الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي: نحو حلول أكثر ذكاءً وكفاءة

ملصق مقال بعنوان : الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي: نحو حلول أكثر ذكاءً وكفاءة
منشور ببوابة تكنولوجيا التعليم
د. مصطفى جودت

يشهد التعليم بشكل عام اهتمامًا وتجريبًا متزايدًا لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) وتطبيقاتها كـ ChatGPT، في مختلف جوانب العملية التعليمية، كما تجلى أهمية الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي بشكل خاص والذي أدى الى وجود اهتمام متزايد بتوظيف المساعدات الذكية والوكلاء الأذكياء، حيث أصبحت هذه الأدوات قادرة على تقديم دعم فوري للطلاب عبر روبوتات المحادثة، وتخصيص المسارات التعليمية بناءً على قدرات واهتمامات كل طالب، إلى جانب أتمتة المهام الروتينية مثل التصحيح وإعداد الخطط الدراسية، مما يوفر وقت وجهد المعلمين ويركز جهودهم على الجوانب الإبداعية والتفاعلية. كما أتاح الذكاء الاصطناعي عبر حلول الوكلاء الأذكياء ومن خلال قدرتهم على التعلم من التجارب وتحليل البيانات الضخمة، تقديم توصيات ذكية وإرشاد أكاديمي مخصصة تحاكي توصيات عديد من الخبراء، كما أتاح الوكلاء الاذكياء رصد التحديات الأكاديمية مبكرًا وتقديم تدخلات مناسبة في الوقت المناسب. ويمثل كل من المساعدين الأذكياء والوكلاء الأذكياء فئتين متميزتين من أدوات التعليم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث يمتلكان نماذج تشغيل وتطبيقات مختلفة جوهريًا. فيما يلي، نحلل الاختلافات بينهما، والتطبيقات العملية، وعمليات التطوير الخاصة بكل منهما.

ومع تزايد الاهتمام العالمي بتطوير حلول الذكاء الاصطناعي لخدمة التعليم العالي، برزت إلى تبني استراتيجيات فعالة تضمن الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات، مع مراعاة الجوانب الأخلاقية والتشريعية، وتوفير التدريب اللازم للكوادر الأكاديمية والطلاب على حد سواء. في هذا السياق، يستعرض هذا المقال أبرز مجالات توظيف المساعدات الذكية والوكلاء الأذكياء في التعليم العالي، مع التركيز على كيفية تطوير مساعد ذكي اعتمادا على أحد نماذج اللغات الكبيرة، حيث يرسم المقال إطار عمل لمن يرغب في تطوير مساعد ذكي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي.

الذكاء الاصطناعي بين المساعد والوكيل:

من المهم بادئ ذي بدء أن نفرق بين كل من المساعد الذكي والوكيل الذكي ، حيث يكثر الخلط بينهما باعتبارهما أشهر حلول الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التعليم ، ويمكن تمييزهما بالآتي .

  • المساعدون الأذكياء: أنظمة تفاعلية تستجيب لطلبات المستخدمين، وتقدم دعمًا خاصًا بمهام محددة (مثل الإجابة على الأسئلة أو استرجاع المصادر). بمعنى آخر؛ يمكن تصور هذه الأنظمة كأدوات تجاوبية مع طلبات المستخدم لتقديم المساعدة. إنها تعمل بناءً على طلبات/ أوامر محددة، وتقدم دعمًا مركزًا على إنجاز مهام معينة. وظيفتها الأساسية هي تلبية الاحتياجات الحالية أو الفورية للمستخدم، سواء كانت الإجابة على سؤال بسيط، أو توفير معلومات محددة، أو المساعدة في الوصول إلى مورد تعليمي معين.
  • الوكلاء الأذكياء: أنظمة استباقية ذاتية التشغيل تقوم بتحليل البيانات، واتخاذ القرارات، والعمل بشكل مستقل لتحسين نتائج التعلم دون تدخل صريح من المستخدم. فهي على النقيض من فكرة المساعد الذكي، تتميز هذه الأنظمة بكونها استباقية و ذاتية التشغيل. إنها لا تنتظر الأوامر، بل تقوم بتحليل البيانات بشكل مستمر، واستخلاص الأنماط، واتخاذ القرارات بشكل مستقل بهدف تحسين تجربة التعلم وتحقيق أفضل النتائج التعليمية. تعمل هذه الأنظمة في الخلفية، وتتدخل بشكل ذكي لتوجيه عملية التعلم دون الحاجة إلى تدخل مباشر ومستمر من المستخدم

تطبيقات مساعدات ووكلاء الذكاء الاصطناعي في التعليم

ليس المهم مجرد التفريق في معنى المصطلحين بل الأهم لمتخذ القرار أن يدرك سعة استخدام كل منهما وكيفية بناء هذه الحلول الذكية، فطبيعة الوظيفة المقدمة من كل منهما ومتطلبات البناء ستحدد بشكل كبير قرار تطوير الحلول الذكية سواء كانت مساعد أو وكيل ذكي. ويمكن التمييز بين كل من المساعد والوكيل الذكي من حيث الطبيعة والوظيفة وأسلوب البناء في الآتي :

  • المساعد الذكي في التعليم: من أسمه يتضح أنه برنامج ذكاء الاصطناعي الهدف من ورائه تقديم المساعدة في إحدى مجالات العملية التعليمية دون تدخل حقيقي في مسار تلك العملية . مثال على ذلك؛ برنامج محادثة آلي مثل Mainstay يقدم إجابات فورية لاستفسارات الطلاب حول المواعيد النهائية، والمواد الدراسية، أو الإجراءات الإدارية. مثال آخر؛ أدوات البحث الذكية عن المصادر التعليمية: يمكن للمساعدين الأذكياء أن يساعدوا الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في العثور بسرعة على المقالات الأكاديمية ذات الصلة، أو الكتب، أو مقاطع الفيديو التعليمية بناءً على كلمات مفتاحية أو أسئلة محددة. يمكن لهذه الأدوات أن تقوم بتصفية نتائج البحث بناءً على معايير مختلفة مثل مستوى الصعوبة أو تاريخ النشر. كذلك يمكن للكليات والمؤسسات الجامعية عمل أدلة تفاعلية للطلاب الجدد مدعمة بالذكاء الاصطناعي للإجابة على استفساراتهم وتقديم الدعم لهم., ومن أوضح الأمثلة على المساعدات الذكية ؛ برامج التدقيق اللغوي والنحوي هذه البرامج تساعد الطلاب في تحسين جودة كتاباتهم من خلال تحديد الأخطاء اللغوية والإملائية وتقديم اقتراحات للتصحيح. يمكن دمج تلك البرامج مع برامج معالجات النصوص أو منصات الكتابة الأكاديمية.
    • وظيفة المساعد الذكي: الاستجابة لطلبات محددة (مثل “اشرح دورة الماء في الطبيعة”) باستخدام قواعد معرفية محددة مسبقًا أو تفاعلات تعتمد على معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، أو إبحث عن أهم مصادر التعلم المناسبة لتحضير درس عن أجهزة العرض الضوئي.
    • كيفية البناء:
      • استخد نموذج معالجة اللغة الطبيعية (مثل GPT، Gemini) لتحليل الأسئلة.
      • أستخدم روبوت محادثة يمكن للمستخدم كتابة سؤاله وقد يدعم الصوت البشري كذلك.
      • إحرص على عمل تكامل مع قواعد البيانات المؤسسية (مثل منصات إدارة التعلم LMS) لاسترجاع المعلومات في الوقت الفعلي.
      • التدريب على محتوى تعليمي متخصص لتحسين دقة الاستجابات.
  • الوكيل الذكي في التعليم: هو تطبيق يتجاوز الاستجابة كمساعد إلى التوجيه الفعال. من أبرز الأمثلة عليه أنظمة التقييم التكيفي وهي الأنظمة لا تقدم فقط اختبارات وتقييمات، بل تقوم بتحليل إجابات الطلاب في الوقت الفعلي لتحديد مستوى فهمهم ونقاط ضعفهم. بناءً على هذا التحليل، يقوم الوكيل الذكي بتكييف الأسئلة اللاحقة لتقديم تحديات مناسبة لمستوى الطالب، مما يساعد في تحديد دقيق لمستوى إتقانه للمحتوى التعليمي. مثال ثاني هي منصة DreamBox للتعليم التكيفي ، والتي تراقب أداء الطلاب، وتحدد الفجوات المعرفية، وتعدل ديناميكيًا صعوبة ومحتوى الدرس. كما تضم هذه الفئة كذلك أنظمة التوصية الذكية للمحتوى التعليمي التي تقوم بناءً على تفاعل الطالب السابق مع المواد الدراسية، وأدائه في التقييمات، وأهدافه التعليمية، باقتراح مواد تعليمية إضافية، أو أنشطة تدريبية، أو حتى مسارات تعلم بديلة قد تكون أكثر ملاءمة لاحتياجاته الفردية.
    • الوظيفة: تتجاوز الوظيفة هنا مجرد الاستجابة لطلبات المستخدم لتشمل المراقبة المستمرة، والتحليل التنبؤي، واتخاذ القرارات المستقلة لتوجيه عملية التعلم وتحسين النتائج ، كما تعدل هذه الانظمة بشكل استباقي مسارات التعلم باستخدام التحليلات التنبؤية والتعلم الآلي بناءا على شروط وضعت له من قبل المطور.
    • كيفية البناء: ليس من السهل بناء الوكيل الذكي لأنه يجب أن يكون قادرا على اتخاذ القرار على مستوى النظام ، وبالتالي يتطلب بناء هذه الأنظمة تطبيق خوارزميات تعلم آلي متقدمة لتحليل البيانات التعليمية المعقدة، وتصميم آليات للتغذية الراجعة لضمان فعالية التوصيات والتعديلات، ودمجها بعمق في البنية التحتية التعليمية لضمان التوافق مع الأهداف والمناهج الدراسيةلكن يوصى بالتالي عند بدء مشروع بناء وكيل ذكي في التعليم :
      • تطبيق نماذج التعلم الآلي (مثل التعلم المعزز) لتحليل بيانات تفاعل الطلاب.
      • تصميم حلقات تغذية راجعة لتحسين توصيات المحتوى بناءً على مقاييس الأداء في الوقت الفعلي.
      • التكامل مع معايير المناهج الدراسية لضمان التوافق مع أهداف التعلم.
      • يفضل من حيث كفاءة الإنفاق شراء أحد تطبيقات الوكيل الذكي بناءا على احتياجات المؤسسة الجامعية وتهيئته وربطه ببيانات الجامعة وأنظمتها بحيث تقل تكلفة التطوير ويسهل التحقق من كفاءة النظام من خلال الأدوات القياسية لقياس كفاءة أنظمة التعلم.
جدول يقارن في الوكيل الذكي والمساعد الذكي في الجامعات
رسم مقارن بين المساعد والوكيل الذكي حسب نوع الذكاء الاصطناعي الذي يجب تنفيذه لمهمة ما

دور كل من الوكيل والمساعد الذكي على التعليم:

  • مشاركة الطلاب: بينما يسهل المساعدون الأذكياء الوصول الفوري إلى المعلومات ويقللون من الإحباط الناتج عن البحث عن إجابات بسيطة، يعمل الوكلاء الأذكياء على تعزيز مشاركة الطلاب على المدى الطويل من خلال توفير تجارب تعلم شخصية ذات صلة ومحفزة. التحديات المصممة خصيصًا لمستوى الطالب والحصول على دعم مستمر وموجه يمكن أن يزيد من دافعيته ورغبته في التعلم.
  • التعلم المخصص: يمثل الوكلاء الأذكياء قمة التخصيص في التعليم. قدرتهم على التكيف مع الاحتياجات الفردية لكل طالب على حدة، وتقديم محتوى وتدريس مُصمم خصيصًا له، تحدث ثورة في مفهوم التعلم الفردي. في المقابل، يعزز المساعدون الأذكياء الدعم عند الطلب، مما يتيح للطلاب الحصول على المساعدة التي يحتاجونها عندما يحتاجون إليها، ولكنه لا يغير بشكل أساسي طريقة تقديم المحتوى.
  • قابلية التوسع: كلا النوعين من الأنظمة يساهم في تقليل الأعباء الإدارية على أعضاء هيئة التدريس والمؤسسات من خلال أتمتة بعض المهام الروتينية. ومع ذلك، يتميز الوكلاء الأذكياء بقدرتهم الفريدة على تمكين تعلم فردي واسع النطاق على مستوى المؤسسات دون الحاجة إلى زيادة كبيرة في عدد الموارد البشرية. يمكنهم إدارة وتوجيه تعلم أعداد كبيرة من الطلاب بشكل فعال، وتقديم دعم شخصي لكل منهم.
الحلول الذكية : الوضع الاستباقي ، الوضع التفاعلي ، الوضع التكاملي

وقبل الانتقال إلى الجزء الثاني من المقال والخاص بكيفية تطوير مساعد ذكي بجامعاتنا أحب أن أشير إلى نقطة غاية في الأهمية هي أن أغلب الحلول التكنولوجية

 تطوير مساعد أكاديمي ذكي بجامعاتنا

لعل حلم المساعد الأكاديمي النشط الدؤوب واسع المعرفة – ذلك الذي يمكنه المساعدة في مراجعة وتقييم الأبحاث، وشرح المفاهيم المعقدة، أو حتى الإسهام في صياغة محتوى عالمي – ينتقل بسرعة من حيز الخيال العلمي إلى واقع ملموس. وفي قلب هذا التحول تكمن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). ولكن، كيف نوجه هذه العقول الرقمية متعددة الاستخدامات لتصبح مساعدين أكاديميين فعالين حقًا؟ إنها رحلة تمزج بين تقنيات التدريب المتطورة والفهم العميق للعملية الأكاديمية ذاتها.

نماذج اللغة الكبيرة

تُعد نماذج اللغة الكبيرة الحديثة، التي غالبًا ما تُبنى على معمارية “المحولات” (Transformer)، ذات قدرات كبيرة مثيرة للإعجاب في التعرف على الانماط اللغوية والمفاهيم. فهي مُدرَّبة مسبقًا على مجموعات بيانات هائلة – تشمل مساحات شاسعة من الإنترنت والكتب والمقالات وغيرها. هذا التدريب المسبق يمنحها فهمًا واسعًا للغة والسياق وقاعدة معرفية متنوعة بشكل كبير.

نماذج اللغة الكبيرة ( مفتوحة المصدر ) والتي يمكن استخدامها بشكل مجاني
نماذج اللغة الكبيرة ( مفتوحة المصدر ) والتي يمكن استخدامها بشكل مجاني
https://huggingface.co/spaces/galileo-ai/agent-leaderboard
مقارنة بين أداء النماذج اللغوية مفتوحة المصدر حسب الأداء
مقارنة بين أداء النماذج اللغوية مفتوحة المصدر حسب الأداء
https://huggingface.co/spaces/galileo-ai/agent-leaderboard

أمثلة عملية لمساعدات ذكية مبنية على نمذاج لغوية كبرى

انتقلت نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) بسرعة من كونها أدوات تجريبية لتصبح مكونات أساسية في تكنولوجيا التعليم. وقد مكنت قدرتها على فهم اللغة الطبيعية وتوليدها والتفاعل بها من ظهور مجموعة متنوعة من التطبيقات الواقعية كمساعدات أكاديمية ذكية. فيما يلي أمثلة بارزة توضح تأثيرها في مجالي التعليم والبحث.

  • دوولينجو ماكس (Duolingo Max): تعلم لغات مخصص

قامت دوولينجو (Duolingo)، وهي منصة رائدة في تعلم اللغات، تدمج نماذج اللغة الكبيرة – وتحديدًا GPT-4 – في إصدار “دوولينجو ماكس”. يقدم هذا الإصدار ميزات مثل “اشرح إجابتي” (Explain My Answer)، التي تزود المتعلمين بشروحات مفصلة ومناسبة للسياق لإجاباتهم، و”لعب الأدوار” (Roleplay)، التي تمكن الطلاب من ممارسة محادثات واقعية مع شخصيات افتراضية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي. لا توضح هذه الميزات نقاط التعلم فحسب، بل تحاكي أيضًا الحوار الحقيقي، وتقدم ملاحظات ونصائح لتحسين مهارات المحادثة. أدى دمج نماذج اللغة الكبيرة إلى زيادات قابلة للقياس في تفاعل المستخدمين ومخرجات التعلم لديهم على دوولينجو.

  • أكاديمية خان (Khan Academy): إرشاد تعليمي وإنشاء محتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي

تستخدم أكاديمية خان نماذج اللغة الكبيرة لإنشاء مسائل تدريبية مخصصة واختبارات وواجبات للطلاب. تحلل هذه النماذج بيانات أداء الطلاب لتحديد الفجوات التعليمية وتقديم تدخلات موجهة، مما يضمن تكييف المحتوى التعليمي ليناسب الاحتياجات الفردية. بالإضافة إلى ذلك، تساعد نماذج اللغة الكبيرة المعلمين من خلال إنشاء خطط للمحاضرات وتلخيص الموضوعات المعقدة، مما يبسّط عملية التحضير ويدعم التعليم المتمايز.

  • Pensieve – مساعد تعليمي ذكي من جامعة كاليفورنا بيركي بالتعاون مع جامعة كولومبيا

يستخدم هذا المساعغد نموذج Claude 3.5 وClaude 3.7 Sonnet من Anthropic، حيث يمكنه القيام بالتصحيح التلقائي للواجبات والاختبارات، مما يقلل وقت التصحيح بنسبة 50%، فضلا عن توفير دعم تعليمي شخصي للطلاب على مدار الساعة، وتحويل ملفات PDF إلى أوراق عمل تفاعلية. وقد أدى استخدامه إلى تحسين درجات الطلاب بنسبة 7% في بعض المقررات.

  • Claude for Education – مساعد تعليم تفاعلي ذكي

يستخدم في جامعة نورث إيسترن (Northeastern University)، وكلية لندن للاقتصاد (LSE)، وكلية شامبلين (Champlain College) ، من اسمه يتضح أنه يستخدم نموذج Claude من Anthropic ومن أهم وظائفه ؛ توفير دعم تعليمي متكامل للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، واستخدام الاسلوب السقراطي في المناقشات وجلسات العصف الذهني لتحفيز التفكير النقدي لدى الطلاب، وتوليد أدلة دراسية من المواد التعليمية المقدمة.

  • ChatGPT Edu – منصة تعليمية متكاملة

تستخدمها جامعة ولاية أريزونا (Arizona State University) وعدد من الجامعات الاخرى بالولايات المتحدة الأمريكية، تستخدم نموذج GPT-4o من OpenAI، وتقدم عددا من الوظائف الأكاديمية المتطورة كتحليل البيانات وتلخيص المستندت فضلا عن أنها تقدم إصدار تعليمي مخصص من GPT يستخدم داخل الحرم الجامعي.

تسلسل تفاعل مساعدي الذكاء الاصطناعي
أيا ما كان نوع المساعد الذكي فإن تسلسل تفاعله مع المستخدم يسير وفقا للخطوات الموضحة في الشكل

فضلا عن الأمثلة السابقة توجد عشرات المساعدات المطورة بمؤسسات التعليم العالي تساعد في المجالات التالية :

  • المساعدات الأكاديمية: تلخص وتحلل إتجاهات البحوث الأكاديمية

في البحث الأكاديمي، يُستخدم نماذج اللغة الكبيرة بشكل متزايد لتلخيص المقالات البحثية، واستخلاص النتائج الرئيسية، وتحديد الاتجاهات الناشئة في مجموعات كبيرة من المؤلفات. على سبيل المثال، يمكن للباحثين إدخال أوراق بحثية طويلة أو مجموعات بيانات، وسيقوم النموذج بإنتاج ملخصات موجزة أو إبراز الأنماط المهمة. تُسرّع هذه القدرة من مراجعات الأدبيات وتدعم اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة في المشاريع البحثية⁴⁵.

  • المرشد الأكاديمي الذكي

تعمل نماذج اللغة الكبيرة كمرشدين أكاديميين افتراضيين، قادرين على الإجابة على أسئلة الطلاب، وتوجيههم في حل المشكلات، وتقديم ملاحظات مخصصة. يقومون بتكييف الشروحات لتناسب مستوى المتعلم، ويوضحون نقاط سوء الفهم، بل ويحفزون الطلاب من خلال رسائل تشجيعية. يكتسب هذا الدور قيمة خاصة في الفصول الدراسية الكبيرة أو تلك التي تُعقد عن بُعد حيث يكون الاهتمام الفردي من المعلمين البشر محدودًا.

  • مساعد المحتوى : إنشاء المحتوى وتلخيصه

تُستخدم نماذج اللغة على نطاق واسع لإنشاء محتوى تعليمي، بما في ذلك المقالات والملخصات والمواد التعليمية. على سبيل المثال، يمكن لنموذج GPT-3 والنماذج التي تلته إنتاج نصوص متماسكة شبيهة بالكتابة البشرية للواجبات، أو أدلة الدراسة، أو حتى الأوراق الأكاديمية. يمكنها أيضًا تكثيف المستندات الطويلة تلقائيًا في ملخصات سهلة الاستيعاب، مما يساعد الطلاب والمعلمين على حد سواء في فهم المعلومات الأساسية بسرعة.

  • الترجمة والتجاوب مع اللهجات المحلية

تُسهّل نماذج اللغة الكبيرة مثل Falcon LLM و NLLB-200 وميتا Meta AI الترجمة الفورية عبر مئات اللغات. تدعم هذه القدرة الطلاب الدوليين من خلال توفير ترجمات دقيقة للمواد الأكاديمية، مما يضمن وصولاً أوسع للموارد التعليمية بغض النظر عن الخلفية اللغوية.

  • التطبيقات التفاعلية

إلى جانب هذه الاستخدامات الشائعة، بدأت نماذج اللغة الكبيرة في تشغيل أدوات تعليمية متقدمة مثل برامج المحاكاة التكيفية لتدريب المعلمين، وتجارب التعلم المعززة بالألعاب. حيث تشير هذه التطورات إلى زيادة تخصيص تجارب التعلم وإثرائها.

هل يجب على كل جامعة أن تطور نموذجها اللغوي قبل أن تطور حلولها الذكية ؟

على المستوى الشخصي طرح علي هذا السؤال كثيرا وواجهته حين بدأت في تصميم أول مساعد ذكي للدعم الفني بمنصة التدريب الإلكتروني بجامعة الملك سعود ، حيث أن فهم اللغة العربية بلهجاتها والاصطلاحات الفنية في المطلوبة في حالات الدعم الفني شكل عقبة كبيرة، وتقديم خدمات الدعم على مدار الأسبوع في جميع الأوقات شكل تحديا أكبر ، لكن الإجابة عن السؤال السابق بالتأكيد لأ يجب ذلك ، فيمكن ببساطة استخدام نماذج لغوية مفتوحة المصدر قابلة للتخصيص. وبشكل عام يُوصى بشدة للجامعات حديثة التجربة بالذكاء الاصطناعي وذات الموارد المحدودة أن تستخدم نماذج لغوية كبيرة جاهزة (Pre-trained Large Language Models) كأساس عند إنشاء مساعديها الأذكياء، بدلًا من محاولة تطوير نماذج مماثلة من الصفر، وذلك لعدة أسباب جوهرية وعملية:

التكلفة والحاجة لموارد هائلة (Cost and Resources):

  • الحاجة لقدرات حوسبة ضخمة: يتطلب تدريب نموذج لغوي كبير من الصفر قوة حاسوبية هائلة (آلاف وحدات معالجة الرسوميات GPUs أو وحدات معالجة الموترات TPUs) تعمل لأسابيع أو أشهر، وهو ما يترجم إلى تكاليف باهظة في استهلاك الطاقة وشراء أو استئجار المعدات.
  • توافر البيانات الضخمة (Big Data): تحتاج هذه النماذج إلى مجموعات بيانات ضخمة جدًا (تيرابايتات أو حتى بيتابايتات من النصوص المتنوعة) لتتعلم الأنماط اللغوية والمعرفة العامة. جمع وتنقية ومعالجة هذا الحجم من البيانات يمثل تحديًا لوجستيًا وتقنيًا كبيرًا.
  • الخبرات المتخصصة (Specialized Expertise): يتطلب بناء وتدريب هذه النماذج فرقًا من الباحثين والمهندسين ذوي الخبرة العالية في مجالات تعلم الآلة، ومعالجة اللغات الطبيعية، وهندسة البرمجيات، وهو ما قد لا يتوفر بسهولة أو بتكلفة معقولة لدى معظم الجامعات.

توافر أساس معرفي ولغوي القوي (Strong Foundational Knowledge and Language ):
إن النماذج الجاهزة مثل GPT-4، أو Claude، أو Llama، أو غيرها، تم تدريبها مسبقًا على كميات هائلة ومتنوعة من النصوص (كتب، مقالات، مواقع ويب)، مما أكسبها فهمًا عميقًا للغة، والقواعد النحوية، والسياق، وحتى قدرًا كبيرًا من المعرفة العامة والعالمية. البدء من هذا الأساس يوفر جهدًا ووقتًا هائلين.

الأداء المتقدم والقدرات المثبتة (Advanced Performance and Proven Capabilities):
وصلت النماذج الرائدة حاليًا إلى مستويات أداء عالية جدًا في فهم وتوليد النصوص، والإجابة على الأسئلة، والتلخيص، والترجمة، وغيرها من المهام اللغوية المعقدة. محاولة الوصول إلى نفس المستوى من الأداء من الصفر تمثل تحديًا هائلًا قد يستغرق سنوات من البحث والتطوير.

التركيز على التخصيص والضبط الدقيق (Focus on Customization and Fine-tuning):
بدلًا من إعادة اختراع العجلة، يمكن للجامعات توجيه مواردها المحدودة نحو “الضبط الدقيق” (Fine-tuning) لنموذج جاهز. هذا يعني تدريبه بشكل إضافي على مجموعات بيانات أصغر حجمًا ولكنها متخصصة جدًا وذات صلة بمجالات الجامعة الأكاديمية، أو بمهام المساعد الذكي المطلوبة (مثل الإجابة على أسئلة الطلاب المتعلقة بالمقررات، أو المساعدة في البحث عن مصادر أكاديمية خاصة بالجامعة). هذا النهج أكثر كفاءة ويؤدي إلى نتائج أفضل في المهام المتخصصة.

سرعة التطوير والنشر (Faster Development and Deployment):
استخدام نموذج جاهز يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتطوير ونشر المساعد الذكي، مما يسمح للجامعة بالاستفادة من هذه التقنية بشكل أسرع.

الاستفادة من التحسينات المستمرة (Leveraging Continuous Improvements):
الشركات والمؤسسات التي تطور النماذج اللغوية الكبيرة تستثمر باستمرار في تحسينها وتحديثها. عند استخدام نموذج جاهز (خاصة إذا كان مدعومًا أو مفتوح المصدر ويحظى بمجتمع نشط)، يمكن للجامعات الاستفادة من هذه التحسينات بشكل غير مباشر.

بناءا على ما تقدم يمكننا القول أن تطوير نموذج لغوي كبير من الصفر هو مهمة ضخمة تتطلب استثمارات تفوق قدرة معظم الجامعات بالشرق الأوسط. وأن الاستفادة من النماذج الجاهزة يوفر أساسًا قويًا ويسمح للجامعات بالتركيز على تكييف هذه التكنولوجيا القوية لتلبية احتياجاتها الخاصة بكفاءة وفعالية أكبر. لكن على جانب آخر قد تلجأ بعض الجامعات لبناء نماذجها الخاصة مثلا مساعد مثل Jill Watson هو مساعد أكاديمي بحثيىذكي من بناء معهد جورجيا للتكنولوجيا وهو مساعد وظيفته الأساسية التحقق من المعلومات المقدمة من ا ChatGPT قبل إرسالها للطلاب، وقد تم تطويره داخليا باستخدام نموذج لغوي خاص من تطوير المعهد.

ما النموذج الأنسب لبناء مساعد أكاديمي بالجامعة ؟

للأسف لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بتحديد نموذج بعينه حيث أن لكل نموذج سعة استخدام وقدرات فريدة، فمنها المجاني ومنها المتفوق في كتابة الأكواد ، ومنها المتميز بقدرات البحث العميق ، ومنها المدرب على تحليل الدراسات والبحوث الأكاديمية ولكن يمكن أن أرشح عدد من النماذج في الأسطر التالية مع التأكيد على أن هذا الترشيح يعكس رؤية ذاتية لا يشترط أنها تناسب جميع التطبيقات الأكاديمية.

1. Falcon (TII UAE) – نموذج مفتوح المصدر تم تطويره في الإمارات العربية المتحدة من خلال Technology Innovation Institute، مصمم لدعم اللغة العربية والإنجليزية بكفاءة. من إصداراته؛ Falcon-7B و Falcon-40B والذي يوفر دقة أعلى.

أهم مميزاته:

  •      أداء قوي في اللغة العربية.
  •      مجاني ويمكن تشغيله محليًا.
  •      مناسب للمهام الأكاديمية وتحليل النصوص.

    الرابط: Falcon على Hugging Face

2. Mistral – نموذج مفتوح المصدر خفيف وفعال تم تطويره ليكون سريعًا وفعالًا، يمكن تشغيله على أجهزة متوسطة القدرة، من إصدارته .Mistral-7B

أهم مميزاته:

  •      كفاءة عالية مقارنة بحجمه الصغير.
  •      يدعم اللغة الإنجليزية ويمكن ضبطه لدعم العربية.
  •      مناسب للمهام الأكاديمية والبحثية.

    الرابط: Mistral على Hugging Face

3. LLaMA (Meta) – نموذج قوي مفتوح المصدر قابل للتخصيص يستخدم في شبكات التواصل الإجتماعي مثل Meta ، ويمكن تدريبه على البيانات الأكاديمية وتقديمه لخدمات الدعم الفني والإرشاد.    أهم إصداراته LLaMA-2 (7B, 13B, 65B).

مميزات النموذج:

  •      أداء قوي في اللغة الإنجليزية، مع دعم محدود للعربية.
  •      مناسب للتدريب على بيانات مخصصة مثل المقررات الأكاديمية.

ويمثل الجدول التالي مقارنة بين النماذج اللغوية الأكثر استخداما في الجامعات حول العالم ويوضح مميزات كل منها :

جدول  مقارنة بين النماذج اللغوية الأكثر استخداما في الجامعات حول العالم

لاحظ أن LLaMA (Meta) هو الوحيد مفتوح المصدر في المقارنة السابقة .

ماذا بعد اختيار نموذج اللغة الكبير المناسب ؟

إذا الخطوة الأولى في المشروع ستكون تبني نموذج لغوي كبير كأساس لتطوير المساعد الأكاديمي الذكي، لكن هذا التبني لن يكون إلا أول خطوة على الطريق والتي يجب أن تبنى على معرفة بالنماذج المتاحة وإمكاناتها والتكلفة المتربة على استخدامها سواء كانت تكاليف مباشرة أو غير مباشرة ( تكاليف مخلفية مثل تكلفة الاستضافة على الخادمات ومشاركة البينات مع المطور وهكذا ) . وبمجرد اتخاذ القرار بتبني نموذج أو أكثر نكون قد انتقلنا للمرحلة التالية وهي مرحلة تخصيص النموذج. وتعنى هذه المرحلة بالضبط الدقيق (Fine-tuning) لنموذج جاهز ومُدرَّب مسبقًا. فحسب الوظيفة المطلوبة من المساعد الذكي يجب تخصيص النموذج عن طريق إنشاء مجموعة بيانات مخصصة حول الوظيفة المطلوبة من المساعد الذكي ، مثلا لو كان المطلوب الدعم الفني لمنصة تدريب فيجب تغذيته بطلبات الدعم الفني السابقة وحلولها ، وأدلة الدعم الفني وهي بيانات لوظيفة مخصصة عكس البيانات اللغوية العامة التي تدرب عليها النموذج.
وبالمثل لو كان المساعد الذكي مخصص لأعمال أكاديمية فإننا بحاجة لتغذية النموذج ببيانات مثل :

  • أوراق أكاديمية عالية الجودة: عبر تخصصات متنوعة في البداية، ثم من المحتمل التخصص لاحقًا. البيانات الوصفية (المؤلفون، المجلات، تواريخ النشر) بالغة الأهمية.
  • الكتب الدراسية والدراسات العلمية: للمعارف المرتبطة بالوظائف الرئيسية الخاصة بالنموذج.
  • نصوص المحاضرات والمواد التعليمية : لإمكانية الإجابة على أسئلة الطلاب.
  • مجموعات ضخمة من الأسئلة والأجوبة الأكاديمية: يمكن الاستعانة بمواقع مثل Stack Exchange (للمجالات ذات الصلة) أو قوائم منسقة من استفسارات الطلاب النموذجية.
  • قواعد بيانات المكتبات الأكاديمية والكشافات الإلكترونية.
  • قوائم البحوث المسجلة في الأقسام الأكاديمية وقوائم مراجعات الزملاء والدراسات النقدية على تلك الحوث: لمساعدة النموذج على فهم تصميم البحث.

وبلا شك فإن جودة هذه البيانات وتنوعها ومدى تخصصها يعتبر أمرًا بالغ الأهمية. وهي من عوامل نجاح المساعد الذكي في وظيفته الأكاديمية.

الضبط الدقيق الموجه بالتعليمات (Instruction Fine-Tuning – IFT): بعد تغذية النموذج بالبيانات المخصصة ننتقل إلى مرحلة الضبط الدقيق الموجه بالتعليمياتIFT , وهي مرحلة تعنى تدريب النموذج على أمثلة لمهام محددة منسقة كتعليمات. على سبيل المثال:

  • “لخص مستخلص هذه الورقة البحثية: ونقوم بتقييم المخرجات بناءا على المعايير الأكاديمية المعتمدة.
  • “اشرح مفهوم ( كذا ) بعبارات بسيطة.” : لابد من تقييم هذا الشرح من حيث الدقة والشمول والوضوح.
  • “انقد المنهجية المستخدمة في هذه الدراسة: ويتم التقييم وفقا لمعايير نقد الأبحاث الأكاديمية التي غذي بها من قبل.
  • “أنشئ قائمة بأسئلة بحثية محتملة بناءً على مراجعة الأدبيات هذه: نعطيه نص مراجعة الأدبيانات ونقيم الأسئلة البحثية الناتجة.
  • “نسّق هذه القائمة المرجعية بأسلوب APA: [ نعطيه قائمة المراجع غير منسقة] ونقيم المخرجات وفقا لقواعد التوقيق APA.

طبعا هذه المرحلة مرتبطة بوظيفة هذا المساعد ، مثلا حينما قمنا في وحدة تطوير المحتوى الرقمي ببناء مساعد ذكي للتصميم التعليمي للمقرارات الجامعية تم ضبط وظائفه وقبل ذلك تغذيته وفقا للمخرجات المنتظرة من هذا المساعد. ومن ذلك تغذيته بمعايير المركز الوطني للتعليم الإلكتروني بعد صياغتها بصيغة تنفيذية وعمل مصفوفة تقييم بناءا عليها ووفقا لطبيعة مقررات الجامعة ، كذلك تم تغذية المساعد بمعايير W3C واختباره في فهمها وتطبيقها على التصميمات المرفوعة له.

المصمم التعليمي الذكي 
تطوير وحدة المحتوى الرقمي 
جامعة الملك سعود
الوظائف المخصصة في المصمم التعليمي الذكي ( المساعد الذكي للتصميم التعليمي المطور بوحدة المحتوى الرقمي جامعة الملك سعود ) ، تعد هذه الوظائف بديلا عن كتابة المطالبات النصية التي تكتب في النماذج العامة وتبنى أساسا على الضبط الموجه بالتعليمات.

التعلم المعزز من ردود الفعل البشرية (RLHF) / التعلم المعزز من ردود فعل الذكاء الاصطناعي (RLAIF): هي مرحلة مكملة للضبط الدقيق للنموذج ، يساعد التعلم المعزز من ردود الفعل البشرية (أو نظيره القائم على الذكاء الاصطناعي، RLAIF) في تعديل استجابات النموذج مع الاحتياجات الخاصة بالمستخدمين أو المؤسسة التعليمية (أو تفضيلات الذكاء الاصطناعي المطلوبة). ففي هذه المرحلة يقوم المراجعون البشريون بترتيب مخرجات النموذج المختلفة من حيث الفائدة والدقة والسلامة. يُستخدم هذا التقييم لمزيد من التدريب أو وضع تعليمات يدوية لتعديل استجابات النموذج في حالات مماثلة، مما يؤدي في النهاية لزيادة الضبط الدقيق لنموذج اللغة الكبير، وهذا يشجعه على إنتاج استجابات تتماشى بشكل أكبر مع ما يجده المستخدم الأكاديمي ذا قيمة. هذا هو المفتاح لجعل المساعد ليس فقط مزودا بالمعلومات، ولكن أيضًا مفيدًا ودقيقًا في تقديمها. على سبيل المثال، قد تكون الإجابة صحيحة من الناحية الواقعية ولكنها كثيفة بشكل غير مفيد؛ يمكن لـ RLHF توجيهها نحو تفسيرات أوضح وأكثر سهولة.

مقارنة بين المعزز من ردود الفعل البشرية (RLHF) / التعلم المعزز من ردود فعل الذكاء الاصطناعي (RLAIF)
مقارنة بين المعزز من ردود الفعل البشرية (RLHF) / التعلم المعزز من ردود فعل الذكاء الاصطناعي (RLAIF)
https://encord.com/blog/reinforecement-learning-from-ai-feedback-what-is-rlaif

ويمكن على جانب آخر تدريب النماذج من خلال أدوات مخصصة للذكاء الاصطناعي مثل Hugging Face Trainer ولمعرفة فائدة ذلك تخيل أنك تريد تعليم نموذج ذكاء اصطناعي متطور جدًا – نموذج اللغة الكبير- كيف يفهم ويتحدث مثل البشر، وذلك بجعله يقرأ ويتعلم من كميات هائلة من الكتب والمقالات. هذه مهمة ضخمة ومعقدة جدًا، تشبه بناء وإدارة مصنع كبير يحتاج للكثير من التنسيق والخبرة التقنية. أداة Trainer من Hugging Face تأتي هنا لتبسيط هذه المهمة بشكل كبير. فهي بمثابة “مدير مشروع ذكي” يتولى عنك الكثير من التفاصيل المعقدة والمستهلكة للوقت في عملية “تعليم” هذا البرنامج.

فبدلًا من أن تقلق بشأن كيفية توزيع العمل على أجهزة كمبيوتر متعددة لتسريع التعليم، أو كيف تتابع تقدم البرنامج في التعلم، أو كيف تحفظ عملك بشكل آمن حتى لا يضيع، فإن Trainer يقوم بكل هذه الأمور وغيرها بكفاءة. هذا يعني أن الأشخاص الذين يريدون بناء تطبيقات ذكية باستخدام هذه النماذج اللغوية يمكنهم التركيز أكثر على الأهداف الإبداعية والتطبيقية، مثل “ماذا نريد من هذا البرنامج أن يتعلم؟” أو “كيف نجعله مفيدًا في مهمة معينة؟”، بدلًا من الغرق في التفاصيل التقنية الدقيقة لعملية التعليم نفسها.

نشر المساعدات الذكية

إن تطوير مساعد أكاديمي ذكي على مستوى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لا يتوقف عند اختيار نموذج لغوي وتدريبه ، بل يتضمن مرحلة هامة هي الاستضافة والنشر، والتي يحددها كم هائل من الخيارات الفنية منها التكنولوجيا المتاحة ، وخبرات فريق العمل واحتياجات المؤسسة التعليمية وإمكاناتها، ومن خيارات نشر المساعدات الذكية :

  • بوتات المحادثة على الويب أو الهاتف المحمول، وهي الوسيلة الأكثر شيوعا والتي استخدمتها شخصيا في تجربة المساعدات الذكية بوحدة المحتوى الرقمي.
  • مساعد ذكي داخل أنظمة إدارة التعلم (LMS) مثل Moodle و BlackBoard.
  • إضافة على تطبيقات Microsoft Teams أو Google Docs لدعم الكتابة الأكاديمية.
  • الاستفادة من واجهات برمجة التطبيقات (APIs) السحابية الجاهزة مثل ChatGPT.API و Anthropic’s Claude.API وهي طريقة سهلة وسريعة الاستخدام وشائعة في صفحات المنصات المختلفة ولكن التحكم في هذا النوع محدود نسبيا ومرتبط بنماذج عامة وخدمات قد تكون ذات تكلفة نسبية.
  • النشر على منصات سحابية مُدارة لنماذج مخصصة مثل Amazon SageMaker, Google Vertex AI, Azure Machine Learning حيث تقدم هذه المنصات خدما لنشر نماذج لغوية خاصة بك (سواء تم تدريبها من الصفر أو تم ضبطها بدقة). تتولى هذه المنصات جزءًا كبيرًا من إدارة البنية التحتية وهي تقدم دعما متقدمة وعديد من الأدوات المفيدية لكنها قد تكون باهظة التكاليف لعديد من المؤسسات الأكاديمية خاصة في الشرق الأوسط.
  • الاستضافة الذاتية (Self-hosting) على خوادم أو سحابة خاصة خاصة بالجامعة، وتحتاج لفرق ذات خبرة.

ما سبق هي الواجهات التي سيقدم بها النموذج للمستخدمين لكن هناك طرق متعددة لنشر النموذج وبلا شك فإن اختيار طريقة نشر النموذج تتوقف على عدد من الإعتبارات الفنية الهامة منها :

  • حجم النموذج ومتطلبات الموارد: النماذج الأكبر تتطلب موارد حاسوبية أكبر.
  • حجم الاستخدام المتوقع وقابلية التوسع: هل سيزداد عدد المستخدمين بشكل كبير؟
  • متطلبات سرعة الاستجابة: بعض التطبيقات تتطلب استجابات شبه فورية.
  • الميزانية والتكلفة الإجمالية: تشمل تكاليف التطوير، البنية التحتية، والتشغيل.
  • الخبرة الفنية للفريق: هل يمتلك الفريق المهارات الفنية الكافية لبناء وسائل النشر أو تخصيصها؟
  • متطلبات الأمان وخصوصية البيانات: هل هناك بيانات حساسة يجب حمايتها؟
  • درجة التحكم المطلوبة: ما مدى الحاجة للتحكم في النموذج والبنية التحتية؟

يعتمد اختيار الطريقة المثلى على الموازنة بين هذه العوامل لتلبية احتياجات المشروع والمؤسسة بشكل أفضل، فلو اخترنا جامعة من جامعات الشرق الأوسطة ولتكن جامعة حلوان في جمهورية مصر العربية أو جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، فإن الخيار المبدئي الميسر لبدء مرحلة نشر مساعد أكاديمي ذكي ستكون استخدام بوتات المحادثة وربطها بالنماذج اللغوية المختارة والمدربة على بيانات الجامعة، ويكون هذا كخطوة أولى حتى يكتسب فريق العمل الخبرات والمهارات الكافية لتطوير المساعد وربما اختيار أدوات أكثر تقدما في الإصدارات التالية، وسيكون أمام تلك الجامعة خيارين فيما يتعلق ببوتات المحادثة الخيار الأول اختيار خدمات سواء مجانية أو مدفوعة لبوتات المحادثة وربط النموذج / النماذج المدربة بها ثم تهيئتها حسب الوظائف المطلوبة من المساعد الذكي ، أو أختيار نصوص برمجية مفتوحة وإعادة تهيئتها بما يلائم احتياجات الجامعة ونشرها على موقع الجامعة مباشرة، وهنا لا يشترط أن يكون النموذج اللغوي على موقع الجامعة ، فقد يكون بوت المحادثة ضمن موقع الجامعة بينما يرتبط بنماذج لغوية مستضافة عبر سحابة مثلا ، كذلك ممكن أن يكون البوت والنموذج كخدمات خارجية وتكون الواجهة فقط داخل موقع الجامعة ، وطبعا لكل خيار من هذه الخيارات مميزاته وعيوبة التي يصعب جمعها في مقال واحد.

عدد من بوتات المحادثة مفتوحة المصدر القابلة للتخصيص
عدد من بوتات المحادثة مفتوحة المصدر القابلة للتخصيص
أدوات خفيفة أو قابلة للبناء على النماذج اللغوية الكبيرة LLMs
أدوات خفيفة أو قابلة للبناء على النماذج اللغوية الكبيرة LLMs

وبناءا على ما سبق عرضه في المقال يمكن وصع عدد من التوصيات المقترحة لمشاريع تطوير الحلول الرقمية كالآتي:

  • ابدأ بمشاريع تجريبية سهلة التنفيذ لإكتساب الخبرات: ركّز على مجال تصميم التعليم أو أدوات التغذية الراجعة والدعم الآلية – فهي أسهل من حيث التطوير وأكثر قبولا من جهة المستخدمين بالجامعات.
  • استثمر في تدريب أعضاء هيئة التدريس: قدّم دورات مصغّرة مستمرة لسد فجوة الطلاقة الرقمية وتقليل مقاومة المستحدث.
  • اختر النموذج المناسب لبدء العمل : يُعدّ نظاما GPT-4 وGemini مثاليين للبيئات عالية الإنتاجية؛ بينما يُناسب نظاما LLaMA أو Claude السياقات المراعية للخصوصية حيث يمكن استضافتهما محليا.
  • طوّر أدلة إشادية وبروتوكولات داخلية للاستخدام الآمن والاخلاقي للذكاء الاصطناعي: اضمن استخدامًا أخلاقيًا ومنصفًا وشفافًا للذكاء الاصطناعي، لا سيما في حال استخدامه في تقييم المتعلمين ورصد وتحليل الدرجات.
  • راقب مؤشرات الأداء الرئيسية بانتظام: تتبّع تأثير الذكاء الاصطناعي على أداء الطلاب، وأثره على عبء عمل أعضاء هيئة التدريس، والنطاقات الزمنية لتطوير المقررات، وفاعلية التكلفة وكفاءة الإنفاق وسبل الاستدامة ( يعد هذا مجال خصب للبحوث الأكاديمية التي يمكن توجيه طلاب الدراسات العليا إليها).
  • دعم استخدام اللغة العربية: أعطِ الأولوية للنماذج التي تُقدّم دعمًا موثوقًا به للغة العربية في حال العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو في بيئات متعددة اللغات، ولابد لك من استدام نماذج قادرة على معالجة اللغة الطبيعية نظرا لتعدد اللهجات في نفس اللغة.

الخاتمة :

بلا شك لا يمكن تغطية لكل ما يخص تطوير حلول الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي في مقال وحد نظرا لتفرع الموضوع وجمعه بين جوانب فنية متعددة ، وقد حرصت في هذا المقال أن أوضح عددا من المفاهيم المرتبطة بتطوير حلول الذكاء الاصطناعي على مستوى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وذلك لما يشهده قطاع التعليم، وخاصة التعليم العالي، من الاهتمام المتزايد بتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، في جوانب العملية التعليمية المختلفة. وقد برز اهتمام خاص بتوظيف المساعدات والوكلاء الأذكياء، القادرين على تقديم دعم فوري للطلاب، وتخصيص المسارات التعليمية، وأتمتة المهام الروتينية للمعلمين.

وقد فرق المقال بين المساعدين الأذكياء، الذين يستجيبون لطلبات المستخدمين ويقدمون دعمًا لمهام محددة، والوكلاء الأذكياء، تلك الانظمة الاستباقية التي تحلل البيانات وتتخذ القرارات بشكل مستقل لتحسين نتائج التعلم. كما استعرض المقال تطبيقات كل منهما في التعليم، حيث اتضح من خلال السياق أن المساعدات الذكية تستخدم بشكل أساسي في مهام مثل الإجابة على الاستفسارات، والبحث عن المصادر التعليمية، والتدقيق اللغوي، بينما يستخدم الوكلاء الأذكياء في أنظمة التقييم التكيفي، وتقديم التوصيات والإرشادات.

ويناقش المقال أيضًا كيفية تطوير مساعد ذكي ، بالاعتماد على نماذج اللغة الكبيرة، بدءًا من اختيار النموذج المناسب، مرورًا بضبطه الدقيق وتدريبه على البيانات المتخصصة، وصولًا إلى نشره عبر منصات مختلفة. ويؤكد المقال على أهمية الموازنة بين العوامل الفنية المختلفة عند اختيار طريقة النشر، مثل حجم النموذج، وحجم الاستخدام المتوقع، ومتطلبات سرعة الاستجابة، والميزانية، والخبرة الفنية للفريق.

ويخلص المقال إلى أن كلا من المساعدين والوكلاء الأذكياء يلعبان دورًا هامًا في تعزيز مشاركة الطلاب، وتخصيص التعلم، وتوسيع نطاق الوصول إلى التعليم، مع التأكيد على ضرورة تبني استراتيجيات فعالة تضمن الاستخدام الأمثل لهذه الحلول الذكية في التعليم العالي.

المصادر :

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!