إعداد:. د. مصطفى جودت صالح
في عام 1956، قدّم عالم النفس الأمريكي جورج ميلر (George A. Miller) واحدة من أكثر الأفكار تأثيرًا في علم النفس المعرفي والتصميم المعاصر، والمعروفة باسم قانون ميلر (Miller’s Law). يقول ميلر في بحثه الشهير بعنوان “The Magical Number Seven, Plus or Minus Two” إن الإنسان العادي يمكنه الاحتفاظ في الذاكرة العاملة (Working Memory) بحوالي سبعة عناصر في المتوسط، قد تزيد أو تنقص بمقدار عنصرين. هذه الفكرة البسيطة في ظاهرها، شكّلت حجر الأساس لفهم كيفية معالجة البشر للمعلومات، وأصبحت مبدأً مهمًا في مجالات متنوعة مثل التعليم، وتصميم واجهات المستخدم، وإدارة المشاريع، والتسويق، وحتى في التواصل اليومي.
في هذا المقال، سنستعرض مفهوم قانون ميلر بتفصيل أعمق، ونوضح علاقته بكيفية عمل الذاكرة البشرية، ثم نناقش تطبيقاته العملية في مجالات التصميم والتعلم وإدارة المعرفة، مع أمثلة توضيحية تبين كيف أن تقسيم المعلومات إلى وحدات صغيرة ومعنوية (Chunks) يؤدي إلى تحسين الفهم، وزيادة التفاعل، وتعزيز القدرة على اتخاذ القرار. في ختام المقال نستعرض أهم أوجه النقد الموجهة لهذا القانون.

يُعدّ جورج أ. ميلر (George A. Miller) أحد رواد علم النفس المعرفي في القرن العشرين، وقد أسهم بشكل بارز في فهم كيفية معالجة الإنسان للمعلومات. وُلد عام 1920 وتوفي عام 2012، ويُعرف بشكل خاص بمقاله الشهير عام 1956 بعنوان “The Magical Number Seven, Plus or Minus Two”، الذي وضع فيه أساس قانون ميلر، موضحًا أن الذاكرة العاملة البشرية يمكنها الاحتفاظ بسبع وحدات من المعلومات تقريبًا في الوقت نفسه.
أسهم ميلر في الانتقال من علم النفس السلوكي إلى المدرسة المعرفية التي تركز على التفكير والإدراك والذاكرة. كما شارك في تأسيس مفهوم علم النفس المعرفي الحديث وأسّس مختبر علم النفس في جامعة هارفارد، وأسهم في تطوير علم اللغويات النفسية (Psycholinguistics). تركت أفكاره أثرًا كبيرًا في مجالات التعليم، وتصميم واجهات المستخدم، وتكنولوجيا التعلم، حيث وفرت فهمًا أعمق لكيفية تعامل العقل البشري مع المعلومات وتنظيمها.
الذاكرة العاملة أم الذاكرة قصيرة المدى
الذاكرة قصيرة المدى (Short-Term Memory) : هي نظام تخزين مؤقت للمعلومات، يقوم فقط بالاحتفاظ بالمعلومات لفترة قصيرة جدًا (حوالي 15-30 ثانية) دون أي معالجة إضافية. وظيفتها الأساسية هي تخزين كمية محدودة من البيانات التي يتم استقبالها من الحواس، مثل تذكر رقم هاتف لثوانٍ قبل الاتصال به.
الذاكرة العاملة (Working Memory) : هي مفهوم أوسع وأكثر تعقيدًا. لا تقتصر وظيفتها على التخزين المؤقت للمعلومات فحسب، بل تشمل أيضًا معالجة وتلاعب تلك المعلومات. إنها بمثابة “مكتب العمل” للعقل، حيث يتم فيها دمج المعلومات الجديدة مع المعرفة السابقة من الذاكرة طويلة المدى لحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والفهم. على سبيل المثال، عندما تقوم بعملية حسابية ذهنية، فإنك تستخدم الذاكرة العاملة لتخزين الأرقام ومعالجتها في نفس الوقت.
ورقة ميلر البحثية الشهيرة التي تحدثت عن “الرقم السحري سبعة، زائد أو ناقص اثنين” كانت تركز على سعة الذاكرة العاملة وقدرتها على معالجة المعلومات في وقت واحد. يوضح القانون أن هذه الذاكرة محدودة، وأن تجميع المعلومات في مجموعات (Chunking) هو استراتيجية فعالة لزيادة قدرتها على استيعاب المعلومات ومعالجتها.
فهم الذاكرة العاملة وقانون ميلر
الذاكرة العاملة – كما أشارت الفقرة السابقة – هي الجزء من الذاكرة البشرية المسؤول عن الاحتفاظ المؤقت بالمعلومات ومعالجتها في أثناء التفكير أو أداء مهمة معينة. فعندما نحاول حل مسألة رياضية ذهنيًا، أو نتذكر رقم هاتف مؤقتًا، أو نتبع تعليمات متعددة الخطوات، فإننا نعتمد على هذه الذاكرة. ولكنها محدودة السعة، فلا يمكنها التعامل مع كمٍّ كبير من المعلومات دفعة واحدة.
هنا يأتي قانون ميلر ليضع تقديرًا لهذه الحدود:
“إن متوسط عدد الوحدات التي يمكن للإنسان الاحتفاظ بها في ذاكرته العاملة هو سبعة، زائد أو ناقص اثنين.”
أي أن بعض الأشخاص قد يتمكنون من الاحتفاظ بخمس وحدات فقط، بينما قد يستطيع آخرون الاحتفاظ بتسع وحدات كحد أقصى.

لكن ما المقصود بـ “الوحدة” أو “العنصر”؟ لا يشترط أن تكون الوحدة شيئًا بسيطًا كرقم أو كلمة واحدة، بل يمكن أن تكون مجموعة مترابطة من المعلومات تمثل معنى واحدًا في ذهن الشخص. هذا ما يُعرف بمفهوم التقسيم (Chunking).
مبدأ التقسيم (Chunking) كاستراتيجية ذهنية
يُعد التقسيم إحدى أهم الاستراتيجيات التي تساعدنا على تجاوز حدود الذاكرة العاملة. عندما نقوم بتقسيم المعلومات الطويلة ثم بتجميعها في وحدات ذات معنى، فإننا نزيد من قدرتنا على تذكرها ومعالجتها.
على سبيل المثال، من الأسهل حفظ الرقم 966112345678 إذا قُسم إلى مجموعات مثل +966 – 11 – 234 – 5678. في الحالة الأولى نحاول تذكر 12 رقمًا منفصلًا، أما في الثانية فنحفظ أربع وحدات فقط، كل منها تحمل معنى محددًا (رمز الدولة، رمز المدينة، الجزء الأول من الرقم، الجزء الأخير).
ينطبق هذا المبدأ على كل أنواع المعلومات: النصوص، الصور، المفاهيم، أو حتى المهام اليومية. العقل البشري يعمل بكفاءة أكبر عندما يتعامل مع كتل صغيرة متماسكة بدلًا من سيل من المعلومات المتفرقة.
تطبيق قانون ميلر في تصميم تجربة المستخدم (UX Design)
في مجال تصميم واجهات المستخدم وتجربته، يُعد قانون ميلر من المبادئ الجوهرية التي تؤثر على سهولة الاستخدام (Usability) ووضوح التفاعل.
عندما يُعرض أمام المستخدم عدد كبير من الخيارات أو الأزرار أو القوائم، فإن الذاكرة العاملة تُرهق، مما يؤدي إلى الإرباك والتشتت وفقدان التركيز. لذلك، ينصح المصممون بتقليل عدد العناصر المعروضة في كل لحظة إلى سبعة تقريبًا أو أقل، أو تنظيمها ضمن مجموعات واضحة. ومن أمثلة ذلك :
- في تطبيقات الهواتف، تُقسّم القوائم الطويلة إلى فئات فرعية: “الملف الشخصي”، “الإعدادات”، “الإشعارات”، “الدعم”… وهكذا.
- في صفحات الويب التعليمية، يُفضل عرض المحتوى في وحدات تعليمية قصيرة (Learning Chunks) تحتوي على فكرة رئيسة واحدة، تليها أنشطة تفاعلية صغيرة.
- في تصميم الأيقونات أو القوائم المنسدلة، يُستخدم التنظيم المرئي (مثل المسافات البيضاء، العناوين الفرعية، أو الألوان المختلفة) لتجميع العناصر المرتبطة ببعضها، مما يُسهل على المستخدم الفهم السريع واتخاذ القرار.
بهذه الطريقة، يحقق المصمم هدفين: تقليل الحمل المعرفي (Cognitive Load) وزيادة وضوح المسار الذهني للمستخدم أثناء التنقل في النظام أو المنصة.
قانون ميلر في التعليم وتصميم المحتوى الإلكتروني
يُعتبر التعلم من أكثر المجالات استفادة من مبادئ ميلر، خاصة في تصميم المقررات الإلكترونية (e-learning). فالطالب، مثله مثل أي مستخدم آخر، لا يمكنه معالجة كم كبير من المعلومات في وقت واحد، مما يجعل التقسيم التدريجي للمحتوى ضرورة تربوية قبل أن تكون خيارًا جماليًا. ولعل من أبرز التطبيقات التربوية للقانون الآتي:
- تقسيم الدروس إلى وحدات قصيرة: بدلاً من تقديم محاضرة مدتها 60 دقيقة تحتوي على عشرات المفاهيم، يمكن تقسيمها إلى ست أو سبع وحدات تعليمية صغيرة، كل منها تدور حول فكرة واحدة.
- تبسيط المحتوى: يقوم المصمم بتقسيم المعلومات المعقدة إلى وحدات أو أجزاء أصغر وأكثر قابلية للاستيعاب، فيما يسمى بعناصر التعلم Learning Objects. بدلاً من عرض قائمة طويلة من المفاهيم، يتم تجميعها في مجموعات ذات صلة، مما يقلل من الحمل المعرفي على المتعلم ويساعده على معالجة المعلومات بشكل فعال.
- استخدام الخرائط الذهنية والمخططات: تساعد هذه الأدوات على تجميع المفاهيم المتشابهة في مجموعات بصرية تسهل استرجاعها.
- الأنشطة القصيرة المتتابعة: عند تصميم الأنشطة التفاعلية، يُفضل أن تكون قصيرة وواضحة ومحددة في نطاق لا يتجاوز سبع خطوات أو خيارات.
- تصميم الشرائح المرئية: عند تصميم العروض التقديمية أو الصفحات الإلكترونية، يحرص المصمم على ألا تزيد النقاط الرئيسية في الشريحة الواحدة عن 5-9 عناصر، مما يسهل على المتعلم تتبع المعلومات واستيعابها. هذا المبدأ ينطبق على قوائم النقاط، والخيارات في القوائم المنسدلة، وغيرها.
- هيكلة الدروس: يقوم المصمم التعليمي ببناء الدروس في تسلسل منطقي، حيث يتم تقديم المفاهيم الأساسية أولاً ثم بناء المعلومات التفصيلية عليها. هذا يتيح للمتعلم ربط المعلومات الجديدة بالمعرفة السابقة، مما يعزز من قدرة الذاكرة العاملة على استيعاب المزيد من المعلومات.
- توفير أمثلة وتمارين: يساعد المصمم المتعلم على تطبيق المفاهيم بشكل فوري، مما يساهم في نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى. من خلال تقسيم المهام المعقدة إلى خطوات بسيطة، يصبح التعلم أكثر فعالية وأقل إرهاقًا.
من خلال هذه الأساليب، يتمكن المتعلم من التركيز على المعنى بدلًا من التشتت بين التفاصيل، مما يؤدي إلى تحسين الفهم والاستيعاب والاحتفاظ بالمعلومة لفترة أطول.
قانون ميلر والتدريس المضغر
لعل من التطبيقات التربوية التي استفادت من قانون ميلر ما يسمى بالتدريس المصغر Micro Learning ، حيث يرتبط قانون ميلر (Miller’s Law) ارتباطًا مباشرًا بفلسفة التدريس المصغر (Microlearning)، فكلاهما يقوم على مبدأ أن الذاكرة العاملة للإنسان محدودة ولا تستطيع معالجة أكثر من سبع وحدات من المعلومات في الوقت الواحد. لذلك، فإن تقسيم المحتوى التعليمي إلى وحدات صغيرة ومركّزة يُعد تطبيقًا عمليًا لفكرة ميلر حول التقسيم (Chunking)، حيث تُقدَّم المفاهيم في مجموعات ذات معنى يسهل استيعابها وتذكرها.
في التدريس المصغر، يُترجم هذا المبدأ إلى تصميم وحدات تعليمية قصيرة (من 3 إلى 7 دقائق) تركّز على هدف تعلم واحد فقط، وتحتوي على عدد محدود من النقاط الرئيسة لا يتجاوز سبع أفكار فرعية. كما يُراعى تنظيم المحتوى بصريًا ومعرفيًا في مجموعات واضحة، مع أنشطة قصيرة تفاعلية تعزز الذاكرة. بهذه الطريقة، يُقلَّل الحمل المعرفي (Cognitive Load) لدى المتعلم، فيفهم المحتوى بسرعة ويحتفظ به لفترة أطول.
تشير الدراسات التربوية الحديثة إلى أن المتعلمين يحتفظون بالمعلومات المصغّرة بنسبة تفوق 80% بعد أسبوع من التعلّم، بينما تنخفض النسبة إلى أقل من 30% عند استخدام أساليب التعلم التقليدي الطويلة. ويرجع ذلك إلى أن المحتوى المصغر:
- يقلل الإجهاد المعرفي.
- يسمح بعمليات المراجعة المتكررة (Spaced Repetition).
- يُنشّط التحفيز الداخلي لأن الإنجاز في وقت قصير يولد شعورًا بالنجاح.
وباستخدام قانون ميلر كمرجعية، يصبح التعلم المصغر وسيلة فعالة لتصميم تجارب تعليمية متمركزة حول المتعلم، تراعي قدراته الإدراكية وتسمح له ببناء المعرفة تدريجيًا. فكل وحدة مصغّرة تمثل “كتلة معرفية” صغيرة يمكن دمجها لاحقًا لتشكّل فهمًا متكاملًا، مما يجعل التعلم أكثر وضوحًا، واستدامة، ومتعة.
قانون ميلر وتصميم الموارد التعلليمية المفتوحة
لعل من أهم أشكال المحتوى الرقمي وأكثرها شيوعا ما يعرف بالموارد التعلميية المفتوحة ، يرتبط قانون ميلر (Miller’s Law) ارتباطًا وثيقًا بعملية تصميم الموارد التعليمية المفتوحة (Open Educational Resources – OER)، لأن كلاهما يهدف إلى تيسير الوصول إلى المعرفة وفهمها بفعالية. فبحسب قانون ميلر، لا يستطيع المتعلم معالجة أكثر من سبع وحدات من المعلومات في ذاكرته العاملة في الوقت نفسه، ما يعني أن تصميم الموارد التعليمية يجب أن يراعي هذا القيد المعرفي من خلال تقسيم المحتوى إلى وحدات صغيرة ومترابطة يسهل على المستخدم التعامل معها دون تشتيت أو إجهاد ذهني.
في تصميم الموارد التعليمية المفتوحة، يُترجم هذا المبدأ إلى تنظيم المحتوى في أنشطة قصيرة ووحدات تعلم صغيرة (Learning Chunks) تركز كل منها على فكرة واحدة أو مهارة محددة، مع استخدام العناوين الواضحة، والوسائط المتعددة الداعمة، والروابط الداخلية التي تساعد على التنقل المنطقي بين الموضوعات. كما يُفضل أن تتضمن الموارد تتابعًا تدريجيًا في عرض المفاهيم من البسيط إلى المركب، وأن تُعرض المعلومات في واجهة بسيطة لا تتجاوز عناصرها الرئيسة العدد الذي يمكن للمتعلم استيعابه في لحظة واحدة.
وبذلك، يسهم تطبيق قانون ميلر في جعل الموارد التعليمية المفتوحة أكثر سهولة وفاعلية وشمولًا، حيث يصبح المحتوى قابلًا لإعادة الاستخدام والتخصيص دون فقدان وضوحه أو ترابطه المعرفي. إن الجمع بين مبادئ ميلر والانفتاح المعرفي للـOER يؤدي إلى تصميم موارد تعليمية مفتوحة وسهلة الوصول والفهم، تعزز المشاركة، وتدعم التعلم الذاتي المستمر.
قانون ميلر في إدارة المشاريع واتخاذ القرار
حتى في بيئات العمل وإدارة المشاريع، يظهر أثر قانون ميلر بوضوح. فمديرو الفرق وأصحاب القرار يتعاملون يوميًا مع كمٍّ ضخم من المعلومات: تقارير، أرقام، أهداف، مخاطر، مواعيد…
إذا تم عرض كل هذه البيانات دفعة واحدة، فإن النتيجة تكون الإرهاق الذهني وصعوبة اتخاذ قرارات واضحة.
لهذا السبب، تعتمد المنهجيات الحديثة في الإدارة مثل Agile وScrum على مبدأ تقسيم العمل إلى مهام صغيرة قابلة للإدارة (manageable chunks). كل مهمة تمثل وحدة ذات معنى يسهل تتبعها وتقييمها. كما تُعرض المعلومات غالبًا في لوحات بصرية مثل Kanban boards، حيث يتم تنظيم المهام ضمن مجموعات (To Do – In Progress – Done). هذه الطريقة تعكس عمليًا تطبيق قانون ميلر في تبسيط التعقيد وتحويله إلى تسلسل واضح للفهم والتنفيذ.
للمزيد يمكن الرجوع لمقال ( التصميم التعليمي الرشيق) حيث تم مناقشة نموذج الإدارة Agile وتطبيقه في التصممي التعليمي.
نقد قانون ميلر
على الرغم من شهرة قانون ميلر (Miller’s Law) وأثره الكبير في علم النفس المعرفي وتصميم التعليم، إلا أن الأبحاث الحديثة قد وجهت له عدة انتقادات وشككت في دقته كقاعدة عامة للسعة المعرفية البشرية. فقد أظهرت دراسات لاحقة أن سعة الذاكرة العاملة ليست ثابتة عند “سبع وحدات ±2”، بل تختلف باختلاف طبيعة المعلومات ومدى ترابطها ومعناها وخبرة الفرد. بعض الباحثين، مثل نيلسون كوان (Nelson Cowan)، اقترح أن السعة الحقيقية أقرب إلى أربع وحدات فقط في المتوسط، وهو ما يتفق أكثر مع نتائج التجارب المعاصرة في علم الأعصاب المعرفي.
كذلك، يرى النقاد أن قانون ميلر مبسط أكثر من اللازم، لأنه يعتمد على مهام حفظ قصيرة المدى لا تمثل بدقة التعقيد المعرفي في الحياة الواقعية. كما أن الذاكرة العاملة ليست مجرد مخزن سلبي، بل نظام ديناميكي يتأثر بالانتباه، والتحفيز، والاستراتيجيات الذهنية المستخدمة. ومع ذلك، لا يُعد القانون مرفوضًا بالكامل، بل يُنظر إليه اليوم كـ نقطة انطلاق تاريخية ساعدت على لفت الانتباه إلى حدود الإدراك البشري وأهمية تنظيم المعلومات. بمعنى آخر، ربما تم “تفنيد” دقته العددية، لكن جوهر فكرته ما زال صالحًا: أن العقل البشري يحتاج إلى محتوى منظم ومجزأ ليسهل فهمه وتذكره.
كلمة أخيرة
استعرض المقال الحالي أهم تطبيقات قانون ميلر في التعليم وتصميم واجهات التفاعل وتطوير الموارد التعليمية المفتوحة واتخاذ القرار ، إلا أن مجالات التطبيق الفعلي قد تتسع لأكثر مما تناوله المقال بكثير فكل عمل مرتبط بالذاكرة العاملة يمكن نظريا أن نطبق عليه مبادئ قانون ميلر.
كذلك لا يجب التعصب المطلق لقانون ميلر حيث أن أبرز ما وجه إليه من نقد هو المبالغة في التبسيط ، وعدم وجود أدلة تجريبية واضحة حول الرقم 7+-2 كما استعرضنا في المقال الحالي.