نظريات ومفاهيم لم تعد مستخدمة في التصميم التعليمي: أساليب التعلم والذكاءات

مع التطور المستمر والنمو المضطرد في بحوث ودراسات تكنولوجيا التعليم، وعلم النفس التعليمي ، المناهج وطرق التدريس، شهدت الساحة العلمية التربوية صعود عديد من نظريات التعلم وانتشارها ومن ثم هبوطها والتراجع عن تأييدها، يتضح هذا جليا مع النظريات التي كانت تهيمن ذات يوم على مجال التصميم التعليمي . وهذا المد والجزر هو جزء طبيعي من التقدم الأكاديمي والعملي، مدفوعًا بتفاعل عديد من العوامل التي تشكل فهمنا لأساليب التعلم والتدريس الفعّالة.

ولعل جوهر هذا الحراك يكمن في السعي الدؤوب من قبل علماء التربية  وراء الأدلة التجريبية وظهور أبحاث وتقنيات جديدة غيرت من النظرة إلى تلك النظريات والنماذج. فالنظريات التي تفشل في الصمود أمام التدقيق العلمي والتوافق مع نتائج الدراسات التطبيقية أو التكيف مع النماذج التكنولوجية الجديدة غالبا ما تتلاشى في طيات النسيان أو في أحسن الأحوال يكون مكانها بين الكتب التي تؤرخ للمجال. وفي الوقت نفسه، فإن سوء تطبيق النظريات المعقدة وتبسيطها بشكل مفرط في المجال التطبيقي، يؤدي في الغالب لعدم تحقيقها للنتائج المرجوة منها، مما يؤدي كمحصلة إلى تراجع المعلمين والمصممين التعليميين عن استخدامها. وربما ظهر هذا واضحا بشكل خاص مع بعض المفاهيم الشائعة حول أساليب التعلم و الذكاءات المتعددة، ومخروط الخبرة ، وهرم التعلم وغيرها، والتي على الرغم من الاهتمام بها في بادئ الإمر إلا أنها واجهت انتقادات كبيرة بسبب افتقارها إلى الدعم التجريبي وصعوبة التطبيق العملي.

وعلاوة على ما تقدم، فقد أدى الاهتمام المتزايد بالمناهج التي تركز على الطالب وتحكمه في تعلمه والاهتمام بطرق تدريس أكثر تعاونية ومرونة إلى جعل التركيز على بعض نظريات التعلم القديمة يتراجع. ومع التقدم في علم الأعصاب والبحوث حول الذاكرة ، ظهرت لنا أدلة تجريبية وأدوات قياس علمية أكثر دقة أدت لظهور أدلة أيدت أو اختلفت مع تصورات وافتراضات لنظريات سابقة.

في المقال الحالي نستكمل تناول بعض المفاهيم والنظريات التي تراجع الاهتمام بها أو ظهرت أدلة تجدريبية تناقض الافتراضات التي بنيت عليها وتحديدا أساليب التعلم ونظرية الذكاءات المتعددة وهما مرتبطان ببعضهما البعض حتى أن جارتنر بنى تصوره في فكرة الذكاءات المتعددة على نقد أساليب التعلم ، وعارض مؤيدو فكرة أساليب التعلم نظرية الذكاءات المتعددة لذلك آثرت الجمع بينهما في الجزء الثاني من مقال “نظريات ونماذج لم تعد مستخدمة في التصميم التعليمي”

أساليب التعلم Learning Styles

لم يشهد مفهوما في مجال علم النفس التعليمي جدلا واسعا في العقدين الماضيين كما شهده مفهوم أساليب التعلم Learning Styles، ولنفهم لماذا مثلت أساليب التعلم خلافاً بين التربويين، يجب علينا أولًا تعريفها بشكل واضح. حيث تفترض فكرة أساليب التعلم وجود طرق ثابتة ومتسقة يتلقى الفرد من خلالها المعلومات وينظمها ويعالجها ويتذكرها، وبالتالي فإن تدريس هذه الطرق يُحسن تحصيل الطلاب.

على سبيل المثال، يفترض أحد المفاهيم الشائعة في أساليب التعلم أن طريقة تقديم المعلومات تلعب دورًا رئيسيًا في مدى استيعابنا لهذه المعلومة وتذكرها، فـ “المتعلم البصري” يتعلم بشكل أفضل من خلال الرؤية، بينما يتعلم “المتعلم السمعي” بشكل أفضل من خلال الاستماع إلى المعلومات أو شرحها له. وبناءً على ذلك، تقترح فكرة أسلوب التعلم أنه باستخدام الوسائل التعليمية البصرية، سيتمكن المتعلم البصري من تنظيم المعلومات والاحتفاظ بها بشكل أفضل من المتعلم السمعي مثلًا. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم أساليب التعلم قد ورد في عدد من النظريات حاولت كل منها الربط بين الاستعداد لدى المتعلم والمعالجة للمحتوى التعليمي لكنها تندرج تحت عنوان جامع يمكن أن نطلق عليه ” نظريات أساليب التعلم”

ما أساليب التعلم التي أشارت إليها النظريات؟

تناولت عديد من النظريات أساليب تعلم مختلفة ووضعت أدوات لقياسها أغلبها اتخذ شكل أستبانات التقدير الذاتي، ويلاحظ أنه أحيانا يشار إلى تلك النظريات بمسمى “نماذج” ولا يتسع المجال لمناقشة ذلك لكن لعل أشهر تلك النظريات تلك الممثلة في الشكل التالي:

نظريات أساليب التعلم

نموذج فليمنج VAK/VARK: يعد نموذج فليمنج VAK (البصري-السمعي-الحركي) من أكثر التصنيفات شيوعًا واستخدامًا لأساليب التعلم. يوفر نموذج VAK طريقة بسيطة لشرح وفهم أساليب التعلم. اعتقد فليمنج أن هناك ثلاث فئات من اساليب التعلم تؤثر على تفضيلات المتعلمين واختياراتهم للمحتوى هي؛

  • الأسلوب البصري – يفضل هؤلاء المتعلمون التعلم من خلال الرؤية. هم يفكرون بالصور. يحبون تلقي معلوماتهم من خلال محتوى بصري كالصور والنصوص المكتوبة والأشكال التوضيحية.
  • الأسلوب السمعي- يفضل هؤلاء المتعلمون التعلم من خلال الاستماع. يحبون المحاضرات والمناقشات والأشرطة.
  • الاسلوب الحركي- يفضل هؤلاء المتعلمون التعلم من خلال الخبرة عن طريق الحركة واللمس والقيام بالأشياء. كما يحبون الاستكشاف والتجريب مثل مشاريع العلوم وبناء الهياكل أو النماذج والتجارب النشطة.
  • في عام 1992 طور فليمنج وميلر نموذجه وأضاف أسلوب رابع هو القرائي الكتابي وعرف بنموذج VARK، وفي الأسلوب القرائي الكتابي عزل فليمنج وميلر قراءة المقالات والعروض التقديمية فبعد أن كانت المعلومات الممثلة في شكل كلمات توضع ضمن النمط البصري عزلها ووضعها في فئة مستقلة، حيث وجد أن أصحاب هذا الأسلوب يفضلون قراءة المقالات والنصوص المكتوبة والشروحات والاحتفاظ بملاحظات مكتوبة ويمتلكون مهارات التلخيص.

على الرغم من الاستخدام الواسع لنموذج أساليب التعلم VARK واحتوائه على بعض المزايا، إلا أنه واجه أيضًا بعض الانتقادات. فيما يلي بعض أكثر الانتقادات شيوعًا لنموذج VARK:

  • التبسيط المفرط: رأي البعض أن نموذج VARK يبالغ في تبسيط أساليب التعلم من خلال تصنيف الأفراد (إلى) أربع فئات متمايزة. ومع ذلك، فإن تعلم الإنسان عملية متعددة الأوجه، وغالبًا ما يفضل المتعلمون الجمع بين أكثر من أسلوب لا الاقتصار على أسلوب واحد.
  • التركيز المحدود على السياق والمحتوى: يرى المنتقدون بأن نموذج VARK لا يأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ تأثير السياق أو المحتوى الذي يتم تعلمه وطبيعته من الجوانب الشكلية والموضوعية. فقد تختلف تفضيلات التعلم اعتمادًا على موضوع الدراسة، أو تعقيد المحتوى، أو المعرفة والخبرة السابقة للفرد.
  • عدم الاهتمام الكافي بالفروق الفردية: يركز نموذج VARK بشكل أساسي على التصنيف وفقا لاساليب حسية (البصرية، السمعية، إلخ) ولا يضع في الاعتبار الفروق الفردية بين المتعلمين، مثل اختلاف الأساليب المعرفية أو سمات الشخصية أو الخلفيات الثقافية، والتي يمكن أن تؤثر على تفضيلات التعلم والنتائج.
  • عقلية ثابتة والنمطية: يجادل بعض النقادين بأن نموذج VARK يمكن أن يؤدي إلى عقلية ثابتة ويعزز الصور النمطية حول قدرات الأفراد وأساليب التعلم المفضلة لديهم. وقد يحد عن غير قصد من تصورات المتعلمين عن إمكاناتهم الخاصة ويحبطهم عن استكشاف استراتيجيات تعلم أخرى.

نموذج كولب لأسلوب التعلم

قدم «ديفيد كولب» نظريته التعليمية التجريبية في كتابه المنشور عام 1984 «التعلم التجريبي: التجربة هي مصدر التعلم و التطور»، كما عرض نموذجاً لتطبيقها العملي، ويرتكز البيان التفصيلي لأسلوب كولب التعليمي على ضرورة بناء التعلم على أساس التجربة، وعلى أهمية نشاط الشخص أثناء عملية التعلم، وعلى أن الذكاء هو نتيجة التفاعل بين الشخص والبيئة. وقد أظهر كولب أنه يمكن رؤية أساليب التعلم على أنها سلسلة متصلة من التجربة المادية، والملاحظة، وتحديد المفاهيم المجردة، والتجريب العملي من حيث استخدام النظريات في حل المشاكل واتخاذ القرارات.

تستخدم نظرية كولب ذات المراحل الأربع نموذجاً ببعدين، وتستطيع أن تفكر في البعد الأول كما هو واضح في الشكل التالي، فهو بعد أفقي ويعتمد على المهمة، يبدأ في اليمين من مراقبة المهمة «الملاحظة» وينتهي في اليسار بأداء مهمة «الفعل أو الأداء»، بينما يمتد البعد الثاني عمودياً، ويعتمد على التفكير والشعور حيث يكون الشعور في أعلى المحور «مشاعر مستجيبة» والتفكير في أسفل المحور «مشاعر متحكم بها».

وتعمل نظرية التعلم التجريبي لكولب على مستويين: دورة تعلم من أربع مراحل وأربعة أساليب تعلم منفصلة، تتضمن مراحل التعلم ما يلي:

دورة التعلم عند كولب https://www.simplypsychology.org/learning-kolb.html
  • تجربة ملموسة : يواجه المتعلم تجربة ملموسة. قد تكون هذه تجربة أو موقف جديد، أو إعادة تفسير للتجربة الموجودة في ضوء المفاهيم الجديدة.
  • الملاحظة التأملية للتجربة الجديدة : يعكس المتعلم التجربة الجديدة في ضوء معرفتهم الحالية. ومما له أهمية خاصة أي تناقضات بين الخبرة والفهم.
  • التصور المجرد : يؤدي التفكير إلى ظهور فكرة جديدة، أو تعديل لمفهوم مجرد موجود (لقد تعلم الشخص من تجربته).
  • التجريب النشط :تحتاج المفاهيم التي تم تكوينها أو تعديلها حديثًا إلى التطبيق . يطبق المتعلم فكرته (أفكاره) على العالم من حوله ليرى ما يحدث.
نموذج كولب لأساليب التعلم
https://www.simplypsychology.org/learning-kolb.html

تخيل أن التعلم بمثابة دورة، حلقة مستمرة نختبر فيها، ونتأمل، ونفكر، ونتصرف. هذا هو جوهر دورة التعلم عند كولب، والتي طورها عالم النفس ديفيد كولب. تشير دورة التعلم التي وضعها كولب إلى أننا نتعلم بشكل أفضل عندما ننخرط بنشاط في كل خطوة. أنها تنطوي على الخبرة والتفكير والتصور والتجريب النشط.

ويعتبر ديفيد كولب أساليب التعلم مزيجا من الأساليب الفردية المفضلة لدى المتعلمين ، والتي تعتمد بدورها على دورة تعليمية من أربعة مراحل: تجربة ملموسة، والتجريد المفاهيمي، المشاهدة التأملية، والتجريب الفّعال ويمكن أختصار أساليب التعلم عن ديفيد كولب كالتالي:

  • أسلوب التجميع: يعتمد على التطبيق العملي للأفكار و المفاهيم التي يتم جمعها واستخدام المنطق الاستنتاجي في حل المشاكل.
  • أسلوب الاختلاف: مفيد في تنمية الأفكار الإبداعية ورؤية الأشياء من منظور مختلف ويميل نحو التجربة الملموسة والمشاهدة التأملية.
  • أسلوب الاستيعاب: يكون المتعلم فيه قادر على خلق نماذج نظرية عن طريق الاستدلال الاستقرائي ويتميز بتلقي المفاهيم المجردة والمشاهدة التأملية.
  • أسلوب التكيف: يعتمد على التداخل الاجتماعي بين الأفراد واستخدام الخبرات الملموسة والتجارب الفعلية بدل القراءة والدراسة.

وقد أدى نموذج ديفيد كولب إلى ظهور طريقة تقييم تستخدم لتحديد أسلوب التعلم الفردي وقد يُفضل المتعلم من خلالها أسلوب واحد أو عدة أساليب وفقا للنمط المعرفي الخاص به. 

 

نموذج أساليب التعلم 4MAT

https://4mat4learning.com.au/what-is-4mat

طورته بيرنيس مكارثي، وهو إطار شامل مصمم لتعزيز التعليم والتعلم من خلال معالجة الطرق المتنوعة التي يدرك بها الأفراد المعلومات ويعالجونها. يدمج هذا النموذج رؤى من أساليب التعلم لديفيد كولب ومفهوم تفضيلات نصفي الدماغ، مما يخلق نهجًا ديناميكيًا للتعليم يلبي العمليات المعرفية المختلفة.

يتبنى النموذج الفرضية القائمة على أن التعلم يتضمن التفاعل بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر. النصف الأيسر – يعمل بشكل أفضل من خلال البنية والتسلسل. يفضل اللغة، ويتبع التسلسل، ويفحص العناصر، ويمتلك حس الأرقام. يعمل على تحليل المعلومات أو تقسيمها. بينما النصف الأيمن – يعمل انطلاقًا من الوجود، ويفهم الصور، ويبحث عن الأنماط، ويخلق الاستعارات، ويكون متزامنًا. يسعى إلى تجميع المعلومات وتوحيدها. إن التفاعل بين النصف الأيمن والأيسر أمر بالغ الأهمية للتعلم والتفكير العالي. فهو يوفر عمقًا أكبر للفهم ويشجع التعبير الإبداعي وحل المشكلات.

 

 

المعالجة

الإدراك

الإدراك

يتمحور نموذج 4MAT حول بعدين أساسيين: الإدراك والمعالجة. هذان البعدان يحددان كيفية استقبال المتعلمين للمعلومات الجديدة وما يفعلونه بها. يحدد النموذج أربعة أساليب تعلم متميزة، كل منها مرتبط بسؤال محدد يوجه عملية التعلم:

  1. المتعلمون المبتكرون: يتعامل هؤلاء المتعلمون مع المعلومات من خلال الإحساس والشعور، ويعالجونها بشكل تأملي. يسعون إلى المعنى الشخصي والروابط، وغالبًا ما يسألون “لماذا؟” لفهم أهمية ما يتعلمونه.
  2. المتعلمون التحليليون: يركز هؤلاء على الفهم المفاهيمي، ويدركون المعلومات بشكل مجرد ويعالجونها بشكل تأملي. يدفعهم السؤال “ماذا؟” حيث يسعون إلى الحقائق التفصيلية والتفسيرات المنطقية.
  3. المتعلمون ذوو الحس المشترك: يفضل هؤلاء الأفراد حل المشكلات بنشاط والخبرات العملية. يدركون المعلومات بشكل مجرد لكنهم يعالجونها بنشاط، ويسألون باستمرار “كيف؟” لتطبيق المعرفة في المواقف العملية.
  4. المتعلمون الديناميكيون: يركز هؤلاء على الاكتشاف الذاتي، ويدركون بشكل ملموس ويعالجون بنشاط. يزدهرون في استكشاف الاحتمالات ويسألون “ماذا لو؟” لتجربة الأفكار والسيناريوهات الجديدة.
رغم شعبية نموذج 4MAT وانتشار استخدامه، فإنه يواجه بعض الانتقادات لعل منها :

نقص الأدلة العلمية القوية:

    • هناك محدودية في الدراسات التجريبية الصارمة التي تثبت فعالية النموذج بشكل قاطع.
    • بعض الباحثين يشككون في الأساس النظري للنموذج، خاصة فيما يتعلق بارتباطه بوظائف الدماغ.

التبسيط المفرط:

    • قد يؤدي تصنيف المتعلمين إلى أربعة أساليب فقط إلى تجاهل التعقيد الحقيقي للفروق الفردية في التعلم.
    • النموذج قد لا يأخذ في الاعتبار العوامل الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على التعلم.

صعوبة التطبيق العملي:

    • قد يجد المعلمون صعوبة في تصميم دروس تلبي احتياجات جميع أساليب التعلم في وقت واحد.
    • تطبيق النموذج بشكل كامل قد يستهلك وقتًا وموارد كبيرة.

خطر التنميط:

    • قد يؤدي تصنيف الطلاب إلى فئات محددة حسب أساليب تعلمهم إلى وضع توقعات مسبقة لسلوكهم وطرق اكتسابهم للمعرفة قد تحد من تطورهم.
    • قد يتجاهل النموذج قدرة المتعلمين على التكيف واستخدام استراتيجيات تعلم متنوعة.

عدم مراعاة التغيرات في أساليب التعلم:

    • النموذج قد لا يأخذ في الاعتبار أن أساليب التعلم المفضلة للفرد قد تتغير مع الوقت أو حسب الموضوع.

التركيز على الأسلوب على حساب المحتوى:

    • قد يؤدي الاهتمام المفرط باتباع أساليب التعلم المختلفة إلى إهمال جودة المحتوى التعليمي نفسه.

عدم مراعاة الفروق الفردية والذكاءات المتعددة:

    • النموذج قد لا يتناسب بشكل كافٍ مع نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد جاردنر.

صعوبة القياس والتقييم:

    • قد يكون من الصعب قياس فعالية النموذج بشكل موضوعي، خاصة في ظل تعدد المتغيرات التي تؤثر على نتائج التعلم.
رغم هذه الانتقادات، يظل نموذج 4MAT أداة مفيدة للمعلمين الذين يسعون لتنويع أساليبهم التدريسة وتلبية احتياجات المتنوعة والفردية لطلابهم. ومع ذلك، من المهم استخدامه بحذر وكجزء من مجموعة أوسع من الاستراتيجيات التعليمية.
 

عوامل مشتركة بين مختلف أساليب التعلم

بشكل عام، تفترض معظم النظريات التي تناولت أساليب التعلم فرضين أساسيين:

  • يمتلك كل فرد “أسلوب” تعلم ثابت وقابل للقياس.
  • يؤدي التعليم وفقًا لذلك الأسلوب إلى نتائج تعليمية أفضل، وعلى العكس من ذلك، فإن التعليم بطريقة تتعارض مع أسلوب التعلم الخاص بالطالب سيؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي. ( اي أنه يوجد أرتباط طردي بين أتفاق أسلوب التعلم وبين التحصيل)

بمعنى آخر، إذا كنت متعلمًا بصريًا، فيجب أن تتعلم بشكل أفضل إذا رأيت الأشياء بغض النظر عن الموقف. وإذا كنت متعلمًا حركيًا، فستتعلم بشكل أفضل إذا تمكنت من لمس الأشياء والتفاعل معها بشكل مباشر بغض النظر عن الموضوع. ومع ذلك، لا يوجد أي بحث علمي يدعم أيًا من هذين الافتراضين. بل على العكس فقد قامت عدة دراسات أكاديمية بمحاولات إثبات خطأ فكرة أساليب التعلم لعل أبرزها وأكثرها شهرة دراسة باشلر وآخرون (2009) والتي راجعت نتائج الدراسات التجريبية التي اختبرت الفرضيات القائمة على أساليب التعلم، وجاء بعدها دراسات أخرى مثل كيرشنر (2017) ،و أسلاكسن ولورس (2018)، واللتان استخدمتا التحليل البعدي ومراجعة الأدبيات لمراجعة نتائج الدراسات التجريبية التي تناولت أساليب التعلم.

هل يمكن قياس أساليب التعلم ومدى ثباتها؟

تنص الفرضية الأولى على أنه “يمتلك كل فرد أسلوب تعلم ثابت وقابل للقياس”، والواقع أن هناك بالفعل أكثر من 50 نظرية مختلفة لأساليب التعلم ابتكرها باحثون مختلفون، حاولت تلك النظريات إيجاد علاقة بين الفرد وكيفية مساعدته على التعلم. تقترح بعض النظريات أن طريقة تقديم المعلومات مهمة (مثل نظرية VARK )، بينما ترى بعض النظريات أن تفاصيل مثل الوقت من اليوم ودرجة حرارة الغرفة تؤثر على أسلوب التعلم ، وبالتالي فإن أسلوب التعلم ليس ثابتا.

إن تعدد أساليب التعلم هذه يجعل من الصعب قياس أسلوب تعلم الطالب وفهمه. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد معظم اختبارات تحديد أسلوب التعلم على تقارير الطلاب الذاتية حول الطريقة التي يعتقدون أنهم يتعلمون بها بشكل أفضل. وعادة لا يتم التحقق من صحة هذه التقارير الذاتية بأي شكل من الأبحاث.

بشكل عام، يصعب على البشر الحكم على كيفية تعلمهم بأنفسهم. لذلك، فإنه من المحتمل أن تقيس هذه الاستطلاعات “تفضيلات المتعلم” بدلاً من “أسلوب التعلم”. قد تعتقد أنك متعلم سمعي، ولكن إلى أن يتم التحقق من أنك تتعلم بشكل أفضل من خلال المحتوى المسموع، فهذا يعتبر تفضيلًا وليس أسلوبًا.

أخيرًا، فإن “الأساليب” غير مستقرة وغير موثوقة. تشير الأبحاث حول أساليب التعلم إلى أن هذه التفضيلات قد تكون غير مستقرة – فهي ترتبط بنسبة كبيرة بموضوع التعلم وبيئة التعلم، كما أنها تتغير مع مرور الوقت مع نفس المتعلم.

هل يؤدي التصميم التعليمي للمحتوى أعتمادا على أساليب التعلم إلى تعلم أفضل؟

يبنى على الفرض الثاني سؤال هام مفاده؛ هل يؤدي التعليم وفقًا لأسلوب تعلم الفرد إلى تحصيل أفضل؟ ببساطة، لا يوجد دليل يدعم فكرة أن التعليم وفقًا لأسلوب التعلم المحدد للشخص يؤدي إلى تعلم أفضل. لم تظهر أي دراسة أن التعليم وفقًا لأسلوب التعلم المحدد يؤدي إلى تحسين القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات أو إلى نتائج تعليمية أفضل أو نجاح أكبر للطالب. بدلًا من ذلك، ترى عديد من الدراسات أن التعليم وفقًا لأسلوب التعلم الذي يحدده الفرد نفسه ليس له أي تأثير على تعلم الأطفال أو البالغين.

نقد نظرية ويلنجهام التعليمية، لأساليب التعلم

لا اخفيكم سرا أن قراءتي لنظرية ويلنجهام وتركيزه على نقد فكرة أساليب التعلم وفكرة القولبة والتنميط بشكل عام أحد الدوافع التي جعلتني أضم أساليب التعلم إلى هذه السلسلة الخاصة بالنظريات والنماذج التي تراجع استخدامها في التصميم التعليمي، وفي البداية أشير إلى أن نظرية التعلم لويلينجهام هي إطار تعليمي يركز على أهمية المعرفة الواقعية والممارسة في عملية التعلم.

تركز نظرية التعلم لدانيال ويلينجهام على أهمية المعرفة الواقعية والممارسة في تعزيز عملية التعلم. يرى ويلينغهام أن المعرفة السابقة تشكل الأساس لتطوير المهارات العقلية مثل التفكير المنطقي وحل المشكلات، حيث إنها تحرر الذاكرة العاملة للتركيز على المهام الأكثر تعقيدًا. كما يؤكد على أن الممارسة المنتظمة والجهد المستمر هما المفتاح لإتقان المعرفة والمهارات، مما يؤدي إلى أداء تلقائي وفعال.
على جانب آخر ينتقد ويلنجهام بشدة نظرية أساليب التعلم التقليدية، مشيرًا إلى أن التركيز على أسلوب تعلم معين للطلاب ليس بنفس أهمية تقديم محتوى غني ومفهوم.
بالإضافة إلى ذلك، تركز النظرية على أهمية الفهم العميق للمعنى والسياق بدلاً من التمسك بأساليب تعلم مفضلة. يدعو ويلينغهام إلى تصميم مشكلات تعليمية تتحدى الطلاب دون أن تكون صعبة للغاية، مما يعزز التفكير النقدي والتطور المعرفي. كما يشدد على أهمية الممارسة الجسدية للحركات المرتبطة بالمهام التعليمية وتنمية التنظيم الذاتي والسلوك الاجتماعي المناسب لدى الطلاب.
وعلى الرغم من فاعلية هذه النظرية في تقديم إطار عملي للتعليم، إلا أنها تواجه بعض الانتقادات، مثل قلة التركيز على الفروق الفردية بين الطلاب وصعوبة قياس نتائجها بشكل دقيق. ومع ذلك، تظل نظرية ويلينجهام أداة قيمة لتحسين استراتيجيات التعليم والتعلم في البيئات المختلفة.
وقد وجه ويلينجهام عدة انتقادات لأساليب التعلم، أبرزها:
  1. عدم وجود أدلة علمية قوية تدعم فعالية تطبيق أساليب التعلم في التعليم.
  2. التركيز على تحديد نمط تعلم معين للطالب قبل تعلم المحتوى الفعلي غير مجدٍ.
  3. أهمية التركيز على فهم المعنى والسياق بدلاً من الاهتمام بأسلوب التعلم المفضل.
  4. تجاهل أهمية المعرفة الواقعية والممارسة المنتظمة في عملية التعلم.
  5. المبالغة في تبسيط عملية التعلم المعقدة من خلال حصرها في أساليب محددة.
ويرى ويلينجهام أن التركيز على المحتوى الغني والفهم العميق أكثر أهمية من محاولة تحديد نمط أو أسلوب تعلم معين للطالب.
نقد أنماط التعلم - نظرية ويلنجهام

بدائل لأساليب التعلم

هناك العديد من المقولات الشائعة التي تفتقر إلى دليل مادي عن نجاح استخدام “أساليب التعلم”. ولكن إذا لم تكن أساليب التعلم مدعومة علميًا، فكيف نفسر هذه النجاحات المزعومة؟

بمعنى آخر، هناك تفسيرات بديلة لزيادة التحصيل الدراسي من خلال استخدام أساليب تعليمية متعددة، دون الحاجة إلى تصنيف الطلاب حسب أساليبهم؟

قد نجد الإجابة في نظريات مثل نظرية التعلم متعددة الوسائط/ الوسائل ، و نظرية الترميز المزدوج وعدد من النظريات الأخرى.

التعلم متعدد الوسائط

يوضح التعلم متعدد الوسائط كيف يتحسن التعلم من خلال استخدام طرق تدريس متنوعة.

يتطلب التعلم تركيزًا مستمرًا. وبالتالي، إذا تمكن المعلم من جذب انتباه الطلاب والحفاظ عليه، فمن المرجح أن تتحسن نتائج التعلم.

يؤدي تقديم المحتوى بأشكال متعددة – سواء من خلال الأنشطة العملية أو الوسائط المختلفة – إلى جذب انتباه الطلاب بطرق مختلفة، ويطلب من المتعلمين ربط المعرفة بطرق جديدة.

عندما يستخدم المعلم أساليب ووسائط متعددة، يصبح التعلم أكثر إثارة للاهتمام، ويولي الطلاب اهتمامًا أكبر، مما يؤدي إلى تعلم أفضل.

درس ماير وزملاؤه (2001، 2003) على نطاق واسع كيفية تعلم الطلاب باستخدام الوسائط المرئية والسمعية، وتفاعلهما معًا.

وخلص هو وزملاؤه إلى أن تقديم تدفقات مزدوجة من المعلومات من خلال أساليب متعددة يشجع المتعلمين على بذل المزيد من الجهد لفهم المواد، مما يؤدي إلى تعلم أفضل.

قد يكون سبب عدم فعالية أبحاث أساليب التعلم هو أنها تُظهر في الواقع أن التعليم باستخدام وسائط مختلفة يكون أكثر إثارة للاهتمام للطلاب بدلاً من تلبية أسلوب تعلم معين.

خطورة المبالغة في الاعتماد على أساليب التعلم

في حين أن نوايا استخدام أساليب التعلم قد تكون نبيلة ، إلا أن آثارها الجانبية قد تكون أكثر سلبية من الفائدة التي تقدمها. من ناحية الإيجابيات، فإن التفكير في كيفية التعلم هو جانب إيجابي يساعد على تصميم المحتوى بشكل يدعم التعلم. ومع ذلك، فإن التركيز على أسلوب محدد يوحي بأن المتعلمين مجرد متلقين سلبيين للمعلومات يتأثرون بطريقة التدريس أو تصميم المحتوى وهو جانب سلبي.

كذلك تفترض أساليب التعلم أن هناك طريقة واحدة لكل فرد يتعلم من خلالها بشكل أفضل.والواقع يشير إلى أن التعلم عملية معقدة وليست سهلة. إنه يتطلب جهدًا ويستغرق وقتًا! ولا يرتبط كثيرًا بالطريقة التي تُقدم بها المعلومات للمتعلم، وإنما بكيفية معالجة المتعلم لتلك المعرفة بمجرد حصوله عليها. من المهم أن نتذكر أن التعلم مسؤولية المتعلم نفسه.

 

التيار المؤيد لأساليب التعلم

على الرغم من أن مفهوم أساليب التعلم قد تم دحضه إلى حد كبير كنظرية علمية، إلا أنه لا يزال موجودًا في عدد من مشاريع تطوير البرامج التعليمية ومراجع التصميم التعليمي للأسباب التالية:

1. سوء تفسير الأبحاث

  • فكرة أساليب التعلم تجذب الفكرة البديهية بأن الناس يتعلمون بطرق مختلفة. على الرغم من أن الأبحاث أظهرت عدم وجود أدلة قوية تدعم التعليم المخصص لفئات معينة، إلا أن الفكرة الأوسع للتعلم الشخصي تظل ذات قيمة.
  • يسيء العديد من المعلمين والمصممين فهم هذا المفهوم باعتباره مفيدًا عالميًا، متجاهلين الافتقار إلى الدعم التجريبي.

2. ممارسات موروثة

  • كانت أساليب التعلم إطارًا مهيمنًا في التعليم لعقود. الكتب الدراسية وبرامج التدريب وتصميمات الدورات القديمة لا تزال تدمج هذه الأفكار، مما يعزز استمرار استخدامها.
  • لم يتم تحديث المواد التعليمية القديمة وبرامج تدريب المعلمين لتعكس الأبحاث الحديثة.

3. الجاذبية البسيطة

  • بساطة نموذج أساليب التعلم تجعله أداة جذابة للمعلمين والمصممين التعليميين. فهو يقدم طريقة مباشرة لتصنيف المتعلمين والتفكير في تنويع طرق التعليم.
  • يتماشى هذا النموذج بشكل جيد مع الحاجة إلى تصميم شامل، حتى وإن لم يكن مدعومًا علميًا.

4. التركيز على التنوع في التفاعل

  • على الرغم من أن التطبيق الصارم لأساليب التعلم فيه عديد من العيوب ، فإن توظيف طرق تدريس متنوعة (مثل العروض التفاعلية، الأنشطة العملية، والنقاشات) يتماشى مع أفضل الممارسات في التصميم التعليمي. هذا النهج يضمن تفاعلًا أوسع دون الاعتماد المباشر على تصنيف الطلاب في فئات محددة وفقا لأساليب التعلم.

6. الفوائد العملية المتصورة

  • على الرغم من أن نظرية أساليب التعلم غير مدعومة علميًا، فإن مناقشتها يمكن أن تساعد طلاب التصميم في التفكير في تنوع تفضيلات المتعلمين، مما قد يُحسِّن جودة التصميم التعليمي بشكل غير مباشر.

التحول من أساليب التعلم إلى التصميم العام للتعلم

يمثل الانتقال من أساليب التعلم إلى التصميم العام للتعلم (UDL) تحولاً جوهرياً في النهج التربوي. فبينما تفتقر نظرية أساليب التعلم إلى الدعم العلمي القوي، يستند UDL إلى أبحاث في نظريات التعلم وعلم الأعصاب المعرفي. بدلاً من تصنيف المتعلمين إلى أساليب أو أنماط ثابتة، يركز UDL على إنشاء بيئات تعلم مرنة تستوعب الفروق الفردية، ويهدف إلى توفير وسائل متعددة للمشاركة والتمثيل والتعبير، مما يعالج أسباب التعلم وماهيته وكيفيته. يتميز UDL بتصميمه الشامل الذي يهدف إلى خلق مناهج وطرق تدريس تناسب جميع المتعلمين منذ البداية، مما يقلل الحاجة إلى التكييفات الفردية. كما يركز على تطوير متعلمين هادفين ومبتكرين واستراتيجيين، بدلاً من محاولة ملاءمتهم مع فئات تعلم محددة مسبقًا. هذا التحول نحو UDL يمثل نهجًا أكثر شمولية وأساسًا علميًا أقوى لمعالجة التنوع بين المتعلمين في البيئات التعليمية.
 
 

نظرية الذكاءات المتعددة (MI):

تسلط نظرية هوارد جاردنر للذكاءات المتعددة الضوء على فكرة أن الأفراد يمتلكون أنواعًا مختلفة من الذكاء، مثل الذكاء اللغوي، والذكاء المنطقي الرياضي، والذكاء المكاني، والذكاء الموسيقي، والذكاء الشخصي، والذكاء الداخلي، والذكاء الطبيعي، والذكاء الحركي الجسدي. ومع ذلك، أوضح جاردنر أن نظريته لا تؤيد مفهوم أساليب التعلم، الذي يصنف المتعلمين إلى أنواع ثابتة بناءً على كيفية تفضيلهم لتلقي المعلومات، وأكد على ضرورة الاعتراف بالقدرات المتنوعة دون حصر المتعلمين في قوالب جاهزة، كما أكد على الحاجة إلى التعرف على القدرات المتنوعة دون تقييد المتعلمين بفئات محددة مسبقًا. ويعتقد جارتنر أن تصنيف الطلاب على أساس أساليب التعلم المفضلة يمكن أن يؤدي إلى تبسيط عملية التعلم بشكل مفرط وقد يؤدي إلى ممارسات تعليمية غير فعالة.

بدلا من الاعتماد على أساليب التعلم ركز جارتنر على القدرات المتنوعة حيث يؤكد على أهمية التعرف على مجموعة من الذكاءات بدلاً من حصر المتعلمين في فئات وفقا لأساليب تعلم محددة. ويزعم أن الأفراد قد يتفوقون في مجالات متعددة وأن هذه الذكاءات يمكن أن تتفاعل بطرق معقدة. كما يقترح جاردنر أن التعليم يجب أن يستوعب القدرات المتنوعة للمتعلمين دون تقييدهم بفئات محددة مسبقًا. يشجع هذا النهج على رؤية أكثر شمولاً للتعلم، مما يسمح بأساليب تدريس متنوعة يمكنها إشراك ذكاءات مختلفة.

ويرى جارتنر أنه بدلاً من التركيز فقط على كيفية تفضيل المتعلمين لتلقي المعلومات، يجب التعرف على نقاط القوة لدى هؤلاء المتعلمين ورعايتها. يمكن أن يؤدي هذا إلى تجارب تعليمية أكثر تخصيصًا وفعالية تعتمد على القدرات الفريدة لكل متعلم. كما يمكن للمعلمين إنشاء بيئات تسمح للمتعلمين باستكشاف وتطوير ذكاءاتهم المتعددة، وذلك من خلال أنشطة ومشاريع وتقييمات متنوعة تلبي نقاط القوة المختلفة.

جوانب تأثر التصميم التعليمي بنظرية الذكاءات المتعددة

وقد أثرت كتابات جارتنر على مجال التصميم التعليمي حيث وجهت نظر المصممين التعليميين إلى أهمية عدة ممارسات عند قيامهم بالتصميم التعليمي منها:

تجنب التصنيفات: يجب على مصممي التعليم الامتناع عن تصنيف الطلاب بنوع معين من الذكاء أو أسلوب التعلم. حيث يشير جارتنر إلى  أن “الذكاءات المتعددة لا ينبغي أن تكون في حد ذاتها هدفًا تعليميًا” . إن تصنيف الطلاب يمكن أن يحد من إمكاناتهم ويثبط عزيمتهم عن استكشاف طرق أخرى للتفكير والتعلم.

تنوع طرق التدريس : بدلاً من تصميم التعليم وفقًا لأسلوب تعلم محددة، يجب على المصممين دمج طرق متعددة للطلاب للوصول إلى المعلومات والتفاعل معها. يتماشى هذا النهج مع وجهة نظر جاردنر بأن التعليم يجب أن يستخدم أهدافًا وقيمًا مخصصة مناسبة للتدريس والموضوع واحتياجات المتعلمين .

التمايز دون تصنيف: في حين أنه من المهم مراعاة الفروق الفردية واحتياجات المتعلمين إلا أنه لا ينبغي أن يستند هذا إلى الذكاءات أو أساليب التعلم المهيمنة المتصورة. يقترح جاردنر تخصيص الدروس على أساس احتياجات الطلاب واهتماماتهم بدلاً من تصنيفهم إلى  فئات محددة مسبقا.

إتاحة تجارب تعلم غنية ومتعددة: يجب على مصممي التعليم إنشاء دروس تشرك ذكاءات مختلفة، ليس لتتناسب مع أساليب التعلم المحددة، ولكن لتوفير تجارب تعليمية غنية ومتعددة الأوجه. يمكن أن يساعد ذلك على تحفيزهم لتطوير جوانب القصور / الضعف لديهم. على سبيل المثال، تصميم نشاط يمارس في الهواء الطلق ويستخدم الملاحظة الموجهة والرسم والعد لمعالجة مختلف أنواع الذكاءوإتاحة خبرات تعلم متعددة.

التركيز على المعالجة، وليس الإدخال: يؤكد جاردنر على أن لا يهم أي حاسة نستخدمها لالتقاط المعلومات – ما يهم هو كيف يعالج دماغنا هذه المعلومات” . يجب أن يركز تصميم التعليم على كيفية معالجة الطلاب وفهمهم للمعلومات بدلاً من الأسلوب الحسي للإدخال.

لتركيز على الممارسات القائمة على الأدلةevidence-based practices: يجب على مصممي التعليم التركيز على “التعليم المتنوع الذي يتميز بالكفاءة والجاذبية والديناميكية، ويستخدم التقنيات الأكثر ملاءمة لكل موضوع/مفهوم يتم تدريسه، حسب خصائص الموضوع ومتطلبات بيئة التعلم.

 أهم الانتقادات الموجهة لنظرية الذكاءات المتعددة:

رغم الزخم الذي حظيت به نظرية الذكاءات المتعددة إلا أنه بدأت كتابات تظهر لنقد هذه النظرية وضحض المرتكزات التي قامت عليها وبدأ الاهتمام بها يتراجع في الفترة الأخيرة ولعل أهم ما وجه إلى هذه النظرية من انتقادات الآتي:

أوجه نقد نظرية الذكاءات المتعددة

الافتقار إلى الأدلة التجريبية: يزعم المنتقدون أن جاردنر لم يجرِ بحثًا تجريبيًا صارمًا لاختبار نظريته. وذكر هانت (2001) أن “نظرية الذكاءات المتعددة لا يمكن تقييمها حتى من خلال قواعد العلم حتى يتم تحديدها بشكل كافٍ عبر أدوات قياس معيارية”

في عام 2021 أجريت دراسة تحليل بعدي بعنوان ” A valid evaluation of the theory of multiple intelligences is not yet possible: ”  Problems of methodological quality for intervention studies حيث قدمت الدراسة مراجعة منهجية وتحليلًا إحصائيًا بعديا لنتائج مجموعة من الدراسات التي تناولت نظرية الذكاءات المتعددة، وذلك لتقييم النتائج المستندة إلى نظرية الذكاءات المتعددة (MIT) على التحصيل الأكاديمي في مواد مثل القراءة والرياضيات والعلوم. شملت العينة النهائية 39 دراسة تناولت 3009 طالبًا من 14 دولة. وقد أظهرت النتائج أن الدراسات التي أظهرت نتائج داعمة للنظرية عانت من عيوب منهجية مثل صغر حجم العينة، عدم وجود مجموعات ضبط فعّالة، وقلة المعلومات عن الأدوات المستخدمة والأنشطة المنفذة. رغم أن العديد من الدراسات المحللة أشارت إلى أداء أفضل للمجموعات المطبق عليها النظرية مقارنة بالمجموعات الضابطة، إلا أن الفريق البحثي للدراسة رأى أن هذه النتائج لا يمكن الاعتماد عليها بسبب تحيزات لدى الفرق البحثية واضحة في أساليب التحليل فضلا عن أوجه القصور المنهجية. لاحظت الدراسة أن الأدلة التجريبية الحالية لا تدعم بشكل كافٍ فعالية تطبيق النظرية في الفصول الدراسية. وقد أوصت الدراسة بإجراء أبحاث مستقبلية ذات جودة عالية تتضمن تصميمات تجريبية صارمة، عينات كبيرة، مجموعات تحكم فعّالة، وتوثيقًا دقيقًا للإجراءات لضمان إمكانية التكرار. كما أكدت على ضرورة التركيز على الأدلة العلمية لدعم تطبيق النظرية بدلاً من الاعتماد على آراء المعلمين والمتعلمين.

وبعكس افتقار الدراسات المؤيدة للأدلة التجريبية الحاسمة ، فقد أظهرت دراسات أخرى أن ربط طرق التدريس مع “أساليب تعلم” أو “ذكاءات” الطلاب لم تُظهر تأثيرًا كبيرًا على تحسين التعلم.

. الخلط بين الذكاءات والأنماط المعرفية: يعتقد العديد من العلماء أن الذكاءات التي اقترحها جاردنر هي في الواقع أنماط معرفية وليست بنيات معرفية مميزة. وأن ما سماه جارتنر بالذكاءات هي في الواقع قدرات بينها تداخلات وجوانب ارتباط، وهو لم يقدم لا أدلة تجريبية ولا تبريرات منطقية لما ذهب إليه في نظريته. كما رأى البعض أن معايير جارتنر لتعريف الذكاء فضفاضة جدًا، مما يسمح بضم عديد من القدرات التي لا تعتبر ذكاءً.

رفض فكرة الذكاء العام general intelligence: ترفض نظرية جاردنر مفهوم الذكاء العام والذي يحظى بقبول على نطاق واسع، والذي تدعمه عقود من الأبحاث التجريبية. ويرى منتقدو نظرية جارتنر أنه تجاهل الأدلة التجريبية على الذكاء العام كما أنه لا يعالج بشكل كافٍ النموذج الهرمي للقدرة العقلية الذي يتبناه معظم علماء النفس في المجال. وبالتالي يشكك النقاد استقلالية الذكاءات الثمانية، مشيرين إلى وجود دليل قوي يدعم فكرة “الذكاء العام”  والذي يفسر ارتباط

التناقضات العصبية Neuroscientific inconsistencies: في حين يزعم جاردنر أن كل ذكاء يمكن نسبته إلى جزء معين من الدماغ، فإن عديد من علماء الأعصاب، حتى من يؤيدون نظريته، ما زالوا يؤمنون بفكرة المعالجة المركزية للدماغ.

مشكلات التطبيق في التعليم: لقد أسيء فهم النظرية على نطاق واسع وأسيء تطبيقها في البيئات التعليمية، وغالبًا ما يتم خلطها مع أساليب التعلم، والتي ينتقدها جاردنر نفسه . على جانب آخر تفتقر النظرية إلى خطة تطبيق واضحة في التعليم، مما أدى إلى سوء استخدامها من قبل بعض التربويين. كما أن البحوث التجريبية التي قاست فاعلية طرق التدريس المبنية على نظرية الذكاءات المتعددة لم تقدم أدلة واضحة على قدرتها على تحسين مستوى التعلم.

وبشكل عام وبعد سنوات من تبني النظرية من قبل عديد من الجهات التربوية ، خلصت أغلب الدراسات أن النظرية استند إلى أحكام ذاتية لكاتبها عند تحديد الذكاءات، بدلًا من الاعتماد على بيانات علمية أو تجريبية. وتوصل الكتابات التربوية إلى أن النظرية رغم شعبيتها وتأثيرها الإيجابي على بعض الطلاب، تعاني من ضعف في الأساس العلمي وتحتاج إلى إعادة تقييم أكثر شمولية، كما تدعو تلك الكتابات المعلمين والمصممين التعليميين إلى توخي الحذر من الاعتماد المفرط على النظرية دون التفكير النقدي أو النظر إلى الأدلة التجريبية.

 

 

 

المراجع :

Are There Really Multiple Intelligences? (2020, October 28). Retrieved from https://www.psychologytoday.com/intl/blog/finding-the-next-einstein/202010/are-there-really-multiple-intelligences

Aslaksen, K., & Lorås, H. (2018). The Modality-Specific Learning Style Hypothesis: A Mini-Review. Front Psychol, 9, https://www.frontiersin.org/journals/psychology/articles/10.3389/fpsyg.2018.01538/full

Development & Learning – Study Mind. (2024, April 07). Retrieved from https://studymind.co.uk/notes/development-learning

Ferrero, M., Vadillo, M. A., & León, S. P. (2021). A valid evaluation of the theory of multiple intelligences is not yet possible: Problems of methodological quality for intervention studies. Intelligence, 88.

Furey, W. (2023). The Stubborn Myth of “Learning Styles”. Education Next. Retrieved from https://www.educationnext.org/stubborn-myth-learning-styles-state-teacher-license-prep-materials-debunked-theory

Harrington-Atkinson, T. (2022). VARK Strengths and Weaknesses. Paving the Way. Retrieved from https://tracyharringtonatkinson.com/vark-strengths-and-weaknesses

Howard Gardner’s Theory of Multiple Intelligences | Center for Innovative Teaching and Learning | Northern Illinois University. (2025, January 13). Retrieved from https://www.niu.edu/citl/resources/guides/instructional-guide/gardners-theory-of-multiple-intelligences.shtml

Hunt, E. (2001). Multiple Views of Multiple Intelligence [Review of the book Intelligence reframed: Multiple intelligence in the 21st century, by H. Gardner]. Contemporary Psychology, 46(1), 5–7

Karageorgakis, T. (2023). The lie you were told: Multiple Learning Styles ‘theory’ — Educraft. Educraft. Retrieved from https://educraft.tech/the-lie-you-were-told-multiple-learning-styles-theory

Kirschner, P. A. (2017). Stop propagating the learning styles myth. Computers & Education, Vol. 106, 166–171. doi: 10.1016/j.compedu.2016.12.006

Kolb’s Learning Styles & Experiential Learning Cycle. (2024, June 25). Retrieved from https://www.simplypsychology.org/learning-kolb.html

Peariso, J. F. (2008). Multiple Intelligences or Multiply Misleading: The Critic’s View of the Multiple Intelligences Theory. Online Submission. Retrieved from https://eric.ed.gov/?id=ED500515

Rogowsky, B. A., Calhoun, B. M., & Tallal, P. (2020, February 14). Providing Instruction Based on Students’ Learning Style Preferences Does Not Improve Learning. Frontiers in Psychology, 11. https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2020.00164

Rusconi, G. (2024). Kolb’s Learning Cycle by David Kolb Explained – Cloud Assess. Cloud Assess. Retrieved from https://cloudassess.com/blog/kolb-learning-cycle

Straub, E, O. (2024, march 04). Roundup on Research: The myth of “learning styles” , Online Teaching. Retrieved from https://onlineteaching.umich.edu/articles/the-myth-of-learning-styles

Sweezie, J (2004 ). Why Debunked Learning Styles are still used in our Programs. Retrieved from https://fka.com/learning-styles-debunked-still-introduced-design-development-programs

Terada, Y. (2018). Multiple Intelligences Theory: Widely Used, Yet Misunderstood. Edutopia. Retrieved from https://www.edutopia.org/article/multiple-intelligences-theory-widely-used-yet-misunderstood

Warne, R. T. (2020). In the know: Debunking 35 myths about human intelligence. Cambridge, MA: Cambridge University Press.

Waterhouse, L. (2023). Why multiple intelligences theory is a neuromyth. Front. Psychol., 14, 1217288. doi: 10.3389/fpsyg.2023.1217288, Retrieved from https://www.frontiersin.org/journals/psychology/articles/10.3389/fpsyg.2023.1217288/full

White, J. (2006). The trouble with multiple intelligences. Teaching geography, 31, 82–83. Retrieved from https://www.researchgate.net/publication/292956824_The_trouble_with_multiple_intelligences

white, J. [2005) ‘Hrrrvard Garclner: the Myth of ‘Multiple Inteliigenccs. in ViewPoint No 16, London: lnstitute of Education

Willingham’s Learning Theory: Aim, Evaluation | StudySmarter. (2024, December 05). Retrieved from https://www.studysmarter.co.uk/explanations/psychology/cognition/willinghams-learning-theory

 

 

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!