مراجعة : د. مصطفى جودت صالح
في عالم التعليم المتطور باستمرار، يبرز تصميم النظم التعليمية (ISD) كركيزة أساسية تربط المبادئ التربوية بالتقنيات الحديثة، كل ذلك بهدف تحسين تجربة التعلم. وفي هذا السياق، يظهر كتاب “The ISD Handbook” للمؤلف جاري نيل (المنشور عام 2016) كمساهمة جديرة بالاهتمام في هذا المجال، حيث يهدف إلى أن يكون مرجعًا شاملًا للممارسين لتصميم النظم التعليمية والباحثين على حد سواء. المقال الحالي يراجع الهدف من الكتاب وأهميته في مجالنا، والمواضيع الرئيسية التي يتناولها، مع تحليل نقاط قوته وضعفه.
نظرة على أسلوب عرض الكتاب وتنظيمه
يُقدم كتاب “The ISD Handbook” نفسه كمرجع مصمم ليكون دليلًا إجرائيا للمصممين التعليميين. يتجلى التنظيم الدقيق في تسلسل منطقي يقود القارئ عبر إجراءات تصميم النظم التعليمية، من النظريات التأسيسية وصولًا إلى التطبيق العملي. كل فصل يبدأ عادةً بتحديد أهداف التعلم، وينتهي بملخصات ونقاط رئيسية، وأحيانًا تتضمن أسئلة تأملية أو تمارين عملية. هذا الهيكل المحكم يعزز من سهولة القراءة ويُيسّر الفهم، مما يجعله في متناول المبتدئين والمحترفين ذوي الخبرة الذين يسعون لتجديد معلوماتهم.
من الناحية البصرية، يقدم العمل تصميما جميلا سهل القراءة واحترافي باستثناء المعلومات على الغلاف فهي مكتوبة بنفس لون الخلفية مع اختلاف درجة اللون وهذا يجعلها صعبة القراءة. تُستخدم الرسوم البيانية والمخططات الانسيابية والجداول بشكل جيد في العمل لتوضيح العمليات والعلاقات المعقدة، مما يكسر حدة النصوص الكثيفة ويساعد المتعلمين البصريين ( إن صح هذا التصنيف) . كما يسهم استخدام العناوين الواضحة والعناوين الفرعية، جنبًا إلى جنب مع خط كتابة متناسق، في توفير تجربة قراءة مريحة. وعلى الرغم من أن تصميم الكتاب عملي أكثر منه فني، إلا أنه يولي الأولوية للوضوح والدقة الأكاديمية، وهو أمر بالغ الأهمية لدليل بهذا الحجم. يعكس التنظيم المتعمد للكتاب الطبيعة المنهجية لتصميم النظم التعليمية نفسه، موفرًا إطارًا متماسكًا لفهم هذا التخصص.
ويمكن تلخيص أهم ما يميز العمل من النظرة الأولى في أنه يعتمد تنسيقًا عمليًا مبني على كونه معد كمرجع سريع للعاملين بالتصميم التعليمي. يتبع تنظيمه بنية خطية تعتمد على أساسيات تصميم النظم التعليمية ( المدخل المنظومي للتصميم التعليمي):
- الهيكل: ينقسم الكتاب إلى أقسام مواضيعية تعكس إطار عمل ADDIE (التحليل، التصميم، التطوير، التنفيذ، التقييم).
- سهولة الوصول: العناوين الواضحة، والملخصات في نقاط، ومسرد المصطلحات الشامل تُيسّر التنقل ضمن محتوى الكتاب.
- التصميم البصري: يركز التصميم البسيط على الجوهر بدلاً من الجماليات، مع تنسيق Kindle الذي يضمن سهولة القراءة عبر الأجهزة المختلفة.
أهمية الكتاب في ميدان التصميم التعليمي
يحظى كتاب “The ISD Handbook” للمؤلف جاري نيل بأهمية كبيرة في مجال التصميم التعليمي، خاصةً بالنظر إلى تاريخ نشره في عام 2016. ففي تلك الفترة، كان تصميم التعليم يشهد تحولًا كبيرًا، مع تزايد التركيز على الأساليب المتمحورة حول المتعلم، ودمج التكنولوجيا، والحاجة إلى نماذج قابلة للتكيف تتجاوز الأطر الخطية التقليدية. لذا، يأتي عمل نيل كاستجابة في الوقت المناسب، محاولًا دمج مبادئ تصميم النظم التعليمية الراسخة مع الإقرار بالاتجاهات والتحديات الناشئة.
تكمن أهميته في هدفه ليكون مرجعًا شاملًا. فغالبًا ما تركز العديد من نصوص تصميم النظم التعليمية على نماذج محددة (مثل ADDIE، SAM) أو سياقات معينة (مثل تدريب الشركات، التعليم ما قبل الجامعي). لكن “The ISD Handbook” يسعى لتقديم منظور أوسع وأكثر شمولية، يغطي مجموعة واسعة من الأسس النظرية، والمنهجيات العملية، والاعتبارات المعاصرة. هذا الشمولية تجعله مصدرًا قيّمًا لجمهور متنوع، بما في ذلك المصممون التعليميون، والمعلمون، ومطورو المناهج، وأخصائيو التدريب، وطلاب تكنولوجيا التعليم.
علاوة على ما تقدم، يساهم الكتاب في إضفاء الطابع المهني على تصميم التعليم. فمن خلال تقديمه لاستكشاف منظم ومفصل للتخصص، فإنه يعزز الدقة الأكاديمية والمنهجية المطلوبة لتصميم تعليمي فعال. إنه بمثابة معيار لأفضل الممارسات، مما يعزز الفهم المشترك للمصطلحات والعمليات والاعتبارات الأخلاقية داخل مجتمع تصميم النظم التعليمية. في مجال يتطور باستمرار، يلعب دليل شامل مثل دليل نيل دورًا حاسمًا في توفير أساس مستقر ونقطة مرجعية مشتركة للنقاش والتطوير.
كاتب العمل (المؤلف)
للأسف لا تتوفر معلومات عن المؤلف إلا من خلال غلاف العمل نفسه ، فالمؤلف جاري نيل يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) وهو مصمم تعليمي معتمد من ATD (الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير)، ولديه خبرة واسعة في تصميم التعليم القائم على المدرب والتعليم القائم على الويب. عمل المؤلف كمدرس مساعد في جامعة فينيكس، وقضى وقتًا في تدريس مقررات تعليم الكبار المسائية. تمنحه خبرته في كل الجهات التعليمية والمشاريع التطويرية التي عمل بها رؤية واضحة حول المشاكل التي يواجهها مصممو الأنظمة التعليمية (ISDs) الجدد وغير المتمرسين.
التغطية الموضوعية للعمل
يتناول العمل مجموعة واسعة من المواضيع الرئيسية التي تعتبر جوهرية للتصميم التعليمي خصوصا ما يتعلق بالنماذج المنظومية للتصميم التعليمي. ورغم أن الدليل يقع في جانبه النظري في حوالي 178 صفحة إلا أنه مقسم إلى ستة فصول ناقش فيها عديد من الموضوعات مثل :
مقدمة: التعلم عن التعلم
- ما هو تصميم الأنظمة التعليمية (Instructional Systems Design)؟
- كيف يتعلم الناس (مرئي، سمعي، حركي).
- الفرق بين التعليم والتدريب.
- أنماط التعلم (خطي مقابل غير خطي).
- التعليم المتزامن مقابل غير المتزامن.
النظرية والتصميم النماذج
- السلوكية، المعرفية، والبنائية (Constructivism) والترابطية (Connectivism).
- النموذج التقليدي لآدري (ADDIE Model) ومراحلها.
- نموذج ديك وكاري (Dick and Carey Model).
- نموذج روس وكيمب للتصميم التعليمي (Ross and Kemp Instructional Design Model).
- نظريات أخرى مثل مبادئ ميريل للتعليم (Merrill’s First Principles of Instruction) وأحداث جانيه التسع للتعليم (Gagné’s Nine Events of Instruction).
التعليم الموجه بالمعلم (Instructor-Led Instruction)
- تحليل الحاجة للتعليم الموجه بالمعلم.
- تحديد أهداف التعلم.
- بناء أهداف التعلم (كتابة الأهداف الجيدة).
- تقييم التدريس / التدريب (نموذج كيركباتريك المستويات الأربعة لتقييم التدريب).
- تطوير المواد التعليمية وخطط الدروس.
تصميم التعليم الإلكتروني (eLearning)
- مزايا وعيوب التعليم الإلكتروني.
- تطوير محتوى التعلم الإلكتروني.
- أدوات التأليف ومنصات إدارة التعلم (LMS).
- مفاهيم مثل التعلم المصغر (Microlearning) والتلاعب بالألعاب (Gamification).
- التصميم السريع للنماذج الأولية (Rapid Prototyping) والقصص المصورة (Storyboarding).
التعلم المدمج (Blended Learning)
- مزايا وعيوب التعلم المدمج.
- لماذا التعلم المدمج فعال.
- خطوات تخطيط حل التعلم المدمج.
تصميم أسئلة الاختبار الفعالة
- مزايا وعيوب أسئلة الاختبار المختلفة (الصواب/الخطأ، الاختيار من متعدد، المطابقة، المقالات، إلخ).
- كتابة أسئلة جيدة.
- تقييم الأسئلة.
وباستعراض الموضوعات السابقة يتضح أن العمل يغطي جوانب شاملة لتصميم الأنظمة التعليمية، بدءًا من النظريات الأساسية للتعلم وصولًا إلى الممارسات العملية في تصميم التعليمات (سواء التي يقودها المدرب أو عبر الإنترنت) وتقييمها.
من الناحية النظرية فإن العمل يقوم بتحليل شامل لأساسيات تصميم النظم التعليمية بشكل منهجي:
- مزالق التصميم: يقدم إرشادات استباقية لتجنب الأخطاء الشائعة في تصميم النظم التعليمية، مثل التقييمات غير المتوافقة أو الحمولة الزائدة للمحتوى.
- إطار عمل ADDIE: يقدم استعراضًا تفصيليًا لكل مرحلة، مع التركيز على التكيف السياقي بدلاً من التطبيق الصارم.
- توحيد المصطلحات: يُعرّف المصطلحات الخاصة بالصناعة (مثل “التقييم التكويني”، “تحليل الاحتياجات”) لتقليل الغموض.
- ربط التكنولوجيا بالتصميم التعليمي: وذلك من خلال مناقشة لموضوعات التعليم الإلكتروني والتعليم المدمج والتعليم المعتمد على الحاسب واستراتيجيات مثل التلعيب والتعليم المصغر وبيئات مثل بيئات التعلم الإلكترونية والافتراضية من منظور التصميم التعليمي.
يركز العمل بشكل خاص في شرحه على مراحل عملية التصميم التعليمي. اعتمادا على نموذج ADDIE (التحليل، التصميم، التطوير، التنفيذ، التقييم) كإطار أساسي:
- التحليل: مع التركيز على تقييم الاحتياجات، وتحليل المتعلمين، وتحليل السياق، وتحليل المهام لتحديد مشاكل وأهداف التعلم بدقة.
- التصميم: تغطية إنشاء أهداف التعلم (باستخدام تصنيف بلوم، على سبيل المثال)، وتسلسل المحتوى، واستراتيجيات التعليم، وطرق التقييم.
- التطوير: مناقشة إنشاء المواد التعليمية، واختيار الوسائط، واستخدام أدوات التأليف.
- التنفيذ: معالجة الاعتبارات الخاصة بالتسليم، وتدريب الميسرين، وإعداد المتعلمين.
- التقييم: تفصيل التقييم التكويني والختامي، ومستويات تقييم كيركباتريك، وطرق جمع وتحليل البيانات حول فعالية التعلم.
نقاط القوة والضعف في العمل
نقاط القوة
- التغطية الشاملة: تعد الشمولية النقطة الأبرز في قوة كتاب “The ISD Handbook” . فبصفته “دليلًا”، يهدف إلى تغطية اتساع نطاق تصميم النظم التعليمية، من النظريات التأسيسية وصولًا إلى التطبيق العملي والاتجاهات المعاصرة. هذا يجعله مرجعًا مناسبا للطلاب والممارسين الذين يحتاجون إلى فهم شامل للمجال دون الحاجة إلى الرجوع إلى نصوص متخصصة متعددة.
- التقديم المنظم وسهولة الوصول: إن التنظيم الموصوف، مع الأقسام الواضحة والتنسيق المتسق واستخدام الوسائل البصرية مثل الرسوم البيانية والمخططات الانسيابية، يعزز بشكل كبير من سهولة الوصول إلى الكتاب. يدعم هذا النهج التربوي أساليب التعلم المتنوعة ويجعل المفاهيم المعقدة أكثر قابلية للفهم، ليناسب المبتدئين والمحترفين المخضرمين الذين يسعون للرجوع السريع إلى مواضيع محددة.
- التركيز على التطبيق العملي: يتجاوز الدليل مجرد الشرح النظري لتقديم إرشادات قابلة للتنفيذ. من خلال الأمثلة الواقعية.
- الأهمية للتحديات التعليمية الحالية: بالنظر إلى نشره الافتراضي في عام 2016، يتناول الكتاب المشهد المتطور للتعليم في ذلك الوقت.
- التركيز على العملية المنهجية: يلتزم العمل بمراحل النماذج المنظومية ISD وعلى رأسها ADDIE وهذا قد يفيد المصمم المهني أكثر من الأكاديمي.
- الإيجاز: يُكثّف المفاهيم المعقدة في قوائم مرجعية قابلة للتطبيق (على سبيل المثال، “5 أسئلة لتحليل المهام الفعال”).
- التركيز على المبتدئين: يُعد مثاليًا للمصممين المبتدئين أو المهنيين متعددي التخصصات كأعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بالتصميم التعليمي.
- طول عمر المرجع: يعتمد على معلومات أساسية غير متقادمة في مجملها سواء في الإجراءات أو مسرد المصطلحات ( لا ينطبق ذلك على بعض الأمثلة الواردة بالسياق).
- ربط التكنولوجيا بالتصميم التعليمي : راعى مناقشة الجوانب التكنولوجية التي يتعامل معها المصمم التعليمي في عمله وإن كانت الأمثلة المرتبطة بمنصات معينة قد تكون قديما حاليا لكن التقنيات نفسها ما تزال معاصرة.
- الإخراج الجيد للعمل: العمل بشكل عام يتمتع بجودة الاخراج ( باستثناء الغلاف) وذلك من حيث حجم الخط ونوع الورق المستخدم واستخدام الرسومات التوضيحية الملونة ( قد تكون صغيرة الحجم نسبيا ) واستخدام الجداول والعناوين الفرعية وتقسيم المحتوى لأقسام موضوعية لتسهيل البحث والوصول.
نقاط الضعف
كأي جهد بشري به نقاط للقوة وأخرى قد تعتبر جوانب ضعف فيه ولعل من أهم نقاط الضعف في هذا العمل من وجهة نظري :
- عدم التعمق الأكاديمي في المعالجة: بينما تعد التغطية الشاملة نقطة قوة، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى الضعف وربما السطحية في محاولة لتغطية مجموعة واسعة من المواضيع، قد لا تحظى بعض المجالات المعقدة بالمعالجة المتعمقة التي تستحقها، فمن وجهة نظري، يترك العمل انطباع باستخدامه أسلوب المدونات في الكتابة أكثر من الأسلوب الأكاديمي المتعمق.
- تقادم بعض الأمثلة التكنولوجية: نظرًا للوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي، فإن الكتاب الذي نُشر في عام 2016 ويناقش تقنيات أو أدوات معينة قد يصبح قديمًا بسرعة. خاصة أن العمل لم تصدر له إيه تحديثات أو طبعات جديدة رغم مور 9 سنوات تقريبا على صدوره. العمل حاول تلافي تلك المشكلة بأن ركز على الإجراءات الأساسية للتصميم التعليمي بالمنهج المنظومي و كذلك في مسرد المصطلحات لكنه يحتاج تحديث بعض الأمثلة الواردة بالسياق.
- مساهمات نظرية جديدة محدودة (على الأرجح): مستوى المعالجة النظرية محدود ومناسب للطلاب والمصممين المهنيين وليس للباحثين والأكاديميين.
- عدم الإشارة إلى المراجع: العمل لا يتضمن قائمة بالمراجع في نهاية الكتاب رغم أهميتها مما قد يطعن في مصداقية العمل وأمانته العلمية خاصة أنه لم يحدد على سبيل المثال مصدر الرسومات الواردة في السياق.
- خلفية المؤلف غير القابلة للتحقق (بشكل حاسم): المعلومات الواردة عن المؤلف غير كافية وليس له مؤلفات أخرى في المجال يمكن التحقق منها وحتى المعلومات الواردة عنه على شبكة Linkedin محدودة ولا يمكن ربطها بمجال التصميم التعليمي.
- احتمالية التعميم المفرط: يلاحظ أن المرجع يميل للتعميم سواء في خطوات التصميم أو الأخطاء التي يقع فيها المصمم التعليمي.
ختامًا
يُعد “The ISD Handbook” مدخلا سهلا ميسرا إلى عالم تصميم النظم التعليمية، لا سيما للمبتدئين وبعض المهنيين الذين يبحثون عن إرشادات تتمحور حول نموذج ADDIE. ومع ذلك، فإن نطاقه الضيق ونزعته المحافظة نظريًا ( عدم المرونة في الأمثلة وطرق المعالجة ) تحد من فائدته للممارسين المتقدمين الذين يتعاملون مع أنظمة تعلم معقدة تعتمد على التكنولوجيا أو الباحثين الأكاديميين. لكن يظل العمل موردًا قيّمًا – مكملاً – في مجال تصميم النظم التعليمية.