مبادئ تصميم المحتوى التعليمي الرقمي

مبادئ تصميم المحتوى التعليمي الرقمي

بقلم : د. مصطفى جودت صالح

الاستشهاد المرجعي:

صالح، مصطفى (مارس، 2022) مبادئ تصميم المحتوى التعليمي الرقمي، بوابة تكنولوجيا التعليم، استرجع -تاريخ- من https://drgawdat.edutech-portal.net/archives/16488

لعل الهدف الأساسي من وضع مبادئ لتصميم المحتوى التعليمي هو تعظيم قدرة المحتوى في تحقيق أهداف التعلم من خلال تطبيق ما توصلت إليه نظريات التعلم ونماذجه، لكن معرفة المبادئ في حد ذاتها ليس نهاية الطريق لكن يجب تحديد الممارسات الأنسب لتطبيق تلك المبادئ.

يكمن السر في الاهتمام المتزايد بالتعليم / التدريب الإلكتروني في قدرته المتنامية على مجاراة التطورات التكنولوجية وإمكانية الوصول المتنامية، فضلا عن إتاحة التعلم في أي زمان ومن أي مكان. ولعل التكنولوجيا الحديثة أضافت أبعادا جديدة وقدرات أكبر للمحتوى التعليمي كالتخصيص والملائمة ، بحيث يحصل الطالب / المتدرب على المحتوى الذي يلائمه ويتفق مع احتياجاته بشكل دقيق عن طريق تقنيات عديدة كالذكاء الاصطناعي وتحليل سلوك المستخدم، والقدرة على التكيف مع المستخدم وغيره من الأدوات التي تتمتع بها بيئات التعلم الحديثة.

لكن وجود بيئة تعلم حديثة بها عديد من الأدوات الذكية والتكنولوجيا المتقدمة لا يعد ضمانا في حد ذاته لنجاح عملية التعلم بدون تبني مبادئ محددة تعمل على إنجاح هذا التعلم. لعل من المشكلات التي واجهتها شخصيا في عديد من المشروعات هو الاهتمام بالأنظمة التعلم وبيئاته على حساب تصميم المحتوى وإتاحته. إن وجود أحدث أجهزة الطهي – على سبيل المثال – لا يعني حصولك على طعام متميز ما لم يكن لديك طاه ماهر، يتبع أساليب ومبادئ طهي صحيحه مبنية على خبرة، هذا بالضبط هو دور المصمم التعليمي الجيد الذي يحسن استغلال الإمكانات التكنولوجية المتاحة ويحسن تطبيق مبادئ التصميم التعليمي في نفس الوقت.

تصميم المحتوى التعليمي: تعددت الاساليب والهدف واحد .

بادئ ذي بدء لابد من التأكيد أن مهمة تصميم المحتوى التعليمي هي مهمة فرعية من التصميم التعليمي ، لكن ليس كل مصمم أو مطور للمحتوى هو مصمم تعليمي ، بمعنى هناك مصمم أفلام تسجيلية ( مخرج) يتقن قواعد حركات الكاميرا وحجم الإطارات وتوظيف الإضاءة وتكوين الكادر لكن عمله لا يشمل توظيف الفيديو في المحتوى التعليمي الإلكتروني ، فهذا دور المصمم التعليمي الذي سيحدد له ذلك.
بدأت كلامي بهذه الملاحظة لأننا لو بحثنا عن مبادئ التصميم التعليمي سنجدها قد تختلف عن المبادئ الفرعية لتصميم المحتوى أو بشكل أدق تصميم كل عنصر من عناصر المحتوى ، ونظرة المصمم التعليمي تتعدى جودة تصميم المحتوى إلى قدرة المحتوى على تحقيق أهداف التعلم وتوصيل المعنى ، فهو ينظر للمحتوى كرسالة إذا أعتربنا أن التعلم بشكل عام عملية اتصال وهذه الرسالة لابد أن تكون قابلة للقراءة وقادرة على إثارة المعنى لدى المتلقي وليس فقط التعظيم من الجوانب الشكلية والجمالية.

ويتناول العمل الحالي مبادئ تصميم المحتوى ليس من المنظور العام بل من منظور التصميم التعليمي الموجه للتعليم الإلكتروني تحديدا . ورغم ما تقدم فإن ثمة أساليب أو مدارس تصميمية مختلفة أو ما يمكن أن نسميها معالجات مختلفة ويتوقف المفاضلة بينها لطبيعة كل معالجة وإمكاناتها ورؤية المصمم لكفاءتها في تحقيق أهداف التعلم بأقل جهد وتكلفة .

لكن قد يصطدم القارئ إذا حاول البحث عن مبادئ تصميم المحتوى التعليمي الإلكتروني أو حتى مبادئ التصميم التعليمي للتعليم الإلكترني بعدم وجود نمط أو نموذج واحد لهذه المبادئ بين مراجع التصميم التعليمي ولعل هذا يرجع لأن كل عمل يتناول تلك المبادئ من زاوية بعينها، مثلا البعض يتحدث على التصميم التعليمي متبنيا مبادئ روبرت جانيه في التصميم ويبني عليها أمثلته ، والبعض يتناول مبادئ مستمدة من المدرسة المعرفية/ الإدراكية والتي تركز على تعزيز إدراك المحتوى وفهم الرسالة وترجمتها مستشهدا في أمثلته بما يعرف بنظريات الوسائط المتعددة، بينما يستمد البعض الآخر مبادئه من مدرسة التصميم التعليمي السريع Rapid ID والمتأثر بمبادئ النماذج الأولية السريعة في مجال علم المعلومات Rapid Prototyping ، إن الاختلاف في طرح هذه المبادئ عزز الاختلاف في أساليب التصميم كما أنه انتقل في مرحلة لاحقة لتبني معايير متفاوتة في التصميم. فحتى الآن لا يمكننا أن نقول أن هناك معايير موحدة للتصميم التعليمي للتعليم الإلكتروني مثلا ، ورغم ذلك فإنه لا تعارض بين تلك المعايير فمبدأ البساطة مثلا Simplicity مرتبط بمعايير دمج الوسائط ويبنى على نظرية الترميز المزدوج لبافيو Dual-coding theory site:emirate.wikiوعدة نظريات أخرى، ومن الذين اثروا في رسم مبادئ تصميم محتوى التعليم الإلكتروني ريتشارد ماير Richard E. Mayer والذي عرضت له عدة أعمال من قبل، وهو من أوائل المهتمين بمبادئ تصميم الوسائط المتعددة وله في ذلك 12 مبدأ في تصميم الوسائط المتعددة التعليمية من أكثر مبادئ التصميم شيوعا.

تم تطوير نظرية التعلم بالوسائط المتعددة (MMLT) في الأصل من قبل ريتشارد ماير في عام 1997. وهي تندرج تحت المدرسة المعرفية في نظريات التعلم. وفقًا لماير ، تتكون النظرية من ثلاثة جوانب تساعد الطلاب على التعلم بشكل أكثر فعالية. من هذه الجوانب تم اشتقاق مبادئ التصميم الخاصة بماير فيما بعد
Mayer, R. E. (2002). Multimedia learning. Psychology of Learning and Motivation, 41, 85-139.

Richard Mayer's Cognitive Theory of Multimedia Learning | McGraw-Hill Canada

تقدم النظرية المعرفية لتعلم الوسائط المتعددة مبادئ لتوجيه مصممي الوسائط المتعددة والتعلم الإلكتروني في عرض المعلومات النصية والرسوم البيانية والفيديو والصوت من أجل التعلم الأمثل. يتم دعم كل مبدأ من خلال بحث يقارن ظروف تعلم الوسائط المتعددة المختلفة لتحديد أيها يؤدي إلى تعلم أفضل للطلاب.

Clark, R. C., & Mayer, R. E. (2011). E-Learning and the Science of Instruction: Proven Guidelines for Consumers and Designers of Multimedia Learning (3rd ed.). San Francisco, CA: John Wiley & Sons.

مبدأ الوسائط المتعددة Multimedia Principle:

ينص مبدأ الوسائط المتعددة ببساطة على أن التعلم يحدث بشكل أكبر في حالات استخدام النص والصور ذات الصلة من استخدام النصوص أو الرسومات منفردة. فهناك إجماع متزايد على أن مبدأ الوسائط المتعددة هو أحد أكثر مبادئ التعلم شهرة. وتوضح أدبيات تصميم المحتوى التعليمي أن الدورات التدريبية الإلكترونية التي تحتوي على الكلمات والرسومات يتم تلقيها بشكل أفضل وأن الناس يتعلمون بعمق أكبر من مجرد النصوص المكتوبة وحدها. وعبر التحليل البعدي لنتائح 10 دراسات ، زاد فهم المتعلمين بنسبة 89٪ في المواد التي تضمنت صورًا أو مقاطع فيديو مقارنة بالموارد النصية فقط. (ولكن مع تطبيق المبادئ الأخرى ، اجعل الأمر بسيطًا).

ويجب التأكيد على أن استخدام العناصر البصرية يجب أن يوظف بشكل صحيح وليس مجرد إدراجها لتحقيق مفهوم تعددية الوسائط ، حيث يجب دمجها مع الكلمات والتخطيط الجيد لطريقة ظهورها وتوظيفها ضمن المحتوى التعليمي بحيث تخلق معنى للمتعلم.

مبدأ التماسك Coherence Principle:

يتعلم الناس بشكل أفضل عندما يتم استبعاد الكلمات والصور والأصوات الدخيلة أو غير الرئيسية بدلاً من تضمينها في المحتوى، بشكل أوضح ، قم بحذف عناصر المحتوى غير الرئيسية أو التي لا يجب عل المتعلم التركيز عليها . فمن الأخطاء الشائعة التي يرتكبها مطورو التعلم الإلكتروني عند تصميم دورة أو مشروع هو استخدام موسيقى ومحتوى غير مرتبطين في الخلفية ورسومات غير ذات صلة على الشاشة. وفقًا لكلارك وماير (2011) في كتاب “التعلم الإلكتروني و” علم التدريس “، ينص مبدأ التماسك على أنه يجب التخلص من جميع المعلومات غير الضرورية في رسائل الوسائط المتعددة ، مثل الصوت والصور والكلمات التي من شأنها تشتيت الإنتباه. حيث تشير النظرية المعرفية للتعلم بالوسائط المتعددة cognitive theory of multimedia learning إلى أن سعة الذاكرة العاملة البشرية محدودة جدا وبالتالي سيكون التعلم أعمق إن تم حذف الأصوات والرسومات والنصوص غير الضرورية والتركيز فقط على ما يجب تعلمه.

مبدأ الإشارة Signaling Principle:

يتعلم الناس بشكل أفضل عند إضافة إشارات تسلط الضوء على تنظيم المادة الأساسية. ويسمى هذا المبدأ في بعض البرامج بمبدأ الإبراز Highlighting أو تسليط الضوء، ويتخطى هذا المبدأ مجرد استخدام المثيرات البصرية إلى توظيف التزامن وأساليب الظهور لتركيز الانتباه. تتضمن الأساليب الشائعة للفت الانتباه والتركيز الأسهم والدوائر والتمييز اللوني وتظليل باقي أجزاء الشاشة للتركيز على الجزء الهام أو الكتابة بخط عريض والتوقف أو التركيز الصوتي في السرد، أو تغيير النبرة الصوتية أو حتى تغيير المعلق الصوتي عند قراءة الخلاصات أو القواعد الهامة في كل درس. وقد يستخدم الفاصل الزمني قبل شريحة هامة أو بعدها للدلالة على الأهمية، أو حتى تأثير الانتقال في ظهور الشريحة واختفائها.

Multimedia - Signaling Principle - YouTube

مبدأ التكرار Redundancy Principle:

يشير مبدأ التكرار إلى أن المواد الزائدة تتداخل وتعيق التعلم بدلاً من تسهيله، يحذر هذا المبدأ من تكرار نفس المحتوى بأكثر من وسيلة كأن تقرأ النص المكتوب الظاهر على الشاشة، حيث ينص المبدأ على أنه “يتعلم الأفراد من الرسومات المتحركة المصاحبة للتعليق الصوتي بشكل أفضل من الرسومات والتعليق الصوتي والنصوص الشارحة المكتوبة على الشاشة، لكن هل يعني هذا أن لا يتم وضع أية نصوص شارحة ؟ بالطبع لا.

المبدأ يتحدث عن تكرار المحتوى نفسه بأكثر من وسيط في نفس الوقت مما يؤدي إلى زيادة العبء / الحمل المعرفي على المتلقي الذي يجب عليه تفسير الرسالة ومعالجتها ولهذا يفضل التنوع وعدم التكرار وهذا المبدأ يلتقي مع مبدأ المصاحبة أوالمجاورة عند وليام هورتون الذي أكد على تجنب الجمع بين وسيلتين بصريتين متجاورتين أحدهما مرتبطة بالزمن كالرسومات المحركة . وقد بينت الدراسات أنه عند مجاورة رسم متحرك لنص شارح فإن المتابع ينشغل بقراءة النص عن متابعة مراحل الرسم المتحرك .

ومن تجارب شخصية يمكن توظيف النصوص لإبراز النقاط الهامة والحفاظ على مبدأ تجنب التكرار بأن نكتفي بالعناوين أو المعادلات الرياضية وأن يكون الشرح والتعليق صوتيا ، كذلك يقلل التراكب في رسومات الإنفوجرافيك المتحركة من المشكلات الناجمة عن التكرار.

نحن نعلم أننا نتعلم من الكلمات والصور بشكل أفضل وأعمق مما نتعلمه من الكلمات وحدها . يضيف مبدأ التكرار إلى ذلك ، ويخبرنا أن [رسومات + السرد] أفضل من [رسومات + سرد + نص].

Mayer, R. (2014). The Cambridge Handbook of Multimedia Learning, Second Edition. New York City: Cambridge University Press.

مبدأ التواصل المكاني Spatial Contiguity Principle:

يتعلم الأشخاص بشكل أفضل عندما يتم عرض الكلمات والصور المقابلة بالقرب من بعضهم البعض وليس بعيدًا عن بعضهم البعض على الصفحة أو الشاشة. هذا هو نفسه مبدأ التجاور عند وليام هورتون تقريبا ، ويمتد هذا المبدأ إلى ربط العناصر البصرية مع بعضها البعض عبر التقارب المكاني في الشاشة. والفكرة من وراء هذا المبدأ هو تجنب تشتيت انتباه المتعلم في محاولة ربط العناصر ذات العلاقة بعضها البعض .

تشير المقارنة السابقة إلى رسمتين إحداهما حققت مبدأ التواصل المكاني ( التجاور) والثانية لم تحققه ، ويكفي أن نلاحظ أن كثير من الكتب الإلكترونية والأدلة تعاني من عصوبة في القراءة والفهم بسبب عدم مراعاة هذا المبدأ
افحص بنفسك الصورتين السابقتين وقرر أيهما أيسر وأسرع في فهم مكوناتها.

مبدأ التواصل الزمني Temporal Contiguity Principle :

يتعلم الناس بشكل أفضل عندما يتم عرض الكلمات والصور المقابلة في وقت واحد بدلاً من تقديمها على التوالي. دعونا نشاهد في البداية جزء بسيط من محاضرة ريتشارد ماير يشرح فيها هذا المبدأ :

كما هو الحال في الرابطة المكانية فثمة رابطة زمنية تتم في الذاكرة العاملة بين العناصر التي تظهر في نفس الوقت لذلك يفضل إظهار العنصر وشرحه أو التعليق عليه في نفس الوقت ليدخلا الذاكرة العاملة في نفس الوقت وبالتالي تتم معالجتهما معا وبالتالي يسهل تذكرهما. لكن يجب تجنب الجمع بين العناصر المرتبطة بالزمن كالجمع بين الرسومات المتحركة والفيديو في نفس الإطار أو تشغيلهما معا .

مبدأ التقسيم Segmenting Principle:

يتعلم الأشخاص بشكل أفضل من محتوى الوسائط المتعددة الذي يتم تقديمه في مقاطع حسب وتيرة المستخدم وخطوه الذاتي وليس كوحدة مستمرة. أشارت الدراسات إلى أنه عند امتلاء الذاكرة العاملة ، ستختفي أي معلومات إضافية ، مهما كانت أهميتها ، كما لو لم تحدث مطلقًا. وهنا تأتي أهمية تقسيم المعلومات أو تقطيعها إلى عناصر فرعية كما يصبح تنظيم المعلومات مهمًا جدًا. نفس هذا المبدأ طرح من زوايا عدة منها ما أشير إليه تحت مراعاة الخطو الذاتي ، و تنظيم عناصر المحتوى ، و تحكم المتعلم وكلها اشارت إلى تقسيم المحتوى كإجراء هام لضمان تطبيق تلك المبادئ.

تتم مراعاة مبدأ التقسيم بداية من مرحلة تحليل المحتوى قبل بناء المقرر حيث تستخدم خرائط المفاهيم في تحليل المفاهيم الرئيسية وتقسيمها إلى موديولات ووحدا ومفاهيم أصغر ثم تستخدم خريطة المنهج وعي عبارة عن جدول يحدد الأهداف والمعالجات والأنشطة والمخرجات لكل درس ثم تصميم عناصر التعلم داخل الدرس والتي تقسم تلك العناصر إلى أصغر شكل ممكن وربنا تم تقسيم العنصر داخليا بأنشطة وألعاب تعليمية .

خرائط مفاهيم فيزياء اول ثانوي مقررات - كونتنت
خريطة مفاهيم لدرس (حالات المادة)

وقد تستخدم خرائط المنهج في تقسيم المحتوى في المقررات قبل الجامعية خاصة للمقررات النظامية الموصفة وتوجد عديد من القوالب والأمثلة على خرائط المنهج للمقررات المخلتفة بالمراحل قبل الجامعية، كذلك تستخدم خرائط تفاعلات / أفعال المستخدم user story map في تقسيم المحتوى إلى عناصر أدق قبل كتابة لوحات الإخراج Storyboards ويترجمها البعض بخرائط القصة للمستخدم ( ولا أميل شخصيا لهذه الترجمة) ، وميزة هذا النوع من الخرائط أنها توضح التفاعلات والأداءات التي سيقوم بها المستخدم أثناء مضيه قدما في المحتوى وتمكنا تقسيم المحتوى بدقة وتحديد التفاعلات المختلفة كفواصل بين عناصر المحتوى، وهذا النوع يستخدم في حالات التطوير المرن للتعليم Agile ELearning Development.

https://i0.wp.com/www.scrumdesk.com/wp-content/uploads/Agile-Scrum-Training-User-Story-Mapping.jpg?w=620&ssl=1

التدريب المسبق Pre-training Principle:

يؤدي عدم وجود تحضير أو معرفة مسبقة بموضوع التعلم إلى بذل قدر كبير من الوقت والطاقة قبل إحداث أي تقدم فيه . على جانب آخر يمكن للمصمم التعليمي مراعاة القيام بأشياء بسيطة لتمهيد الطريق للتعلم لاحقًا. يتعلم الناس بشكل أفضل من عندما يتعرفون على المفاهيم الأساسية، بمعنى آخر حينما يمتلك المتدرب / المتعلم المعارف والمبادئ الأساسية التي يبنى عليها موضوع التعليم / التدريب فإنه يستطيع أن يتعلم بشكل أفضل.

مثال بسيط يوضح المقصود؛ لو أردت تدريب المعلمين الجدد على استخدام كاميرا الوثائي Document Camera فعليك أولا شرح فكرة عملها وأشكالها المختلفة وأجزاء الجهاز الذي سيتدربون عليه قبل البدء الفعلي في التدريب.

مكونات جهاز عرض الصور المعتمة — جهاز عرض الصور والمواد المعتمة

يعطي التدريب المسبق المشار إليه في هذا المبدأ المعرفة الأساسية ، ويتم تقديمها قبل بدء الدرس ، مما يسهل معالجة المفاهيم الجديدة للدرس. وتشير الدراسات إلى أن المتعلمين الذين حصلوا على تدريب مسبق سيكون أداؤهم أفضل من هؤلاء المتعلمين الذين لم يتلقوا تدريبًا مسبقًا. فبالتالي عند شرح مهارة معقدة يجب أن تبدأ الدورة بجلسة تمهيدية تنتهي بنشاط يتحقق من أن المتعلم امتلك المعارف الرئيسية التي تؤهله إلى الانتقال إلى التدريب الفعلي.

من الممارسات الناجحة التي استخدمها شخصيا عند تصميم الدورات الإلكترونية أن يوضع فيديو شارح في بداية الدورة يعرض الأهداف والمفاهيم الأساسية في الدورة ، وفي كل جلسة تدريبية بعد ذلك يتم وضع فيديو يشرح أهداف الجلسة والمفاهيم الواردة في سياق الجلسة. ويعتبر هذا أحد أشكال المنظمات التمهيدية . كما يميل بعض المصممين إلى عمل دليل لوصف الدورة ومفاهيمها الأساسية يفترض للمتقدم للدورة قراءته قبل طلب الالتحاق. ويعتبر الاختبار المبدئي أو ما يسمى باختبار التسكين placement test الذي يمر به المتدرب قبل بدء التدريب وفي حالة عدم اجتيازه الاختبار يتم مروره بوحدة تمهيدية هو أحدى الوسائل التي يطبق من خلالها مبدأ التدريب المسبق، وفي المحتوى التكيفي قد يحدد هذا الاختبار النقطة التي ستبدأ منها التدريب بناءا على معارفك ومهاراتك السابقة.

. مبدأ الطريقة Modality Principle:

يؤكد هذا المبدأ على أن البشر يتعلمون بشكل أفضل من المرئيات والكلمات المنطوقة أكثر من المرئيات والكلمات المطبوعة. هذا لا يعني أنه لا يجب عليك استخدام النص على الشاشة مطلقًا ، فهذا يعني ببساطة أنه إذا كانت هناك عناصر مرئية ونصوص كثيرة جدًا ، فسيشعر المتعلمون بالارتباك. لكن ما سبب هذا الارتباك ؟ ببساطة أن النص المكتوب هو عنصر بصري مثله مثل الرسومات الثابتة فوضع الشرح بطريقة نصيفةمكتوبة مجاورة للرسومات الثابتة يؤدي إلى إرباك في معالجة الطالب للمعلومات عكس كون النص مسموعا والصورة أو الرسم التوضيحي فهنا تختلف قنوات المعالجة فيقل الإرباك.

modality principle – 3-Star learning experiences

ولكي تراعي هذا المبدأ في تصميم محتواك حاول تحديد مقدار النص الذي تستخدمه على الشاشة بشكل عام. اعتمد أكثر على العناصر المرئية ، إلا إذا كنت بحاجة إلى تحديد المصطلحات الأساسية ، أو سرد الخطوات ، أو تقديم التوجيهات. ويعتبر هذا المبدأ قريب من بدأ التكرار Redundancy Principle لكن التكرار يتناول تكرار نفس المحتوى بينما مبدأ الطريقة يتناول التعارض في معالجة بعض الوسائل.

يجب تطبيق مبدأ الطريقة في بيئات التعلم الإلكتروني في حالات الرسومات المعقدة والمصطلحات المألوفة للمتعلم ( التي سبق تعريفها) والدرس العام سريع الخطى . على سبيل المثال ، يتم عرض رسم تخطيطي يوضح تدفق الدم عبر القلب بعد تقديم المصطلحات الأساسية للمتعلم. سيتضمن الرسم التخطيطي نصًا يحدد الهياكل التشريحية بينما يصف السرد الكلامي المفهوم.

لكن متى نتجنب تطبيق هذا المبدأ ؟
في بعض الحالات يجب أن يكون كل من السرد الصوتي والنص الشارح ضمن نفس الإطار ومن تلك الحالات:
عندما لا تكون اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى للمتعلمين.
عندما تكون الكلمات المقدمة تقنية أو بها مصطلحات ومعادلات معقدة.
عندما تكون الكلمات غير مألوفة للمتعلم .
عندما نحتاج أن تكون المعلومة مرجعية ( أي يمكن للمتعلم الرجوع إليها مستقبلا كالنصوص المقتبسة )

(Clark & Mayer ، 2011)

مبدأ التخصيص Personalization Principle:

عندما يتواصل المعلم مع طلابه في الصف الدراسي فإن هناك اسلوبان للحوار الأول رسمي والثاني أسلوب غير رسمي أو شخصي، ويعتبر تفاعل الطالب مع المعلم من أحد أشكال التفاعل الهامة هذا التفاعل يكون في صورة محادثة بين طرفين ، نعم هناك “محادثة ذات طابع إنساني” تجري مع الطالب ، حتى عندما يقرأ الطالب نصًا أو يشاهد الوسائط المتعددة أو حتى يلعب لعبة تعليمية تفاعلية. يعتبر تفاعل الطلاب هذا مهمًا ليس فقط لإيصال المعلومات إلى المتعلم ، ولكن أيضًا لتحفيز الطلاب. لكن تفاعل الطالب مع المحتوى التقليدي لا ينتج عنه هذا النوع من المحادثات مما يكسب التعلم شكل مصطنع ، وقد حث مبدأ التخصيص أو التشخيص المصممين على عمل محادثات غير رسمية بتدو كما لو كانت موجهة للمتعلم أو المتدرب بذاته. ومما اوصى به ريتشارد ماير في معرض شرحه لهذا المبدأ ، أن تجعل المعلم مرئيًا لتعزيز التعلم، حيث يعمل استخدام صورة أو رمز المعلم في الحوار على تعزيز وزيادة دافعية المتعلم والتحدث مباشرة إلى القارئ بأسلوب شخصي. ومما اوصى به ريتشارد ماير في معرض شرحه لهذا المبدأ ، أن تجعل المعلم مرئيًا لتعزيز التعلم، حيث يعمل استخدام صورة أو رمز المعلم في الحوار على تعزيز وزيادة دافعية المتعلم والتحدث مباشرة إلى القارئ بأسلوب شخصي. ومن الاتجاهات الحديثة في تصميم المحتوى التعليمي خاصة في مقررات التعليم عن بعد هو استخدام مدرب الشاشة On-Screen Coaches ويكون عبارة عن شخصية حقيقية أو متحركة ، توجه عملية التعلم أثناء مقرر التعلم الإلكتروني. يساعد المدربون في توفير الشعور بالانخراط في محادثة ويجب أن يتحركوا ويصدروا أصواتًا ويستخدموا حركة العين بطريقة تشبه الإنسان.

Use Avatar Characters to Guide your Learners - eLearning
يعتبر استخدام الصور الرمزية للمعلمين أثناء عرض الحوار مع الطالب أحد أبرز الأساليب المعتمدة على هذا المبدأ

ويؤكد مبدأ التخصيص إلى أن الطلاب يتعلمون بشكل أفضل من دروس الوسائط المتعددة عندما تكون الكلمات الحوارية تبدو كمحادثة موجهة لهم بدلاً من الأسلوب الرسمي في الشرح والتعليق على عناصر المحتوى. بعض الأنظمة المتقدمة في التعليم الإلكتروني والتدريب عن بعد تستخدم الآن فكرة المحاضر الافتراضي في مخاطبة المتعلم / المتدرب وعمل حوار افتراضي معه بل تستخدم تطبيقات لمعالجة اللغة الطبيعيةnatural language processing ليسمح للمتعلم / المتدرب بحرية التعبير ولخلق جمل حوارية قريبة لأسلوبه. لكن رغم التقدم الحادث في هذه التكنولوجيا إلى أنه يتبقى أمامها بعض الوقت للإنتشار. بالطبع ريتشارد ماير حين طرح موضوع التخصيص لم يقصد استخدام المستحدثات التقنية في خلق حوار مخصص نحو المتعلم / المتدرب ، لكنه قصد أن نصيغ طريقة شرحنا كما لو كان المتعلم / المتدرب أمامنا ونوجه له جمل حوارية مباشرة بلغة سهلة ودودة.

توجد حاليا عديد من التطبيقات يمكن الاستعانة بها لاستخدام معالجة اللغة الطبيعية في خلق نوع من تخصيص الحوار

مبدأ الصوت Voice Principle:

يحدث التعلم بشكل أعمق عندما يتم التحدث صوتيا بصوت بشري ودود بدلاً من صوت الآلة. وهذا يعني كذلك أن لا يقوم المعلم بقراءة النص كأنه آلة أثناء الشرح .

يُظهر البحث الذي قدمه ناسNass وبريف Brave أن خصائص صوت المتحدث يمكن أن يكون لها تأثير قوي على المتعلمين.

Nass, Clifford & Brave, Scott. (2005). Wired for Speech : How Voice Activates and Advances the Human-Computer Relationship / C. Nass, S. Brave.

يترك الصوت البشري الودود أنطباعا أن شخصًا ما يتحدث إليك مباشرةً ( بمدأ التخصيص) ، ولهذا السبب ، يمنحك إحساسًا بالتواجد الاجتماعيsocial presence. وتؤكد الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع أن البشر “يعشقون الحديث” وأن مخاطبة الطلاب بصوت رتيب أشبه بالآلة “ملل” يمكن أن يؤثر سلبًا على كيفية تعلم الطلاب.

ورغم أن بعض التطبيقات مثل Siri و Alexa تقترب كثيرا من الصوت البشري، لكن لا يوجد بديل حتى الآن للصوت البشري الحقيقي للتعليق الصوتي على المحتوى التعليمي.

مبدأ الصورة Image Principle:

يحذر هذا المبدأ من المبالغة في عرض صورة المعلم أو المعلق بالفيديو على الشاشة أثناء الشرح على حساب المحتوى الشارح مثل الإنفوجرافيك مثلا ، فرغم أن صورة المعلم وهو يتحدث بالفيديو ستشعر المتعلم بالألفة لكن كون لقطة الفيديو هي الأساس والعناصر الشارحة مجرد كيانات ثانوية سيؤثر سلبا على التعلم. ونلاحظ هذا في كثير من منصات التدريب في العالم العربي والتي تركز على جلوس معلق أو معلم أمام الكاميرا ليتحدث ويشرح وربما وضعت بعض النصوص والعبارات على الشاشة بشكل ثانوي.

تخيل معي أنك تقوم بشرح استخدام تطبيق ما بأسلوب عرض الشاشة Screen Casting ، تخيل حينها كيف سيكون وضع صورة المعلم بالفيديو أثناء الشرح مشتتا للإنتباه.

يحتاج الطلاب إلى وجود صورة المعلم للمساعدة في تطوير الشراكة الاجتماعية التي تعزز التعلم العميق. وبناءا على ذلك فإن هناك اتجاه في تصميم المحتوى يدافع عن فكرة إظهار صورة المعلم أثناء الشرح ومن هؤلاء Mel Aclaro ، في الفيديو الآتي:

من ناحية أخرى ، فإن مؤيدو مبدأ الصورة لماير ( الرافضين لفكرة وجود صورة داخل صورة ) يؤكدون على أن إضافة وجه المعلمين في العرض التقديمي ، كصورة داخل صورة ، يمكن أن يخلق مشكلة انقسام الانتباه ، حيث يحاول المتعلم بالفعل مشاهدة العرض التقديمي والمعلم في نفس الوقت. بالإضافة إلى ذلك ، فإن الحصول على صورة المعلم ، التي لا تحتوي على أي معلومات ذات صلة من الناحية التربوية ، أمر مقحم على محتوى العرض التقديمي. هذا يعني أن الذاكرة العاملة تخضع لحمل زائد ، وقد لا يحدث التعلم العميق.

وفي سلسلة من الدراسات ، تم اختبار مبدأ الصورة ، ليس فقط من خلال صورة الشخص الذي يقدم عرضًا تقديميًا ، ولكن أيضًا مع معلقي الشاشة المكونين من رسم متحرك . الواقع أن نتائح تلك البحوث كانت غير حاسمة. لكن بشكل عام قد تكون الحالات التي يبدو أن الصورة فيها تعزز التعلم عندما يتم استخدامها للإشارة فعليًا إلى جزء نسبي من الرسم (مبدأ الإشارة) بهدف الإبراز وتوجيه انتباه المتعلم لهذا الحزء على الشاشة. فتوجيه انتباه المعلم إلى ما يجب أن ينظر إليه يقلل من الحمل المعرفي ويزيد من فرص التعلم العميق.

المبادئ السابقة هي وإن نسبت لريتشارد ماير والذي وضعها في الأساس لوصف التعلم عبر الوسائط المتعددة، لكنها أنتقلت لكافة أشكال المحتوى التعليمي وتعرضت للتنقيح والتطوير والتحسين في كتابات عدة ، كما تعرضت للاختبار والتجربة والقياس في دراسات عديدة بل والنقد وبيان التعارضات بين بعضها لكن ما يبدو أنه تعارض أو تكرار أحيانا هو في أحد جوانبه تأكيد على جوانب دقيقة وفروق محددة في تطوير المحتوى، وإن كان الفضل في السبق لريتشارد ماير فالفضل في استمرارية هذه المبادئ وتطورها لمئات الباحثين المهتمين بالمجال. وما ورد في المقال السابق يعبر بشكل كبير على قراءتي الشخصية لتلك المبادئ وتجاربي من واقع عملي في تطوير المحتوى التعليمي والتي تتفق بشكل كبير مع ما طرحه ماير .
وفي الختام أحب أن أشير أن هناك مبادئ ومعايير أخرى يعتمد عليها في تصميم المحتوى التعليمي أو المحتوى الرقمي بشكل عام أتمنى أن أجد الفرصة لعرضها ومناقشتها في الفترة القادمة بإذن الله.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات