كتاب : ثورة البيانات وآثارها المجتمعية والتنموية والعلمية

كتاب جديد تحت النشر بعنوان :

ثورة البيانات وآثارها المجتمعية والتنموية والعلمية

أ.د. محمد محمد الهادي

الكتاب للأستاذ الدكتور محمد محمد الهادي ، أستاذ الحاسب الآلي ونظم المعلومات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات ESISACT ، ينتظر أن يصدر الكتاب عن الدار المصرية اللبنانية قريبا.

أهم الموضوعات الواردة  بالكتاب :

الفصل الأول: الثورة الرقمية: التحول الرقمي ونماذج الأعمال الجديدة

الفصل الثاني: ثورة البيانات: المفهوم والأبعاد والاستخدامات

الفصل الثالث: ثورة البيانات: الواقع والتحديات

الفصل الرابع: البيانات الكبيرة الضخمة: مفهومهاوخصائصها وتطبيقاتها

الفصل الخامس: ثورة البيانات وتحليلاتها التخطيطية والتنبؤية

الفصل السادس: ثورة البيانات والتنمية المستدامة

الفصل السابع: القرارات المعتمدة علي البيانات

الفصل الثامن: علم البيانات: المفهوم والخلفية والأبعاد

الفصل التاسع: تنقيب البيانات ومشكلات الأعمال المعاصرة

الفصل العاشر: تحليلات بيانات الأعمال

مقدمة الكتاب :

ثورة البيانات الحديثة في ظل تكنولوجيا المعلومات المتقدمة وظاخرة البيانات الكبيرة Big Data الضخمة والتحليلات التنبؤية Predictive Analytics وما نتج من بزوغ علم البيانات Data Science صارت تؤثر علي كل من ذكاء الأعمال Business Intelligence ورسم السياسات الاقتصادية والتموية والتعليمية وغيرها للمنظمات والدول المختلفة لتحول المجتمعات تتسم بالطابع الرقمي، وذلك بغية الحصول علي قرارات وسياسات تتسم بالكفاءة والفعالية وإمكانية المحاسبة مما يزيد من توقعات حوكمة وشفافية أعظم، مع التعرف علي الخدمات المشارك فيها التي تكون أكثر من مجرد فكرة جيدة التي يجب أن يؤديها شخص آخر بطريقة أكثر تنافسية من قبل. وفي هذا الصدد يمكن التوصل لسد الثغرة بين بيانات الحكومة والصناعة والأعمال والأبعاد الأكاديمية والعلمية، مما يسهم في تطوير المعايير والمنهجيات المرتبطة بتنقيب البيانات Data Mining ومستودعات البيانات والويب وتفاعل برمجة التطبيقات وغيرها التي أدت لبزغ علم البيانات Data Science الحديث النشأة.

ومن الملاحظ تواجد تاريخ عامر مديد فيما يختص بإنتاج البيانات من قبل الحكومات والأعمال والعلوم واستخدامها لكي يراقبون ويشرعون ويجنون الأرباح منها بجانب التعرف على ما يدور حولهم من أمور مختلفة عديدة. وقد اعتبرت البيانات تقليديا بأنها مستغرقة للوقت ومكلفة للغاية عند إنشائها وتحليلها وتفسيرها، كما إنها اعتبرت أيضا ثابتة بصفة عامة، وإلي جانب كل ذلك تعطي البيانات غالبا نظرة خاصة عن الظواهر المحيطة. ومن خلال قلتها وندرتها النسبية وجودتها اعتبرت البيانات سلعة قيمة سواء كانت محفوظة ومحمية بحرص شديد أو مباعة بأسعار باهظة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه في الوقت الحالي بدأت صورة البيانات تتغير راديكاليا، فالبيانات لم تفقد قيمتها، إلا انه من جهة أخري تحول انتاجها وطبيعتها لمجموعة من الإبداعات المتفرقة التي تتحدي الوضع الثابت لها فيما يتعلق بكيفية إنتاجها وإدارتها وتحليلها وتخزينها واستخدامها. وبدلا من ندرة ومحدودية الوصول لها، فإن إنتاجها صار يمثل طوفا غامرا وسيلا عميقا واسعا منها بصورة فورية ومتنوعة وذات علاقات مرتبطة ببعضها، كما أن تكلفتها صارت منخفضة نسبيا، كما صار الوصول لها من خلال انفتاح الأعمال المرتبطة بها بصفة متزايدة. وعلى ذلك بدأنا نشهد ما أصبح يطلق عليه ثورة البيانات الحالية التي أعادت تشكيل كيفية إنتاج المعرفة وأداء الأعمال وتفاعلها مع المصالح والأجهزة الحكومية العديدة المتعاملة معها.

وقد تم تأسيس ثورة البيانات على موجة تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة الأخيرة مثل الزيادة والإفراط في الأدوات الرقمية التي صارت شائعة ومستخدمة تقريبا في كل المنازل وأماكن العمل والأماكن العامة من خلال الهواتف المحمولة والحوسبة السحابية والوسائل الاجتماعية والإنترنت وشبكية المستشعرات والأدوات الرقمية المتقدمة إلكترونيا المختلفة. وقد قادت هذه الوسائل والمنصات التكنولوجية المتقدمة كل أوجه الحياة اليومية والعمل والاستهلاك والسياحة والتواصل والترويح، الخ. وعلي هذا الأساس صار عالم اليوم الذي نحياه ملتقطا كحال البيانات ومتوسطا من خلال التكنولوجيات الدافعة للبيانات، وأكثر من ذلك، فقد تم إعادة هيكلية إنتاج البيانات وسريان تدفقها وتفسيرها ماديا واستطراديا منتجة ما صار يطلق عليه “البيانات الكبيرة Big Data” التي تمثل كميات بيانات ديناميكية ضخمة ومتنوعة رقميا ومحللة بواسطة جيل جديد من تحليلات البيانات Data Analytics المصممة للتعامل مع وفرة البيانات في مقابل ندرتها السابقة. والبيانات الكبيرة لا تمثل فقط ثورة البيانات المعاصرة، بل توجد مبادرات أخري مرتبطة بالرقمنة Digitalization، والوصول معا، ورفع نسبة البيانات المنتجة تقليديا (أي البيانات الصغيرة الحجم) في بنيات البيانات الأساسية الشبكية، وحركة البيانات المفتوحة التي تسعي لتوافر البيانات الممكنة المفتوحة لاستخدام الجميع، والهياكل المؤسسية الساعية لتأمين خطوط إرشادية وسياسات مشتركة تتعلق بأشكال وهياكل ومعايير وواصفات البيانات (ما وراء البيانات)، وحقوق الملكية الفكرية وبروتوكولات الترخيص والمشاركة. ويشكل كل ذلك مجموعة التقاء تجمع بيانات جديدة ترتبط بمزيج نظم التفكير وأشكال المعرفة والتمويل والاقتصاد السياسي والتشريعات الحكومية والبنيات الأساسية والممارسات وتحديد تحديات المنظمات وتقدم رؤاها البديلة لكيف يجب أن يكون عليه المجتمع منظما ومدارا. كل هذه الفرص الجديدة أطلقت شرارة الزحم الحقيقي للبيانات الكبيرة والمفتوحة والبيانات الصغيرة المتدرجة الممكن تبرير تواجدها أيضا. وكل ذلك لم يعد مجرد طريقة وصف البيانات فقط، يل صار يمثل رمزيا تصورا أوسع مستخدم لاكتساب وتأييد المساندة ونشر تطبيقات البيانات المختلفة.

هذا الزحم الواضح جعل من السهل الاندفاع في تغييرات جذرية تثير كثيرا من الاهتمامات الأخلاقية والسياسية والقانونية العديدة. وعلى الرغم أن التاريخ يظهر الأبعاد السابقة للإبداعات المرتبطة بالمعلومات المتفرقة الأولية فقد ساهم تحويل المعرفة الراديكالي لصحوة صناعة الطباعة على سبيل المثال. وبالطبع، كل حقبة زمنية جديدة للعلوم لها استهلاك من التكنولوجيا الجديدة التي أدت لتحميل المعلومات الزائدة نحو التحول لطرق جديدة لتوليد البيانات وتنظيمها وتخزينها وتحليلها وتفسيرها. على سبيل المثال، ساعدت اكتشافات عصر النهضة التي ارتبط بالإبحار واستخدام الأدوات العملية وتحديد الخرائط في التوصل لكميات جديدة من الاكتشافات التي أفرزت طرق تصنيف جديدة، وتكنولوجيات تحليل وتخزين جديدة مع بزوغ بصائر جديدة أيضا.

وبذلك يمكننا القول إننا نعيش حاليا في مجتمع معتمد كليا على البيانات، على سبيل المثال، إن حجم وتعقيد بيانات الرعاية الصحية أو الضرائب وغيرهما ينمو بسرعة كبيرة جدا ويرجع ذلك لاستخدام التكنولوجية الرقمية لبيانات المرضي والمستشفيات والوصفات الطبية والتحليلية وتدفقها السريع والمتنامي فيما يتصل بالرعاية الصحية مثلا. هذا الواقع يحدد فرصا مدهشة لمساعدة التحسينات المتطلبة للإصلاح الصحي المنشود. إلا ان التعامل مع هذا الكم الهائل من البيانات يتطلب احتضان الأفكار التحليلية التي تتعدى الطرق الإحصائية التقليدية المستخدمة حاليا. ويتطلب ذلك التوصل لأساليب إبداعية في مجالات التحليلات التنبؤية كألجوريثمات تعلم الآلة Machine Learning المرتبطة بتنقيب البيانات Data Mining والذكاء الاصطناعي.

وفيما يتعلق بهذه الإطلالة السريعة على كل جديد فيما يتعلق بثورة البيانات والبيانات الكبيرة والتحليلات التنبؤية، سوف نتعرض لمناقشتها في إطار ذكاء الأعمال والتحليلات المرتبطة فيما يتعلق بالمنظمات والقرات المستنبطة والنابعة من البيانات. حيث تقدم الأبعاد الكمية التي تجعل من الإمكان توافر حجم كبير من مصادر البيانات الجديدة التي تتخلل مجالات الأعمال والحكومة والصناعة والنواحي الأكاديمية وكل المجالات الأخرى حيث لا يوجد حاليا مجال لا يرتبط بمصادر البيانات الجديدة الكبيرة. وبينما يكون فهم تحليل البيانات الدافع للتوصل لبصائر صائبة في المجالات المختلفة. ويعتقد أن التقاء التكنولوجيات وتقاربها مع ابعاد التنظيمات المؤسسية الحديثة دفع ثورة البيانات والتحليلات الحديثة إلى الأمام. فمن المتوقع حاليا أن الرياح النابعة من التكنولوجيات التحليلية لها تأثير دراماتيكي لا على الأعمال عبر كل القطاعات والصناعات فحسب، ولكنها أيضا سوف تسهم وتؤدي لثوريتها بطريقة أساسية ترتبط بكل من أبعاد الرعاية الصحية، والإصلاح التعليمي، وزيادة الدخل من تحصيلات الضرائب، وغير ذلك من الأمور المرتبطة بالبيانات الكبيرة في كل القطاعات الخاصة والعامة والحكومية وغيرها. وبالفعل بدأت شركات ومنظمات عديدة في التعامل مع ثورة البيانات الكبيرة والتحليلات التنبؤئية بطريقة مثالية في الوقت الحالي مما كان له آثارا مجتمعية بارزة في حياة البشر.

وتحتضن التحليلات كمجال تكنولوجي الأجهزة Hardware لتخزين البيانات بطريقة طبيعية ولتقوية الحوسبة الكمبيوترية، والبرمجيات Software لتخزين وتحليل البيانات المحملة على الأجهزة بذكاء، والخدمات Services لمساعدة المستخدمين على رفع كلا من الأجهزة والبرمجيات على حد سواء. ومن هذا المنطلق سوف يكون التركيز في هذه العمل مرتكزا على جزء من برمجيات السوق الحالية، بينما كثير من برمجيات البيانات الكبيرة سوف ترتبط بالحلول المتعلقة بتخزين البيانات، حيث تفتقد كثير من البرمجيات الحالية المرتبطة بنظم المعلومات المختلفة تحليل البيانات الكبيرة بصفة خاصة للحصول على بصائر تنبؤية ثاقبة في الوقت الحقيقي لكي تصبح مجالا للنمو والاستثمار الرئيسي.

 ومن الملاحظ أن برمجيات تحليلات  البيانات بدأت تدخل في مرحلتها الثالثة المتقدمة، حيث أن المرحلة الأولي التمهيدية لتلك البرمجيات كانت من بداية خمسينيات القرن الماضي التي شهدت بزوغ ذكاء الأعمال المصممة لإمداد التقارير المبنية علي البيانات الداخلية فقط؛ أما مرحلة برمجيات التحليلات فقد بدأت تقريبا من عام 2008 عند الأخذ بالبيانات الكبيرة في تفكير إدارة المؤسسات والمنظمات التي بدأنا نجدها مهتمة غالبا بالتقاط وتحليل البيانات الكبيرة عما كان عليه الوضع في الماضي؛ أما المرحلة الثالثة لبرمجيات التحليلات الحديثة فقد بدأت في البزوغ منذ مدة قليلة مضت قد ترجع لعام 2011 كان دافعها الرئيسي التوصل لبصائر تنبؤية في الوقت الحقيقي مرتبطة بمستقبل الأعمال لا بما هو حادث أو بما كان فيه الماضي.

ومن هذا المنطلق صارت البيانات الكبيرة Big data مصطلحا شائعا بين المتخصصين، إلا أنه ما زال غامضا لحد ما حيث لم يوافق عليه عالميا. وتشير معظم التعاريف أو المفاهيم الحالية للبيانات الكبيرة إلى الأبعاد الممثلة لحجم البيانات وسرعة تدفقها وتنوعها. والكم الكبير من البيانات الكافي في كثير من الأعمال الذي يمكن أن ينشأ تحدي لها مما يتطلب تكنولوجيا متقدمة للتعامل معها. وقد أدارت بعض المنظمات كميات البيانات الكبيرة لبعض الوقت لمجابهة تحديات تلك البيانات الكبيرة التي ترتبط بما هو أكثر من حجم البيانات الخام.

أما مصطلح تحليلات Analytics فيمثل مكونا جوهريا للبيانات الكبيرة، ويرتبط بتخزين وتحليل مجموعات بيانات كبيرة ومعقدة من البيانات، مستخدما سلسلة من الأساليب التكنولوجية المتقدمة مثل لغة التساؤل الهيكلية SQL وتقليل الخريطة MapReduce ألجوريثمات تعلم الآلة Machine Learning Algorithm وغير ذلك من أساليب تنقيب البيانات التبؤية. وينظر لمصطلح التحليلات التنبؤية Predictive Analytics بأنه يرتبط بما سوف يكون عليه مستقبل الأعمال في تقديم البصائر الثاقبة والقيمة فيما سوف يحدث في المستقبل ويتضمن سيناريوهات ماذا إذا وتقييم  المخاطر، كما يمكن استخدامه في التنبؤ واختبار الفروض ونمذجة المخاطرة والنزعات. وبذلك يسهم في التوصل أيضا لما يلي:

  • أداء دورا مركزيا في تطور الأدلة الحقيقية المنبثقة من الكم الكبير من البيانات.
  • إنتاج برهان دولي حقيقي Real World Evidence (RWE) يرتبط بأوضاع البيانات المعقدة بصفة عامة،
  • تطبيق البرهان الدولي الحقيقي خلال التكنولوجيا المبنية على الألجوريثمات التنبئية.

أما مصطلح التحليلات الإرشادية Prescriptive Analytics فيرتكز على فهم ما سوف يحدث بناء على بدائل وسيناريوهات مختلفة وذلك لاختيار الخيارات الأحسن وتعظيم ما هو آتي، بينما يشتمل استخدام الحالات +على تعظيم القناة، وتحديد الفعل ألحسن المرتبط، وتوضيح الحافظة وتعظيم الأعمال، وإدارة المخاطر.

وبينما سوف تستمر البيانات الكبيرة في أن تعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين وتتطور عبر الوقت، ألا أن التركيز على الحجم الخاص بالبيانات الكبيرة سوف يساعد في شرح لماذا كانت البداية مرتكزة على التكنولوجيا المرتبطة بتخزين ومعالجة البيانات. أما في الوقت الحالي، فيوجد تحول رئيسي في المفهوم يرتبط بالتأكيد تجاه أوجه تحليل البيانات الكبيرة، ويؤدي لفهم الاتجاهات الحديثة واتجاه المستقبل في تحليلات البيانات الكبيرة، الذي صار مفيدا في اكتشاف تاريخ ذكاء الأعمال والحوسبة الكمبيوترية كأداة اتخاذ القرارات في الأعمال.

وعلى الرغم من أن مصطلح تحليلات البيانات ظهر للوجود في أواخر القرن التاسع عشر، ثم بدا في التغلغل في نظم المعلومات الإدارية MIS في ستينيات القرن العشرين، وفي نظم دعم القرار DSS في سبعينيات القرن العشرين، وفي نظم دعم الإدارة العليا ESS في ثمانينيات القرن العشرين، ثم في مستودع البيانات Data Warehouse في تسعينيات القرن الماضي، ثم أخيرا في ذكاء الأعمال منذ أوائل القرن الحادي والعشرين الحالي. وبذلك فقد استخدم هذا المصطلح ت في بدايته كمظلة لوصف المفاهيم والطرق لتحسين اتخاذ قرارات الأعمال بواسطة استخدام النظم المدعمة المبنية على الحقائق، ثم استخدم أخيرا في إطار تطبيق ذكاء الأعمال، وارتبط أخيرا بتحليلات تنبؤية للبيانات الكبيرة. وبذلك أصبح مصطلح التحليلات شائعا بين الشركات والمنظمات الكبيرة التي تتعامل مع البيانات الكبيرة. ويعتبر مصطلح التحليلات عريضا في مفهومه كما انه مفيدا لتحديد التمييز بين التحليلات المرتبطة بذكاء الأعمال التقليدي وتحليلات البيانات الكبيرة المتقدمة أكثر مما يعتبر في حد ذاته مدخلا أساسيا.

ويركز ذكاء الأعمال بصفة أساسية على إجابة الأسئلة التي تبدأ بماذا، أين، ومتي يتم أداء الأعمال بواسطة تقديم معلومات مبنية على بيانات تشغيلية داخلية (مثل تخطيط موارد المنشأة ERP وإدارة علاقات العملاء CRM) التي تنتج تقارير ولوحات عرض لما تم أنجازه. وعلى ذلك، فإن الحدود الرئيسية الخاصة بحلول ذكاء الأعمال التقليدية تتمثل في أنها تسمح فقط بما يؤدي بالفعل، بينما تقارير الأعمال المعيارية وتحليلات ذكاء الأعمال المبنية على المعالجة التحليلية على الخط OLAP يمكن أن تكون مفيدة جدا حيث تمثل بعدا تفاعليا فيما يمكن إخباره للمستخدمين عن أداء الماضي فقط.

وفي مقابل ذلك، تتضمن تحليلات البيانات الكبيرة الحديثة تنقيب بيانات متقدم أكثر وتوظيف ألجوريثمات تعلم الآلة (مثل نماذج التعظيم والتنبؤ)، إلى جانب استخدام البيانات الموزعة على مجموعات محاور كمبيوترية، وأدوات التكنولوجيا المرئية التي تشجع اكتشاف البيانات. إي أن تحليلات البيانات الكبيرة تمثل النظرة المستقبلية وتهتم أكثر بالإجابة على أسئلة تبدأ لماذا وكيف، أي أنها تلهم في الحقيقة الإجابة على الأسئلة التي اعتبرت من قبل صعبة الإجابة عليها. وبينما يتعامل ذكاء الأعمال مع معرفة عدم التعرف، فإن تحليلات البيانات الكبيرة تكون أحسن في إلهام التعرف على الأشياء التي كانت غير معروفة من قبل.

وبينما يتطلب ذكاء الأعمال التقليدي مخططات البيانات (وعلي وجه خاص مداخل الأعمدة والصفوف المتعلقة بالجدول المعين) لكي تفسر مسبقا، ولتسمح للتساؤلات المرتبطة بأبعاد معينة، فإن تحليلات البيانات الكبيرة يمكن أن تؤدي على كل أنواع البيانات الخام، والمخططات التي تنشأ آليا عند قراءة البيانات، كما انها أيضا تتضمن ترك بيانات حيث توجد وتحفظ، وتحضر معالجة التحليلات للبيانات بدلا من طريقة تدوير ذلك لتصبح مهمة مع أحجام البيانات الكبيرة، حيث أن نقل البيانات بين النظم يمكن أن يصبح مكلفا جدا.

وإن انفجار البيانات غير الهيكلية (التي تلتقط من سجلات النظم والتطبيقات وملفات الوسائط المتعددة، والهواتف الذكية، والمستشعرات، والشبكات الاجتماعية، الخ) قد تعدت حدود تكنولوجيا قواعد البيانات وأدوات التحليلات التقليدية التي صممت لتداول بيانات المنظمة الهيكلية. والشركات والمنظمات التي تسعى لاكتساب بصائر ذات قيمة ثاقبة، من سيل البيانات المتدفقـة، فإنه يستثمر في التكنولوجيات الجديدة التي تسمح بالتحليلات في احجام البيانات غير الهيكلية الكبيرة، كما تخزن وتحلل فيما يتصل بجزء من تكلفة النظم التقليدية المتقادمة. وتجميع التكنولوجيات الجديدة والتحليلات التنبؤية المتقدمة القادرة على تقديم البصائر الثاقبة بطرق أعرض وأعمق تؤدي لجعلها مرشدة في حقبة تحليلات البيانات الكبيرة.

وقد ظهر مصطلح البيانات الكبيرة في مجلة Economist لأول مرة في عام 2010، كما نشر معهد ماكينزي الدولي McKinsey Global Institute في مايو 2011 تقريرا علميا عن البيانات الكبيرة كواجهة قادمة للإبداع، المنافسة والإنتاجية، وكما أن اتجاهات بحوث محرك بحث جوجل بينت أن موضوع البيانات الكبيرة قد حظي بشعبية واضحة في نفس الوقت، وبذلك دخل مفهوم البيانات الكبيرة كموضوع أساسي ضمن موضوعات المنتدى الاقتصادي الدولي World Economic Forum منذ عام 2012. كما وصف كلا من ماكافي وبرينجولفسون (McAee and Brynjolfsson, 2012) أن كثيرا من شركات الأعمال الحديثة تعتبر نفسها كمحرك ودافع للبيانات وأنها تؤدي بطريقة أحسن وفقا لمقاييس النتائج المالية والتشغيلية الموضوعية لها، ومن خلال بحثهما اتضح أن الثلث الأعلى من الشركات المبحوثة تميز في اتخاذ القرارات النابعة من البيانات، بينما 5% من الشركات ارتبطت بإنتاجية أحسن، 6% منها حصلت على ربحية أكثر من منافسيها. وحتى يمكن الحصول على فوائد ومزايا أكثر من ثورة البيانات الكبيرة يحتاج باحثو سلسلة الإمداد والمديرون في الشركات والمنظمات المختلفة إلى فهم واحتضان دور معالجة بيانات الأعمال وتداعياتها على عملية اتخاذ القرارات واتوصل لبصائر صائبة فيم سوف يكون عليه مستقبل شركاتهم ومنظماتهم.

وبذلك ظهر حديثا مصطلح “علم البياناتData Science ” الذي صار يشير لمجال علمي نامي مهتم بجمع كميات بيانات كبيرة وإعدادها وتحليلها وإدارتها وعرضها. وعلى الرغم من أن هذا المصطلح يرتبط بقوة مع مجالات مثل قواعد البيانات وعلم الحاسب الآلي وتنقيب البيانات والاحصاء إلا أنه يتضمن أنواعا من المهارات المختلفة المحتاج لها، ويشتمل علم البيانات على تحليلات البيانات كمكون أساسي له. كما أن هذا العلم الحديث يمثل مجموعة مبادئ رئيسية تساند وتوجه استخلاص المعلومات والمعرفة من البيانات وبذلك يعتبر المجال والمفهوم الأكثر ارتباطا به هو “تنقيب البيانات” الذي يمثل استخلاص المعرفة الفعلي من البيانات عبر التكنولوجيات المتضمنة لتلك المبادئ، وفي هذا الصدد توجد مئات ألجوريثمات تنقيب البيانات المختلفة مع مدي كبير من التفاصيل لطرق المجال، وعلى الرغم من ذلك فإن علم البيانات يتضمن أكثر من ألجوريثمات تنقيب البيانات. حيث انه على القائمين به من علماء البيانات ومحللي البيانات القدرة على رؤية مشكلات الأعمال من منظور البيانات. كما يوجد هيكل أساسي لتفكير تحليل البيانات، والمبادئ الأساسية المطلوب فهمها. كما ان طرق ومنهجية التكنولوجيا الحديثة تعتبر حيوية لهذا العلم، إلي جانب تواجد مجالات معينة مثل الحدس، الابتكارية، والمعرفة لتطبيقات معينة التي يجب أن تكون واضحة بالنسبة لهم, وفي نفس الوقت يقدم منظور علم البيانات للممارسين هيكلية وقواعد لمعالجة مشكلات استخراج المعرفة المفيدة من البيانات الكبيرة المتاحة.

وفي هذا الإطار وظفت ثورة البيانات وعلم البيانات الحديث للتنمية المستدامة التي تعمل علي تحويل الطريقة التي تؤدي بها الحكومة والمواطنين والشركات الأعمال، حيث أنها تعرف بالانفجار الحادث حاليا في توافر موارد البيانات والتكنولوجيات الحديثة السريعة التطور والنمو، إلى جانب تكلفة أدوات جمع البيانات الرخيصة التي تتراوح من المصدر الضخم للبيانات إلى الأشكال الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية التي غيرت جميعها الطريقة التي تؤدي بها الأعمال وعملت علي زيادة توافر البيانات للكل. وقد حدي ذلك بأن مجموعة الخبراء الدولية عن ثورة البيانات للتنمية المستدامة (IEAG) للأمم المتحدة في اجتماعها عام 2014 إلى إلقاء الضوء على الفرص والتحديات التي يواجها العالم في تحسين البيانات للتنمية المستدامة.

وفي إطار ما سبق إثارته عن ثورة البيانات الحالية يصبح من المؤكد أن التحول الحالي في استخدام البيانات وتحليلاتها وخاصة التنبئية سوف ينتشر ويوطد دعائمه كما أن إبداعات التغيير سوف تأخذ مجالا أوسع حيث توجد حاجة ملحة لها مع جعل ما هو حادث مفهوما ومقبولا مما سوف يغير الفكر الإداري في إدارة الأعمال كليا.

 

وعلي هذا الأساس يحتوي هذا الكتاب علي الفصول التالية: الفصل الأول يتعلق بالتحول الرقمي ونماذج الأعمال المرتبطة به مما أدي لثورة البيانات المعاصرة ومحاورها العديدة؛ الفصلان الثاني والثالث يستعرضان معالم ثورة البيانات المعاصرة فيما يتعلق بمفهومها وأبعادها وخصائصها وواقعها الحالي وتحدياتها؛ أما الفصل الرابع فيستعرض البيانات الكبيرة الضخمة من حيث المفهوم والأبعاد والتطبيقات المتعلقة بالبيانات الكبية الضخمة؛ ووالفصلان الخامس والسادس يستعرضان كلا من ثورة البيانات وتحليلاتها التخطيطية والتنموية والتنمية المستدامة؛ ويستعرض الفصل السابع القرارت المستنبطة والنابعة من البيانات وتحليلاتها الملائمة؛ أم الفصل الثامن فقد خصص للحديث عن علم البيانات فيما يتعلق بمفهومه وخلفيته وأبعاده؛ وفي الفصلين التاسع والعاشر فقد تم تعرضهم لكل من تنقيب البيانات وتحليل بيانات الأعمال التي يتعامل بها المواطنون بصفة أساسية.

 

المراجع:

Manyka, et al (May 2011). Big Data: The next frontier for innovation, competition and productivity. McKinsey Global Institute

McAfee, A. and Brynjolfsson, E. (October 2012).”Big data: Management revolution.” Harvard Business Review, pp. 60-68.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات