
تناولت في مقال سابق مفهوم الثورة الصناعي الرابعة والجيل الرابع من التعليم ، ولعل المدقق في ملامح هذا الجيل يجد أنه قد اهتم بمجموعة من المفاهيم التي شكلت ملامحه الحالية والتي قد انتقلت بدورها من مجال الصناعة ومن هذه المفاهيم مفهوم كفاءة الانفاق spending efficiency ، وبعيدا عن الجدل الحاصل بين التربويين حول كون التعليم سلعة أم خدمة فإن مفهوم كفاءة الإنفاق قد طرح نفسه مع الجيل الرابع من التعليم وأصبح من المؤشرات الهامة التي يعتمد عليها تقييم أنظمة التعليم خصوصا تلك المعتمدة على التكنولوجيا كالتعليم الإلكتروني والتدريب عن بعد. ولعل زيادة الاهتمام بكفاءة الانفاق في التعليم والتدريب ارتبطت بمفاهيم أخرى مثل المساءلة accountability، وتحسين الموارد optimization of resources، وتحليل عائد التكلفة cost-benefit analyses، والذي شهد زيادة في استخدامه في القرارات التعليمية وبناء السياسات.
يتناول المقال الحالي مفهوم كفاءة الإنفاق وحوكمته في برامج التدريب والتعليم الإلكتروني ، والتطور التاريخي لهذا المفهوم والعوامل التي زادت من اهتمام المؤسسات التعليمية والتدريبية بتحقيق كفاءة الإنفاق، وكيف يمكن تحقيق كفاءة الإنفاق في مؤسساتنا الجامعية على صعيد التعليم الإلكتروني والتدريب عن بعد.
كفاءة الانفاق في التعليم / التدريب الإلكتروني : مفاهيم أساسية .
يشير مفهوم كفاءة الانفاق في التعليم والتدريب الإلكتروني إلى التخصيص الأمثل والاستخدام الأمثل للموارد المالية لتحقيق أقصى قدر من فوائد مبادرات التعلم الإلكتروني. ويشمل ذلك تقليل الهدر وخفض التكاليف وضمان أن الاستثمار يعطي أفضل النتائج الممكنة. ويتضمن ذلك المفهوم العمل على تخطيط الميزانية وتخصيصها، اختيار التكنولوجيا الفعالة من حيث التكلفة مقابل العائد، الإدارة الفعّالة لمواد التعلم والأدوات والبنية الأساسية، التقييم المستمر لاستخدام الموارد لضمان عائد مرتفع على الاستثمار.
وهناك ارتباط بين مفهوم كفاءة الانفاق في التعليم والتدريب الإلكتروني وبين حوكمة التعليم والتدريب الإلكتروني Governance of e-learning & e-training، فالعمل على تحقيق كل من كفاءة الانفاق على التعلم الإلكتروني وحوكمة التعلم الإلكتروني جزء لا يتجزأ من التنفيذ الناجح والاستدامة لمبادرات التعلم الإلكتروني في المؤسسات التعليمية. ويتضمن مفهوم حوكمة التعليم والتدريب الإلكتروني كل من السياسات والعمليات وآليات الرقابة الضامنة لتوافق مبادرات التعلم الإلكتروني مع الأهداف المؤسسية، والالتزام بالمعايير التنظيمية، وأنه يتم إدارتها بشكل فعال. كما تتضمن الحوكمة عددا من العناصر أبرزها؛ القيادة الاستراتيجية وتطوير السياسات، إشراك أصحاب المصلحة (أعضاء هيئة التدريس والطلاب والإدارة)، وضوح الأدوار والمسؤوليات. آليات المراقبة والمساءلة، ضمان الجودة والامتثال للمعايير (على سبيل المثال، ISO 9001:2015).

العلاقة بين المفهومين: يمكن أن نرمز للعلاقة بين المفهومين بالتأثير التآزري؛ حيث تضمن الحوكمة الفعّالة أن الانفاق على التعلم الإلكتروني يتماشى مع الأولويات المؤسسية، مما يحسن تخصيص الموارد ويعزز الكفاءة في الانفاق. وتضمن هياكل الحوكمة مثل السياسات الواضحة وأطر الميزانية والإشراف توجيه الأموال نحو المجالات التي ستحقق أكبر تأثير تعليمي.
وينظر للعلاقة بين المفهومين من حيث وحدة الأهداف من عدة جوانب منها؛ العمل على تحسين الموارد؛ حيث تضمن الحوكمة المساءلة والشفافية وتقييم الانفاق، مما يساعد على تقليل النفقات غير الضرورية ويضمن استثمار الموارد بحكمة. كذلك التخطيط الاستراتيجي؛ حيث يعمل نظام التعلم الإلكتروني الذي يتم إدارته جيدًا على مواءمة الانفاق مع الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل، وبالتالي ضمان توجيه الموارد إلى مجالات ذات تأثير كبير. فضلا عن إدارة المخاطر؛ حيث تخفف أطر الحوكمة من المخاطر المتعلقة بالتخصيص غير السليم للموارد وتعزز الكفاءة من خلال عمليات الرقابة واتخاذ القرار المنظمة.

أهتمام مؤسسات التعليم والتدريب الإلكتروني بتحقيق كفاءة الانفاق
إن تحقيق كفاءة الانفاق في برامج التدريب والتعليم الإلكتروني في الجامعات يشكل أهمية قصوى على الصعيد التعليمي المعاصر. ولا تقتصر هذه الكفاءة على خفض التكاليف؛ بل إنها نهج متعدد الأوجه يدر فوائد عديدة للمؤسسات والطلاب والمجتمع ككل. وفي جوهرها، تضمن كفاءة الانفاق الاستفادة المثلى من الموارد المالية المحدودة، وتعظيم العائد وجودة التعليم المقدم. وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في الدول القائمة على الميزانيات المركزية.
وقد يمتد تأثير كفاءة الانفاق إلى ما هو أبعد من جدران الأوساط الأكاديمية. وقد ثبت أنه يؤثر بشكل إيجابي على قابلية توظيف الخريجين، وهو عامل حاسم مع دخول المهنيين الشباب إلى سوق عمل تنافسية بشكل متزايد. إن تخصيص الموارد بكفاءة يسمح للجامعات بتوليد المعرفة العلمية والاجتماعية بشكل أكثر فعالية، والمساهمة في التنمية المجتمعية، وإنتاج خريجين ممتازين – وهي كلها مؤشرات رئيسية لنجاح المؤسسات التعليمية. وفي عصر المساءلة المتزايدة، فإن إظهار القيمة مقابل المال من خلال ممارسات الانفاق الفعّالة أمر ضروري للجامعات للحفاظ على ثقة الجمهور ودعمه.
وعلاوة على ذلك، فإن المؤسسات التي تدير مواردها بكفاءة تكتسب ميزة تنافسية، وتضع نفسها في وضع يسمح لها بالاستثمار بشكل أكبر في الابتكار والبحث وتحسين الجودة العامة للتعليم. وتساهم هذه الكفاءة في الاستدامة طويلة الأجل لمؤسسات التعليم العالي، مما يضمن قدرتها على الاستمرار في الوفاء بمهامها الحيوية في التدريس والبحث والمساهمة المجتمعية. وأخيرًا، غالبًا ما يؤدي السعي إلى كفاءة الانفاق إلى تحسين جمع البيانات وتحليلها، وتعزيز اتخاذ القرارات القائمة على البيانات في إدارة الجامعة. ومن خلال التركيز على كفاءة الانفاق ، لا تستطيع الجامعات فقط التغلب على التحديات المالية، بل وأيضًا تعزيز فعاليتها في تقديم تعليم وأبحاث عالية الجودة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى مساهمة أكثر أهمية في التنمية المجتمعية والاقتصادية.
لقد كان مفهوم كفاءة الانفاق في التعليم والتدريب محل اهتمام لعدة عقود، ولكنه اكتسب أهمية كبيرة في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. ويستدل على ما تقدم بعدة أحداث منها ؛ برنامج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – برنامج التقييم الدولي للطلاب، الذي تم إطلاقه في عام 2000، والذي سلط الضوء على أهمية دراسة الانفاق التعليمي. كما سلط الاتحاد الأوروبي اهتماماً سياسياً متزاياد على فعالية وكفاءة الانفاق العام على التعليم في دول الاتحاد. وأجرى البنك الدولي في تلك الفترة دراسات حول كفاءة وفعالية التعليم، واستخدم وثائق داعمة لدراسة كفاءة الانفاق . ويناقش تقرير مراقبة التعليم والتدريب لعام 2021 الصادر عن المفوضية الأوروبية أهمية الاستثمار وجودة الالنفاق في التعليم، مما يشير إلى أن المفهوم أصبح محورًا مركزيًا على مستوى السياسة التعليمية. ويمكن حصر العوامل التي حثت على زيادة الاهتمام بدراسة كفاءة الانفاق لمشروعات التعليم والتدريب الإلكتروني في عدة نقاط أبرزها:
الاهتمام بالتعليم والتدريب الإلكتروني عن بعد (منذ تسعينيات القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر): أدى إدخال التكنولوجيا في التعليم إلى التركيز على قابلية التوسع وكفاءة أنظمة التعلم عبر الإنترنت. واكتسبت مفاهيم مثل حساب التكلفة لكل متعلم، والتكلفة لكل دورة، والعائد على الاستثمار في التعلم الإلكتروني أهمية كبيرة. كما قدمت برامج التعلم الإلكتروني والتدريب الافتراضي تحديات وفرصًا جديدة لتحسين كفاءة الانفاق. على سبيل المثال، مقارنة بالتدريب التقليدي وجها لوجه، عمل التدريب الإلكتروني بخفض التكاليف لكل متدرب، وخاصة مع التوسع، دون التضحية بجودة المخرجات. مما دفع إلى زيادة الحاجة إلى تبني نماذج تقييم قائمة على البيانات لكفاءة الانفاق في البيئات التعليمية.
الاهتمام المتزايد بإدارة الجودة الشاملة في التعليم(TQM) (برزت بشكل كبير بين عامي 1980-1990): نشأت مبادئ إدارة الجودة الشاملة في التصنيع، وتم تكييفها مع التعليم، مع التركيز على الكفاءة والتحسين المستمر والمساءلة في استخدام الموارد. التمويل القائم على الأداء (منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين): بدأت الحكومات والمؤسسات في ربط التمويل بالنتائج القابلة للقياس، مثل معدلات التخرج، مما أدى إلى تقييمات أكثر دقة لكفاءة الانفاق.
اتباع منهج التمويل القائم على الأداء Performance-Based Funding (بدايات القرن الحادي والعشرين): يقصد به التمويل على أساس مقاييس أداء محددة، مثل معدلات التخرج ومعدلات التوظيف، وليس فقط أرقام الالتحاق. ويهدف هذا النموذج إلى تحفيز المؤسسات على تحسين نتائج الطلاب. وفي الولايات المتحدة، يتم تنفيذ التمويل القائم على الأداء بأشكال مختلفة في 32 ولاية على الأقل، حيث تستخدم كل ولاية مقاييس ونسب تمويل مختلفة. وفي حين يشجع التمويل القائم على الأداء على التركيز على نجاح الطلاب، فقد واجه انتقادات لأنه قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، مثل زيادة الانتقائية في القبول. وما يهمنا في هذا الجانب أن الاهتمام بالتمويل القائم على الأداء في الأنظمة التعليمية أدى إلى زيادة التركيز على كفاءة الانفاق من خلال التأكيد على الحاجة إلى ربط الاستثمارات المالية بالنتائج القابلة للقياس. ومع سعي المؤسسات إلى تلبية مقاييس الأداء لتأمين التمويل، فإنها تحلل بشكل متزايد مدى فعالية استخدامها للموارد لتحقيق النتائج المرجوة. يشجع هذا التدقيق على اتباع نهج أكثر اعتمادًا على البيانات في إعداد الميزانية وتخصيص الموارد، مما يضمن إنفاق الأموال بطرق تساهم بشكل مباشر في تحسين نتائج الطلاب والأداء المؤسسي
اتخاذ القرارات استنادا للبيانات : مع بدايات القرن الحادي والعشرين زاد الاهتمام بالبيانات الضخمة Big Data وتحليلها واستخدامها في دعم اتخاذ القرار وظهر لدينا مصطلح التعليم الموجه بالبيانات، واتخاذ القرارات الموجهة بالبيانات، Data-Driven Decision-Making ، وغالبا ما تستخدم الجامعات والشركات الآن تحليلات البيانات لتقييم انظمة التعليم والتدريب ليس فقط للوصول إلى كيفية تخصيص الموارد وتوظيفها التوظيف الأمثل، ولكن أيضًا لتقييم مخرجات النظام التعليمي والحكم على القرارات التي تم اتخاذها وتوجيه القرارات الجديدة.
مؤشرات الأداء (KPIs) للحكم على كفاءة الانفاق في مشروعات التعليم / التدريب الإلكتروني
للحكم على مؤشر كفاءة الانفاق في مشروعات التعلم/ التدريب الإلكتروني بالجامعات، يتم عادة قياس عددا من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs). تساعد هذه المؤشرات في تقييم العائد على الاستثمار والفعالية الإجمالية لمبادرات التعلم الإلكتروني.
اولا: المؤشرات المالية
- العائد على الاستثمار (ROI): يعد حساب العائد من الاستثمار من الطرق الشائعة للمقارنة بين تكاليف تطوير مشروع التعلم الإلكتروني وتشغيله بالعائد من ورائه، مثل زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء أو تقليل تكاليف التدريب. يشير العائد الإيجابي على الاستثمار إلى أن برنامج التعلم الإلكتروني يولد قيمة للجامعة، والعكس صحيح.
- تكلفة المتعلم: يساعد هذا المؤشر الجامعات على فهم الكفاءة المالية لمشروعات التعلم الإلكتروني من خلال حساب التكلفة الإجمالية مقسومة على عدد الطلاب الذين يتم خدمتهم. ويتم هذا الحساب بعد الدورة التشغيلية الأولى للمشروع ويجوز أن تحسب التكلفة المتوقعة من خلال حساب تكلفة المشروع مقسومة على عدد المستفيدين المتوقع، أو تكلفة تشغيلية سنويا على العدد المتوقع سنويا، وهكذا.
ثانيا: مؤشرات الالتحاق والمشاركة
- معدل التبني: يقيس النسبة المئوية للطلاب الذين التحقوا بدورات التعلم الإلكتروني. يشير معدل التبني المرتفع إلى أن الطلاب مهتمون ببرنامج التعلم الإلكتروني ويرغبون في المشاركة فيه. وغالبا يستخدم لتقييم البرامج التدريبية وبرامج التعليم المفتوح على المنصات الإلكترونية.
- معدل الاستهلاك: يُعرف أيضًا بمعدل الاستخدام، ويتتبع هذا المؤشر مدى تكرار وصول المتعلمين إلى الدورة، والوقت المستغرق، والتقدم المحرز في إكمال الدورة.
- معدل الإكمال: يشار إليه في بعض المراجع بمعدل الإنجاز، ويقيس هذا المؤشر النسبة المئوية للطلاب الذين ينهون بنجاح برامج التعلم الإلكتروني. يشير معدل الإكمال المرتفع إلى أن الطلاب يجدون قيمة في برنامج التعلم الإلكتروني، ولا يمكن الاعتماد على هذا المؤشر منفردا نظرا لأن سهولة المحتوى أو صعوبته وطول الدورة يؤثر عليه بشدة، ويتناسب معدل الإكمال / الإنجاز عكسيا مع نسب التسرب في برامج التعليم الإلكتروني، لذلك على سبيل المثال نجد أن مقررات التعليم الإلكتروني واسعة الالتحاق Moocs معدل التسرب فيها مرتفع وبالتبعية مؤشر الإنجاز فيها منخفض.
- الوقت المستغرق: يقيم هذا المؤشر مقدار الوقت الذي يقضيه المتعلمون في مقررات التعلم الإلكتروني، مما يساعد على تحديد مستوى المشاركة والاهتمام بمحتوى الدورة، ولا يعول على هذا المؤشر إلا في حال حساب فاعلية البرنامج بمعنى مقارنة برنامج قائم وبرنامج بديل يحقق نفس النتائج في وقت أقل. ولا يحسب في العادة الوقت بشكل مطلق للبرنامج إلا في حال الدورات قصيرة المدى ، بل يحسب الوقت منسوبا للمخرجات بحيث يحسب الوقت المستغرق في إنجاز كل مخرج من مخرجات البرنامج.
ثالثا: مؤشرات فاعلية التعلم
بشكل عام تحسب الفاعلية بمعدل ما تم تحقيقه من أهداف ، لكن هذه الأهداف قد تستغرق وقتا أكبر أو تكلفة أعلى لذلك فلابد للحكم على فاعلية برنامج تعليم إلكتروني حساب عدد من المؤشرات كما يلي:
- اكتساب المهارات والمعارف الجديدة: يقيس هذا فعالية برنامج التعلم الإلكتروني في مساعدة الطلاب على اكتساب مهارات أو معرفة جديدة. يمكن تقييمه من خلال الاختبارات والتقييمات أو تقييمات الأداء. في برامج التعليم الجامعي غالبا ما يكون الطلاب في مستوى متقارب عند دخولهم البرنامج فيكتفى بتحليل نتائج الاختبارات النهائية للحكم على البرنامج لكن في المقررات المفتوحة واسعة الالتحاق غالبا ما يتم حساب متوسط معدل الزيادة في معارف ومهارات الملتحقين بالبرنامج باعتبار تفاوت المستوى، أو أن يتم عمل اختبار تسكين في بداية البرنامج يحدد نقطة بداية كل طالب حسب مستواه ويحسب ويحسب معدل الزيادة في المعارف والمهارات بناءا على ذلك.
- حساب الكفاءة الزمنية: إذا كانت الفاعلية معدل ما تحقق من إهداف أو مخرجات فإن الكفاءة تنسب ذلك إلى مؤشر الوقت أو التكلفة فنحسب كفاءة البرنامج الزمنية ، أو كفاءة الانفاق، والمقصود بهذا المؤشر الكفاءة الزمنية.
رابعا: مؤشرات الجودة والرضا
لا تعد مخرجات البرامج كافية وحدها للحكم على البرنامج بل هناك ما يسمى بمقاييس الجودة والتي تعمل على عدة محاور منها رضا المستفيدين ، والحكم على الموارد ، وتقييم بيئة التعلم و المقارنات المرحعية لمستويات المشاركة.
- رضا وقبول المستفيدين: تسخدم مقاييس عدة لقياس رضا المستفيدين بشكل عام والطلاب على وجه الخصوص ومدى تحقق تصوراتهم لبرامج التعلم الإلكتروني. تشير الملاحظات الإيجابية والتقييمات العالية إلى أن المتعلمين يجدون الدورات جذابة وغنية بالمعلومات وملائمة. ويقاس هذا المؤشر بأكثر من طريقة منها سؤال الطلاب في بداية البرنامج عما يتوقعونه ، وفي نهايته عن مدى تحقق ما توقعوه ، ومنها كذلك عمل استبانة تقييم للبرنامج من وجهة نظر الطلاب وهي الطريقة الأكثر شيوعا، أو تقييم الطلاب لمدى تعلمهم من البرنامج وإن كانوا ينصحون به لغيرهم ، ويتم تحويل كل ما تقدم إلى نقاط كمية تشير إلى مؤشر نتائج الطلاب، كذلك تتطلب بعض أنظمة الجودة عند بداية تطبيق اختبارات قبول معيارية Acceptance Tests سواء للطلاب أو المعلمين، كما يتم في بعض الانظمة طلب عمل مقارنات مرجعية لمستوى الرد مقارنة ببرامج تقدم بطرق مختلفة أو منصات تعليم منافسة.
- تقييم الموارد: تستخدم أدوات معيارية لتقييم الموارد اللازمة لتطوير المحتوى وتقديمه ويدخل فيها كذلك تقييم كفاءة المالية والزمنية لتلك الموارد وقياس ردى العاملين وقبولهم لها .
- تقييم المشاركة: يتم مقارنة نتيجة قياس مؤشرات ( الالتحاق والمشاركة ) السابق الحديث عنها ، بجامعات أخرى تستخدم نفس طرق القياس أو ببرامج أخرى داخل نفس الجامعة بأسلوب المقارنات المرجعية.
- تقييم بيئة التعلم: تستخدم مقاييس للحكم على الشمولية والتنوع وملاءمة بيئة التعلم بعضها معاييس سيكومترية والبعض الآخر مقاييس معيارية كمية.
خامسا: حساب مؤشر الكفاءة
سبقت الإشارة إلى أننا لحساب الكفاءة لابد من نسبة الفاعلية إما للزمن أو التكلفة ويعد مؤشر الكفاءة هو مؤشر كمي وغالبا ما يكون مؤشر الكفاءة العام هو مجموع المؤشرات السابقة منسوبا إلى الزمن أو التكلفة مثلا؛
- تعيين أوزان لكل مؤشر أداء رئيسي (على سبيل المثال، العائد على الاستثمار: 30٪، معدل الإكمال: 20٪، اكتساب المهارات: 25٪، إلخ.)
- وضع درجات كل مؤشر أداء رئيسي على مقياس من 0 إلى 100
- ضرب كل درجة طبيعية في وزنها النسبي
- جمع الدرجات الموزونة للحصول على مؤشر الكفاءة النهائي ( إما أن يكون مجموع الكفاءات وهو الأفضل أو مجموع القيم مقسوما على الزمن الكلي أو التكلفة الكلية لكن هذا قد يحدث فيه تفاوت بين المؤشرات المختلفة)
وغالبا ما يتيح هذا الأسلوب في حساب الكفاءة للجامعات إنشاء مقياس شامل لكفاءة التعلم الإلكتروني الذي يأخذ في الاعتبار النتائج المالية والتعليمية ويجمع بين الموقاييس الكمية والسيكومترية.
أهم الأدوات المستخدمة في قياس الكفاءة وأسسها النظرية
توجد عدة مقاييس معيارية عالمية يمكن استخدامها في قياس المؤشرات السابقة لعل من أبرزها :
مقياس العوامل الحرجة للنجاح (Critical Success Factors – CSF)
يتم تقييم تنفيذ مشروعات التعليم الإلكتروني بناءً على مجموعة من المعايير القياسية المحددة مسبقًا. حيث يتم الحكم على تنفيذ مشروع التعليم الإلكتروني بمقارنة قيمة المؤشر المقاس بالحد الأدنى للأداء المشار إليه في المعيار. وتتضمن الأداة تنظيما لمجموعة المعايير وتصنفها وفقًا لجوانب متعددة، تشمل الجوانب التقنية، وجوانب المعلم، وجوانب الطالب، بالإضافة إلى معايير ذات مستوى أعلى مثل الدعم المؤسسي .
مقياس الكفاءة الذاتية وفقا لنظرية التعلم الاجتماعي (Social Cognitive Theory – SCT)
تعتبر الكفاءة الذاتية (Self-efficacy) أحد المفاهيم الأساسية في نظرية التعلم الاجتماعي التي وضعها ألبرت باندورا. وهي تمثل اعتقاد الفرد بقدرته على تنفيذ سلوك معين بنجاح لتحقيق نتيجة مرغوبة. تلعب الكفاءة الذاتية دورًا حاسمًا في تحفيز الفرد وتوجيه سلوكه، خاصة في سياق التعلم والتغيير السلوكي. يتناول مقياس الكفاءة الذاتية المستخدم في تقييم التعليم الإلكتروني الجوانب الإنسانية والبشرية ولا يتطرق للجوانب التكنولوجية. ويدور حول رؤية الفرد حول نجاحه في تحقيق أهداف معينة في بيئة التعلم الإلكتروني محل القياس.
مقياس الدافعية للإنجاز وفقا لنظرية الدافعية (Motivation Theory – MT)
تُميز هذه النظرية بين الدوافع الداخلية (مثل الفضول والإشباع الذاتي) والدوافع الخارجية (مثل المال). تركز النظرية على العامل البشري الموجه نحو الأهداف والنتائج (تحقيق الإنجاز) ومن أشهر المقاييس المستخدمة بناءا علي تلك النظرية مقاييس الدافعية للإنجاز . فمقياس الدافعية للإنجاز هو أداة تستخدم في علم النفس لقياس مدى رغبة الفرد في تحقيق النجاح والتغلب على التحديات. وهو يركز على الدوافع الداخلية التي تدفع الفرد للعمل بجد والمثابرة لتحقيق أهدافه. ويشير مستوى الدافعية المرتفعة إلى نجاح النظام المستخدم في التعلم.
نموذج نجاح نظم المعلومات (Information System Success Model – ISSM)
يعتبر نموذج نجاح نظام المعلومات (ISSM) إطارًا نظريًا يستخدم لتقييم أداء وتأثير أنظمة المعلومات، ويركز هذا النموذج على تقييم مدى نجاح نظام المعلومات من وجهة نظر المستخدمين. و يمكن استخدام هذا النموذج لتقييم أي أداة تكنولوجية تستخدم في التعليم ، ولكنه قد لا يكون مثاليًا لتقييم نقل المعرفة (Knowledge Transfer – KT). تعتمد معاييره الرئيسية على رضا المستخدم، ونوايا استخدام التكنولوجيا، وجودة المعلومات والخدمات، والعائد المجرد ، وجودة النظام وفقا للمعايير التكنولوجية. ويتكون المقياس بشكل أساسي من عدة أدوات أو مكونات من أبرزها؛
- رضا المستخدم: يقيس مدى رضى المستخدمين عن النظام، بما في ذلك سهولة الاستخدام، الوظائف، الدعم الفني، والخدمات المقدمة.
- نوايا الاستخدام: تقيس مدى رغبة المستخدمين في استخدام النظام بشكل مستمر.
- جودة المعلومات: تقيس جودة المعلومات التي يوفرها النظام، بما في ذلك دقتها، موثوقيتها، وملاءمتها للاحتياجات.( هذا الجزء مبني على معايير جودة المحتوى الرقمي)
- جودة الخدمة: تقيس جودة الخدمات المقدمة للمستخدمين، بما في ذلك سرعة الاستجابة، الدعم الفني، وتوفر المعلومات.
- العائد الصافي: يقيس الفوائد الاقتصادية التي يجنيها المستخدمون من النظام، بما في ذلك زيادة الإنتاجية، تحسين الأداء، وتقليل التكاليف.
- جودة النظام: يقيس جودة أداء النظام التقني نفسه، بما في ذلك الأداء ، الأمان، والسهولة في الصيانة.
يمكن إضافة قياس العائد على الاستثمار (ROI) للمكونات السابقة في حال تطبيقه على مشروعات محددة في التعليم الإلكترني ذات عائد اقتصادي، بما في ذلك توفير التكاليف، تحسين جودة التعليم، وزيادة كفاءة التدريس. ويشيع استخدام النموذج ISSM لتقييم نجاح منصات التعلم الإلكتروني.
نموذج قبول التكنولوجيا (Technology Acceptance Model – TAM)
تناولت هذا النموذج في مقال سابق وهو من النماذج الشهيرة خصوصا في الرسائل العلمية بأقسام تكنولوجيا التعليم ، وبشكل عام فإن نموذج قبول التكنولوجيا (Technology Acceptance Model – TAM) هو إطار نظري مهم في مجال نظم المعلومات، يهدف إلى فهم وتفسير كيفية قيام الأفراد بتبني وتقبل التكنولوجيات الجديدة. يركز هذا النموذج على العوامل النفسية التي تؤثر على قرار الفرد باستخدام تقنية معينة، وخاصة في بيئة العمل.ويستخدم هذا النموذج بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات وتكنوولجيا التعليم، مما يجعله غير ملائم لقياس فائدة نقل المعرفة (KT).
التداخل في القياس :
إن المدقق في تقارير القياس المصاحبة لمشاريع التعليم / التدريب الإلكتروني ودراسات الجدوى يلاحظ أن ثمة تداخل بين مفهومين حتى على مستوى مؤشرات الأداء المفهوم الأول هو مؤشر كفاءة الانفاق Spending efficiency index وفاعلية التكلفة cost effectiveness، ويزيد من هذا التداخل أننا في حساب كفاءة الانفاق نحسب ضمنا فاعلية التكلفة. ولو بدأنا بمؤشر كفاءة الانفاق فإننا نلاحظ أنه يركز على مدى كفاءة استخدام الموارد لإنتاج مخرجات في برامج التعلم الإلكتروني. فهو يهتم في المقام الأول بما يلي:
- تخصيص الموارد: مدى فعالية توزيع الأموال عبر جوانب مختلفة من برنامج التعلم الإلكتروني.
- تحسين المدخلات: تعظيم استخدام الموارد مثل التكنولوجيا والموظفين والمواد لإنتاج المخرجات التعليمية المطلوبة.
- خفض الانفاق: تقليل النفقات غير الضرورية والتكرار في نظام التعلم الإلكتروني.
- تعظيم المخرجات: تحقيق أعلى ناتج ممكن (على سبيل المثال، عدد الأفراد المدربين) بنفس التكاليف أو المدخلات.
على جانب آخر فإن فاعلية التكلفة تهتم بقياس تكاليف برنامج التعلم الإلكتروني في مقابل بنتائجه أو فوائده، مع الأخذ في الاعتبار النقاط الآتية:
- قياس النتائج: تقييم النتائج الفعلية أو الفوائد المترتبة على برنامج التعلم الإلكتروني، مثل تحسين المهارات أو اكتساب المعرفة
- نسبة التكلفة إلى العائد: مقارنة تكاليف برنامج التعلم الإلكتروني بعوائده أو نتائجه القابلة للقياس3
- مقارنة البدائل: تقييم برنامج التعلم الإلكتروني مقابل أساليب التدريب الأخرى لتحديد أيها يوفر أفضل النتائج للاستثمار.
- القيمة طويلة الأجل: النظر في العوائد المستدامة (المتوقعة) لبرنامج التعلم الإلكتروني بمرور الوقت مقابل تكاليف التشغيل.
لعل الاختلافات الرئيسية بين المفهومين تكمن في أن كفاءة الانفاق تركز على تحسين استخدام الموارد، في حين تؤكد فعالية التكلفة على توضيح العلاقة بين التكاليف والنتائج. وغالبًا ما يتم قياس كفاءة الانفاق من حيث المخرجات لكل وحدة أي أن كل مدخل والمخرج المقابل له، في حين يتم قياس فعالية التكلفة من خلال مقارنة التكلفة الكلية بالعوائد الإجمالية أو النتائج المحققة. بالإضافة إلى ذلك تهتم كفاءة الانفاق بالعمليات الداخلية وإدارة الموارد، في حين تأخذ فعالية التكلفة منظورًا أوسع يشمل تأثير البرنامج وقيمته. ولو نظرنا لكلا المفهومين من حيث الإطار الزمني فنلاحظ أن كفاءة الانفاق تميل إلى التركيز على الاستخدام الفوري للموارد، في حين تأخذ فعالية التكلفة في الاعتبار غالبًا الفوائد والنتائج طويلة الأجل .
باختصار، في حين تنظر كفاءة الانفاق إلى مدى جودة استخدام الموارد داخل نظام التعلم الإلكتروني، تقيم فعالية التكلفة ما إذا كان الاستثمار في التعلم الإلكتروني يستحق العناء من حيث النتائج المحققة. كلا المؤشرين حاسمان لتقييم القيمة الإجمالية وأداء برامج التدريب الإلكتروني، لكن لا يغني حساب إحدهما عن حساب المؤشر الآخر.
خاتمة
تناول المقال الحالي مفهوم كفاءة الانفاق وأهمية حسابه في مشروعات التعليم الإلكتروني ، كما تطرق المقال إلى عدد من المفاهيم المرتبطة به ، والمؤشرات المستخدمة في حساب كفاءة الانفاق ، والمقاييس المستخدمة في الحساب وأساسها النظري ، كما ميز المقال بين إجراءات وهدف حساب كفاءة الانفاق في مقابل حساب فاعلية التكلفة ، ويعد هذا المقال الأساس النظري الذي يبنى عليه حساب كفاءة الانفاق في مشاريع التعليم الإلكتروني ، وهو الجزء الأول من مقالين حيث أنوي أن أقدم في الجزء الثاني نموذج عملي تطبيقي لحساب كفاءة الانفاق ييسر على مديري مشروعات التعليم الإلكتروني طريقة حسابها وعرضها ضمن تقارير المتابعة .
المراجع
Ellis, R. (2024, December 10) Online Learning Rankings 2024: results announced. Retrieved from https://www.timeshighereducation.com/world-university-rankings/online-learning-rankings-2024-results-announced
Eton, M., & Chance, R. (2022). University e-learning methodologies and their financial implications: evidence from Uganda. Asian Association of Open Universities Journal, 17(3), 229–241.
Giertz, T. (2010, March 12). Evaluating e-Learning Investments with Cost-effectiveness Analysis : Articles | The Learning Guild. Retrieved from https://www.learningguild.com/articles/435/evaluating-e-learning-investments-with-cost-effectiveness-analysis
Nagy, V., & Duma, L. (2023). Measuring efficiency and effectiveness of knowledge transfer in e-learning. Heliyon, 9(7),r Retreved from https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC10336452
Sharma, K. (2011). Financial implications of implementing an e-learning project. Journal of European Industrial Training, 35(7), 658–686. doi: 10.1108/03090591111160788
Victor, E. (2024). Why E-Learning is a Cost-Effective Solution for Training – Alula learning. Alula learning. Retrieved from https://alulalearning.com/2024/08/30/why-e-learning-is-a-cost-effective-solution-for-training-and-education
Volery T., Lord D. (2000) Critical success factors in online education. Int. J. Educ. Manag. 14(5):216–223