الذكاء الاصطناعي التوليدي: المفهوم ، تحديات الاستخدام، قواعد التفاعل والاستفادة

بقلم:

محمد عبدالفتاح محمد
مصمم ومطور محتوى تعليمي
ماجستير تكنولوجيا التعليم والمعلومات

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي لرجل بهوية عربية يحمل ورد طائفي بأسلوب الفنان فان جوخ –  Midjourney 

يعدّ العالم الرقمي يومًا بعد يوم منصةً للابتكارات الثورية التي تغيّر شكل حياتنا وطريقة تفكيرنا، ومن بين هذه الابتكارات الرائجة التي أحدثت ثورةً حقيقية في العالم التكنولوجي، يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي بقوة كبيرة. إنه عبارة عن فرع مذهل من الذكاء الاصطناعي الذي يحمل وعودًا جديدة وإمكانيات مذهلة لتغيير وجه العالم، يتسم الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على فهم البيانات وتحليلها بشكلٍ أكثر تعقيدًا، مما يمكنه من ابتكار محتوى جديد، وتوليد صور ونصوص وحتى أعمال فنية، تبدو كما لو أنها من صنع إنسان.

في المقال الحالي، ومقال تالي له – بإذن الله – سنخوض في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي، نكتشف مفهومه وكيفية عمله، ونلقي نظرة على التطبيقات العملية التي يمكن أن يُحدثها في مجالات متنوعة كالطب، والفنون، والعلوم، وغيرها، مما يجعله جزءًا حيويًا من مستقبل التكنولوجيا والابتكار.

يعد الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) “مجال في علوم الحاسب الآلي يهتم بتصميم وتطوير الأنظمة والبرامج التي تمتلك القدرة على القيام بمهام تعتبر ذكاءً بشريًا، يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تطوير نماذج وأنظمة تتعلم وتتكيف وتتفاعل بشكل مشابه لكيفية عمل العقل البشري. وتتميز تطبيقات الذكاء الاصطناعي بقدرتها على التعلم باستمرار من التجارب الجديدة والوصول إلى الاستدلالات بناءً على التجارب السابقة التي تأتي في شكل بيانات، حيث يتم تعليم الآلة كيفية إجراء مهام بعينها بناءً على ما تعلمته الآلة من هذه البيانات. وتتضمن مجالات الذكاء الاصطناعي تصميم وتطوير الخوارزميات والنماذج الرياضية والنماذج الحسابية التي تمكن الأنظمة الذكية من استيعاب البيانات، وتحليلها، واستخلاص المعرفة والأنماط منها، واتخاذ القرارات الذكية بناءً على هذه المعرفة.

يعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة متنوعة من التقنيات مثل التعلم الآلي، والتعلم العميق، والشبكات العصبية الاصطناعية، والتعلم التعاوني، والاستدلال الآلي، والتعرف على الأنماط، ومعالجة اللغة الطبيعية، وغيرها من التقنيات. كما يهدف إلى إنشاء أنظمة تكنولوجية تكتسب القدرة على التعلم من البيانات والتفكير واتخاذ القرارات وحل المشكلات بشكل ذكي، مما يسمح لها بتنفيذ المهام المعقدة والتفاعل مع البيئة بطريقة تشبه البشر. ويتم تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المجالات مثل الروبوتات، والتشخيص الطبي، والمركبات الذاتية القيادة، والترجمة الآلية، وتحليل البيانات، والتجارة الإلكترونية، وغيرها.

منذ البدايات الأولى للذكاء الاصطناعي، حازت فكرة إنشاء أنظمة قادرة على التفكير والتعلم على اهتمام العلماء والمهندسين. فقد بدأت الجهود في هذا المجال في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث توجه الباحثون نحو تطوير الخوارزميات والنماذج التي تمكن الحواسيب من محاكاة الذكاء البشري. ويشمل تاريخ الذكاء الاصطناعي عديد من الأحداث المهمة والابتكارات المثيرة سنتعرف على أبرز المحطات في تاريخ الذكاء الاصطناعي:

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي للعلماء جون مكارثي ومارفين مينسكي وألان نيويل –  Image Creator from Microsoft Designer – Bing

1950: في هذا العقد ظهر مفهوم الذكاء الاصطناعي: وذلك بفضل العلماء جون مكارثي ومارفين مينسكي وألان نيويل حيث قدموا نماذج رياضية للتفكير الآلي وبحثوا في إمكانية تطوير أنظمة قادرة على المضي قدمًا في مهام الذكاء.

1960: طرح نظرية الاصطناعية الضعيفة: قدم العالم جون سيرل في هذا العقد نظرية الذكاء الاصطناعي الضعيفة، والتي يعتبر الهدف منها محاكاة السلوك الذكي بدون محاكاة العملية العقلية.

1970 و1980: الانتقال إلى التطبيقات العملية: بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بشكل أكبر وتستخدم في بعض التطبيقات العملية مثل النظم الخبيرة وتطبيقات التعلم الآلي.

1990 و2000: تطور تقنيات التعلم العميق: شهد هذا العقد تقدمًا كبيرًا في مجال التعلم العميق، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي يعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية المتعددة الطبقات، هذا التطور ساهم في تحسين أداء النماذج الاصطناعية في مجالات مثل التعرف على الصوت والصورة وترجمة اللغة.

2010 وما بعده: ثورة الذكاء الاصطناعي العميق: في هذا العقد شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورًا سريعًا وازدهارًا كبيرًا، وذلك بفضل تقنيات التعلم العميق وزيادة قدرة المعالجة وتوفر البيانات الضخمة، تم تطبيق الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات مثل التشخيص الطبي، والمركبات ذاتية القيادة، والتجارة الإلكترونية، وألعاب الفيديو، وغيرها.

ومنذ ذلك الحين، استمر تطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، وشهدنا تطورات مثيرة مثل تطبيقات الروبوتات الذكية وتعلم الآلة وتحسينات أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التاريخ يعكس بعض المحطات الرئيسية في تطور الذكاء الاصطناعي، ولكنه ليس شاملاً لكل التطورات والابتكارات التي حدثت في هذا المجال.

مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي:

بعد استعراض مفهوم الذكاء الاصطناعي واستكشاف تاريخه المثير، نتجه الآن نحو مفهومٍ أكثر تطوراً وإثارةً يُعرف بـ “الذكاء الاصطناعي التوليدي”. فعندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي التقليدي، فإننا نشير إلى أنظمة الحوسبة التي تعتمد على القواعد والبرامج المحددة مسبقًا لتنفيذ المهام واتخاذ القرارات. ومع ذلك، يأتي الذكاء الاصطناعي التوليدي ليتجاوز هذه النماذج التقليدية ويسعى إلى تمثيل الذكاء بشكل أكثر تفاعلية وإبداعية.

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي لرجل سعودي يمسك بصقر ينظر للدرعية –  Midjourney 

ويتميز الذكاء الاصطناعي التوليدي بقدرته على إنتاج نتائج جديدة وإبداعية بدلاً من تنفيذ المهام القائمة على القواعد المحددة سلفًا، يعتمد هذا النوع من الذكاء الاصطناعي على تقنيات مثل تعلم الآلة العميق والشبكات العصبية التوليدية لتوليد محتوى جديد، مثل الصور والموسيقى والنصوص.

باستخدام تلك التقنيات، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن ينشئ أعمالًا فنية جديدة، مثل اللوحات والموسيقى ، ويولد نصوصًا مفصلة وقصصًا خيالية، ويصمم تصاميم مبتكرة للأشياء. يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي للأنظمة الحاسوبية أن تكون شريكًا إبداعيًا بحق، حيث يمكنها إنتاج محتوى جديد ومبتكر بشكل ذاتي.

ومثال على الذكاء الاصطناعي التوليدي هو إنشاء النصوص ذاتية الكتابة، حيث يمكن للنماذج التوليدية أن تكتب نصوصًا جديدة بشكل آلي وتناسب الأسلوب والمحتوى المطلوب، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء صور وفيديوهات وأصوات جديدة، وحتى في تصميم الشخصيات الافتراضية والعوالم الافتراضية.

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي إنشاء النصوص ذاتية الكتابة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي  –  Image Creator from Microsoft Designer – Bing

ومازالت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مجالًا نشطًا في البحث والتطوير حاليًا، وتوجد العديد من التطبيقات العملية التي تستخدمها الشركات والمؤسسات في مجالات مثل الإعلانات، والتصميم الإبداعي، والترفيه، والفنون، والتسويق، وغيرها.

وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي حققه الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أنه ما زال يواجه تحديات كبيرة. واحدة من هذه التحديات هي توافر البيانات الكافية والجودة العالية التي يمكن للنماذج التوليدية الاستفادة منها. فعندما نتحدث عن إنشاء صور أو موسيقى جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتطلب ذلك توفر مجموعات ضخمة من البيانات المتنوعة والمناسبة. وهذا يشكل تحديًا في التجميع وتنظيف وتصنيف البيانات بطريقة تمكن النماذج التوليدية من التعلم الفعال وإنتاج النتائج المرجوة.

تحديات الاستخدام

باختصار فأن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يواجه عددًا من التحديات، من بينها:

1. جودة النتائج: التحدي الأساسي هو تحقيق جودة عالية في النتائج التي ينتجها النظام التوليدي. يجب أن تكون النتائج متناسقة ومفهومة وخالية من الأخطاء والتشويشات.

2. فهم السياق والتعبير: يعد فهم السياق والقدرة على التعبير بشكل طبيعي تحديًا. يجب على النظام التوليدي أن يفهم السياق المحيط وأن يتمكن من توليد محتوى يعبر بشكل دقيق عن المعنى المراد.

3. التحليل الأخلاقي والمسائل القانونية: يثير استخدام التقنيات التوليدية مسائل أخلاقية وقانونية مثل التلاعب بالمعلومات والتزوير. يجب وضع إطار أخلاقي وقانوني ينظم استخدام هذه التقنيات ويضمن النزاهة والمسؤولية في الاستخدام.

4. الاعتمادية والثقة: يجب أن يكون النظام التوليدي موثوقًا ويمكن الاعتماد عليه. يجب أن يتمتع بقدرة على توليد النتائج الموثوقة والدقيقة وأن يتجنب إنتاج محتوى مضلل أو غير صحيح.

5. النقص في البيانات والتدريب: يحتاج النظام التوليدي إلى كمية كبيرة من البيانات للتدريب عليها. قد يكون من الصعب العثور على مجموعات بيانات كافية ومتنوعة لتدريب النماذج التوليدية بشكل جيد، وخاصة في المجالات ذات الندرة أو المحدودة المصادر.

6. تحقيق التوازن بين الإبداع والدقة: يجب أن يكون النظام التوليدي قادرًا على تحقيق التوازن بين الإبداع والدقة. يجب أن يتمكن من توليد محتوى مبتكر وجديد وفي الوقت نفسه يحقق المعلوماتية والدقة المطلوبة.

هذه بعض التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وتعمل الأبحاث والتطورات المستمرة على تجاوز هذه التحديات وتحسين أداء الأنظمة التوليدية وتعزيز قدراتها في المستقبل.

قواعد التفاعل والاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي

هذا الجزء يأتي ليربط بين المفاهيم والتقنيات التي تم تناولها في المواضيع السابقة ويسلط الضوء على كيفية تفاعلنا مع هذه التكنولوجيا واستغلال مزاياها بشكل فعال. حيث يتطلب التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي فهم قواعد التفاعل والاستفادة من الإمكانات التي يقدمها، سنتعرف سويا على بعض النصائح والنقاط الهامة التي يجب مراعاتها للتعامل مع الذكاء التوليدي وتلقي المعلومات منه:

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي المسؤولية الاجتماعية والقانونية للذكاء الاصطناعي –  Image Creator from Microsoft Designer – Bing
  1. الوعي بالطبيعة التوليدية للمعلومات: يجب أن تضع في اعتباراتك أن المعلومات التي تصدر عن نظام توليدي هي نتاج توليد آلي وليست ذات طبيعة بشرية، بالتأكيد قد تحتوي على أخطاء وتشويشات، وقد يكون هناك حاجة للتحقق من دقتها وأن تتحقق من المعلومات من مصادر أخرى.
  2. إعطاء تعليمات واضحة: عند طلب معلومات من الذكاء التوليدي، تأكد من توفير تعليمات واضحة ومحددة للحصول على النتائج المرغوبة.
  3. التحليل النقدي والتقييم الذاتي: ينبغي عليك التعامل مع المعلومات التوليدية بروح نقدية ويقظة، يجب أن تقيم المعلومات وتتحقق من صحتها ومصداقيتها من خلال مصادر موثوقة أخرى والتأكد من عدم وجود أخطاء أو تحيزات.
  4. التحكم في الاستخدام: يجب أن تستخدم المعلومات التوليدية بحكمة وتحت مسؤولية، ينبغي أن تتوخي الحذر في استخدامها في قرارات هامة أو حساسة والاعتماد على المعلومات الأكثر موثوقية ومصداقية.
  5. التفاعل والتعاون مع الذكاء الاصطناعي: يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي التوليدي كوسيلة للتفاعل والتعاون، يمكن استخدامه لمساعدتنا في البحث عن المعلومات وتحليلها، ولكن يجب أن يتم توجيه هذه المعلومات بشكل صحيح لتحصل على النتائج المرجوة.
  6. المسؤولية الاجتماعية والقانونية: يجب أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وتبادل المعلومات المتولدة منه بمسؤولية واحترام للأعراف والقوانين القائمة، يجب أن تلتزم الجهات المعنية بمعايير الأخلاق والخصوصية وحماية البيانات

باختصار، يُنصح بمواجهة المعلومات التوليدية بروح نقدية، والتحقق من صحتها ومصداقيتها، واستخدامها بحكمة، والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية والقانونية في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

المراجع

  • سلوين، ن. (2020). قيامة الذكاء الاصطناعي في التعليم: هل يجب أن تحل الروبوتات محل المعلمين؟. دار الروافد الثقافية.
  • Ford, M. (2022). الذكاء الاصطناعي والروبوتات وكيف ستغير كل شيء. الدار العربية للعلوم.
  • كريمة محمد، أسماء محمد. (2020). تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومستقبل تكنولوجيا التعليم. المجموعة العربية للتدريب.
  • الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).
  • Chan, C.K.Y. (2023). A Comprehensive AI Policy Education Framework for University Teaching and Learning. https://arxiv.org/abs/2305.00280
  • Giannini, S. (2023). Generative AI and the future of education. UNESCO. https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000385877?posInSet=1&queryId=N-EXPLORE-2f68c728-24ed-47be-9250-581e3bc34bb6
  • Mollick, E.R., & Mollick, L. (2023). Using AI to Implement Effective Teaching Strategies in Classrooms: Five Strategies, Including Prompts. https://ssrn.com/abstract=4391243
  • Miao, F., & Holmes, W. (2023). Guidance for generative AI in education and research. UNESCO. https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000386693
  • Next Level Lab. (2023). Navigating A World of Generative AI: Suggestions for Educators. https://nextlevellab.gse.harvard.edu/2023/07/28/navigating-a-world-of-generative-ai-suggestions-for-educators/
  • Su, J., & Yang, W. (2023). Unlocking the Power of ChatGPT: A Framework for Applying Generative AI in Education. ECNU Rev. Educ., 6, 355–366. https://doi.org/10.1177/20965311231168423
  • Nguyen, A., Ngo, H.N., Hong, Y., Dang, B., & Nguyen, B.-P.T. (2023). Ethical principles for artificial intelligence in education. Open Access, 28, 4221–4241.
  • Carvalho, L., Martinez-Maldonado, R., Tsai, Y.S., Markauskaite, L., & de Laat, M. (2022). How can we design for learning in an AI world? Computers and Education: Artificial Intelligence. https://doi.org/10.1016/j.caeai.2022.100053.
  • Grobe, C. (2023). Why I’m not scared of ChatGPT. The Chronicle of Higher Education. https://www.chronicle.com/article/why-im-not-scared-of-ChatGPT
  • Hsu, Y.C., & Ching, Y.H. (2023). Generative Artificial Intelligence in Education, Part Two: International Perspectives. TechTrends, 1-6.
  • Lancaster, T. (2023). Artificial intelligence, text generation tools and ChatGPT–does digital watermarking offer a solution? International Journal for Educational Integrity, 19(1), 10

عن كاتب حر

حساب يجمع الكتاب من خارج فريق تحرير بوابة تكنولوجيا التعليم
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات