تطورات تصميم المحتوى التعليمي الرقمي (الجزء الأول)

د. مصطفى جودت صالح

إن المتابع للتطورات في الأعوام الثلاث الأخيرةفيما يتصل بتصميم المحتوى التعليمي سيلاحظ بوضوح التطور النوعي في أسس التصميم ليس فقط في التفضيلات العامة ولكن حديثنا هنا على الأسس التي يقوم عليها تصميم العناصر الجرافيكية ( رسومات وصور وكتابات) والتي تناولتها عديد من دراسات تكنولوجيا التعليم وغيرها من الدراسات، وحديثي هنا يقتصر على التصميم الجرافيكي للمحتوى التعليمي، فعديد هي الدراسات والبحوث التي تناولت أسس تصميم الرسومات التعليمية واختيارات الألوان والأحجام وأسس التصميم المختلفة كتوزيع الكتل والاتزان وأسس اختيار الألوان كالتباين والتناغم والملاءمة وغيرها من الأسس الي تذخر بها الأدبيات وأيدتها عشرات الدراسات التي اختبرتها في وسائل مختلفة كالكتب الإلكترونية والبرامج التعليمية ومواقع الويب وغيرها كثير.

لكن هل شكلت الدراسات التربوية وبحوث التصميم التعليمي والإدراك البصري حقا اتجاهات التصميم الجرافيكي للمحتوى الرقمي فعلا ؟ الإجابة قطعا لا … بالطبع أثرت، لكنها لم تكن العامل الحاسم المؤثر في تشكيل اتجاهات التصميم للمحتوى الجرافيكي الرقمي المتاح عبر شبكة الإنترنت على وجه الخصوص والذي قد يخالف في بعض جوانبه ما قد تخبرنا به تلك الدراسات والبحوث.

التصميم المسطح مقابل التصميم ثلاثي الأبعاد

دعونا نضرب مثال بالتوجه نحو التصميمات ثنائية الأبعاد أو التصميمات المسطحة Flat Design في مقابل التصميمات ثلاثية الأبعاد، ثمة توجهين أولهما يتبنى التصميمات المسطحة كأساس للمحتوى مع تجنب الرسومات ثلاثية الأبعاد قدر الإمكان ، وثانيهما يعمل على استخدام الرسومات ثلاثية الأبعاد في عناصر المحتوى التعليمي التفاعلية وكليهما من التوجهات التي ظهرت في المواقع التعليمية بوضوح ، لكن الجديد هنا هو محاولة المزج بينهما في نفس التصميم خاصة في الإنفوجرافيك .

ومن العناصر الجرافيكية التي شاع استخدامها مؤخرا ما يسمى بالفيديو جرافيك Video Graphic والذي يعتمد على المزج بين صور الفيديو التقليدية والرسومات الخطية المسطحة ويميل المصممون التعليميون إلى تسمية هذه التقنية بالرسومات المتحركة للسبورة البيضاء أو Whiteboard Animation

المزج بين الفيديو والرسومات الخطية في عنصر تعليمي واحد
المزج بين الفيديو والرسومات الخطية في عنصر تعليمي واحد

قد يرى البعض عدم أهمية اتجاهات التصميم العامة في تشكيل المحتوى التعليمي، وقد يرى البعض أننا كتربويين أو مصممين تعليميين نلتزم بالأسس التربوية في تصميم المحتوى التعليمي الرقمي ولا علينا بما يتاح على الإنترنت من محتوى رقمي غير تعليمي، لكن الإجابة لن تكون بهذه السهولة.

في البداية يلاحظ المتابع لتطوير المحتوى التعليمي على الإنترنت خاصة ما يرتبط بتصميم المقررات  المفتوحة واسعة الالتحاق وتصميم الأدلة الإرشادية الإلكترونية وجود تطور كبير في أساليب التصميم واتجاهاته وعدم التقيد بالأشكال المألوفة في تصميم المحتوى التعليمية ليس فقط في الرسومات ولكن في الصور والفيديوهات كذلك ، فلم تعد البساطة هي الحاكمة رغم أنه مازال اتجاها واضحا في تصميم المحتوى لكننا سنلاحظ عديد من العناصر معقدة التصميم و استخدام المناظير غير المألوفة أو الأشكال التجريدية التي تتطلب مجهودا في تفسيرها لدى المستخدم.

رسومات ثلاثية الأبعاد توضح تركيب الخلية العصبية

ليس هذا فقط لكن سنلاحظ استخدام درجات لونية لم تكن محبذة من قبل ، واستخدام الفلاتر والمؤثرات الجرافيكية على الصورة التعليمية ، واستخدام الصورة الفوتوغرافية التعبيرية والتي لا تشرح مفهوم في حد ذاتها وإنما توجه المتعلم إلى معنى مقصود، وهو أتجاه تأثر به المحتوى التعليمي من المحتوى الإعلامي بشكل رئيسي. ولم يعد مبدأ الوحدة ومبدأ الاتزان المتماثل من المبادئ الرئيسة في المحتوى التعليمي كذلك فيمكن استخدام التكوينات المفتوحة في الصور والرسومات خاصة مع العناصر التفاعلية ثلاثية الأبعاد ، والتجول ثلاثي الأبعاد كذلك والذي أثر بشكل كبير على بناء عناصر بيئة التعلم المتجاوبة في البيئة ثلاثية الأبعاد ، خاصة مع اعتبار الواقع المعزز والواقع الافتراضي من اتجاهات الطوير في التعليم الإلكتروني.

التفعل مع العنصار الجرافيكية ضمن الواقع المعزز

كما أن استخدام المناظير غير المألوفة في عرض العناصر التعليمية ودمجها معا أدى بدوره إلى حرية التحكم في المنظور في عديد من العناصر التفاعلية حيث يبدو العنصر كما لو كان طائرا في الفراغ ويمكنك كمتعلم تغيير الحجم والمنظور كما تريد.

نقطة أخرى أثرت في توجهات تصميم العناصر الجرافيكية خاصة الرسومات الخطية التعليمية وهي استخدام الألوان الزاهية والمعدنية والتي لم تكن تستخدم من قبل باعتبار أن بعض البحوث بينت أن المبالغة في استخدام مثل هذه الألوان يجذب الانتباه عن نقاط أخرى هامة في المحتوى، وسنلاحظ هذا في مواقع مثل Linda في عديد من دوراتها الجديدة.

بالإضافة إلى ما تقدم فقد أصبحت كثير من أسس تصميم النصوص المكتوبة في المحتوى التعليمي الرقمي جزءا من الماضي فسنجد عندنا العناوين المظللة والمفرغة والخطوط ثلاثية الأبعاد وسنجد الخطوط غير الزخرفية واستخدام التأثيرات اللونية المتعددة في الخطوط .

أسبقية التصميميات المتوافقة مع الموبايل :

ثمة توجه شائع تصميم المحتوى الرقمي بشكل عام تأثر بالتوجهات العامة لتصميم مواقع الويب وهو ما يطلق عليه ” الموبايل أولا Mobile First” ويقصد بها إمكانية استعراض التصميم بسهولة على الأجهزة الجوالة ، ونجد ذلك ملحوظا على استخدام الكتب الإلكترونية والفيديوهات حيث يراعي تصميمها التوافقية مع التشغيل عبر الجوالات. ويستدعي ما سبق بالتبعية أن يكون التصميم متجاوب Responsive Design ويعاني عديد من المصممين من مشكلة التوافقية مع أنماط العرض المختلفة حيث أنه في كثير من الأحيان يكون لحزمة التطوير دورا مؤثرا على مدى قابلية عنصر التعلم على العمل من خلال الجوال ، أو قابلية العنصر للتكيف مع أنظمة العرض المختلفة وتجدر الملاحظة أن شاشات الجوالات متعددة في الحجم ونسب الطول إلى العرض مما يمثل مشكلة كبيرة لمطور المحتوى في أن يكون عنصر التعلم ملائما لها جميعا، وقد لا تظهر هذه المشكلة في الحاسبات المكتبية نظرا لأن عنصر التعلم يظهر في الغالب في شكل نافذة منبثقة وليس في كامل حجم الشاشة، وبالنسبة لمواقع الويب أصبحت محركات البحث مثل جوجل Google تضع المواقع التي تظهر توافقية مع الجوالات سابقة لنظيرتها غير المتوافقة.

يقع ضمن التوجه السابق أن يكون محتواك أو موقعك يتعامل مع الأجهزة الجوالة بنفس الطريقة التي تتعامل معها تطبيقات الجوال الشائعة بحث لا يشعر المستخدم أنه يتعامل مع محتوى خارجي أو موقع ويب بل كما لو كان يتعامل مع تطبيق من جهازه ، ولذا قامت عديد من منصات التعلم بعمل تطبيقات خاصة تسمح للمستخدمين بالتعامل مع المنصة كما لو كانت تطبيق للجوال.

ويتضمن التوجه السابق كذلك ملاءمة عناصر التعلم المستخدمة مع أداء الجوالات فالجوال ليس له نفس أداء أجهزة الحاسب من حيث سعة الذاكرة وسرعة المعالج وقدرات الشاشة ، وهذا يتطلب في أغلب الاحيان عمل نسخ من عناصر التعلم متوافقة مع الجوال أو على المنصة أن توجه المستخدم تلقائيا إلى المحتوى الملائم لجهازه، وفي نفس الوقت يجب أن يراعي المصمم استخدام الاختبارات الإلكترونية والانشطة التعليمية المتوافقة مع طبيعة الجهاز فلو أخذنا نظام البلاك بورد Blackboard كمثال لأنظمة إدارة التعلم فإن المعلم يستطيع أن يصمم اختباراته متوافقة مع الجوال أو اختبارات قياسية يؤديها الطالب عبر الأجهزة المكتبية .

يمكن أعتبار كل ما سبق مقدمة للجزء التالي من هذا المقال والذي ينتظر أن يلخص التطورات التي تمت الإشارة إليها في نقاط محددة ويضرب عليها أمثلة ويحدد أساليب توظيف كل منها.


عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات