يُعد تقييم التكنولوجيا التعليمية من الأدوار المحورية لأخصائيي تكنولوجيا التعليم، ويُمثّل مرحلة حاسمة في أي مشروع تكنولوجي. ففي العصر الرقمي، أصبح قرار تبني تكنولوجيا جديدة في النظم التعليمية مهمة معقدة وغالباً ما تتأثر بالاتجاهات الشائعة بدلاً من الملاءمة التعليمية الفعلية. ولهذا، أصبح هناك حاجة ماسة إلى أطر عمل منهجية توجه عملية الاختيار والتقييم، مثل نموذج SECTIONS الذي طوره بيتس وبول. يمثل هذا النموذج تطورًا لإطار عمل ACTIONS السابق له في الظهور، حيث صُمّم في البداية لخدمة التعليم عن بعد، ثم عُدل ليصبح إطارًا أكثر شمولًا يغطي استخدام الوسائط في التعليم داخل الحرم الجامعي وخارجه. يتيح نموذج SECTIONS للمؤسسات التعليمية فحص وتقييم البدائل التكنولوجية على مستويات متعددة، ليس فقط على المستوى عمليات التدريس الصفية اليومية، بل أيضاً على المستوى الاستراتيجي للسياسات المؤسسية، وهو ما يضمن تقييمًا متوازنًا يأخذ في الاعتبار الجوانب التعليمية والتشغيلية على حد سواء.

الأصول النظرية لنموذج SECTIONS: من النظرية إلى التطبيق العملي
نشأ نموذج SECTIONS على يد توني بيتس وبول (Bates and Poole) وهو يمثل تطورًا مباشرًا لإطار عمل سابق يُعرف بنموذج ACTIONS. وقد طُور نموذج ACTIONS في البداية لخدمة سياقات التعليم عن بعد، حيث كانت الخيارات التكنولوجية محدودة. ومع التطور السريع للتقنيات وتزايد الحاجة إلى دمجها في التعليم الجامعي والمدرسي، قام بيتس بتعديل نموذجه لإنشاء SECTIONS، ليكون إطارًا أكثر شمولًا يغطي استخدام الوسائط في التعليم داخل الحرم الجامعي وكذلك التعليم عن بعد. ا
لم يأتِ نموذج SECTIONS من فراغ، بل كان ردًا على القصور في النماذج السابقة لاختيار الوسائل التعليمية. ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت النماذج السائدة تعتمد على نهج “اختزالي وسلوكي”. وقد نتج عن ذلك خوارزميات معقدة وغير عملية على الإطلاق، لم تضع في اعتبارها الخصائص الفريدة للوسائط المختلفة أو الواقع العملي للتعليم. في المقابل، يهدف نموذج SECTIONS إلى توفير إطار عمل أكثر مرونة وشمولية وعملية.
اختيار الوسائل التعليمية (Educational Media Selection) هي عملية منظمة ومدروسة يقوم بها المعلم أو المصمم التعليمي لاختيار أنسب الأدوات والمواد والتقنيات التعليمية (مثل: النصوص، الصور، مقاطع الفيديو، الألعاب التفاعلية، برامج الكمبيوتر التعليمية) بهدف تحقيق أهداف تعليمية محددة. لا تتم هذه العملية بشكل عشوائي، بل تعتمد على مجموعة من المعايير والأسس التي تأخذ في الاعتبار عدة عوامل منها: خصائص المتعلمين واحتياجاتهم، طبيعة المحتوى التعليمي، الأهداف المرجوة من الدرس، الموارد المتاحة (التكلفة والوقت)، وكذلك قدرة المعلم على استخدام الوسيلة بفعالية. الهدف النهائي هو تحسين جودة عملية التعليم والتعلم، وزيادة استيعاب الطلاب، وجعل التجربة التعليمية أكثر جاذبية وتأثيرًا.
تتمثل مبادئ التصميم الأساسية لنموذج SECTIONS في عدة جوانب محورية. أولاً، يعمل النموذج في مجموعة متنوعة من السياقات التعليمية، من المدارس إلى الجامعات. ثانياً، يتيح اتخاذ القرارات على المستويين الاستراتيجي (على نطاق المؤسسة) والتكتيكي (على مستوى التدريس). ثالثاً، يولي اهتماماً متساوياً للجوانب التعليمية والتشغيلية، مما يضمن تقييمًا متوازنًا. وأخيرًا، يتميز النموذج بقدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية المستمرة.
لم يكن التحول من نموذج ACTIONS إلى SECTIONS مجرد تغيير في الاسم، بل عكس هذا التحول تطورًا في الفكر التعليمي من نهج موجه نحو الوسائط (التعليم عن بعد في عصر محدود الخيارات) إلى نهج موجه نحو النظام ككل. نموذج SECTIONS يتبنى رؤية نظامية تأخذ في الاعتبار الطلاب، والمؤسسة، والتكنولوجيا، وعلاقاتهم المتكاملة. وقد جاءت التعديلات من ACTIONS إلى SECTIONS لتوسيع نطاق النموذج ليشمل التعليم في الحرم الجامعي، مما جعله إطارًا أكثر شمولًا يلبي احتياجات المؤسسات التعليمية كافة في عصر تزايد فيه دمج التكنولوجيا في التعليم المباشر. هذا التحول يعكس فهماً عميقاً بأن اختيار التكنولوجيا ليس مجرد قرار تقني، بل هو قرار استراتيجي يؤثر في جميع جوانب المنظومة التعليمية.
تشير التكنولوجيا المتمحورة حول الطالب (Student-Centered Technology) إلى استخدام الأدوات والمنصات الرقمية التي تضع الطالب في مركز عملية التعلم، وتمنحه القدرة على التحكم في مساره التعليمي. بدلاً من أن تكون التكنولوجيا مجرد وسيلة لعرض المحتوى من قبل المعلم، فإنها تُستخدم لتمكين الطالب من البحث النشط، الاستكشاف الذاتي، والتعاون مع زملائه. تشمل أمثلة هذه الأدوات: منصات التعلم التفاعلية، برامج المحاكاة والواقع الافتراضي، أدوات إنشاء المحتوى الرقمي، وأنظمة إدارة التعلم التي توفر مسارات تعليمية مخصصة. هدفها الأساسي هو تلبية الاحتياجات الفردية للطلاب، وزيادة مشاركتهم، وتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين مثل التفكير النقدي وحل المشكلات.
معايير نموذج SECTIONS
يقدم نموذج SECTIONS إطارًا لتقييم التكنولوجيا التعليمية من خلال سبعة معايير أساسية. يساعد التحليل المفصل لكل معيار على اتخاذ قرار مستنير بشأن تبني التكنولوجيا.
أ. الطلاب (Students)
يركز هذا المعيار على مدى ملاءمة التكنولوجيا لاحتياجات الطلاب، ومهاراتهم، وتفضيلاتهم، وخصائصهم. يجب أن يُنظر إلى التكنولوجيا كأداة تدعم الطلاب في تحقيق أهداف التعلم، مع الأخذ في الاعتبار الفروق الفردية. يجب مراعاة عوامل مثل مستوى الإلمام بالتكنولوجيا لدى الطلاب، والمعرفة المسبقة، والتفضيلات التعليمية، والعقبات المحتملة أمام استخدام التكنولوجيا. مما يعزز المشاركة ويحسن نتائج التعلم
مؤشرات التقييم: يتم تقييم هذا المعيار من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة الجوهرية:
- هل تلبي التكنولوجيا الاحتياجات المعرفية، والوجدانية، والمهنية للطلاب ؟
- هل تدعم التكنولوجيا التعلم المخصص بناءً على بيانات أداء الطلاب، وتساعد المعلمين على تحديد الفروق الفردية وتقديم الدعم اللازم ؟
- ما مدى جاهزية الطلاب الرقمية وقدرتهم على استخدام التكنولوجيا بفعالية ؟
إن التقييم الفعال لمعيار الطلاب يتجاوز مجرد قياس التحصيل العلمي وعلاقته بالحلول التكنولوجية. إنه يشمل فهم الفروق الفردية، وتلبية الاحتياجات المتغيرة، وتوفير بيئة داعمة. على سبيل المثال، أنظمة معلومات الطلاب (SIS) لا تقتصر وظيفتها على حفظ الدرجات فقط، بل تعمل على تحسين التواصل بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، مما يؤدي إلى خلق بيئة تعليمية تعاونية ومتكاملة. هذا يدل على أن التكنولوجيا يجب أن تُقيّم ليس فقط بناءً على قدرتها على تقديم المحتوى، بل أيضاً بناءً على دورها في دعم “منظومة الطالب” الكاملة، من المتابعة الأكاديمية إلى الرفاهية النفسية.
ب. سهولة الاستخدام (Ease of Use)
يُعرَّف هذا المعيار بأنه مدى سهولة وفعالية وكفاءة ورضا المستخدم عن استخدام المنتج الرقمي. يعتبر هذا المعيار حاسمًا، لأن عدم سهولة الاستخدام يؤدي إلى الإحباط وفشل التبني الكامل للتكنولوجيا.
مؤشرات التقييم: تتضمن المؤشرات الرئيسية لتقييم سهولة الاستخدام:
- الفعالية: مدى قدرة المستخدم على إتمام المهام بنجاح.
- الكفاءة: الوقت الذي يستغرقه المستخدم لإكمال المهام.
- الرضا: مدى رضا المستخدم عن تجربة الاستخدام.
- سهولة التعلم: مدى سرعة تعلم المستخدمين الجدد للمنتج.
- سهولة التذكر: مدى قدرة المستخدم على تذكر كيفية استخدام المنتج بعد فترة من الزمن.
- معدل الأخطاء: عدد الأخطاء التي يرتكبها المستخدم ومدى سهولة تصحيحها.
يتم قياس هذه المؤشرات من خلال أدوات مثل الاستبيانات، والمقابلات، واختبارات قابلية الاستخدام التي تتبع تفاعل المستخدمين مع المنتج. إن الاستثمار في التكنولوجيا ذات الواجهات المعقدة هو استثمار مهدور، مهما كانت وظائفها قوية. سهولة الاستخدام هي عامل أساسي لقبول التكنولوجيا واستدامتها، وتؤثر بشكل مباشر على مشاركة المعلمين والطلاب.
ج. التكاليف (Costs)
تعد التكلفة عنصرًا حاسمًا في عملية اختيار التكنولوجيا، حيث تعمل المؤسسات التعليمية عادة ضمن قيود ميزانية صارمة. يجب موازنة تكلفة التكنولوجيا، بما في ذلك كل من النفقات الأولية والصيانة طويلة الأجل، مقابل فوائدها المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تقييم عوامل مثل رسوم الترخيص ومتطلبات المعدات وأي تكاليف خفية (مثل التدريب أو الدعم الفني) بشكل شامل. يُعتبر مفهوم “التكلفة الإجمالية للملكية” (TCO) إطارًا شاملًا لتقييم هذا المعيار.
يشير مصطلح “التكلفة الإجمالية للملكية” (Total Cost of Ownership أو TCO) إلى تقدير شامل لكل النفقات المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بامتلاك أصل أو استخدام منتج أو خدمة معينة على المدى الطويل.
مؤشرات التقييم: يجب أن يشمل تحليل التكلفة:
- التكاليف المباشرة: سعر الشراء، رسوم الاشتراك، تكاليف الترخيص، وتكاليف تدريب الموظفين.
- التكاليف غير المباشرة: نفقات الصيانة، وتكاليف الدعم الفني، وتكاليف استهلاك الطاقة، والضرائب، وتكلفة وقت التوقف المحتمل.
لقد أظهرت التطورات التكنولوجية تحولًا كبيرًا في نماذج التكلفة. فبفضل الحوسبة السحابية، انتقلت المؤسسات من النفقات الرأسمالية (CapEx) إلى النفقات التشغيلية (OpEx)، حيث يتم دفع الرسوم على أساس معدل الاستخدام بدلاً من الاستثمار الأولي الكبير. هذا التحول يغير طريقة التفكير في التمويل المؤسسي من الاستثمار لمرة واحدة إلى نموذج الاشتراك المستمر، مما يؤثر على الميزانيات والتخطيط المالي طويل المدى.
تقدم الحوسبة السحابية – على سبيل المثال – فرصة استثنائية لتعزيز كفاءة الإنفاق في التعليم من خلال نموذجها القائم على الدفع حسب الاستخدام، مما يقلل بشكل كبير من الحاجة للاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية المكلفة مثل الخوادم، أجهزة التخزين، وبرامج التشغيل. بدلاً من شراء هذه الأصول وصيانتها، يمكن للمؤسسات التعليمية استئجار الموارد الحسابية عند الحاجة فقط، مما يسمح لها بتحويل النفقات الرأسمالية الضخمة إلى نفقات تشغيلية أكثر مرونة. هذا النموذج لا يوفر المال فحسب، بل يضمن أيضًا أن يكون لدى المؤسسات إمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات دون تكبد تكاليف التحديث المستمر، مما يسمح لها بتوجيه الميزانيات الموفرة إلى مجالات أخرى أكثر أهمية مثل تحسين المناهج، تدريب المعلمين، أو دعم الطلاب.
د. وظائف التدريس والتعلم (Teaching and Learning Functions)
يركز هذا المعيار على مدى دعم التكنولوجيا لأهداف التعلم المحددة، والأساليب التدريسية، ومهام المعلم، وتعزيز الأنشطة التعليمية. يتطرح المعيار كذلك لتقييم إمكانات التكنولوجيا في دعم استراتيجيات تعليمية متنوعة، مثل التعلم التعاوني أو التعليم المخصص أو التعلم القائم على الاستقصاء. كما يأخذ في الاعتبار ما إذا كانت التكنولوجيا تتكامل مع المنهج الدراسي .
مؤشرات التقييم: يتم تقييم هذا المعيار بناءً على قدرة التكنولوجيا على:
- دعم نماذج تدريسية مختلفة، مثل التعلم المدمج (Blended Learning)، والتعلم التعاوني، واللعب التعليمي.
- تمكين المعلمين من أداء مهامهم الأساسية، مثل التخطيط للدروس، وتقديم التغذية الراجعة الفردية، وتحديد الفروق الفردية بين الطلاب، وتخصيص المحتوى لكل طالب على حدة.
إن التكنولوجيا الفعالة ليست مجرد أداة لإثراء المحتوى، بل هي عامل تمكين للوظائف الأساسية للمعلمين. إنها تدمج نفسها بسلاسة في العملية التعليمية، وتحرر المعلمين للتركيز على المهام الأكثر إبداعًا وذات القيمة المضافة، مثل توجيه الطلاب وإرشادهم.
هـ. التفاعل (Interactivity)
يشير التفاعلمن منظور التكنولوجيا التعليمية إلى مستوى المشاركة الذي توفرها لتحقيق الاتصال النشط بين الطلاب والمعلمين والمحتوى. تحظى التقنيات التي تعزز التعلم النشط، مثل المحاكاة التفاعلية أو الاختبارات القصيرة أو الأدوات التعاونية، بتقدير كبير لأنها تشجع على المشاركة، وتعزز الفهم الأعمق، وتسمح للطلاب بممارسة وتطبيق المعرفة بطرق هادفة. ويركز هذا المعيار على قدرة التكنولوجيا على تعزيز التفاعل في ثلاثة أبعاد رئيسية: بين الطلاب والمحتوى، وبين الطلاب والمعلمين، وبين الطلاب وبعضهم البعض.
مؤشرات التقييم: يتم تقييم هذا المعيار من خلال:
- أنواع التفاعل: هل توفر التكنولوجيا تفاعلاً متزامنًا (مثل الدروس الافتراضية المباشرة وغرف الدردشة) وغير متزامن (مثل المنتديات النقاشية والبريد الإلكتروني) ؟
- استراتيجيات التحفيز: هل تشجع التكنولوجيا على المشاركة النشطة من خلال المناقشات الموجهة، والمشاريع المشتركة، وأنشطة حل المشكلات ؟
إن التفاعل لا يقتصر على تحسين الفهم الأكاديمي، بل يساهم في بناء الثقة، وتحفيز الطلاب، وتحسين سلوكياتهم، وتخفيف الشعور بالعزلة في بيئات التعلم عن بعد. هذا يعني أن التكنولوجيا التفاعلية هي أداة لتحسين الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب، وليست مجرد أداة تعليمية.
و. القضايا التنظيمية (Organizational Issues)
تتعلق القضايا التنظيمية بمدى استعداد المؤسسة لدعم التكنولوجيا. يشمل هذا البنية التحتية التقنية، مثل سعة النطاق الترددي للإنترنت وتوافر الأجهزة، بالإضافة إلى الدعم الإداري، بما في ذلك السياسات والإجراءات اللازمة لتنفيذ التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، يجب النظر في فرص التدريب والتطوير المهني للمدربين لضمان دمج التكنولوجيا بسلاسة.
مؤشرات التقييم:
- هل توجد خطة استراتيجية معتمدة لدمج التعليم الإلكتروني ؟
- هل يتوفر دعم فني قوي ومستدام للتعامل مع الأعطال التقنية ؟
- هل يتم توفير برامج تدريبية كافية للمعلمين والإداريين لتأهيلهم على استخدام التقنيات الجديدة ؟
- هل توجد نماذج حوكمة واضحة (مثل COBIT) لتكنولوجيا المعلومات تضمن الامتثال، وتوضح الأدوار، وتدير المخاطر ؟
نموذج حوكمة (COBIT) هو إطار عمل شامل لإدارة وحوكمة تكنولوجيا المعلومات (IT) داخل المؤسسات، يهدف إلى ربط أهداف تكنولوجيا المعلومات بالأهداف الاستراتيجية للأعمال. تم تطويره من قبل ISACA (جمعية تدقيق وضبط نظم المعلومات)، ويُعد مجموعة من أفضل الممارسات والأدوات التي تساعد المؤسسات على تحقيق القيمة المثلى من استثماراتها في تكنولوجيا المعلومات، وتقليل المخاطر، وضمان الامتثال للوائح والقوانين. يُركز النموذج على خمسة مبادئ أساسية، منها تلبية احتياجات أصحاب المصلحة، وتغطية المؤسسة بالكامل، والفصل بين الحوكمة والإدارة، مما يوفر نظامًا متكاملًا وشموليًا لإدارة وحوكمة تكنولوجيا المعلومات.
إن نجاح تبني التكنولوجيا لا يعتمد فقط على خصائصها التقنية، بل على مدى ملاءمتها للإطار التنظيمي للمؤسسة. إن التغيير التكنولوجي يتطلب تغييرًا هيكليًا وإداريًا، وهو تحدٍ أكبر من مجرد شراء الأدوات.
ز. الجدة أو الحداثة (Novelty)
يركز هذا المعيار على مدى حداثة التكنولوجيا المقترحة. على الرغم من أنه يعتبر من أقل العوامل أهمية في إطار عمل SECTIONS، إلا أن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن توفر تغييراً مرحباً به عن أساليب التدريس التقليدية التي تعتمد على النصوص بشكل كبير. ويُحتمل أن يقدّر الطلاب الأصغر سناً هذه الموارد لأنهم أكثر اعتياداً على المستويات العالية من التحفيز البصري. كما أن الجدة تُشجع المعلمين على تجربة أساليب تدريس وتقنيات جديدة لتحسين ممارساتهم.
ح. السرعة (Speed)
يُعنى هذا المعيار بمدى سرعة إطلاق الدورات التدريبية ومدى سهولة تعديل المحتوى. على سبيل المثال، قد تكون الموارد التعليمية التي تم تطويرها باستخدام تقنية Flash، والتي كانت شائعة سابقاً، تستغرق وقتاً طويلاً لإنتاجها ويصعب تعديلها مقارنة بصفحات HTML القياسية. ومع ذلك، يمكن للتطورات في البرمجة واستخدام قوالب XML أن تجعل تغيير المحتوى أسهل وأسرع داخل هذه التقنيات.

التطبيق العملي لنموذج SECTIONS
خطوات التطبيق:
- تحديد التكنولوجيا المراد تقييمها: على سبيل المثال، منصة تعليمية، أداة تعليمية رقمية، أو برنامج محاكاة.
- جمع المعلومات: بيانات عن الطلاب، الموارد المتاحة، التكاليف، البنية التحتية، خبرة المعلمين.
- تقييم كل بعد من أبعاد SECTIONS:
- Students: هل جميع الطلاب يمكنهم الوصول إلى التكنولوجيا؟
- Ease of Use: هل يحتاج الطلاب أو المعلم إلى تدريب مكثف؟
- Costs: ما تكلفة الترخيص والصيانة والتدريب؟
- … وهكذا لكل بعد.
- مقارنة النتائج: اختيار التكنولوجيا التي تحقق أكبر توازن بين الأبعاد.
- اختبار تجريبي: تجربة قصيرة للطلاب لمعرفة مدى الفاعلية العملية.
- اتخاذ القرار النهائي: اعتماد التكنولوجيا التي أثبتت جدواها وتوافقها مع الاحتياجات التعليمية.
مثال تطبيقي:
دراسة حالة حول دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم
لتوضيح القيمة العملية لنموذج SECTIONS، يمكن تطبيق إطاره على تقييم تكنولوجيا حديثة ومبتكرة مثل أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم، بالنظر إلى حالات تطبيقية واقعية.
السرعة (Speed): يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في زيادة سرعة العمليات التعليمية. يمكنه أتمتة مهام التقييم بشكل أسرع ، وتوليد مقاطع فيديو تدريبية في جزء بسيط من الوقت اللازم للإنتاج التقليدي ، وتقديم إجابات سريعة ودقيقة لاستفسارات الطلاب.
الطلاب (Students): يساهم الذكاء الاصطناعي في توفير تجارب تعليمية مخصصة للطلاب، حيث يستطيع تحليل بيانات أداء الطلاب وتفضيلاتهم السلوكية لتعديل صعوبة المهام ومستوى الشرح وفقًا لاحتياجات كل طالب. هذا التخصيص يساعد على تحقيق نتائج تعليمية أفضل ويضمن الإنصاف لجميع الطلاب. في معهد جورجيا للتقنية، تم استخدام مساعد تدريس يعمل بالذكاء الاصطناعي للإجابة على استفسارات الطلاب في الدورات الكبيرة، مما يوفر لهم دعمًا فوريًا وفعالًا. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الشمولية، كما في حالة تطبيق “Help Me See” الذي يستخدم رؤية الكمبيوتر لمساعدة الطلاب ضعاف البصر على التنقل بشكل مستقل داخل الحرم الجامعي.
سهولة الاستخدام (Ease of Use): تختلف سهولة الاستخدام من أداة إلى أخرى. بعض الأدوات مثل منصة “Synthesia” لإنشاء مقاطع فيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي، توفر سهولة كبيرة في الاستخدام، مما يقلل الحاجة إلى الكاميرات والاستوديوهات وخبرات التحرير. في المقابل، قد تتطلب بعض الأدوات الأخرى مثل “العصابات الرأسية” لمراقبة تركيز الطلاب، جهدًا إضافيًا من المعلمين للتعامل معها وتطبيقها.
التكلفة (Costs): يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون حلاً فعالاً من حيث التكلفة، مثلما حدث مع Berlitz التي استخدمت Azure AI Speech لتوفير ميزة توليد أصوات فعالة من حيث التكلفة، مما سمح لها بالوصول إلى آلاف المتعلمين الجدد. ومع ذلك، فإن التحديات المتعلقة بالتمويل ونقص الموارد المالية لا تزال تمثل عائقاً أمام تبني هذه التقنيات على نطاق واسع.
وظائف التدريس والتعلم (Teaching and Learning Functions): يعمل الذكاء الاصطناعي كعامل مساعد للمعلمين، حيث يمكنه أتمتة مهام إدارية روتينية مثل تقييم الاختبارات وتقديم الملاحظات. كما يمكنه تحليل بيانات الطلاب لمساعدة المعلمين على اتخاذ قرارات قائمة على الحقائق، وتصميم خطط تعليمية مخصصة، وتوليد محتوى تعليمي مصمم خصيصًا لتلبية احتياجات كل طالب.
التفاعل (Interactivity): يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة للتفاعل لم تكن ممكنة سابقًا، مما يتيح للطلاب التفاعل مع المحتوى بطرق مبتكرة. يمكن لأدوات مثل “EDU” و”LUie”، التي تم تطويرها في جامعات مثل EUDE و Loyola، أن تعمل كمساعدين افتراضيين يجيبون على الاستفسارات الإدارية والأكاديمية باستخدام معالجة اللغة الطبيعية في الوقت الفعلي، مما يحسن تجربة الطلاب.
القضايا التنظيمية (Organizational Issues): يواجه دمج الذكاء الاصطناعي تحديات تنظيمية كبيرة، مثل قضايا أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات، والتحيز. يجب على المؤسسات التعليمية وضع خطط واضحة لدمج الذكاء الاصطناعي لضمان توافقه مع رؤيتها وأهدافها طويلة الأجل، بالإضافة إلى الالتزام بقوانين الخصوصية مثل FERPA وCOPPA.
الجدة أو الحداثة (Novelty): يُعد الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا حديثة ومبتكرة، وهو ما يمثل عاملًا جذابًا في حد ذاته. هذه الجدة يمكن أن تحفز المعلمين على استكشاف أساليب تدريس جديدة ، وتسمح بتنفيذ مهام لم تكن ممكنة من قبل، مثل إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد أو محاكاة.
نموذج SECTIONS في مقابل نماذج دمج التكنولوجيا في التعليم
على الرغم من قوة نموذج SECTIONS، فإنه ليس بلا حدود، خاصة في سياق التطورات التكنولوجية السريعة. قد لا تكون بعض المعايير كافية لتقييم التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أو الواقع الافتراضي، والتي تتطلب أبعادًا إضافية مثل “الخوارزمية” و “التحيز”. هذا يؤكد أن النموذج ليس ثابتًا، بل يحتاج إلى التكييف والتطوير المستمر، وهو ما أشار إليه بيتس نفسه.
للحصول على فهم أعمق، يمكن مقارنة نموذج SECTIONS بنموذج آخر شائع في التصميم التعليمي، وهو نموذج ASSURE، وهو من نماذج التعليم المدعم بالتكنولوجيا والذي سبق تناوله في مقال سابق يمكن الوصول إليه عبر الرابط
يُعد نموذج ASSURE إطارًا تعليميًا يهدف إلى مساعدة المعلمين والمصممين التعليميين على تخطيط وتصميم الدروس التي تتضمن استخدام الوسائل والتكنولوجيا التعليمية بفاعلية. يتكون النموذج من ست خطوات متسلسلة، كل خطوة تبدأ بحرف من حروف كلمة ASSURE:
- Analyze Learners (تحليل المتعلمين): فهم خصائص الطلاب واحتياجاتهم.
- State Standards and Objectives (تحديد المعايير والأهداف): تحديد أهداف التعلم بوضوح.
- Select Strategies and Media (اختيار الاستراتيجيات والوسائل): اختيار الطرق والأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف.
- Utilize Media and Materials (استخدام الوسائل والمواد): تنفيذ الخطة واستخدام الوسائل.
- Require Learner Participation (تفعيل مشاركة المتعلمين): ضمان تفاعل الطلاب مع المحتوى.
- Evaluate and Revise (التقييم والمراجعة): تقييم فعالية الدرس وإجراء التعديلات اللازمة. هذا النموذج يضمن أن عملية اختيار واستخدام الوسائل التعليمية تتم بشكل منهجي وموجه نحو تحقيق الأهداف التعليمية.
يوضح الحدول التالي المقارنة بين نموذج آشور ونموذج سكشن وفقا للهدف أو الغرض من كل منهما والجمهور المستهدف بالنموذج ونطاق التطبيق ، ومكونات كل منهما.

يوضح الجدول أن النموذجين غير متعارضين، بل يكملان بعضهما البعض على مستويات مختلفة من العملية التعليمية. نموذج ASSURE يساعد المعلم في التخطيط التفصيلي، بينما نموذج SECTIONS يوفر إطارًا أوسع لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
نموذج SECTIONS مقابل SAMR و TPACK
نموذج SAMR، الذي ابتكره الدكتور روبن بوينتدورا (Ruben Puentedura)، هو إطار عمل يصف أربعة مستويات من دمج التقنية في التعليم، من الاستبدال البسيط إلى إعادة التعريف الكاملة. يهدف النموذج إلى مساعدة المعلمين على التفكير في كيفية استخدام التقنية ليس فقط لتعزيز التدريس، بل لتحويله جذريًا. ويتكون النموذج من أربعة عناصر هي:
- Substitution (الاستبدال): استخدام التكنولوجيا كبديل مباشر لوسيلة تقليدية، دون تغيير في الوظيفة. مثال: استخدام ملف PDF بدلاً من كتاب ورقي.
- Augmentation (التعزيز): استخدام التقنية لإضافة تحسينات وظيفية على المهمة. مثال: إضافة روابط تفاعلية أو وسائط متعددة لملف PDF.
- Modification (التعديل): إعادة تصميم جذرية للمهمة التعليمية. مثال: تكليف الطلاب بإنشاء مدونة أو بودكاست بدلاً من كتابة تقرير ورقي.
- Redefinition (إعادة التعريف): إنشاء مهام جديدة لم تكن ممكنة على الإطلاق بدون التقنية. مثال: تعاون الطلاب مع خبراء من حول العالم في مشروع افتراضي.
على الجانب الآخر يعد نموذج TPACK، المطور من قبل بونيا ميشرا (Punya Mishra) وماثيو كوهلر (Matthew Koehler)، هو إطار عمل يصف المعرفة المعقدة التي يحتاجها المعلم لدمج التقنية بفعالية. يركز النموذج على ثلاثة أنواع من المعرفة وكيفية تداخلها:
- معرفة المحتوى (CK): المعرفة المتعمقة بالموضوع الدراسي.
- المعرفة التربوية (PK): معرفة أساليب التدريس وكيفية تعلم الطلاب.
- المعرفة التكنولوجية (TK): معرفة كيفية استخدام الأدوات والتقنيات.

يلاحظ من المقارنة السابقة أنه ينما يهدف SECTIONS إلى المساعدة في اختيار الوسائل التكنولوجية، فإن SAMR وTPACK يركزان على كيفية استخدامها في التعليم. كما نلاحظ أن هذه النماذج ليست متنافسة بل متكاملة، وكل منها يخدم غرضًا مختلفًا في مسار دمج التكنولوجيا في التعليم.
تشير المقارنة بين النماذج الأربعة إلى عدم وجود نموذج واحد مثالي يغطي جميع جوانب دمج التكنولجيا في التعليم. كل نموذج له نقاط قوة ونطاق تطبيق محدد، واختياره يعتمد على السياق والهدف من القرار. وتظهر القيمة الحقيقية في رؤية هذه النماذج كأدوات متكاملة تعمل في مستويات مختلفة من عملية دمج التقنية:
- على المستوى الاستراتيجي: يمكن للمؤسسات التعليمية أن تبدأ باستخدام نموذج SECTIONS لتقييم الواسائل التكنولوجية الجديدة. هذا النموذج يجبر صانعي القرار على التفكير في جميع العوامل الحاسمة، بدءًا من التكلفة الإجمالية (C) والقضايا التنظيمية (O) وصولاً إلى اعتبارات الأمان والخصوصية والسرعة (S). هذا يضمن أن أي قرار بتبني تقنية جديدة هو قرار مدروس ومبني على أسس صلبة.
- على مستوى تطوير المعلم: يجب على المؤسسات أن تستثمر في برامج التطوير المهني للمعلمين بناءً على إطار عمل TPACK. هذا يضمن أن المعلم لا يكتسب مجرد مهارات تشغيل التقنية، بل يطور فهمًا عميقًا لكيفية دمج هذه التقنية مع محتواه الدراسي وأساليبه التربوية لخلق تجارب تعليمية ذات معنى.
- على مستوى تصميم الدرس: يمكن للمعلمين استخدام نموذج SAMR كعدسة للتفكير في كيفية استخدام التكنولوجيا. بدلاً من الاكتفاء بالاستبدال البسيط، يمكن لـ SAMR أن يحفزهم على التفكير في إعادة تصميم المهام التعليمية لتقديم تجارب أكثر ثراءً. وفي الوقت نفسه، يُعد نموذج ASSURE دليلاً عمليًا خطوة بخطوة لتخطيط درس معين، مما يضمن أن كل خطوة من التخطيط إلى التقييم تتم بشكل منهجي وفعال.
المراجع
Bates, A. W. (2015). Teaching in a Digital Age: Guidelines for designing teaching and learning (2nd ed.). Tony Bates Associates Ltd.
Bates, A. W. (Tony). (2015). Chapter 8: Choosing and using media in education: the SECTIONS model. Retrieved from https://opentextbc.ca/teachinginadigitalage/part/9-pedagogical-differences-between-media/
Bates, A. W. (Tony). (2015). Chapter 9: Choosing and using media in education: the SECTIONS model. Retrieved from https://pressbooks.bccampus.ca/teachinginadigitalagev2/part/9-pedagogical-differences-between-media/
Bit, D., et al. (2024). The Impact of Artificial Intelligence in Educational System. International Journal of Scientific Research in Science and Technology, 11(4), 419-427.https://www.researchgate.net/publication/383677239_The_Impact_of_Artificial_Intelligence_in_Educational_System
Koper, R. (2014). The SECTIONS model: The theoretical foundations. Journal of Educational Technology Systems, 42(1), 45-63.
Liu, Q., Geertshuis, S., & Grainger, R. (2020). Understanding academics’ adoption of learning technologies: A systematic review. Computers & Education, 151, 103857. doi: 10.1016/j.compedu.2020.103857
O’Neill, S., & McMahon, M. (2011). Evaluating educational technology adoption: A comparative review of models. Educational Technology Research & Development, 59(2), 263-286. https://www.researchgate.net/publication/346888543_Technology_Adoption_in_Education_A_Systematic_Literature_Review
Sadeck, O. (2022). Technology Adoption Model: Is Use/Non-use a Case of Technological Affordances or Psychological Disposition or Pedagogical Reasoning in the Context of Teaching During the COVID-19 Pandemic Period? Front. Educ., 7, 906195. doi: 10.3389/feduc.2022.906195, https://www.frontiersin.org/journals/education/articles/10.3389/feduc.2022.906195/full
SECTIONS Model – Assessing Technologies in the Classroom. (n.d.). Retrieved from https://scarfedigitalsandbox.teach.educ.ubc.ca/sections-model-assessing-technologies-in-the-classroom/