إطار المهارات الرقمية الناعمة للمعلمين والطلاب: مراجعة شاملة لمشروع D2S

د. مصطفى جودت

في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده قطاع التعليم العالي، أصبح تطوير المهارات الرقمية ليس رفاهية، بل ضرورة ملحة. وفي هذا السياق، يأتي إطار المهارات الرقمية الناعمة للمعلمين والطلاب (D2S Framework) كمبادرة حيوية تهدف إلى تعزيز هذه المهارات لدى كل من المعلمين والطلاب. لقد تم تطوير هذا الإطار كجزء من مشروع “المهارات الرقمية الناعمة في Ulysseus” (D2S)، وهو مبادرة مشتركة لتحالف جامعات Ulysseus الأوروبية، بتمويل مشترك من برنامج Erasmus+ التابع للاتحاد الأوروبي.

رابط تحميل الإطار :

https://d2s.ulysseus.eu/wp-content/uploads/sites/2/2022/04/Digital-Soft-Skills-Framework-for-Educators-and-Students.pdf

سياق الإطار وأهدافه

يهدف المشروع بشكل عام إلى تعزيز المهارات الرقمية الناعمة لكل من المعلمين والطلاب في سياق التحول الرقمي. ولتحقيق هذا الهدف، سيقوم المشروع بتطوير مجموعة من المخرجات، بما في ذلك إطار D2S، وأداة للتقييم الذاتي D2S، وسلسلة من الدورات التدريبية لكل من المعلمين والطلاب لتمكينهم من تطوير مهاراتهم الرقمية الناعمة. يُعد هذا الإطار بمثابة أساس مهم للمخرجات اللاحقة للمشروع، حيث يوفر القاعدة لكل من أداة التقييم الذاتي والدورات التدريبية.

تعريف المهارات الرقمية الناعمة

يُعرف الإطار “المهارة” بأنها قدرة مكتسبة محددة يحتاجها المرء لأداء وظيفة معينة بشكل جيد، في حين أن “المهارة الناعمة” هي مهارة غير تقنية، أقل ارتباطًا بمهن معينة. بالنسبة لهذا المشروع، يتميز تعريف المهارات الرقمية الناعمة ببعدين رئيسيين:

  • البعد التكنولوجي (أو “الصلب”): يتعلق باستخدام التكنولوجيا ويشمل مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التقليدية.
  • البعد “الناعم”: يتعلق بالآثار الاجتماعية والعاطفية والشخصية لاستخدام التكنولوجيا (سواء بشكل مستقل أو مع الآخرين).

ركز مشروع D2S بشكل أساسي على البعد الثاني، مع الإدراك بأن التمييز بين البعدين ليس دائمًا واضحًا.

الإطار الأساسي: أربع فئات ومستويات الكفاءة

يعتمد إطار D2S على أربعة جوانب رئيسية تشمل المهارات الرقمية الناعمة الأساسية، لكل من المعلمين والطلاب. تم تحديد أربع فئات من المهارات:

الإطار الأساسي للمعلمين
  1. تطوير ذاتي (Developing Me)
  2. التفاعل مع الآخرين (Engaging with Others)
  3. العمل الآن (Acting Now)
  4. صياغة المستقبل (Creating the Future)

في كل فئة، يتم التركيز على ثلاث مهارات ناعمة تعكس أيضًا درجة الطلاقة/الكفاءة (عمق اكتساب المهارات). على سبيل المثال، في فئة “تطوير ذاتي”، تُعرف “المحو الأمية الرقمية” كمهارة على مستوى المبتدئين، والتي يمكن أن يتبعها تطوير الهوية الرقمية والرفاه الرقمي. ومع ذلك، لا يمثل هذا مسارًا تعليميًا جامدًا وذا اتجاه واحد.

كفاءات أوسع وإضافات خاصة بالمعلمين

يبرز الإطار ثلاث كفاءات أوسع تُعتبر ضرورية للنجاح في أي بيئة تعليمية حديثة، وتتضمن هذه الكفاءات المهارات الرقمية الناعمة، إلى جانب المعرفة والمواقف:

  • المرونة في التعلم (Flexibility in Learning)
  • الممارسة التأملية (Reflective Practice)
  • التعاطف بين الثقافات (Intercultural Empathy)

يُضاف “التطوير الشخصي” كطبقة إضافية تجمع بين المهارات المتعلقة بالتعليم الرقمي، وكذلك مهارات المواطنة الرقمية والمهارات المهنية العامة.

بالنسبة لإطار المعلمين، تُضاف طبقة أخرى من ممارسة التدريس النقدية الشاملة، وهي “التطوير المهني المستمر” (Continuous Professional Development). ويمثل الدائرة الخارجية التي تحيط بالكفاءات الأساسية والواسعة كيف يمكن اعتبار جميع الكفاءات والمهارات في الإطار جزءًا من التطوير والنمو المهني للمعلم.

المهارات الرقمية الناعمة للمعلمين: تفصيل الفئات

يقدم الإطار تفصيلاً لكل فئة من الفئات الأربع فيما يخص المعلمين، مع التركيز على الجوانب العملية لهذه المهارات:

  • تطوير ذاتي (Developing Me)
    • المحو الأمية الرقمية: تشمل معالجة المعلومات واستنساخها (بما في ذلك المعرفة بحقوق البيانات والتراخيص والموارد المفتوحة)، واستخدام وإدارة المعلومات والبيانات الرقمية بفعالية وأخلاقية، بما في ذلك إدارة بيانات البحث.
    • الهوية الرقمية: تتضمن الوعي بالبصمة الرقمية للفرد، وإنشاء هوية/ملف شخصي رقمي ناجح لسياقات التعلم المختلفة، وإدارة السمعة الرقمية الإيجابية.
    • الرفاه الرقمي: يشمل فهم واتخاذ التدابير اللازمة لضمان الجوانب المختلفة للرفاه الرقمي، وتتبع استخدام الفرد للتكنولوجيا، والعناية بالصحة في البيئة الرقمية، والتعامل مع المخاطر والتحديات في السياقات الرقمية (مثل الإدمان، والتنمر).
  • التفاعل مع الآخرين (Engaging with Others)
    • التواصل الرقمي: يتضمن إيجاد وتقييم واختيار واستخدام أدوات الاتصال المناسبة، والقدرة على تكييف الرسالة مع مختلف الوسائط الرقمية والجماهير والأغراض، وضمان إمكانية الوصول وشمول جميع المتعلمين والاستجابة لتوقعاتهم وقدراتهم الرقمية.
    • التعاون الرقمي: يشمل إيجاد وتقييم واختيار واستخدام أدوات التعاون المناسبة، وإدارة أولويات الفريق (فرق العمل، الفصول الدراسية، إلخ)، وتيسير الأنشطة عبر الإنترنت.
    • التأثير الرقمي (القيادة): يتضمن الانخراط وبناء التفاعل عبر الإنترنت، وتمكين المتعلمين من خلال تعزيز مشاركتهم النشطة والإبداعية عبر الإنترنت.
  • العمل الآن (Acting Now)
    • التفكير النقدي والتحليلي في الفضاء الرقمي: يشمل استخدام أساليب العمل المرنة للتكيف مع التغييرات ودمجها بفعالية في عملية التعلم، ودمج أنشطة التعليم والتعلم التي تعزز التفكير النقدي والتحليلي في السياق الرقمي.
    • حل المشكلات: يتضمن تحديد الاحتياجات واستخدام التقنيات الرقمية بشكل إبداعي لحل مشكلة، وتعزيز حل المشكلات الرقمية لدى المتعلمين وفتح التعلم على مشكلات العالم الحقيقي المعقدة.
    • الإبداع: يشمل التفكير في مهمة أو مشكلة بطريقة جديدة أو مختلفة واستخدام الخيال لتوليد أفكار جديدة، وتصميم وتنفيذ الأنشطة التي تزيد من التعبير الإبداعي للمتعلمين.
  • صياغة المستقبل (Creating the Future)
    • المواطنة الرقمية: تتضمن الانخراط وتيسير مجتمع عبر الإنترنت أو أنشطة تعليمية تتناول قضايا الاهتمام العام، واستخدام وتعزيز استخدام الوسائط الرقمية المناسبة لتعزيز القضايا المجتمعية الهامة.
    • المهارات الرقمية للتنمية المستدامة: تشمل القدرة على تطوير نهج شامل للتحول الرقمي والأخضر، والتفكير المتكامل وممارسة الأهداف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للتنمية، وتصور التغيير (تقييم التغيرات المجتمعية بشكل نقدي على مستويات مختلفة وتصور مستقبل مستدام)، والقدرة على العيش معًا (التعاون والتدريس وتيسير مجموعات متنوعة).
    • التصميم والتفكير المستقبلي: يشمل الابتكار/التفكير التصميمي، والقدرة على التغيير والتطلع إلى الأمام، وتطوير الأوضاع الحالية إلى مفاهيم مستقبلية أخرى جديدة وغير معروفة والتعامل معها بشكل إبداعي، والقدرة على احتضان الابتكار كجزء لا يتجزأ من أي موضوع وعملية تنظيمية، واستخدام أساليب ملموسة ومرنة لتنفيذ عمليات التطوير الإبداعي بطريقة مفتوحة النتائج فيما يتعلق بالمشكلات المعطاة.

المهارات الرقمية الناعمة للطلاب: نظرة عامة

يتشابه إطار الطلاب إلى حد كبير مع إطار المعلمين في الفئات الأربع، مع اختلافات طفيفة في التركيز لتناسب سياق المتعلم. على سبيل المثال، في “تطوير ذاتي” للطلاب، يتم التأكيد على محو الأمية المعلوماتية ومهارات البحث الرقمي.

الإطار الأساسي للطلابي

الكفاءات الأوسع: تفصيل

  • التعاطف بين الثقافات (Intercultural Empathy): في البيئة الرقمية، يتأثر هذا بشكل أكبر بنقص الإشارات الجسدية للمساعدة في فهم المعنى. يتضمن التعاطف بين الثقافات احتضان التنوع بنشاط، والوعي بالهويات المختلفة والمتغيرة، والوعي الشامل. بالنسبة للمعلمين، تشمل القدرة على رفع الوعي ونقل هذه الكفاءات للطلاب.
  • الممارسة التأملية (Reflective Practice): تُعد مكونًا رئيسيًا لممارسة التدريس الجيدة، ويمكن نقل جميع وظائفها إلى الفضاء الرقمي. تشمل القدرة على تحديد وإدراك وتوضيح أنظمة القيم التفكيرية للفرد والآخرين، وتقييم تأثيرها على قرارات الفرد وأفعاله ونتائجها، والقدرة على التعلم من تأملات الفرد، واستخدام الأدوات الرقمية لدعم التفكير. بالنسبة للمعلمين، تشمل القدرة على رفع الوعي ونقل هذه الكفاءات للطلاب.
  • المرونة في التعلم (Flexible Thinking in Learning): في السياق التعليمي الرقمي، تُعد هذه الكفاءة أساسية لتسهيل المهارات الرقمية الناعمة الأساسية. تتضمن قبول التقنيات الجديدة، والانفتاح على أفكار الآخرين، والتكيف مع التغييرات المفاجئة في مواقف التعلم. بالنسبة للمعلمين، تشمل تكييف الاستراتيجيات والممارسات التربوية مع البيئات الرقمية، والقدرة على رفع الوعي ونقل هذه الكفاءات للطلاب.

التطوير المهني المستمر (CPD)

يشمل التطوير المهني المستمر جميع الكفاءات الأساسية والجوهرية. فإذا كان المعلم يمارس هذه الكفاءات، أو يتأملها، أو يحسنها، أو يعمل على اكتسابها، فإن ذلك بحد ذاته يُعد تطويرًا مهنيًا مستمرًا. علاوة على ذلك، يشمل “التطوير المهني المستمر الرقمي” استخدام المصادر والموارد الرقمية للتطوير المهني المستمر.

التمييز بين المهارات والكفاءات

يُشير الإطار إلى تمييز مهم بين مصطلحي “المهارات” و “الكفاءات”. وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، “الكفاءة هي أكثر من مجرد معرفة أو مهارات. إنها تنطوي على القدرة على تلبية المتطلبات المعقدة، من خلال الاستفادة من الموارد النفسية والاجتماعية وتعبئتها (بما في ذلك المهارات والمواقف) في سياق معين”. على سبيل المثال، تعد القدرة على التواصل الفعال كفاءة قد تعتمد على معرفة الفرد باللغة، ومهارات تكنولوجيا المعلومات العملية، والمواقف تجاه من يتواصل معهم.

يُعرّف قاموس Cedefop التابع للمفوضية الأوروبية (2008) المهارة بأنها: القدرة على أداء المهام وحل المشكلات، بينما تُعرّف الكفاءة بأنها القدرة على تطبيق مخرجات التعلم بشكل كافٍ في سياق محدد (التعليم، العمل، التنمية الشخصية أو المهنية). الكفاءة لا تقتصر على العناصر المعرفية (التي تتضمن استخدام النظرية أو المفاهيم أو المعرفة الضمنية)، بل تشمل أيضًا الجوانب الوظيفية (التي تتضمن المهارات التقنية) بالإضافة إلى السمات الشخصية (مثل المهارات الاجتماعية أو التنظيمية) والقيم الأخلاقية.

وبالتالي، تُعد الكفاءة مفهومًا أوسع قد يشمل المهارات (وكذلك المواقف والمعرفة، إلخ). وبالنسبة لمشروع D2S، تم اتخاذ قرار باستخدام مصطلح “الكفاءة الرقمية” و “الكفاءات” نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي يستخدمه في جميع وثائق سياسته المتعلقة بالتعليم العالي والكفاءة الرقمية، على سبيل المثال في الإطار المرجعي الأوروبي للكفاءات الأساسية للتعلم مدى الحياة.

كلمة أخيرة

يمثل إطار المهارات الرقمية الناعمة للمعلمين والطلاب خطوة هامة نحو سد الفجوة في المهارات التي يفرضها التحول الرقمي. من خلال التركيز على المهارات الناعمة المقترنة بالقدرات الرقمية، يوفر الإطار خريطة طريق واضحة للمعلمين والطلاب لتطوير الكفاءات اللازمة للنجاح في المشهد التعليمي والمهني المتغير باستمرار. يُعد هذا الإطار أساسًا قويًا لتطوير أدوات التقييم والدورات التدريبية المستقبلية، مما يضمن أن يكون الجيل القادم من المعلمين والطلاب مجهزًا بالكامل لمواجهة تحديات وفرص العصر الرقمي.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!