مراجعة كتاب؛ كيف يحدث التعلم: الأعمال الأساسية في علم النفس التربوي وما تعنيه عمليا

How Learning Happens: Seminal Works in Educational Psychology and What They Mean in Practice

مراجعة : د. مصطفى جودت صالح .

إن أي مجال علمي أكاديمي يقوم على أعمال تأسيسية وريادية ساعدت على رسم ملامح هذا العلم ووجهت الأعمال البحثية والجهود العلمية التالية في هذا المجال. ورغم ذلك يصعب الاتفاق تماما على الأعمال الرئيسية في بعض مجالات العلوم الإنسانية والاجماعية، فلو تحدثنا مثلا عن مجال علم النفس التعليمي وطلبنا من بعض أساتذة المجال حصر الأعمال التي رسمت ملامح هذا المجال ومدارسه فلن يتفق إثنان من الأكاديميين بنسبة 100% على تلك الأعمال حيث سيتطرق كل أستاذ للأعمال التي تتفق مع وجهة نظره أو أثرت به شخصيا. لكن لو طلبنا من باحث في الإنتاج الفكري أن يحلل ويؤصل للأعمال في المجال فإنه بلا شك سيلجأ لوسيلة علمية حيادية لاختيار تلك الأعمال ربما كان عدد الاستشهادات المرجعية أو حتى التصويت لتلك الأعمال في استطلاع رأي المتخصصين في المجال وقياس نسب الاتفاق بينهم، وهكذا.

على جانب آخر فإن الدارس لأي مجال علمي يحتاج أن يعرف لماذا يدرس هذا التخصص. فمن المشكلات التي واجهتني شخصيا أثناء دراستي الجامعية المبكرة أني كنت أرى مادة علم النفس التربوي من المواد المعتمدة على الحفظ والموغلة في استعراض الجوانب التاريخية والتي لا أرى لها تطبيقا واضحا في ذهني على أرض الواقع، لكن مع تقدمي في الدراسة ودراستي لتخصصات مثل التصميم التعليمي تغير رأي تماما تجاه علم النفس. ولهذا السبب تحديدا أوصي أن يتم تدريس الكتاب الذي بين أيدينا لطلاب التخصصات المرتبطة بعلم النفس كالمناهج وطرق التدريس وتكنولوجيا التعليم لأن هذا الكتاب لا يقدم نظريات التعلم وتطورها بقدر ما يقدم الأعمال البحثية التي أوضحت كيفية حدوث التعلم وكيف نستفيد من نتائجها في الجوانب العملية، فهو يجيب ببساطة على سؤال مر به أغلب الدارسين لمجال علم النفس وهو؛ لماذا أدرس هذا ؟. كما أن الكتاب في صياغته البسيطة والمباشرة في كثير من الأحيان يستهدف المعلمين بشكل رئيسي.

Kirschner, P., & Hendrick, C. (2020). How Learning Happens: Seminal Works in Educational Psychology and What They Mean in Practice. Routledge.

العمل من تأليف بول كيرشنر وكارل هندريك، ونشر في عام 2020 من قبل روتليدج Routledge في 330 صفحة تقريبا.

يقدم الكتاب نظرة شاملة على البحوث الأساسية التي أثرت على تطور الفهم الحديث لعملية التعلم وكيفية تحسينها. يتناول الكتاب 28 من أهم الدراسات والنظريات في هذا المجال، موزعة على ستة أقسام رئيسية ، تم اختيار تلك الأعمال من تخصص علم النفس التربوي، ويقدم العمل خارطة طريق لأهم نتائج تلك الدراسات التي أثرت لى فهمنا لكيفية حدوث التعلم. قسم الكتاب لستة أجزاء رئيسية يندرج تحت كل منها عددا من الفصول يتناول كل منها عملا رائدا في مجال علم النفس يقوم بوصف البحث وآثاره على الممارسة وكيف يمكن استخدامه في الفصل الدراسي والوجبات الرئيسية للمعلمين. قسم الكتاب إلى ست أجزاء أشتملت على 29 فصلا صيغت في شكل مقالات أو مراجعات لثمان وعشرين دراسة أكاديمية، قسمت الأجزاء الست للكتاب كالآتي :

  • كيف يعمل الدماغ وماذا يعني ذلك للتعلم والتدريس
  • المتطلبات الأساسية للتعلم
  • كيفية دعم التعلم
  • أنشطة المعلم
  • التعلم في السياق
  • حكايات تحذيرية وخطايا التعليم العشر المميتة.

يحتوي كل فصل من الفصول الثمانية والعشرين الأولى من الكتاب على مقال يتناول ورقة بحثية رئيسية ويقدم الكتاب ملخصًا للبحث والاستنتاجات الرئيسية وسلسلة من الاقتراحات العملية حول كيفية الاستفادة من النتائج في التدريس. فالكتاب لا يكتفي فقط بعرض الدراسة ونتائجها بل يوضح كيف للمعلم أن يستفيد منها بشكل عملي وهي نقطة تميز كبيرة لهذا العمل.

How Learning Happens: Seminal Works in Educational Psychology and What They Mean in Practice

العمل ،كما أسلفت، من الأعمال الموجهة للمعلمين وليس الباحثين في الأساس لكنه يصلح لطلاب كليات التربية كذلك فهو أشبه بدليل تطبيقي عملي مختار من مئات البحوث والدراسات في علم النفس اختار منها وحللها وعرضها مع شرح كيف نستفيد منها في مواقف تدريس عملية. وأعتقد أن هذا العمل سيكون بمثابة نقطة انطلاق لدارسي على النفس التعليمي ونظريات التعلم فهو نقطة بداية لكنها لن تكون كافية للباحثين المتخصصين. وقد أشار المؤلفان في مقدمة الكتاب إلى أنهما يتعاملان مع الدارس بأعتباره مختلف كيفا لا كما عن الخبير، بمعنى أنهم لا يريان أن الخبير في المجال قد قرأ أكثر فقط، بل أن الدارس المبتدئ في على النفس قد تكون لديه مفاهيم مختلفة يحتاج تصحيحها ولن يتم هذا التصحيح باعتباره كالبراميل الفارغة التي يتم ملئها بالمعلومات بل عن طريق عرض وتبسيط وتصحيح المفاهيم. وهم يركزون على ربط الجانب الأكاديمي النظري بالخبرات الواقعية التي يمر بها المعلمون في عملهم.

إلى جانب ذلك فإن العمل يذخر بعديد من نقاط القوة والتميز، من ذلك أن كل فصل يبدأ بملخص للورقة البحثية ثم مبررات دراستها وتبنى هذه الدراسات على مدى خدمة استفادتنا كمعلمين من نتائج هذه الدراسة. وفي نهياية المقال يحال القارئ إلى مصادر أخرى ليتعمق في القراءة عبر استخدام رموز الاستجابة السريعة QR Codes وقد يكون هذا أول كتاب في علم النفس أصادفه ينتهج هذا الأسلوب في التصميم.

في نهاية كل فصل توجد روابط بالقراءات المقترحة وملخص لكل رابط وكود استجابة سريعة في حالة الرغبة بالوصول للمصدر عن طريق الجوال.

ليس هذا فحسب فالعمل حاول تلخيص نظريات وبحوث علم النفس في اشكال وصور تعبيرية أكثر من كونها رسوما توضيحية لتساعد في تبسيط المفاهيم وتثبيت المعنى في ذهن القراء .

رسم تعبيري عن ورقة Fergus Craik and Robert Lockhart بعنوان: LEVELS OF PROCESSING: A FRAMEWORK FOR MEMORY
رسم تعبيري عن أثر المنظمات التمهيدية على التعلم

الكتاب يستهدم كذلك الرسومات التوضيحية خاصة المرتبطة بشرح النظريات والواردة بالورقة الأصلية. مثلا الرسم التالي هو لشرح نظرية الترميز الثنائي، وهو فعليا النموذج الوارد بالورقة الأصلية، وبجواره – لتوضيح الفكرة – رسم مبسط لفكرة نظرية الترميز الثنائي يكون في بداية الفصل لتجسيد فكرة الورقة البحثية.

من الجوانب الجيدة جدا في هذا الكتاب كذلك هو إعطاؤه معضلة أو سؤال مرتبط بمدى فهمنا لتطبيق نتائج الورقة العلمية، كذلك ينتهي المقال بنقاط تطبيقية في مجال التدريس ثم ملخص لأهم ماورد بالفصل والمصادر.

الفصل الأخير من الكتاب قد يكون صادما للبعض سواء من حيث العنوان أو المفاهيم التي يتناولها ، جاء الفصل بعنوان: الخطايا العشر المميتة في التربية. العنوان صادم بمعنى الكلمة تلى العنوان اقتباس شهير هو “This isn’t right. This isn’t even wrong”. هذا ليس صحيحا ولا حتى خاطئا وهي عبارة شهيرة منسوبة لـ Wolfgang Pauli، الفصل يهدف لتصحيح مفاهيم المعلمين نحو بعض الأشياء التي تعاملنا معها كمسلمات رغم عدم وجود أدل حاسمة تؤيدها أو تعارضها، ويناقش في هذا الفصل مسائل مثل هرم التعلم ، وأنماط التعلم ، الأطفال كمواطنون رقميون ، إمكانية قيام الأطفال بالمهام المتعددة، مع جوجل Google اكساب الطلاب للمعارف لم يعد مهما. تعلم حل المشكلات بوضع المتعلم في مشكلة، التعلم الاستكشافي هو أفضل طريق للتعلم، الدافعية تقود إلى التعلم، المدارس تقتل الإبداع.

في نهاية المراجعة، أحب أن اشير أن العلم مختلف فعلا عن كثير من كتب علم النفس المألوفة، وأوصي أن يدرس بكليات التربية وبرامج إعداد المعلمين.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات