مراجعة كتاب: نظريات التعلم وتطبيقاتها في التعليم الإلكتروني Learning Theory and Online Technologies

Learning Theory and Online Technologies

الكتاب الذي بين أيدينا هو أحد الأعمال القليلة التي تربط النظرية التربوية بالتطبيق العملي في مجال تكنولوجيا التعليم، سبق وأن أطلعت على الطبعة الأولى من الكتاب Learning Theory and Online Technologies للكاتبة Linda Harasim والتي صدرت في 2011 أما هذه الطبعة فصدرت في 2017، والكتاب حسب وصف الكاتبة يصلح ككتاب دراسي لطلاب العلوم التربوية في مراحل ما قبل التخرج ، وطلاب لدراسات العليا وباحثي الدكتوراه. ما دعاني لمراجعة هذا الكتاب هو صدور نسخة مترجمة من هذا العمل في سبتمبر 2020 صادرة عن دار جامعة الملك سعود للنشر من ترجمة أ.د. صالح بن محمد بن عبدالله العطيوي، أستاذ تقنيات التعليم بكلية التربية جامعة الملك سعود، والتي سيلاحظ القارئ من العنوان أن المترجم ابتعد كل البعد عن الترجمة الحرفية ففي البداية ترجم العنوان بـ ( نظريات التعلم وتطبيقاتها في التعليم الإلكتروني ) وهي ليست ترجمة مطابقة حرفيا لعنوان الكتاب الإنجليزي لكنها تعبر عن رؤية المترجم والتي وفق إلى حد كبير في عرضها في مقدمة المترجم .

Linda Harasim
ترجمة الطبعة الثانية للأستاذ الدكتور صالح العطيوي

يرى المترجم أن موضوع هذا الكتاب لم يأخذ حقه في البحث في المكتبة العربية وهو العلاقة بين النظرية والتطبيق في مجال تكنولوجيا التعليم الحديثة – المترجم يستخدم لفظ تقنيات التعليم – مما أدى في نظره إلى وجود فجوة بين النظرية والتطبيق حيث صدرت في المكتبة العربية عديد من المراجع التي تناولت التطبيقات التكنولوجية في التعليم لكن قليل منها فقط من ربطها بأسس نظرية خصوصا نظريات التعليم والتعلم، وأتفق مع المترجم أن هذا الكتاب يتميز في ربطه بين نظريات التعلم وتطبيقاتها التكنولوجية في مجال التعليم الإلكتروني.

فالكتاب بشكل عام يتناول الجوانب النظرية والفلسفية المؤثرة على مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطورهما وعلاقتهما المتداخلة وأهمية ذلك في تشكيل بيئات التعلم، والكتاب بشكل أساسي تناول نظرتي التعلم التي ظهرتا في القرن العشرين وهما نظرية التعلم الترابطية Connectivesm والتي يترجمها المترجم بالنظرية الشبكية، والنظرية التشاركية للتعلم Collaborativist .

وترى الكاتبة أن الربط بين نظريات التعلم وتكنولوجيا الإنترنت يوفر عامة قوية على الوضع المعاصر للتعليم  عبر الإنترنت ، انطلاقا من الأسس والجذور التاريخية والتي تسهم بشكل كبير في فهم الواقع وصولا إلى طرق وأساليب التدريس عبر الإنترنت مما يسهم في تشكيل بيئة تعلم فعالة، وأخيرا طرق الحكم على حدوث هذا التعلم وكفاءته باستخدام أساليب التقويم المختلفة .

ويؤكد المترجم في مقدمته أن الكتاب موجه إلى هيئة التدريس بي بيئات التعليم العام والتعليم الفني، ومجال التدريب في القاع الخاص، وكذلك في الجامعات التي تسعى لتحقيق التعليم عن بعد أو المدمج في برامجها، أو إعداد المقررات والبرامج الإلكترونية للاستفادة من الربط بين النظرية والتطبيق.

أ.د. صالح بن محمد العطيوي

الفرق الأساسي بين الطبعتين الأولى والثانية هي ما قامت به الكاتبة من إضافة جزء عن نظرية التعلم الشبكية فضلا عن تحديث الجزء الخاص بالتعلم التشاركي عبر الإنترنت وتسميته بنظرية التعلم التشاركية ، فضلا عن استعراضها لبعض التحديثات التي ظهرت مع نمو الذكاء الاصطناعي.

أرى أن المترجم كان موفقا إلى حد كبير في اختيار هذا الكتاب للترجمة لحاجة المكتبة العربية له من جهة ، ولأننا تعودنا بشكل عام ترجمة الطبعات الأولى من الكتب الأجنبية ولكن ما أعجبني شخصيا أن المترجم لم يندفع وراء ترجمة الطبعة الأولى بل انتظر لصدور الطبعة الثانية منه والتي – حسب حواره معي – ضمت عديد من لتحسينات التي كان ينتظرها وقد أستغرق الكاتب أكثر من عامين في ترجمة هذا الكتاب مما يعطي انطباعا على مدى دقة هذه الترجمة وسلامتها.

يتكون العمل من عشرة فصول الفضل الأول يشكل مقدمة لنظريات التعلم وربطها بعصر المعرفة والتكنولوجيا بشكل عام حيث يتناول مفاهيم نظريات التعليم وأهم نظريات التعلم في القرن العشرين خاصة السلوكية والمعرفية والبنائية ونظريتي التعلم في القرن العشرين الشبكية والتشاركية عبر الإنترنت.

في الفصل الثاني يتطرق العمل للمحة تاريخية تربط بين التعلم والتكنولوجيا من حيث ماحل التطور البشري ونماذج التحول بدءا من نموذج التحول الأول ( الكلام المنطوق ) ونموذج التحول الثاني ( الكتابة ) ثم الطباعة ثم عصر الإنترنت وتسترسل الباحثة في عرض المستحدثات المرتبطة بالإنترنت وتطورها وأجيالها، فضلا عن بعض التطبيقات التربوية للإنترنت في التعليم كالتعلم المدمج والتعلم عن بعد.

يتطرق الفصل الثالث إلى التعلم وفقا للنظرية السلوكية والتي أعتقد أن الباحثة أسهبت فيها كثيرا خاصة في حديثتها على الاشتراط الكلاسيكي لبافلوف ، بينما اختصرت كثيرا في حديثها على التصميم التعليمي من الوجهة السلوكية ( المدرسة السلوكية في التصميم التعليمي ) .

تناولت الكاتبة في الفصل الخامس النظرية المعرفية ومفهوم معالجة المعلومات ، وفي هذا الفصل تطرقت كذلك إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم خاصة أنظمة التعليم الخصوصي الذكية لكن هذا التطرق كان مختصر جدا فهي مثلا لم تربط بين بنية أنظمة التدريس الخصوصي الذكية وأساليب معالجة المعلومات ولم تتطرق لمفهوم التعلم العميق Deep Learning في أنظمة التعلم الذكية ولم تفرق بينه وبين نفس المفهوم في النظرية البنائية، لكن لعل ذلك يرجع إلى أن الكتاب لم يكن متخصصات في الذكاء الاصطناعي لكنها تطرقت إلى في سياق عرضها للتطور والعلاقة بين النظريات التعليمية والتكنولوجيا.

في الفصل الخامس تتطرق الكاتبة للتعلم البنائي  بدءا ببياجية مرورا بفيجوتسكي متطرقة في ذلك لعديد من المفاهيم منها التعلم النشط والتعلم بالممارسة ونظم دعم الأداء وبيئات التعلم من المنظور بالبنائي، وتأثير البنائية الاجتماعية على تشكيل شبكات التعلم.

في الفصل السادس تتناول الكاتبة لنظرية التعلم الترابطية والتي يترجمها أ.د. صالح العطيوي بالنظرية الشبكية كنظرية تفسر التعلم عبر الإنترنت ، وفي هذا الفصل توضح الكاتبة جهود بعض الرواد مثل جورج سيمنز و ستيفن داونز، كما تتناول التعليم في ظل تلك النظرية، وتناولت الباحثة ظهور مفهوم المقررات المفتوحة واسعة الالتحاق وكلنا يعرف دور ستيفن داونز في ظهور المقررات المفتوحة ذات التصميم الشبكي أو ما عرف اخصارا بـ cMOOCs تمييزا لها عن المقررات المفتوحة القائمة على المعلم xMOOCs .

ويتناول الفصل السابع من الكتاب نظرية التعلم التشاركية ( أو التعلم التشاركي عبر الإنترنت ) ، ويتطرق إلى جانب أساليب التعلم التشاركي عبر الإنترنت والتعليم عن بعد والعمليات الثلاث التي تشكل نظرية التعلم التشاركية وتطبيقاتها في التعلم ،  وأساليب التدريس وفقا للنظرية التشاركية عبر الإنترنت، ولعل أكثر ما أعجبني في هذا الفصل ما ذكرته الكاتبة من خصائص بيئات التعلم المستقبلية عبر الإنترنت ومعرضها لمفهوم الذكاء البشري المعزز.

في الفصل الثامن توسعت الكاتبة في توضيح ملامح النظرية التشاركية عبر الإنترنت ودروها في تشكيل ملامح بيئة التعلم عبر تطرقها لحياة الطالب عرضها لأربعة – مشاهد – أو حالات لطلاب في تعاملهم مع الإنترنت.

وجاء الفصل التاسعة بعنوان المشاهد التشاركية : مجتمعات الممارسة عبر الإنترنت ولعل أبرز ما فيه عرض الكاتبة لمفهوم مجتمعات الممارسة عبر الإنترنت وأمثلة لكيفية عملها ، وعرضها لبعض التجارب كالموسوعة الحرة Wikipedia  وشبكة المعلمين العالمية .

وفي الفصل العاشر تختم الكاتبة عملها بعض نظرتين الأولى لماشي وهي نظرة استنتاجية ، ونظرة للمستقل وهي نظرة استشرافية .

وقد وضع المترجم في نهاية العمل قائمة أو ثبت بالمصطلحات الواردة في الكتاب وهي إجراء موفق جدا نفتقده في عديد من الأعمال المترجمة.

في ختام مراجعتي أرى أهمية أن يكون هذا الكتاب في مكتبة كل باحث مهتم بمجال تصميم التعليم الإلكتروني ونظريات التعلم وعلاقتها بالتطبيقات التكنولوجية بشكل عام، ولا يفوتني شكر المترجم على هذا العمل الدقيق والمتميز والذي يظهر فيه مجهود المترجم في البعد عن الترجمة الحرفية والاستفادة من خبرته الكبيرة في توصيل المعنى قبل الحرص على المبنى.

عن د مصطفى جودت

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك بجامعة الملك سعود ، وجامعة حلوان مدير تطوير المحتوى الرقمي بجامعة الملك سعود
error: Content is protected !!
التخطي إلى شريط الأدوات