير المعلنة (كالنشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي) في جعل الخدمة اكثر ملاءمة للأفراد؟

هل يحق لنا تقييم الأفراد بناء على تحليل أنشطتهم عبر المواقع الاجتماعية؟ وإلى أي مدى.

مع ثورة البيانات الضخمة Big Data والتوجه إلى تشخيص التعلم personalized learning والتعلم المتحور حول الطالب Student-Centered Learning والتي قد يكون هدفها العام هو مراعاة الفروق الفردية وتقديم فرص تعلم أكثر ملاءمة، لكن على الجانب الآخر هي تؤثر في صناعة القرار التربوي ككل، والذي قد يكون في أحد أوجهه وسيلة لتوفير الوقت والمال والجهد لكنه من ناحية أخرى قد ينافي مبدأ تكافؤ الفرص.

هل تقبل مثلا أن يكون تنسيق الجامعات بناء على تحليل البينات التي تحدد فرص نجاحك وفقا لنماذج خبرة معدة مسبقا تحدد لك المجالات التي يسمح لك بخوضها. وإن كان هذا لصالح المجتمع فهل سيحقق العدالة على المستوى الفردي؟ وما الضمانات لدقة هذا التحليل؟

حين كتب علماء اقتصاد مثل جورج ستيجلر وريتشارد بوزنر عن الخصوصية والاقتصاد في أوائل الثمانينيات، أثارا الكثير من القضايا التي تُناقَش اليوم، ولكن في ذلك الوقت كان  حفظ المعلومات

واسترجاعها ونشرها بدقة أمورا باهظة التكلفة. واليوم تساعد مجموعة هائلة من معلومات التعريف الشخصية على زيادة كفاءة تقديم الخدمات وجعله أكثر ملاءمة لاحتياجات العملاء. ويستطيع مُقدِّمو الخدمات تحديد العملاء الذين يستهدفونهم وتسعير منتجاتهم على نحو أفضل من ذي قبل، استنادا إلى الخصائص والتفضيلات المعروفة. وتُتيح مُحرِّكات البحث نتائج بحث أكثر ملاءمة للاحتياجات. وتستطيع شركات التأمين الطبي والتأمين على السيارات تسعير أقساط التأمين على نحو أفضل باستخدام معلومات يمكن التحقق منها عن ممارسة التمرينات الرياضية أو سلوكيات القيادة. ويُمكِن للحكومات استخدام نُظُم البيانات في الحد من الأعباء البيروقراطية التي يتحملها المواطنون. وفي نظام الحكومة الإلكترونية في إستونيا، لا يضطر المواطنون أبدا إلى تقديم المعلومات ذاتها مرتين.

ويؤكد تقرير صادر عن البنك الدولي بعنوان ” العوائد الرقمية” على أن المشكلة  هي أن القليل من الناس من يعرفون كيف يتم جمع هذا الكم الكبير من البيانات واستخدامها؟  ومن يتحكَّم فيها؟ فالمستخدمون لا يعرفون دائما ما هي المعلومات التي تُجمَع، ومُقدِّمو الخدمات لا يكشفون في الغالب عمّا يتم جمعه من معلومات. إن جمع الحكومات معلومات شخصية سرا قد يتعلق بأسباب مشروعة تتصل بإنفاذ القانون، لكنه ينتهك في بعض الأحيان القوانين والحقوق، كما أظهرت المعلومات التي كشف عنها إدوارد سنودِن عن تجسس وكالات الأمن في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما، ونتج عن ذلك ظهور “قومية البيانات” الجديدة حيث تطالب البلدان بتخزين البيانات عن مواطنيها داخل حدودها، أو تُفضِّل تكنولوجيا محلية قد تكون أدنى مستوى أو أكثر تكلفة، ولكن موثوق بها بدرجة أكبر.

وغالبا ما تقوم الشركات التي تجمع البيانات ببيعها آ لخرين. إذ قامت إحدى شركات البيانات بجمع 1500 معلومة في المتوسط عن أكثر من نصف مليار مستخدم في شتَّى أنحاء العالم من معلومات قدَّمها أناس طواعية في مواقع الإنترنت المختلفة.

ولكن حتى البيانات التي يسهل الحصول عليها مثل “مرات الإعجاب على الفيسبوك” يمكنها التنبؤ بخصائص دقيقة منها “التوجُّه الجنسي، والانتماء العرقي ووجهات النظر الدينية والسياسية، وخصائص الشخصية، والذكاء، والسعادة، وتعاطي مسببات الإدمان، وبعض الأمور الاجتماعية كانفصال الأبوين ، ومعلومات شخصية مثل السن، ونوع الجنس ، كما تستطيع مستشعرات الهواتف الذكية استنتاج خصائص المستخدم ومنها ؛ الحالة المزاجية ومستويات

الإجهاد، ونوع الشخصية، والاضطراب النفسي الثنائي القطب، والصفات الديموغرافية) كالتخصص، والميول والوضع الوظيفي( وعادات التدخين، ومستوى الرفاهية العامة، وعادات النوم، ومستويات السعادة ومعدلات التمرينات الرياضية، وطبيعة النشاط أو الحركة البدنية.

ما هي المخاطر؟

بلا شك الحصول على كل هذه المعلومات قد يشكل مخاطر وتهديدات محتملة أبرزها جرائم الإنترنت مثل سرقة الهوية حين تقع بيانات تم تخزينها على نحو غير مأمون في الأيدي الخطأ، كذلك حالات من عدم العدالة تتمثل في التفاوت في تسعير نفس السلعة مع اختلاف المستخدم، وتفاوت فرص الالتحاق بالوظائف العامة وفقا للبينات المجمعة عن الفرد فيمكن للعديد أن  يُحرَمون من وظيفة على أساس معلومات خاطئة لا يمكنهم تصحيحها بسهولة.خاصة الميول السياسية والجنسية، وهو ما دفع إلى إصدار حكم قضائي في أوروبا يكفل “الحق في النسيان ”. ولعل الأهم من ذلك، هو تدنِّي الثقة في الأفراد بناءا على ما يكشف عنهم من معلومات دون علمهم.

 

أدى هذا لوجود حسابات متعددة لنفس الشخص واستخدام برامج خاصة لحذف معلومات التتبع، بل أن البعض قد يستخدم هذه المعلومات في إعطاء انطباع زائف عن نفسه .

وقد بينت دراسة أعدها البنك الدولي أن 58% من النيجيريين ، و 57% من الهنود أن المعلومات الخاصة على الإنترنت آمنة ، لكن هذه النسبة تنخفض إلى 18% بين الفرنسيين، و 16% بين الألمان ، وهذا يقود إلى استنتاج هام وهو أن الإنترنت قد تصبح وسيلة لاستهداف المستخدمين في الدول النامية في الأساس الذين لا يعيرون بالا بحماية البيانات الناتجة على الأنشطة المختلفة عبر الإنترنت.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات