عرض ومراجعة : دز مصطفى جودت صالح
يتناول الكتاب المُعنون “التعلم المنظم ذاتياً: المفهوم والتصورات النظرية” للكاتب الدكتور إبراهيم بن عبد الله الحسينان موضوعًا هامًا في علم النفس التربوي، وهو التعلم المنظم ذاتيًا (Self-Regulated Learning). يهدف هذا العمل إلى تقديم مراجعة أكاديمية شاملة للمفهوم، ونشأته، ونظرياته، ونماذجه، واستراتيجياته، مسدًا بذلك حاجة الباحث العربي إلى مرجعٍ متخصصٍ في هذا المجال.
الكتاب، صدر عام 1438 هـ (2017 م) كجزء من سلسلة “كتاب المجلة العربية” (العدد 244)، هو نتاج بحثٍ وتأليفٍ للدكتور إبراهيم بن عبد الله الحسينان. يُعرّف الكاتب بأنه حاصل على درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ودرجتي الماجستير والدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، على التوالي. وقد شغل مناصب أكاديمية وإدارية متعددة، مما يعكس خبرته الواسعة في المجال.
يأتي الكتاب في 150 صفحة ، ويتولى نشره المجلة العربية ، وهي جهة لها عنوان ومقر في الرياض، بالمملكة العربية السعودية
الهدف من العمل وأهم موضوعاته
يهدف الكتاب إلى سد الفجوة في المراجع العلمية العربية التي تتناول المفاهيم الحديثة لتعلم الطلاب. يركّز على توضيح مفهوم التعلم المنظم ذاتيًا، ونشأته، وتطوره، وأهميته في مجال تعليم الطلاب. كما يسعى إلى استعراض النظريات العلمية التي تناولت هذا المفهوم، وتقديم نماذج متمايزة تُكمّل بعضها البعض، مع التركيز على أهمية استثمار هذه المعرفة في مساعدة الطلاب على تخطي الصعوبات التعليمية. ينقسم المحتوى إلى أربعة فصول رئيسية:
لفصل الأول: التعلم المنظم ذاتيًا: يستعرض نشأة المفهوم وأهميته، ويُقدّم مقارنةً بينه وبين التعلم التقليدي. يوضّح الكاتب أن التعلم المنظم ذاتيًا يُعدّ أحد أهم التوجهات الحديثة في سياق التعلم الذاتي.
الفصل الثاني: التصور النظري للتعلم المنظم ذاتيًا: يتناول النظريات التي حاولت تفسير التعلم المنظم ذاتيًا، مثل:
- النظرية السلوكية: وتستمد تصورها من أعمال “سكنر” في التعزيز.
- نظرية التطور المعرفي: وتُسلّط الضوء على أعمال “فيجوتسكي” ودور اللغة والحديث الذاتي في تنظيم الذات.
- النظرية المعرفية الاجتماعية: وتُركّز على أفكار “باندورا” والحتمية التبادلية بين الذات والسلوك والبيئة.
- نظرية معالجة المعلومات: وتعتبر التعلم المنظم ذاتيًا مرادفًا لـ “ما وراء المعرفة”.
- المنحى الظاهراتي: ويُفسّر التعلم المنظم ذاتيًا بالتركيز على دور “الذات” كعاملٍ رئيسيٍ في التوجيه والتنظيم.
الفصل الثالث: نماذج التعلم المنظم ذاتيًا: يُقدّم خمسة نماذج نظرية رئيسية، مع استعراض الافتراضات المشتركة بينها. تشمل هذه النماذج:
- نموذج “بينتريش” المعرفي الاجتماعي.
- النموذج الثلاثي لـ “زيمرمان”.
- نموذج “بوكيرتس” للتعلم القابل للتعديل.
- نموذج المراحل الأربع لـ “وين”.
- نموذج “بوركوسكي” الموجه نحو العملية.
الفصل الرابع: مراحل ومجالات التعلم المنظم ذاتيًا واستراتيجياته: يصف المراحل التي يمر بها المتعلم المنظم لذاته، مثل: وضع الأهداف والتخطيط، المراقبة الذاتية، التحكم والتنظيم، وردود الأفعال الذاتية. كما يُقدّم مجموعةً متنوعةً من الاستراتيجيات المعرفية، والدافعية، والسلوكية، والسياقية، التي يمكن للمتعلم استخدامها لتحسين تعلمه
جوانب القوة في العمل
- الشمولية والمنهجية: يُقدّم الكتاب مراجعةً أكاديميةً شاملةً لمفهوم التعلم المنظم ذاتيًا، فهو لا يكتفي بتعريفه فقط، بل يتتبع نشأته، ويستعرض أهم النظريات التي حاولت تفسيره، ويُحلّل أبرز النماذج التي طُورت في هذا المجال، كما يوضح المراحل والاستراتيجيات التطبيقية لهذا النوع من التعلم.
- التأصيل النظري: يربط الكتاب بين التعلم المنظم ذاتيًا وبين النظريات الكبرى في علم النفس التربوي (السلوكية، التطور المعرفي، المعرفية الاجتماعية، معالجة المعلومات، والظاهراتية)، مما يُعطي القارئ فهمًا عميقًا للجذور النظرية للمفهوم.
- غزارة المراجع: يعتمد المؤلف على عددٍ كبيرٍ من المراجع العربية والأجنبية الحديثة (في غالبيتها)، مما يُضفي على العمل موثوقيةً علميةً عالية. هذه المراجع تُعتبر مصدرًا ثمينًا للباحثين والطلاب المتخصصين في هذا المجال.
- التنظيم الواضح: يتّسم الكتاب بتنظيمٍ منطقيٍ للمحتوى، حيث يُخصّص كل فصلٍ لجانبٍ محدد من جوانب الموضوع. استخدام الجداول (مثل الجدولين 1-1 و2-1) يُسهّل المقارنة بين المفاهيم المختلفة ويوضح الفروق بينها بفعالية.
- القيمة التطبيقية: لا يقتصر العمل على الجانب النظري فحسب، بل يُقدّم استراتيجياتٍ عمليةً يمكن للمعلمين والطلاب الاستفادة منها. كما يوضّح دور المعلم كمسؤولٍ عن توجيه الطلاب نحو أحدث المعارف حول كيفية التعلم.
نقاط التحسين المقترحة
اللغة والمصطلحات: على الرغم من أن اللغة أكاديمية ودقيقة، إلا أن بعض الجمل قد تبدو مُعقّدة أو طويلة، مما قد يُصعّب على القارئ غير المتخصص فهمها. يُمكن تبسيط بعض الصياغات لزيادة وضوح النص، مثل: “فالنشاط العقلي يظهر مرتين أو على جانبين، يظهر أولاً بين الأفراد كنظام تفاعل عقلي ثم داخل الطفل كنظام عقلي ذاتي”.
التكرار في المحتوى: يُلاحظ وجود بعض التكرار في المعلومات، خاصةً عند الحديث عن النظريات والنماذج. على سبيل المثال، يتم ذكر استراتيجياتٍ مثل “تنظيم الجهد” و”طلب المساعدة” في أكثر من موضعٍ (في الفصل الثاني عند الحديث عن النظريات، وفي الفصل الرابع عند الحديث عن الاستراتيجيات). يُمكن دمج هذه النقاط أو الإشارة إليها بشكلٍ مُحكمٍ أكثر لتجنب الإطالة.
أمثلة توضيحية إضافية: على الرغم من أن الكتاب يُقدّم بعض الأمثلة الجيدة، إلا أن إضافة المزيد من الأمثلة الواقعية والملموسة من بيئات التعليم العربية ستعزز من فهم القارئ وتُقرّب المفاهيم النظرية. يمكن أن تُظهر هذه الأمثلة كيف يُطبّق الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة هذه الاستراتيجيات في حياتهم اليومية.
تحليل نقدي أعمق للنماذج: يُقدّم الكتاب عرضًا ممتازًا للنماذج، ولكنه يفتقر إلى التحليل النقدي العميق الذي يُقارن بينها بشكلٍ أكثر تفصيلًا من حيث الأُسس، والفروق، والإسهامات الفريدة لكل نموذج. يمكن أن يُخصّص قسمٌ أعمق في نهاية فصل النماذج (الفصل الثالث) لتقديم هذا النوع من التحليل.
كلمة أخيرة
يُعتبر كتاب “التعلم المنظم ذاتيًا” للدكتور إبراهيم الحسينان إضافةً أكاديميةً قيمةً للمكتبة العربية، فهو يُقدّم مرجعًا شاملاً ومُتكاملًا في مجالٍ تزداد أهميته يومًا بعد يوم. لقد نجح المؤلف في جمع وتلخيص عددٍ كبيرٍ من الأفكار والنظريات المعقدة بأسلوبٍ منهجيٍ ومُحكم. ورغم بعض نقاط التحسين المتعلقة بالتكرار وأسلوب العرض، إلا أن العمل يُشكّل مرجعًا لا غنى عنه للباحثين، والمختصين في علم النفس التربوي، والمعلمين، والطلاب، الذين يسعون إلى فهم وتطبيق استراتيجيات التعلم الفعال في العصر الحديث.